القاهرة 12 يناير 2016 الساعة 11:44 ص
الموسيقى فن من الفنون الإبداعية الذي يوسع لدى الفرد القدرة على الخلق والابتكار ، ويعد مشهد " مجنون ليلى " والذي قدمه " محمد عبد الوهاب " في فيلم ( يوم سعيد 1939م ) من أهم الأعمال الغنائيــــة للموسيقــــى الكلاسيكية العربية فـــي التعبير الدرامــي ، ففيــها تمثيل مسرحي كامل (1).
فقد كتب " أحمد شوقي " مسرحياته الشعرية ( مصرع كليوباترا 1929م – وقمبيز ومجنون ليلى 1931م – وعنترة 1932م ) ، بعد أن بويع من شعراء العرب كافة على أنه أميراً للشعر ، حيث يعد الرائد الأول في المسرحية الشعرية ، وقد ساهم شوقي مع العديد من الشعراء والمطربين والملحنين في نشر الفصحى من خلال كتاباتهم لعبد الوهاب ومن قبله لـ " عبده الحامولي " والشيخ " يوسف المنيلاوي " والمطربة " ملك " (2)، كما غنت " أم كلثوم " عشرة قصائد لشوقي من ألحان " رياض السنباطي " (3)، مما جعل الأمة العربية ورجل الشارع من المحيط إلى الخليج يلتف حول الأعمال الجادة ويتذوق شعر الفصحى من خلال الأعمال والألحان الخالدة ، والتي قدمت من خلال الأسطوانات والإذاعة والحفلات العامة والسينما والتليفزيون فيما بعد.
دور الموسيقى في نشر شعر الفصحى في العصر الحديث :
الثقافة لها مفردات كثيرة من أهم مفرداتها الثقافة الموسيقية وتأثيرها على الحياة الأدبية بشكل عام ، فالحياة الموسيقية في بداياتها كانت منسجمة بشكل فعَّال مع البيئة واللغة واللهجة واللكنة التي كانت منتشرة في بدايات القرن العشرين فانتعش الغناء العربي في مصر على فن الموشح ، وكذلك على ثراء انتشار القصيدة العمودية ذات القافية الواحدة .
ومما لاشك فيه أن اللغة العربية تتبوأ مكانة عالية بين اللغات العالمية ، لأنها لغة القرآن الكريم ، فهي تجمع بين أبناء الأمة العربية في وعاء لغوي واحد ، كذلك تعد برأي جميع اللغويين أنها تمتلك كل مقومات اللغة القادرة على استيعاب العلوم والفنون والآداب كافة ، أي أنها لغة الحضارة العالمية .
ونجد أن ترتيل القرآن وتجويده نوع من الإلقاء الغنائي. ومن يستمع إلى المرتلين المجيدين يكتشف تفهمهم للمقامات الموسيقية واستعانتهم بها في أدائهم وهو الذي أمد العالم الإسلامي في جميع العصور بنوابغ الموسيقى العربية في فروعها المختلفة : التأليف ، والتلحين ، والغناء ، وقد كانت بلاغة القرآن الكريم وجمال لفظه وإيقاع جمله معجزة وقف أساطين العرب أمامها عاجزين ، والشعب المصري متدين بطبعه فخاصية التدين من مقومات الشخصية المصرية ، فالنشأة الدينية هي العامل الأساسي وراء تمتع المغنين من الجنسين بالإجادة في نطق اللغة العربية أو التلوين الصوتي .
كانت المدرسة التقليدية لتعليم الموسيقى في مصر هي مدرسة المشايخ الذين يتلون القرآن ، ومنها يتعلمون المقامات ، ومنها أيضا يتعلمون إلقاء القصائد والموشحات وارتجال المواويل الدينية الخاصة بالمدائح النبوية .
ومن أشهر من ظهر من هؤلاء المشايخ في أوائل القرن العشرين : الشيخ ( إسماعيل سكر - حسن جابر - أبو العلا محمد - إبراهيم الفران - علي محمود - يوسف المنيلاوي ) ، ولم يكتف الأخير بأداء الأغاني الدينية ، بل أخذ يغني أغاني عاطفية اختارها من بعض قصائد الغزل المعروفة في الشعر العربي القديم ، وظل حتى آخر يوم في حياته يرتدي زي المشايخ (1).
