القاهرة 28 ابريل 2016 الساعة 01:23 م
تمر المجلات الثقافية العربية بأزمة طاحنة أدت إلى إعلان عدد منها عن توقفه مثل مجلة “دبى الثقافية” و”العربى الكويتية”، ومن سنوات توقفت نهائيا مجلة “الآداب البيروتية”، وهنا تتبادر مجموعة من الأسئلة حول مستقبل المجلات الثقافية فى الوطن العربي؟ وهل ذلك له أسبابه المرتبطة باللحظة الراهنة؟ أم أن المسألة مرتبطة بالجانب المادي؟
منذ سنوات صدر العدد الأخير من مجلة “الآداب البيروتية” والتى تأسست فى خمسينيات القرن الماضي، وكانت أحد أهم النوافذ الأدبية التى قدمت جيلي الخمسينيات والستينيات فى الوطن العربى أمثال صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطى حجازى ورجاء النقاش وجمال الغيطاني، وكان رئيس تحريرها د. سهيل إدريس مثقف عربى موسوعى يؤمن بفكر الاختلاف، والتجديد الثقافى فى الفكر والإبداع، فقدم التجارب الجديدة فى شعر التفعيلة أو ما كان يسمى بـ “حركة الشعر الحر”، فنشرت القصائد الأولى فى هذه التجربة لبدر شاكر السياب ونازك الملائكة والبياتى وصلاح عبدالصبور، والمقالات النقدية لأنور المعداوي، وهو أحد أهم النقاد المؤسسين لحركة التجديد، وقد ظلمته الحياة الثقافية كثيرا، ومع ذلك تتلمذ على يديه الكثيرون أبرزهم الناقد رجاء النقاش والذى ألف عنه بعد ذلك كتابا مهما هو “الرسائل المتبادلة بين أنور المعداوى وفدوى طوقان
بدايات التجديد
كانت الآداب البيروتية النافذة الثقافية الأبرز فى ذلك الوقت، وجاءت لتأخذ المكانة المميزة التى سبقتها إليها مجلة “الرسالة” لمحمود حسن الزيات فى فترة الأربعينيات، وقدمت النماذج الرفيعة فى الأدب والفكر والفلسفة وكان من كتابها سلامة موسى وطه حسين والعقاد ويحيى حقي.
وانشغلت “الرسالة” بالجدل الفكرى والرؤية التنويرية، والدفاع عن اللغة العربية والدعوة إلى تجديدها، ونشر الإبداعات الرصينة فى الشعر والقصة والمسرح لأدباء مثل على أحمد باكثير ونجيب محفوظ وعزيز أباظة وإبراهيم ناجي.
ثم جاءت مجلة “الطليعة” التى رأس تحريرها يحيى حقى وقدم من خلالها عشرات الأسماء فى الإبداع من أبناء جيلى الخمسينيات والستينيات، وكانت أكثر المجلات تمردا، ودعوة إلى الجديد فى الأدب والفن، وقدمت “الطليعة” أسماء بارزة فى الثقافة المصرية أمثال إبراهيم أصلان وأمل دنقل ويحيى الطاهر عبدالله، وإدوار الخراط ويوسف القعيد والغيطانى وعبدالرحمن الأبنودى ويوسف الشاروني، وكانت المجلة بها كثير من شخصية محررها صاحب “قنديل أم هاشم” ورحابته فى تبنى التجارب الجديدة، فكان بمثابة الأب الروحى لجيلى الخمسينيات والستينيات.
ثقافة متنوعة
فى تلك الفترة بدأت مجلة “العربي” الكويتية فى الصدور برئاسة تحرير عالم الكيمياء ورائدها فى العالم العربى د. أحمد زكي، ثم تولى تحريرها – بعد ذلك – الكاتب الصحفى الراحل أحمد بهاء الدين لعدة سنوات، وقدمت “العربي” نموذجا فريدا فى الثقافة المتنوعة، وفى مجالات مختلفة من المعرفة، واستكتبت مئات الكتاب من الوطن العربي، وكانت تطبع بكميات كبيرة تصل أحيانا إلى مائة ألف نسخة، وتباع بسعر زهيد للغاية وبطباعة أنيقة.
ثم تولى تحريرها عدد من المثقفين الكويتيين أمثال د. محمد الرميحى ود. سليمان العسكري، لكنها خلال العامين الماضيين شهدت تراجعا ملحوظا، وقلة عدد الأعمال الإبداعية، والاعتماد على الإبداع التقليدي، وعدم وجود دراسات معمقة كما كان فى السابق، وظهر جليا أن المجلة تعانى وتحتاج إلى تجديد حقيقى حتى تستعيد دورها المهم.
أما مجلة “دبى الثقافية” فقد استبشر الكثيرون بصدورها منذ أعوام قليلة، وقدمت عدة أعداد متميزة، وزاد من الإقبال عليها وجود كتاب هدية معها، زاد فى الفترة الأخيرة إلى كتابين، لكن كانت الكتب قوية فى البداية لأسماء كبيرة فى الشعر والرواية والنقد، ثم بدأ الضعف يسرى فى هذه الإصدارات، وبدأ التراجع رويدا رويدا، حتى تم الإعلان عن توقف المجلة فجأة.
إصدارات متعددة
وفى مصر توجد مجموعة من المطبوعات الثقافية المختلفة، فهناك مجلة “الهلال” وهى مجلة متنوعة تصدر منذ نهاية القرن التاسع عشر ومازالت تحافظ على خطها الملتزم منذ نشأتها وحتى الآن.
أما مجلة “إبداع” فقد بدأت قوية وقت أن كان يرأس تحريرها الناقد الراحل د. عبدالقادر القط، لكنها أخذت مسارا آخر وقت رئاسة تحرير الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى وقد اتخذت المجلة شكلا نخبويا، خاصة وأن الافتتاحية الأولى لحجازى كانت تؤكد على المسار الذى سارت عليه المجلة بعد ذلك وهى مجلة للنخبة وليست للصفوة والحرافيش
وزاد الأمر سوءا حين تحولت المجلة من مجلة “شهرية” إلى مجلة فصلية بعد أن ظهرت أرقام التوزيع وقتها أنها لا تبيع إلا عددا محدودا للغاية، ومازالت المجلة لم تتعاف حتى الآن، ولم تقترب من الحياة الثقافية ربما ميراثها هو الذى أدى إلى ذلك ومازال دور المجلة هامشيا، حيث لم تقدم شيئا للحياة الثقافية
وتحاول مجلة “الثقافة الجديدة” أن تنشر إبداعات أدباء الأقاليم، وتعتبر ذلك دورا رئيسيا لها
أما مجلة “أدب ونقد” وهى المجلة الوحيدة التى تصدر عن حزب سياسى فهى أكثر المجلات الثقافية المصرية انتظاما فى الصدور، رغم المعاناة الشديدة فى إصدارها فى فترات سابقة، وتمزج ما بين نشر الأعمال الإبداعية وتقديم خطاب فكرى تقدمي
وهناك أمر سلبى تعانى منه كل المطبوعات الثقافية فى مصر – رغم أهميتها جميعا كنوافذ ثقافية جادة – وهذا الشيء هو “التسويق” حيث لا يوجد تسويق للأعمال الثقافية نحن نحتاج لإدارة ناجحة فى التسويق فى كل مؤسسة، فبالتأكيد هناك جهد تحريرى فى هذه المجلات، التى وجودها من ضرورات الحياة الثقافية، فهى الوسائل الأساسية لاكتشاف المبدعين
"الأهالي"