القاهرة 11 فبراير 2016 الساعة 01:23 م
اثنان يصران علي أن يفقدا ما قد يكون تبقي لهما من احترام لدي المصريين: الرئيس المعزول محمد مرسي. والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
الأول. مازال حتي آخر جلسة في محاكمته في قضية التخابر هذا الأسبوع. يرفض المحاكمة. ويردد من داخل القفص: "أنا رئيس المصريين".
وقد انتخبه المصريون بالفعل ليكون رئيسهم. لكنه علي مدي عام كامل من وجوده بالمنصب لم يثبت أبداً أنه رئيس لكل المصريين. بل حرص علي أن يكون فقط رئيساً لأهله وعشيرته من الإخوان المسلمين الذين تحولوا بعد ذلك إلي الإخوان الإرهابيين.
لقد تفرغ طوال 365 يوماً قضاها في الحكم. لمهمة واحدة كلفه بها مكتب إرشاد الجماعة الذي كان الحاكم الفعلي لمصر. وهي زرع قيادات الجماعة في كل مفاصل وأجهزة ومؤسسات الدولة السيادية وغير السيادية. حتي أنه نسي وعده للمصريين بإنهاء مشكلاتهم مع الخبز والطاقة والأمن والنظافة والمرور خلال مائة يوم. فلم ينجز منها شيئاً خلال عام كامل. ولذلك حق للمصريين أن يثوروا عليه. ويطيحوا به وبجماعته.
أما الثاني.. أردوغان. فأمره شديد الغرابة. وقد كتبت عنه الأسبوع الماضي. لكني مضطر أن أعيد الإشارة إلي موقفه من مصر بعد أن كرر تصريحاته الغريبة عنها.
الواضح أن الاثنين: مرسي وأردوغان. يشتركان في صفة واحدة. وهي عدم الإحساس بالكرامة والإصرار علي فرض نفسيهما علي بلد وشعب يرفضهما.. هل هي عيب خلقي فيمَن ينتمون للجماعة؟!
قد يمكن تفهم أسباب ذلك لدي الدكتور مرسي. فهو في النهاية مصري.. لكن لا يمكن قبوله من أردوغان.
لقد تحدث الرئيس التركي عن "شروطه" لعودة العلاقات الطبيعية مع مصر. ومن بين هذه الشروط عودة "مرسي" للرئاسة.
ويبدو أن الرئيس التركي يعاني من حالة من "الحول" السياسي.. فهو يتلقي الإهانات كل يوم من روسيا ورئيسها "بوتين". منذ إسقاط تركيا للطائرة العسكرية الروسية في الأراضي السورية. فلا يرد عليها. وإنما يطلق. بدلاً من ذلك. التصريحات ضد مصر.
إن آخر ما وصلت إليه العلاقات الروسية التركية. ما أعلنه السفير الروسي في أنقرة أول أمس من أنه لا جدوي من عقد قمة روسية تركية. ما لم تستجب تركيا لثلاثة شروط روسية هي:
الاعتذار عن حادث إسقاط الطائرة.. ومعاقبة المسئولين عنه.. ودفع التعويضات اللازمة.
ومن حق روسيا وقيادتها أن تفرض ما تشاء من الشروط. لأن أردوغان هو من يتهافت علناً علي لقاء بوتين منذ إسقاط الطائرة الروسية. وهو من يكرر محاولاته الاتصال بالرئيس الروسي هاتفياً فلا يرد الأخير عليه. وهو من ورَّط نفسه وبلاده في مشكلة معقدة. ويطلب إخراجه منها.
لكن.. ما الذي يستند إليه أردوغان عندما ينتزع لنفسه حق وضع شروط لإعادة العلاقات مع مصر إلي طبيعتها.
إن المفروض أن ما يعلنه أردوغان هو "رد" علي "طلب" تلقاه.. فهل لديه طلب من القيادة المصرية الحالية يناشده الاعتراف بها. لأنها لن تكتمل لها الشرعية الداخلية أو الإقليمية أو العالمية إلا بمباركته لها وموافقته عليها؟!
هل يملك أردوغان مايثبت أن مصر الرسمية. أو مصر الشعبية تبذل مساعي أو جهوداً. سواء مباشرة أو من خلال وسطاء لكي تستعيد علاقاتها الطبيعية مع بلاده؟!
إن كان لديه ما يثبت.. فلماذا لا يعلنه؟!.. وإذا كان لا أحد في مصر الرسمية أو الشعبية يعيره أي اهتمام أو يسعي للتواصل معه.. فلماذا لا يحفظ البقية الباقية من ماء وجه. ويصون كرامته وكرامة بلاده. ويرد. لو كانت لديه شجاعة القادة الرجال. علي شروط روسيا وقيادتها. بدلاً من هذا التداعي الممل علي مصر والمصريين؟!