لقاء محمد عبد الوهاب وأمير الشعراء أحمد شوقي :
كانت علاقة أحمد شوقي بمحمد عبد الوهاب علاقة المعلم بتلميذه النجيب الذي رأى فيه موهبة وذكاءً فعندما سمعه أحمد شوقي تأثر به فتولى تربيته وأصر على أن يتعلم فن الموسيقى والغناء على أصوله ، حيث قام بتأهيله تدريسيا على يد أساتذة غير مصريين ، حيث كان أحمد شوقي الأستاذ الأول لمحمد عبد الوهاب .
تعاون أحمد شوقي مع عبد الوهاب في "القصيدة الشهيدة" ، وكان يرى عبد الوهاب أنها من درر الغناء العربي في زمن القصيدة ، وتعاون أيضا معه في قصائد ( الجندول - الكرنك - مقاديرْ من جفنيك ) ، وكلَّ القصائد وغيرها التي غناها ولحنها عبد الوهاب من كلمات شوقي .
كان محمد عبد الوهاب وريثا أمينا له اتقن العربية واطّلع على التراث العربي ، وكان من محبي قراءة الشعر القديم ومهد له ذلك أنه قرأ الشوقيات وتأثر بها فارتبط ارتباطا فكريا وذهنيا كبيرا بأحمد شوقي ، وظهر ذلك أنه كان يبحث بنفسه عن الكلمات التي تتناسب مع ميوله وثقافته الشخصية فغنَّى ولحَّن ومثّل وترك لنا ميراثا ثريا من أعذب الألحان (2).
محمد عبد الوهاب علم خفاق تربع على عرش الموسيقى والغناء في أوائل القرن العشرين ، وكان موسيقارا لثلاثة أجيال متتالية ويعد علما على كل جيل ، وعشق الأصوات التي كانت تمارس فن الغناء والتوشيح وقراءة القرآن فأحب الشيخ علي محمود ، ومحمد رفعت ، وسلامة حجازي ، وسيد درويش وغيرهم من فناني العصر" (3) .
ومع محاولة ربط الموسيقى العربية بالموسيقى العالمية ، كانت المحاولة التي بدأها شوقي مع محمد عبد الوهاب ، لينضم بشخصيته إلى مجتمع أكثر رقياً وتحضراً ، فقد صعد عبد الوهاب من خلال هذا اللقاء بالانتقال من أغاني اللغة العامية إلى العربية الفصحى ، بينما ينتقل شوقي من الفصحى إلى العامية في بعض أغاني عبد الوهاب مثل ( في الليل لما خلي – بلبل حيران – النيل نجاشي – مضناك جفاه مرقده ) ، كما غنى جزء من (مصرع كليوباترا – مجنون ليلى).
مجنون ليلى والحب العذري :
الحب العذري "اصطفاء فتوحد بالحبيبة هو عاطفي خالص روحي محض ، ثابت ونام ، وعفيف ووفي وصادق ، ومتوهب وأصيل ومغامر ، إلى حد الانتحار ولم يكن هذا الحب يكون لولا أن توفرت في العاشق العذري روح المخاطرة والمواجهة والتطرف" (
1) .
فالحب الطاهر العفيف يعبر به الشاعر بالغزل العذري "فهو المظهر الفني للعواطف المتعففة والملتهبة في آن معًا والتي وجدت أن هذا التعويض الفني هو خير ما تطفئ به لهيبها ، وتتسامى به في غرائزها" (2) ، وقد "قدمت قصص الحب العذري الصورة الشاحبة للحب المحروم"(3) .
وشعر الغزل " كان محببًا إلى نفس العربي منذ القدم ؛ لأنه لم يجد في الصحراء المترامية الأطراف منظرًا يستهويه سوى المرأة ، فراح يتغنى بجمالها أو يفتتح قصائده بها ، ويستميل القلوب ويحرك العواطف" (4) .
وهو "حديث الشاعر عن المرأة وإفصاح عما يجيش في صدره من مشاعر الحب نحوها ، ووصف جمالها ، ومفاتنها ، وتعبيرًا عن آلام فراقها ، وتباريح التشوق إليها ، والجزع لصدودها ، والعتاب على إخلاف مواعيدها ، ونكث عهودها" (5) .
عندما يُذكر الحب العذرى فى الشعر العربى، يتبادر إلى الذهن مباشرة..قصة ليلى العامرية.. وقيس بن الملوح الذي ذاق آلام الحب وتباريحه فالصحراء عنده ليل وشعر وحب وقد ملأ سماءها وأرضها بهذا العشق دون الوصل مع الحبيب فليس أمامه سوى الشكوى لله .
