القاهرة 21 ابريل 2016 الساعة 01:43 م
* يخطئ من يعتقد أن الثقافة موجودة فقط من خلال البرامج الثقافية مع كل تقديرنا لهذه البرامج التي يضعها المسئولون عن القنوات كلها علي الهامش. لكن هناك ثقافة أخري نكتشفها حين نتابع جيداً الأحوال العامة ونكتشف عن بعد ماذا يفعل أهل القمة وكيف يسلكون للتعبير عن مطالبهم. وبأي لغة يختارون الكلمات. وأي إيقاع يفضلون.. والمؤتمر الذي جمع الرئيس السيسي مع الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند منذ أيام كان أفضل مناسبة علي هذا المستوي لنعرف الكثير عن أساليب الحوار علي مستوي القمة. فقد حضر وفد من رجال الأعمال الفرنسيين مع رئيسهم لمقابلة نظرائهم المصريين والبحث عن فرص للاستثمار في مصر. وفي الجلسة التي نقلها التليفزيون المصري ونقلتها عنه قنوات عديدة. بدا واضحاً حرص الرئيس الضيف الشديد علي فتح فرص لرجاله في مصر. جاء حديثه عاطفياً بعض الشيء وواضحاً في تحديد أهدافه من الزيارة. ربما كان أكثر الرؤساء الأجانب الذين زاروا مصر صراحة في طرح رغبته في المشروعات الجديدة ببلدنا من خلال رجال أعماله الذين توالي صعود بعضهم إلي المنصة والحديث عبر الميكرفون. وللدرجة التي قال فيها أولاند إنهم يعرفون ـ أي الفرنسيين ـ أن مصر تبني مشروعها النووي للأغراض السلمية وأن لها شريكاً "يقصد روسيا" ولكنه يطمح في أن تكون فرنسا جزءاً من المشروع فلديها تجربة هامة في هذا المجال وليس هناك ما هو أكثر صراحة من هذا يقال عبر شاشات تنقله إلي ملايين المصريين والعرب والأجانب وهذا ما أراه جزءاً من ثقافة اليوم التي يصدرها لنا الآخرون عبر هذا السلوك الذي لا يضيع وقتاً طويلاً في المجاملات. ويبحث عن مصالحه بدون لف أو دوران ولا يهتم بمصارحة الآخر داخل الغرف المغلقة أو المفتوحة وربما جاءت هذه الزيارة وهذا الوفد الكبير من بلد كبري كفرنسا لتقلل من محاولات تجييش الجميع بسبب موضوع الباحث الإيطالي ريجيني صحيح أن مصر الدولة الكبري المحترمة لن تتستر علي قتلة ولكن هناك في الأفق الإعلامي الافتراضي أكثر من يريد التوقف عند حادثة أو اثنتين بدون النظر إلي الأمور الأخري وهو اتجاه غير عادل لأنه يختار واقعة أو اثنتين ويضحي بأمور ووقائع أخري في غاية الأهمية وتستحق أيضاً الاهتمام والرعاية ومنها علي سبيل المثال الواقعة التي سأذكرها في الفقرة التالية..
من الذي يوقف الخير للمصريين؟
* حين تقود مؤسسة مصرية مشروعاً للاستثمار في الثقافة والفنون في جنوب البحر المتوسط علي مدي 4 سنوات ثم يأتي من يعطلها حتي تفقد هذه الفرصة وبالتالي تخسر جهداً كبيراً بذلته في ابتكار هذا المشروع وتقديمه إلي مسابقة أعلن عنها الاتحاد الأوروبي عام 2014 ويتم اختيار المشروع ضمن ثلاثة مشروعات فقط من بين عشرات المشروعات المقدمة من كل دول العالم للحصول علي الدعم الأوروبي فماذا نقول عن هذا؟ ولماذا لا يتحرك الغاضبون من أجل مشروع يقدم 120 منحة للشباب لصناعة عشرين فيلماً طويلاً "روائي أو تسجيلي" وعشرة أفلام قصيرة وأعمال أخري تعرض عبر الإنترنت "روائية ووثائقية" وأيضاً عشرة مشروعات أخري ذات صلة بصناعة الأفلام مع إقامة دورات تدريبية وأربع ورش عمل لمن يريد الحصول علي هذه الفرص عامي 2016 و2017 وإقامة منتدي لهذه المشروعات وإطلاق قناة تليفزيونية علي الإنترنت لتشجيع جمهور المشاهدين علي رؤية هذه الأفلام والتفاعل معها.. هذا المشروع الطموح قامت به مؤسسة "نون" للثقافة والفنون التي يرأسها الكاتب والمخرج الكبير د.محمد كامل الغليوبي والذي أعلن أن أهميته ليست فقط في إعطاء هذه الفرص لأجيال جديدة من المبدعين لا تجد من يعطيها فرصة أو تمويلاً وإنما أيضاً لأنه سيؤكد علي الدور التنويري المصري في المنطقة العربية وأوروبا والعالم. ولكن للأسف الشديد فإن الاتحاد الأوروبي يهدد بسحب المشروع من مصر وتكليف بلد آخر لأن الطلب الذي قدمته المؤسسة المصرية المذكورة للموافقة علي المنحة لم تصدر الموافقة عليه حتي الآن من الأجهزة المعنية بالجمعيات الأهلية في مصر. عام بأكمله والطلب يرقد في أدراج هذه الأجهزة والمؤسسة تتلقي أسئلة الاتحاد الأوروبي حول بداية العمل في المشروع.. ولا أحد يجيبها. والغريب أن شركاء المؤسسة المصرية في هذا المشروع في الأردن وقبرص والمغرب والجزائر وبلجيكا كلهم تلقوا الموافقات من الأجهزة المعنية لديهم. وكلهم بدأ العمل فيما يخصهم إلا الجانب المصري الذي قاد المشروع من بدايته والآن تلقي الإنذار الأخير وإلا يصبح نهاية هذا الشهر هو نهاية علاقة المؤسسة بالمشروع وتذهب الأموال إلي بلد آخر لتساهم في دعم شباب آخر وعمل أفلام تعبر عن مجتمع آخر فهل هذا معقول؟ لقد احتجت المؤسسة التي تخضع للإشراف المباشر لوزارة التضامن وأرسلت استغاثة إلي رئيس الجمهورية وكافة الأجهزة الرقابية ضد العقبات التي تضعها بعض أجهزة الدولة ضد عملها وللمرة الأخيرة أقول هل هذا معقول؟ ومن الذي يوقف هذه المأساة ومن الذي يرفض حصول شباب مصر علي هذه الفرص.. من؟