القاهرة 07 فبراير 2016 الساعة 01:25 م
?
حوار وترجمة عن الصينية:مي عاشور
أعتز كثيرًا بهذه القصة،? ?وأعتبرها واحدة من أهم التجارب التي خضتها في مجال الترجمة?. ?هذه القصة ترجمتها ضمن فعاليات مسابقة الصين الدولية للترجمة؛? ?والتي أقامتها الصين العام الماضي،? ?ولكن لم يحالفني الحظ بالفوز هذه المرة،? ?ولكن أعتبر نفسي فزت بمكسب أضخم بكثير? ?مما كنت سأفوز? ?به،? ?وهو أنني استطعت التواصل مع الكاتبة لو مين مؤلفة هذه القصة،? ?وعندما أخبرتها في بداية محادثتنا أنني شاركت بترجمة? ?قصتها في مسابقة الترجمة،? ?دون أن أدري كيف ستكون النتيجة،? ?ردت قائلة?:" ?النتيجة لا تهم،? ?ولكن المرحلة هي الأهم?". ?وذلك جعلني أتمسك أكثر بنشرها،? ?بعد أن منحتني حق ذلك?. ?لو مين،? ?تعد من طليعة? ?الكتاب الشباب في الصين?. ?من مواليد السبعينيات?. ?نشأت في الريف الصيني،? ?من أم تعمل مدرسة،? ?وأب يعمل مهندساً?. ?بدأت حياتها العملية في الثامنة عشرة من عمرها،? ?وقد عملت بعدة وظائف مختلفة?: ?موظفة بمكتب بريد،? ?سكرتيرة،? ?مخططة مشروعات،? ?صحفية،? ?وموظفة في القطاع العام،? ?وغيرها من الأعمال الأخري?. ?بدأت لو مين مشوارها الأدبي عام? ?1999،? ?ونُشر لها العديد من المجموعات القصصية القصيرة? :"?تسعة أنواع من الحزن?"?،? "?ذكريات من تشين چو?"?،? "?أب علي الحائط?"?،? "?عين الكاميرا?"?،? ?و"المأدبة?" ?وغيرها?. ?كما أن لها روايات متعددة أيضًا،? ?من ضمنها?:" ?عشاء لستة أشخاص?"?،? ?مشاعر? ?غير قابلة للإرسال?" ?وغيرها?.?
حصلت لو مين علي العديد من الجوائز الأدبية?: ?جائزة لو شوين،? ?جائزة چوانغ? ?چونغ،? ?جائزة الشعب،? ?جائزة الكتاب الصينيين،? ?جائزة الرواية الصينية التي تُمنح كل عامين،? ?وجائزة الرواية المفضلة لدي القُراء? "?مجموعة روايات مختارة?"?،? ?وجائزة باي خوا والتي تمنح? "?للقصص تُنشر? ?شهريًا في الصحف?".?
? ?وتم اختيار أعمالها،? ?ضمن أفضل? ?20? ?عملاً? ?أدبياً? ?من قبل? "?أدب الشعب?"?،? ?والتي تعد? ?واحدة من أضخم المجلات? ?ودور النشر الأدبية في الصين،? ?ترجمت أعمالها إلي عدة لغات منها?: ?الألمانية،? ?الفرنسية،? ?اليابنية،? ?الروسية والإنجليزية, وقد قمت بمحاورتها مباشرة حول قصتها? "?موت شيه بوه ماو?" ?وتطرقنا كذلك لرؤيتها حول تأثير النشر الألكتروني علي صناعة الكتاب الورقي?.?