كان حب قيس يصدر عن عاطفة صادقة وحب عميق، وصبابة متأججة وهوى مشتعل ملك على المرء قلبه وسلب لبه ، وطغى على جميع مشاعره ، وصرفه عن الحياة وشهواتها ، وسلط كل ما فيه من عاطفة ، وأحاسيس إلى المحبوبة التي لا يرى في الحياة أجمل منها ، وإن لم تكن من أجمل النساء فلها يعيش ، وعليها يقف حياته وفنه ، وحبه ، وشعره .
كتب أحمد شوقي هذه المسرحية التي استقّ منها هذا المشهد على غرار قصة قيس بن الملوح مع ليلي ابنه المهدي ولكنه أضاف من عنده بعض الأحداث ، والفكرة الرئيسية في المسرحية دارت حول الغزل العذري وما يعتقده الناس من عادات حول الإشهار بالمحبوبة فكل من يروي الشعر بمحبويته لا يتزوجها أبدًا وتكون النهاية تراجيدية مأسوية .
قدم شوقي قصة "مجنون ليلى" في خمسة فصول وتعد المسرحية من قبيل الحب العذري في نجد في العصر الأموي بين قيس بن الملوح ومحبوبته ليلى .
والمسرحية تروي قصة حب إنساني والبطل شاعر غزلي معروف وطرفا القصة يجذبان إليهما المشاعر فعبر عن حقيقة البطل وواقعة النفسي والتاريخي ، بالإضافة إلي الشعر الذي قيل علي لسان الشخصيات ، ولذا كانت ملائمة وأقرب للطبيعة وألصق ببنائها الفني والدرامي .
قد " شكَّل التراث العربي مصدرًا أساسيًا وجوهريا لثقافة أحمد شوقي" ( ) ، وعندما نأتي للأداء الدرامي نجد أن "الدراما فن أدائي ، والحدث الدرامي هو الحركة الداخلية للأحداث" ( ) في بادية نجد بالحجاز في صدر الدولة الأموية تدور أحداث المشهد .
النص الشعري لمشهد "مجنون ليلى"(1) :
قيس: ليلى
أبو ليلى :من الهاتف الداعي؟ أقيسَ أرى؟ ماذا وقوفك والفتيان قد ساروا؟
قيس : ما كنت يا عمُّ فيهم
أبو ليلى : أين كنت إذن؟
قيس : في الدار حتى خلت من نارنا الدار
ما كان من حطبٍ جزلٍ بساحتها
أوْدى الرياح به والضيفُ والجارُ
أبو ليلى : ليلى، انتظرْ قيس، ليلى !
ليلى : ما وراء أبي؟
أبو ليلى : هذا ابن عمك ما في بيتهم نار
ليلى : قيس ابن عمي عندنا؟ يا مرحبا يا مرحبا
قيس ابن عمي عندنا؟ يا مرحبا يا مرحبا
قيس : مُتعت ليلى بالحياة وبلغت الأربَا
ليلى : عفراء !
عفراء : مولاتي؟
ليلى : تعالي نقضي حقا وجبا
خذي وعاء واملئيه لابن عمي حطبا
قيس : بالروح ليلى قضت لي حاجةً عرضتْ
ما ضرها لو قضت للقلب حاجاتِ
كم جئت ليلى بأسباب ملفقةٍ ما كان أكثر أسبابي وعلاّتي
ليلى : قيس
قيس : ليلى بجانبي؟ كلُّ شيء إذن حضر
ليلى : جمعتنا فأحسنت ساعةٌ تفْضُلُ العُمُر
قيس : أتجدِّين؟
ليلى : ما فؤادي حديدٌ ولا حجرْ
لك قلب فسله يا قيس يُنبئك بالخبر
قد تحملتُ في الهوى فوق ما يحملُ البشرْ
قيس :لست ليلاي داريا كيف أشكو وأنفجر
أشرحُ الشوق كله أم من الشوق أختصر؟
ليلى : نبني قيس ما الذي لك في البيدِ من وطر؟
لك فيها قصائدٌ جاوزتها إلى الحضر
أتُرى قد سلوتنا وعشقتَ المها الأُخر؟
قيس :غِرت ليلى من المها والمها منك لم تغر
لست كالغيد لا ولا قمرَ البيد كالقمر
ليلى :ويح عينيَّ، ما أرى؟ قيس !
قيس: ليلى !
ليلى : خذ الحذر!
