القاهرة 05 ابريل 2016 الساعة 01:35 م
تتطور السينما العالمية من حولنا تطورات جذرية سريعة فكريا و تكنيكيا و بينما تتقهقر السينما المصرية بخطوات سريعة الى الاندثار تنمو و تثمر سينما لم نكن نأخذها على محمل الجد حتى عقدين مضا و منها السينما الهندية و التى رغم عراقتها و تاريخها الذى يعود الى أوائل القرن العشرين لم تكن تؤخذ على محمل الجد أو على الأقل ما وصلنا منها مثل الأفلام التى كانت تصور البطل و كأنه شمشون الجبار أو هرقل و الذى يصوره الفيلم يضرب عشرات من الأشخاص يفوقونه جميعا حجما و قوة و يتغلب على أعتى الحيوانات المتوحشة ثم يعود ليخلص حبيبته بمعجزات ان صح التعبير و ينتهى الفيلم
النهاية السعيدة " اياها " .
و فى فترة السبعينات فى وقت كانت فيه السينما المصرية ما تزال فى عنفوانها لم تحتل تلك الأفلام التجارية مساحة هامة فى الوسط السينمائى المصرى ووصمت السينما الهندية بانها سينما الخيال التجارى الذى يجسد القوة و البطولة المطلقة على حساب الواقعية و كان بطل الفيلم يبدو فى صورة الرجل الكامل فهو مغوار شجاع نبيل عظيم رائع خرافى و كانت تلك السينما تجسد المرأة الهندية على انها رمز الوفاء و الاخلاص و التضحية قهى الحبيبة الوفية التى تظل على عهدها لحبيبها باقية حتى و ان كان " عضم فى قفة " على حد تعبيرنا الدارج و هو تجسيد للاسطورة الايزيسية " نسبة الى ايزيس " و التى اعتنقتها كافة الحضارات القديمة بأساليب مختلفة لتعظيم قيمة الوفاء و الاخلاص .
و الحقيقة فان أحد المتغيرات الأساسية فى السينما الهندية هى صورة المرأة التى تتغير بقوة و سرعة ،و ترتسم بوضوح، رغم أن الهند تعانى أيضا من الفقر و الجهل ،و لكنها على رغم ذلك تقدمت فى مجال الطب و الذرة، و تكنولوجيا المعلومات ،و البرمجيات بخطوات هائلة. غير انها أيضا أصبحت تملك صناعة للسينما هائلة الحجم، تمثلت فى " بوليوود " ،و الاسم لا يدل على مكان فعلى كمدينة السينما الأمريكية " هوليوود " ،و التى تقع بالقرب من مدينة لوس انجلس الواقعة بولاية كاليفورنيا ، و لكن "بوليوود" هى كلمة تشير الى صناعة السينما فى مدينة بومباى ،و التى صارت تعرف الأن باسم " مومباى " و هوليوود مدينة صناعة السينما الأمريكية العريقة .
و مع تطور صناعة السينما فى الهند، لم تعد صورة " سوتى " المرأة الهندية قليلة الحيلة ،التى لا تملك سوى الحب و الانتظار، تلائم الفكر الانسانى أو السينمائى على حد سواء ،و الذى صار سائدا فى العالم، نحو نظرة متطورة للمرأة على كافة الأصعدة، و فى جميع المجالات. و صارت " سوتى " الهندية التى يلفها السحر و الغموض، و تحاك الأساطير عن حبها ووفائها لزوجها ،كادر سينمائى قديم بالأبيض و الأسود، لا يلائم ثورة الألوان التى صارت تصبغ الألفية الثانية بألوان صارخة، جرئية، عكس الألوان الخجولة الباهتة، التى كان تصطبغ بها السينما الكلاسيكية. و مع الايقاع السريع القوى للألفية الثانية ،كان يجب على سوتى لا أن تختفى ،و لكن كان لزاما عليها أن تتطور، لتخلق مزيجا متوازنا من الرومانسية، و الجرأة و الحرية. فلم يكن ممكنا أن تختفى سوتى، ليأتى بدلا منها مخلوقة عملية عنيفة، بلا عاطفة، بل كان يجب أن تبقى سوتى تحت بنطلون من الجينز و تيشرت بعد ان تخلع السارى، الذى لم يعد مناسبا للعصر .و فى جولة خاطفة فى أروقة السينما الهندية، التى تتميز بغزارة هائلة ،و ضخامة فى الانتاج تثير الدهشة و
الاعجاب، فى الوقت نفسه. نستعرض "سوتى " فى صورتها الجديدة و فى زيها العصرى .