قصة? "?موت شيه بوه ماو?" ?فيها فكرة جديدة ومبتكرة،? ?فكيف لاحت إليك؟
أعيش? ?في مدينة نان تچينغ،? ?وهي مدينة عريقة يرجع تاريخها إلي? ?2500? ?سنة،? ?اتخذتها العديد من الأسر الحاكمة? ?في الصين? ?عاصمة لها علي مدي التاريخ الطويل،? ?فيمكن تصور التغيير الكبير? ?الذي طرأ علي المدينة? ?بعد مرور سنوات عديدة علي عصور الأسر الحاكمة،? ?في شكل? ?شوارعها،? ?ملامحها،? ?مبانيها،? ?ومناظرها الطبيعية،? ?ولكن في نفس الوقت يمكننا أن نلمس بوضوح ما حفره التاريخ وتركه? ?من آثار? ?فيها،? ?الأمر أشبه? ?برجل مسن امتلأ وجهه بالتجاعيد وشاب شعره،? ?لديه الكثير? ?من? ?الكلام ليقوله? ?،? ?ولكنه يظل صامتًا لا يتفوه به?. ?إن عراقة التاريخ تعطي هيبة لمثل هذه الأماكن وتجعل الإنسان يقف خاشعًا أمامها?. ?أنا متأكدة أن بمصر أيضًا? ?مدن مثل? ?مدينة نان تچينغ?.?
أتذكر ذات يوم،? ?أنني كنت أسير في الجزء الجنوبي? ?للمدينة القديمة،? ?وهو يعد? ?أقدم جزء بمدينة نان تچينغ? ?كلها،? ?به العديد من الأزقة،? ?وباحات البيوت القديمة،? ?عندما دخلت إليها وجدت ناسا قليلين،? ?ووحيدين منعزلين،? ?امتلأ? ?قلبي بمشاعر كثيرة متضاربة،? ?تذكرت الأشياء التي تلاشت من المدينة،? ?وتذكرت مآسي الحياة،? ?فجأة طاق قلبي? ?شوقًا إلي أن يكون عندي? ?صديق مختلف ومقرب إلي،? ?أصرح له بكل? ?ما يجول بخاطري من أفكار ومشاعر?!?،? ?فكانت? ?هذه? ?الشرارة الأولي لفكرة لقصة،? ?وعندما عدت إلي منزلي،? ?أمسكت بقلمي،? ?وبدأت في كتابة قصة?:" ?موت شيه بوه ماو?".?
لذلك فإن القصة مكتوبة بشكل مختلف وخاص بعض الشيء،? ?فنجد أن في القصة سببين? ?لتعذر وصول جميع الخطابات التي يرسلها بطل القصة?: ?السبب الأول هو أن مستلم الجواب شخصية وهمية لا وجود لها في الواقع،? ?اخترعها? ?بطل القصة،? ?بدافع رغبة شديدة في قلبه لإيجاد صديق،? ?أما السبب الثاني هو أن العناوين التي يرسل? ?إليها الجوابات حقيقية ولكنها لم تعد موجودة،? ?لأنها عناوين? ?قديمة جدًا يرجع تاريخها إلي? ?2000? ?عام?. ?فقد تغيرت أسماء الأماكن والشوارع،? ?وبالتالي باتت عناوين المرسل إليه الخطابات مستحيلة الوصول إليها؛ لأنه ببساطة قد? ?طواها? ?الزمن?.?
?> ?هل الشخصيات? ?الموجودة في قصة? "?موت شيه بوه ماو?"?،? ?هي شخصيات حقيقية ؟? ?
عملت في مكتب بريد لمدة? ?15? ?عاما،? ?وقد تركت هذه التجربة? ?ذكريات خاصة بعض الشيء?. ?اتذكر أنه كان هناك ساعي بريد مشهوراً? ?جدًا،? ?يظهر باستمرار في الصحف ووسائل الإعلام؛? ?لأنه كان بارعًا في توصيل الخطابات? ?التي يتعذر وصولها،? ?أو الخطابات ذات العناوين خاطئة،? ?أو التي تغيرت العناوين المرسلة إليها أو حتي الخطابات الضائعة?. ?كان لديه? ?خبرة كبيرة في ذلك العمل،? ?وقد? ?قمت بإجراء حوار خاص معه? ?،? ?واتذكر أنه قام? ?باخراج عشرات الدفاتر الصغيرة،? ?والتي? ?دون فيها جميع أرقام الهواتف،? ?أسماء الأشخاص والعناوين الخاصة بكل خطاب نجح في توصيله?. ?ما جعلني أتخذ انطباعا عميقا عنه،? ?ليست دفاتره المفصلة الدقيقة،? ?ولكن كبرياؤه واعتزازه بنفسه،? ?وتفانيه في عمله،? ?وفي البحث عن الخطابات التي تعذر وصولها إلي أصحابها،? ?وحله للمشكلات التي تسببت في ذلك?. ?جعلني هذا أتأثر كثيرًا،? ?وحينها سيطرت علي رغبة كبيرة في الكتابة عن هذا الرجل الذي? ?تحول فيما بعد? ?إلي شخصية? ?لي? ?فو ساعي البريد الموجود بالقصة?. ?