قيس : رب فجر سألته هل تنفستِ في السحر
ورياح حسِبتُها جرّرَت ذيلك العطِر
وغزالٍ جفونه سرقت عينك الحَور
ليلى : ويح قيس، تحرقت راحتاه
قيس : ليلى
ليلى : وما شعر
أبو ليلى :قيس، امض قيس، امض
جئت تطلب نارا أم ترى جئت تشعل البيت نارا
قيس :سجا الليل حتى هاج لي ... والهوى وما البيدُ إلا الليل والشعر والحبُ
ملأتَ سماء البيد عشقا وأرضها وحُملت وحدي ذلك العشق ياربُ
أَلمَّ على أبيات ليلى
أَلمَّ على أبيات ليلى بيَ الهوى
وما غيرَ أبياتي دليلٌ ولا ركبُ
وباتت خيامي خطوةً من خيامها فلم يشفني منها جوارٌ ولا قربُ
إذا طاف قلبي حولها جُنَّ شوقُه كذلك يطفي الغُلةَ المنهلُ العذبُ
يحنُ إذا شطَّتْ ويصبو إذا دنت فيا ويح قلبي كم يحن وكم يصبو !
التحليل البلاغي والنقدي للأوبريت :
نلاحظ في مشهد مجنون ليلى بعض التغيرات عن المسرحية المأخوذ منها ،فيعد أوبريت ليلى لمحمد عبد الوهاب إضاءة لما في التراث العربي والإفادة منه فنجده يسير على نهج أستاذه أحمد شوقي مؤلف مجنون ليلى من حيث التنقيب على درر التراث والكشف عنها وإعادة صياغتها فجاء عبد الوهاب معدلا في الأوبريت بعض الصياغة من حيث الترتيب والتقديم وانتقاء الكلمات والمشاهد فمثلا قصيدة أحمد شوقي سجا الليل التي قيلت على لسان قيس ينتهي بها الأوبريت على عكس المسرحية فهي في بداية دنو قيس من ديار ليلى ثم قول المهدي أبو ليلى "امض قيس "نجدها في الأوبريت الفقرة قبل الأخيرة وهي تمثل خاتمة الفصل الأول من المسرحية.
الحوار في المشهد ينقسم إلى تريالوج من خلال الشخصيات في مشهد مجنون ليلى :
- قيس بن الملوح : فتى نجد جميل الوجه الوله في حبه كما وصفه أمير الشعراء
هو مجنون ليلى الذي هام على وجهه وقال الأشعار بكل مكان ولم يستطع أن يمسك لسانه عن ذكر ليلى لذا حرم من الزواج منها لأنه شبب بها وخالف العادات والتقاليد المتبعة ولم يستطع تحمل هذا الحرمان فمات من شدة العشق .
- ليلى : هي ابنه المهدي ومعشوقة قيس، كانت رزينة وعاقلة حتى أنها رفضت الزواج من محبوبها لتحافظ على العادات والتقاليد لكنها عانت كثيرا من جراء حبها لقيس وإخلاصها له فأضناها الحب وماتت كمدًا .
- المهدي : هو والد ليلى وعم قيس، من جهة كان يريد الخير لابنته وكان يتمنى لها ولقيس السعادة بالزواج ولكنه كان من جهة أخرى يريد تنفيذ العادات والتقاليد .
ثم القسم الثاني من الحوار المونولوج أوالحوار الداخلي وقد وضح ما يدور في ذهن الشخصية يشارك القارئ في الأحداث يجعل القارئ يتوقع الأحداث القادمة يساعد على عنصر التشويق يعكس عدم استقرار نفسي يساعد على التسلسل القصصي .
العقدة والحل في المشهد تظهر العقدة عندما شكى قيس جفاء ليلى "قيس :لست ليلاي داريا كيف أشكو وأنفجر، أشرحُ الشوق كله أم من الشوق اختصر؟ وجاء الحل عندما ينصرف قيس وما زال يشكو يقول" فلم يشفني منها جوارٌ ولا قربُ .
حذف في مشهد في الأوبريت شخصية عفراء وذلك يتعذر فنيا من يقول كلمة وحدة فعوض عنها بالموسيقى .
بلاغة المشهد : برزت في تنوع أساليب الاستفهام والأمر والنفي والدعاء والتكرار في المشهد أسلوب الاستفهام : يظهر في : من الهاتف الداعي؟ أقيسَ أرى؟ ماذا وقوفك والفتيان قد ساروا؟ ، ليلى بجانبي؟ ، أتجدِّين؟ ، أشرحُ الشوق كله أم من الشوق اختصر؟ ، نبني قيس ما الذي لك في البيدِ من وطر؟ ، أتُرى قد سلوتنا وعشقتَ المها الأُخر؟ تحمل معاني الاستفهام التنبيه والتعجب والدهشة وإظهار التحسر من حال قيس وليلى .