الفيلم الرومانسى الاجتماعى " kabhi alvida naa kehna " و اسم الفيلم باللغة الهندية يعنى " لا تقل وداعا أبدا ". و الفيلم تقوم ببطولته النسائية النجمتان " رانى موخرجى ، بريتى زينتا " .و يقوم ببطولته من الرجال نجم الهند الكبير " أميتاب باتشان "، و النجم " شاروخان " .و الفيلم من اخراجالمخرج و كاتب السيناريو " كاران جوهار " ،و قد تم عرضه عام 2006 فى الهند، و الولايات المتحدة.
و فى الحقيقة فانه كما تغيرت " سوتى "، تغيرت أيضا السينما الهندية فى فكرها عن الواقعية، ففيلم " لا تقل وداعا أبدا " يعطينا ذلك الدليل على التغيير، و ان كانت بعض المشاهد تنقصها المنطقية ،الا أن هذا ليس دليلا على نبذ الفيلم للواقعية لأنها مشاهد ثانوية لا تمس صلب الحبكة الدرامية للقصة. و فى الحقيقة فان الفيلم يقوم على فكرة رومانسية أخاذة و هى " انك لا تبحث عن الحب ، و لكن الحب هو الذى يجدك " ،و هو تصوير للحب بصورة قدرية، يتجلى فى أحداث الفيلم حملنى على متابعة تطورات الحبكة الرومانسية الممتعة، على مدى أكثر من ثلاث ساعات تخللتها بالطبع بعض الاستعراضات، و هو شئ لا بد منه، فالاستعراض فى السينما الهندية، مثل الرقص الشرقى فى السينما المصرية "مقدر و مكتوب" .
تقع أحداث الفيلم فى الولايات المتحدة الأمريكية، و تدور حول "ديف " لاعب الكرة المشهور " شاروخان "،و المتزوج من زميلة دراسته " ريا " ،التى تشغل و ظيفة مرموقة فى مجلة أزياء شهيرة " بريتى زينتا "، و تقوده الصدفة الى حيث تعمل والدته فى اعداد حفل زفاف ،و بينما يسير فى حديقة منزل العريس، يقابل العروس "مايا" ، "رانى موخرجى "، جالسة بمفردها فى مكان بعيد عن حفل الزفاف، و هى فى حالة من الضيق و الاكتئاب، لانها لا تحب العريس المنتظر. و يدور بينهما حوارينصحها فيه ديف أن تتزوج من عريسها، و تحاول أن تعيش معه حياة سعيدة رغم انها لا تحبه، بدلا من انتظار حب قد لا يأتى أبدا . و يقص عليها قصة زواجه المماثلة، فهو أيضا تزوج من "ريا" ،رغم انه لا يحبها، و لكن صداقة الدراسة التى جمعت بينهما لأعوام، جعلته يختارها زوجة له .و ينتهى الحوار بينهما باقتناع مايا باتمام الزواج " و بينما يودعها ديف تقول له " لا تقل ابدا وداعا ، فكلمة وداعا
تقتل أمل اللقاء الثانى " و يتركها ديف و يمضى كل منهما فى سبيله .