أما الشخصية الأخري? ?وهو? ?تشين إيي شين،? ?وهو? ?ليست شخصية واقعية،? ?ولكن يمكننا أن نقول إنه يمثل عددا كبيرا من الناس؛? ?فعدد لا بأس به من هم? ?حولي،? ?وربما من حولكِ? ?أيضًا يشبهونه كثيرًا،? ?إن? ?الحياة الاجتماعية صارت صاخبة? ?،? ?وأصبح الناس? ?يتواصلون? ?عبر البريد الإلكتروني،? ?المدونات،? ?وبرامج الدردشة المختلفة،? ?يتركون تعليقاتهم ورسائلهم،? ?ولكن مع كل ذلك تظل? ?قلوبهم خاوية،? ?بها شعور? ?قاسي بالوحدة،? ?وصدورهم مثقلة بكلام لا تنطق به ألسنتهم،? ?ولا توجد مساحة لقوله?. ?فنجد أن تشين إيي شين? ?كان يريد? ?إيجاد? ?صديق يحكي له عن كل شيء? ... ?فدفعه يأسه? ?إلي اختراع? ?صديق وهمي من خياله،? ?يكتب إليه الخطابات? ?بشكل مستمر?. ?ولكن? ?لماذا كانت جميع الخطابات التي? ?يرسلها فارغة خالية من الكلام إذًا؟؛ لأنه? ?علي الرغم? ?أن لديه الكثير? ?لقوله،? ?إلا أنه فقد المقدرة? ?علي التعبير والإفصاح عما بداخله،? ?فلم يعد يعرف كيف يتحدث إلي صديق في مواضيع شتي ويخبره عن الأشياء التي يضيق? ?صدره بها?. ?
?> ?قصة? "?موت شيه بوه ماو?" ?ليست مجرد قصة،? ?ولكنها? ?تحمل رسالة? ?عميقة بين سطورها،? ?فما هي تلك الرسالة التي أردت? ?توصليها? ?إلي قرائك من خلالها؟? ?
هاهاها،? ?في الحقيقة لا أرغب كثيرًا في الإجابة عن هذا السؤال?. ?فالأمر أشبه بأنك قمت برسم لوحة،? ?ولم تكن تجريدية أو حديثة،? ?بل كانت? ?غاية في الوضوح،? ?بها تفاصيل واضحة?. ?مثلا? ?أشخاص ومناظر طبيعية،? ?يستطيع من يراها أن يلمس بوضوح مضمونها،? ?ولكن ما يشعر? ?به أو? ?ما يستدعيه? ?ذهنه من? ?أفكار? ?عند رؤيتها،? ?يكون شيئاً? ?متغيرا? ?غير ثابت لا يمكن تحديده؛ لأن? ?لكل شخص? ?ردود أفعال،? ?مشاعر وأحاسيس خاصة به تختلف عن? ?غيره?. ?
بالطبع هناك شيء أريد قوله من خلال القصة،? ?ولكنني أظن أنه من الأفضل عدم التحدث عنه،? ?وأري? ?أن نقلي? ?لبعض? ?تعليقات القراء بعد انتهائهم من قراءة القصة سيكون أفضل?: ?هناك قاريء قال لي؛ إنه رأي في القصة نموذجا للشخص المعاصر المسكين الحزين الذي يشعر بالملل والوحدة،? ?فسواء? ?قابل صديقا قديما له أو كان يبحث عن صديق جديد،? ?سيظل عاجزًا عن التخلص من هذه المشاعر?. ?وهناك قاريء آخر? ?لمس في القصة معني وقيمة? ?البحث،? ?فقد يبذل الإنسان مجهودًا في البحث،? ?دون? ?الجزم بحصوله علي نتائج مؤكدة وواضحة،? ?ويكون ذلك في سبيل إيجاده لصديق حقيقي وسط أمواج البشر?. ?وقاريء آخر قال لي إن ساعي البريد في القصة هو? ?أكثر ما أثر فيه؛ لأن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة،? ?طغت علي أهمية وظيفته،? ?لم يبت الناس ينتظرون الجوابات في لهفة كما في الماضي،? ?وبالتالي إندثر طعم معين للصداقة? ?أتمني أيضًا أن يكون للقراء المصريين تعليقات وردود أفعال مختلفة بعد قراءة قصة? "?موت شبه بوه ما?".?
