القاهرة 10 فبراير 2016 الساعة 02:43 م
لم تخرج مصر بعد من أسر «الليبرالية الجديدة» فى سياساتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية. مازال الاهتمام مركزاً
على خفض الإنفاق العام وفرض مزيد من الضرائب والرسوم لتقليل العجز فى موازنة الدولة، أكثر من زيادة الناتج المحلى الإجمالى عبر عملية تنمية حقيقية.
ولا يمكن لمثل هذه التنمية أن تتحقق فى بلاد كثيفة السكان إلا إذا كانت قاعدية، أى تعتمد على قاعدة عريضة جداً من المشاريع التى لا يمكن بالتالى إلا أن يكون معظمها صغيراً ومتناهى الصغر، وبعضها متوسط وكبير. وفى غياب هذا المفهوم للتنمية، لا يجد صانع السياسة الاقتصادية ما يفعله إلا اللجوء إلى
الأدوات المالية التقليدية عبر فرض ضرائب ورسوم جديدة أو زيادتها، كما حدث مؤخراً بشأن الضريبة الجمركية على ما أُطلق عليه سلع ترفيهية أو «استفزازية»، بعد زيادة أسعار الطاقة الى اقصى مستوى.
ويحاول صانع السياسة الاقتصادية فى الوقت نفسه تخفيف الآثار السلبية لهذه الإجراءات «الليبرالية الجديدة» على بعض الفئات الأكثر ضعفاً، من خلال تقديم إعانات أو منح تحت مسميات مختلفة.
وفضلاً عن الحلقة المفرغة التى ينطوى عليها هذا المنهج، حيث تؤدى الإجراءات التى تطحن الفئات الأكثر فقراً إلى توسع فى «سياسة المنحة»، مما يفرض المزيد من تلك الإجراءات، لا ينبغى أن نستهين بما تنطوى عليه هذه السياسة من مساس بكرامة مواطنين يُفترض أن يعيشوا من عملهم وليس من إعانات تُمنح لهم. فالعمل يمثل قيمة فى حد ذاته، وبالتالى ينبغى أن يكون غاية وليس مجرد وسيلة للحصول على أجر.
ولا ينبغى إغفال أن عدد سكان مصر يقترب من المائة مليون وأن «الحلقة المفرغة» المترتبة على منهج «الليبرالية الجديدة» ستؤدى إلى نتائج وخيمة. ولذلك فقد حان وقت الخروج من أسر هذا المنهج، الذى تسعى شركات عملاقة ومؤسسات دولية نقترض منها إلى إدامته حتى على سياسات الإغاثة الإنسانية فى البلاد المنكوبة كما هو الحال فى سوريا.
فلم يكن على جدول أعمال «مؤتمر المانحين» الذى عُقد فى لندن الخميس الماضى لجمع أموال للاجئين السوريين إلا «سياسة المنحة» التى تحكم عقلية من نظموه. فما يحتاجه هؤلاء اللاجئون هو إقامة مشاريع صغيرة فى المناطق التى تتركز فيها أعداد كبيرة منهم، وخاصة فى لبنان والأردن وتركيا، لأن المساعدات ستنفد والمعاناة ستبقى.