و لكن بينما ديف يغادر مكان الحفل، تقع له حادثة تصاب فيها قدمه لتنتهى حياته كلاعب كرة قدم ،و يبدأ حياة جديدة يعيش فيها على هامش نجاح زوجته المتصاعد ،بينما يعمل هو عملا بسيطا، كمدرب كرة قدم لفرق أطفال مدرسية، يكون من ضمنها ولده، الذى يصب عليه فشله و احباطه. و لكنه بعد 3 سنوات يلتقى بمايا فى احد المولات التجارية، فى مصادفة كوميدية ،و يدور بينهما حديث يقص فيه كل منهما على الأخر، ما حدث فى حياته. فمايا تزوجت من رجل لم تستطع أن تشعر معه بالحب و السعادة، و ديف انقلب الى شخص يائس محبط ،يعيش على هامش زوجته الناجحة، و يؤدى ذلك اللقاء الى قيام صداقة بين الأسرتين، تتعدد بسببها لقاءات ديف و مايا، و فى البداية تصطبغ تلك اللقاءات بصبغة الصداقة، و يحاول كل منهما ارشاد الأخر لحل مشاكله الزوجية .
بينما تتعدد لقائتهما ،يتسلل الحب من خلف الصداقة ليملآ قلبيهما، و يصير الاثنان فى مفترق طرق، هل يهدمان زواجهما من أجل الحب، الذى وجداه
أخيرا ،أم يكون ذلك الحب و الأوقات السعيدة، التى قضياها سويا وقودا، يدفعهما لاستكمال حياتهما الزوجية .و بينما يختاران الحل الأخير، بأن يدفنا حبهما و يبدأن حياة جديدة مع ازواجهما، فيقران بخطأهما و يطلبان صفح شريك الحياة، يأبى الحب أن يموت. فشريكى الحياة على عكس ما توقع الحبيبان، لا يصفحان عن خطيئة زوجيهما ،و تنتهى العلاقة الزوجية فى الأسرتين، و لكن مسيرة الحب لا تنتهى فتكون له قصة أخيرة.
يخجل الحبيبان من مكاشفة بعضهما البعض ،بانتهاء حياتهما الزوجية، و يمضى كل منهما فى طريقه يجتر ذكريات حبه الضائع، و كل منهما لا يعلم بطلاق الطرف الأخر .و تمضى 3 سنوات على تلك النهاية المأساوية، و لكن الحبيبان يلتقيان مجددا، حينما يتزوج طليق " مايا " للمرة الثانية ،و فى حفل الزواج تلتقى مايا بريا طليقة ديف ،التى تخبرها بأنهما تطلقا منذ 3 سنوات، و أن ديف سيغادر نيويورك الى كندا بالقطار بعد دقائق معدودة، فتذهب مايا الى محطة القطار، فيراها ديف الذى يظن أنها مازالت زوجة ، و يستمر فى الهرب منها، و يتحرك القطار حاملا معه ديف، بينما تقف مايا على رصيف القطار تبكى حبها الهارب ، و تأتى النهاية السعيدة عندما لا يستطيع ديف مقاومة عواطفه، فيقفز من القطار و يجتمع شمل الحبيبين مجددا .
و فى تعليق أخير، يظهر لنا الفيلم صورة المرأة الهندية العصرية، التى صارت تقتحم مجالات العمل المختلفة، بل صارت هى التى تعيل الأسرة، و تتخذ القرارات و هى الصورة التى جسدتها " ريا " زوجة ديف بطل الفيلم، و حتى تكتمل الصورة فهى تظهر فى صورة المرأة القوية الحاسمة، و التى رغم حبها الشديد لزوجها ترفض الصفح عنه، عندما يصارحها بحبه لمايا، و تقرر بقرار فردى منها، انهاء علاقة الزواج بينها و بين ديف، بل و طرده أيضا من المنزل و من حياتها . و لكن على شكل أخر للمرأة الهندية تتجلى فيه " سوتى " تحت الملابس الحديثة، تقوم " رانى موخرجى " باداء شخصية "مايا " بصورة رومانسية ناعمة ،تحدث توازنا فى الفيلم مع شخصية ريا القوية العملية، و التى لا تسمح لعواطفها أن ترسم لها طريق الحياة ،بينما تسير مايا تتبع درب الحب، رغم انها أيضا تستقل بحياتها عن زوجها فتجد عملا ،و مسكنا خاصا ،و تقيم لنفسها حياة مستقلة. و رغم قناعتى بأن شخصية "سوتى " لم تعد مناسبة للعصر، الا أنها رغم كل شئ، خرجت من زيها الحديث و لمستنى فى النهاية .