?أصبح الكثير من الناس يفضلون? ?قراءة? ?النسخ الالكترونية ويبحثون عن مصادر ومعلومات متنوعة علي شبكة? ?الإنترنت،? ?هل تعتقدين أن هذا سيؤثر علي صناعة الكتاب ؟
آري في هذه المسألة? ?جانبين وهما? : ?المضمون والشكل?. ?
أقصد هنا بالمضمون،? ?مضمون الأدب في حد ذاته،? ?علي سبيل المثال المسرحيات،? ?الأساطير القصص،? ?حكايات الأطفال القصيرة،? ?أو الروايات،? ?من الصعب? ?أن يتلاشي مضمونها أو? ?يتأثر بأي شيء؛ لأن الناس? ?بحاجة إلي الأدب بشكل مستمر،? ?فمنذ آلاف السنين كان? ?الناس يحتاجون أيضًا إلي قصة يقرأونها ويستمتعون بها قبل النوم?.?
قلوبنا بحاجة مستمرة إلي المشاعر والخيال،? ?فالأدب? ?غذاء للروح? ?لا يمكن الاستغناء عنه،? ?فهو? ?تمامًا مثل حاجتنا إلي الخبز واللبن?.?
ربما تتحول الروايات أو القصص فيما بعد إلي أفلام،? ?مسرحيات،? ?أفلام رسوم متحركة،? ?أو حتي لوحات فنية،? ?ولكن تظل دائمًا القصة الأصلية محفورة في قلوبنا إلي الأبد?.?
للكتابة أشكال وطرق شتي،? ?والكتب الورقية ماهي إلا مرحلة من المراحل التي اتخذها أشكال تدوين الكتابة،? ?فقديمًا كان يدون? ?أجدادنا القصص علي عظام السلاحف وسيقان البامبو،? ?ولكن بعد اكتشاف الورق دخلت الكتابة مرحلة? ?الكتب الورقية،? ?وهي مرحلة طويلة جدًا،? ?مازلنا واقفين عندها؛ لذلك أصبحنا مرتبطين بها ومعتمدين بشكل كبير عليها،? ?ولكن أثق أن مع وجود الأنترنت والتكنولوچيا،? ?سيتغير? ?شكل الكتابة? ?الورقية تدريجيًا،? ?وهذا من منطلق? ?التقدم التكنولوچي للمواد،? ?ولكن ماسوف? ?يتغير? ?هو شكل تدوين? ?الكتابة فقط،? ?ولن يؤثر ذلك علي روح الأدب وجوهره?.?
مستحيل الجزم بأن الأدب لن يتأثر كليًا خلال الانتقال من مرحلة الكتب الورقية إلي مرحلة? ?الكتب الالكترونية،? ?يمكن أن يكون هناك ثمة? ?تأثير بسيط? ?علي ذوق الكتابة الأدبية،? ?أسلوبها،إيقاعها? ?أوحتي تكوينها?. ?فلنأخذ مثلا? ?بسيطًا علي ذلك،? ?كانت معظم الروايات في القرن? ?19? ?تصف المناظر،? ?وتركز علي تفاصيل الطبيعة،? ?والعلاقة بين المنطق،? ?الزمان والمكان،? ?فيمكنه أن يستبدل كل ذلك مع مرور الوقت،? ?بطريقة جديدة وعصرية?. ?تمامًا كما حدث? ?في الفنون الأخري كالرسم والموسيقي?.
أخبار الأدب?