أسلوب الأمر : انتظرْ قيس ، واملئيه لابن عمي حطبا،خذ الحذر! ، امض قيس تحمل معاني الأمر : انتظر، املئيه ، الحث وفي الأخيرة التهديد والوعيد .
أسلوب النفي : ما كنت يا عمُّ فيهم، ما كان من حطب جزلٍ بساحتها
ما كان أكثر أسبابي وعلاّتي، فلم يشفني منها جوارٌ ولا قربُ والنفي أفاد التأكيد على دوام حال المحب وشكواه .
أسلوب الدعاء "مُتعت ليلى بالحياة وبلغت الأربَا أسلوب دعائي يدعو قيس لمحبوبته ليلى بالتمتع بالحياة وأن تبلغ كل الأماني الطيبة في الحياة وما أصدق دعاء المحب لمحبوبه .
أسلوب التكرار البلاغي يعطى دفقة شعرية تستجلي أحاسيس الشاعر وما يحس به . مثال : قضت يقول قيس : بالروح ليلى قضت لي حاجةً عرضتْ / ما ضرها لو قضت للقلب حاجاتِ ، جاء تكرار لفظة قضت الأولى ممكنة والثانية مستحيلة .
والشوق : أشرحُ الشوق كله أم من الشوق اختصر؟ وألمَّ: "أَلمَّ على أبيات ليلى ،أَلمَّ على أبيات ليلى بيَ الهوى .
وأسلوب التكرار في لفظة الشوق، وألمَّ سلّط الشاعر الضوء على نقطة حساسة في التعبير تكشف عن أنات الهوى وتباريح الصبابة التي جعلته وله بمعشوقته ليلى وتكرار اسم ليلى "إنما يعكس طبيعة علاقته به؛ فهو تكرار لا يجرى كيفما اتفق، بل ينبض بإحساس الشاعر وعواطفه".
التكرار في امض ، نارا : يقول أبو ليلى :قيس، امض قيس، امض/، يقول أيضا جئت تطلب نارا أم ترى جئت تشعل البيت نارا/ جاء على سبيل التوبيخ وإن كان في عتاب موجع. وهكذا يصبح التكرار "بمنزلة الضوء الذي يسلطه الشاعر على الأعماق كي يسهل الإطلاع على خباياها .
من مظاهر الحب العذري في الأوبريت:غيرة ليلى من ذكر قيس لبعض الغيد الحسان في شعره، ليلى : نبني قيس ما الذي لك في البيدِ من وطر؟
تعد خاتمة الأوبريت قصيدة لشوقي سجا الليل والتي سمي المشهد باسمها
وقد وصلت معاناة الحب إلى زروتها زادت حدة المعاناة في الأبيات الأخيرة من الأوبريت لتدل على حالة المحب بين حلاوة اللقاء وجفوة الفراق وهي تحمل نفس المعنى الذي قاله قيس :
وقد زعموا أن المحب إذا دنا يَملُّ وَأنَّ النَّأْيَ يَشْفِي مِنَ الْوَجْدِ
بَكُلٍّ تدَاوَيْنَا فلمْ يُشْفَ ما بِنَا على أنَّ قُرْبَ الدَّارِ خَيْرٌ مِنَ الْبُعْدِ
على أَنَّ قُرْبَ الدَّارِ ليسَ بِنافِعٍ إذا كان مَنْ تَهْواهُ ليس بِذي وُدِّ
في الأبيات تظهر الموسيقى الداخلية : نابعة من انتقاء الألفاظ ، وحسن تنسيقها ، وترابط الأفكار وروعة الصور والموسيقى الخارجية في الحفاظ على الوزن وانتقاء القافية حسب نفسية شخوصها وانصرف قيس ململما جراح الهوى التي لا سبيل للشفاء منها .
يتميز أوبريت مجنون ليلى بالتعبير الموسيقي الجيد عن الكلمات إنها تكاد تنطق بالمعنى ، تصوره تصويرا دقيقا مخلصا ، حيث تتفق الصور الموسيقية كما تتفق معاني الكلمات .
استطاع محمد عبد الوهاب التعبير باللحن عن الشخصية بحيث يمكن للسامع أن يتخيل صورهم حتى لو لم يشاهدها ، ويتصورها في كافة المواقف كما لو كان يراها .
وقيمة المشهد الفنية كانت أكثر التصاقا ببنائها وأعظم خدمة لجوها، كما لمسنا في الصراع النفسي كيف تتصادم المشاعر في داخل النفس الإنسانية .