لقد كان هناك كثيرون في مصر والعالم العربي معجبون بشخصية أردوغان ومواقفه وتجربة حزبه في الحكم.. كان ذلك خلال السنوات الأولي من التجربة.. أما الآن. وبعد أن وضع يده في يد الإرهاب. وتضخمت ذاته وتنامت أطماعه الإقليمية. وتراجعت في الوقت نفسه قوة دفع البدايات في تجربته التركية. فإنه يفقد كل يوم أرضاً جديدة. ويستنزف رصيده ورصيد بلاده لدي شعوب وقادة المنطقة. وليس لدي مصر وقيادتها فقط.
* * *
هذا يقود إلي موضوع آخر في منتهي الأهمية. وهو إعلان المملكة العربية السعودية استعدادها للتدخل العسكري البري في الحرب الدائرة الآن في سوريا. وذلك بمشاركة تركيا. والترحيب الأمريكي بالقرار السعودي فور إعلانه.
أهل مكة ــ كما يقولون ــ أدري بشعابها. ولذلك فعندما يتخذون قراراً علي هذا المستوي. فلابد أنه خضع لدراسة عميقة ووافية من كل جوانبه. سواء في الداخل. أو مع الحلفاء والشركاء. ومن المنتظر أن تتواصل هذه الدراسة من خلال مشاركة وزير الدفاع السعودي في اجتماع قادة حلف الأطلنطي في بروكسل.
والمعروف لنا. وللعالم كله. أن للسعودية موقفاً محدداً ضد النظام السوري وقيادته. متمثلة في الرئيس بشار الأسد.. وهذا الموقف يتلخص في جملة واحدة: إسقاط الأسد هو الطريق الوحيد للقضاء علي داعش.
والسعودية تتبني فصائل من المعارضة السورية. وتدربها وتسلحها وتمولها كجزء من خطتها لتحقيق هذا الهدف.. هذا معروف أيضاً لنا وللعالم لأنه سياسة "رسمية" معلنة للمملكة.
ومعني قرار السعودية بالتدخل العسكري البري بنفسها. هو فشل الخطة "أ" وهي الاعتماد علي المعارضة السورية وحدها. أو حتي بالتعاون مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في إسقاط الأسد.
سؤال: ما الذي يضمن نجاح الخطة "ب" وهي التدخل البري السعودي في تحقيق ما فشلت فيه المعارضة والتحالف الدولي؟!
وإذا ما فشل التدخل البري في إسقاط الأسد.. فما هي تبعات هذا الفشل التي من المحتمل أن ترتد إلي السعودية داخلياً أو خارجياً. وهي حليف لنا. نحرص علي استقراره. والحفاظ علي قوته؟!
ثم.. ماذا لو تم إسقاط الأسد. ولم يتم النجاح في فرض الصيغة البديلة التي تريدها المملكة. نتيجة تعدد للاعبين وتقاطع مصالحهم. سواء الإقليميين أو الدوليين وفي مقدمتهم إيران وروسيا.. بل وتركيا نفسها؟!
إن المسألة غاية في التعقيد. وليست بالسهولة التي يمكن تصور حسمها بالتدخل العسكري البري. أو غيره.. وأظن أن تجربة التدخل في اليمن ــ ومشكلته أقل تعقيداً ــ نسبيا ــ من سوريا تؤكد ذلك علي أرض الواقع. وبوضوح.
والترحيب الأمريكي الفوري بالقرار السعودي طبيعي ومتوقع.. فلطالما تاقت أمريكا. إلي أن يتولي العرب والمسلمون قتال بعضهم البعض. وأن يقضوا بأنفسهم علي أنفسهم. بأسلحتها. وأموالهم.
فهي تلح ــ رسمياً ــ ومنذ شهور علي أن القضاء علي داعش لن يتحقق بالضربات الجوية وحدها. أمريكية كانت أم روسية.
وأنه لابد من توفير مائة ألف جندي من قوات برية في تدخل عسكري لحسم الموقف.
وأنه لا أحد يملك ذلك في المنطقة سوي دولتين هما: مصر والسعودية.
وما يجري الآن علي الأرض..
وما سيجري مستقبلاً بالتدخل البري. ليس قضاءً علي داعش. وإنما مطاردة لها. لتنتقل كالوباء من أرض إلي أرض.. وينتقل وراءها التدخل الأجنبي بدعوي القضاء عليها.
ذلك ما جري من قبل مع تنظيم "القاعدة" وما يجري وسيجري مع "داعش".
هذه التنظيمات ليست إلا "رأس حربة" للتدخل الأجنبي.. ووجودها في أرض. وانتقالها إلي أخري. يرسم مسار التقسيم الجديد المطلوب للشرق الأوسط.
ثم يبقي سؤال أخير: هل تتفق أهداف المملكة العربية السعودية في سوريا مع أهداف أردوغان. الذي يدعم "داعش" ويخطط للتخلص من قضية الأكراد ودولتهم المطلوبة. وتصديرها إلي سوريا والعراق؟!
إن أردوغان لا يعترف بشرعية القيادة المصرية الحالية.. والسعودية ــ الحليف الدائم لمصر ــ لا تعترف بشرعية القيادة السورية الحالية.. ما هي الأرضية المشتركة التي يمكن أن يلتقي عليها الطرفان؟!