القاهرة 31 يناير 2016 الساعة 01:17 م
كتبت : ميرفت عياد
قصر البارون الأثري الذي يقع في شارع العروبة في قلب ضاحية مصر الجديدة-بالقاهرة- يعد تحفة معمارية فريدة من نوعها تجمع ما بين الطراز الأوربي والطراز الأسيوي,وكذلك فهو القصر الوحيد في العالم الذي لا تغيب عنه الشمس طوال النهار ويتميز برج القصر بأنه يدور حسب اتجاه الشمس فهو مثبت علي قاعدة تديرها محركات تلف كل ساعة دورة كاملة بحيث تجعل من يجلس بداخل هذا البرج يستمتع بكل ما حوله دون أن يتحرك من مكانه
في هدوء. ولاهمية هذا القصر من الناحية التاريخية والاثرية أعلن د. ممدوح الدماطي وزير الآثار البدء في إعداد مشروع "الدراسات الاستشارية والتوثيق الخاص بترميم وإعادة تأهيل قصر البارون إمبان الأثري" بمصر الجديدة، وذلك بالتعاون بين وزارة الآثار ومكتب مصر للاستشارات والذي يعمل بالمشروع متطوعا بالمجان في محاولة للحفاظ على هذا الأثر الهام.
وأوضح الدماطي أن الوزارة بصدد الإعلان عن مسابقة للمعماريين لتقديم أفكار ومقترحات لتأهيل القصر وإعادة توظيفه للوصول إلى الاقتراح الأمثل لإعادة استخدام الأثر وخلق وعي عام للمشروع والاستفادة بتقييم المقترحات وإتمام عمل الدراسات الموكلة للمكتب والتي من المنتظر الانتهاء منها للبدء في أعمال الترميم في أبريل 2016، لافتاً إلى أن وجود القصر على بعد دقائق من مطار القاهرة الدولي سيساهم بشكل كبير في الترويج له ويسهل زيارته على السائحين بما يضمن استغلاله الاستغلال الأمثل بعد ترميمه وتأهيله.
وأشار الدماطي إلى أنه سيتم الإعلان عن الفائزين الثلاثة الأوائل بالمسابقة، بمعرفة لجنة متخصصة من وزارة الآثار ومجموعة من أساتذة الجامعات والمتخصصين والمهتمين بتراث مصر الجديدة.
من جانبه قال محمد عبد العزيز معاون وزير الآثار لشئون الآثار الإسلامية والقبطية أن مشروع ترميم وتأهيل القصر سيتم بما لا يتنافى مع طبيعته وشكله الأصلي، كما سيتم استكمال الحديقة الأصلية بناء على الأدلة التاريخية والأثرية بما في ذلك التماثيل مع التمييز بين ما هو أصلي وما هو مستنسخ وأن يتم وضع مخطط عمراني يعالج علاقة القصر بمصر الجديدة من جميع الزوايا للاحتفاظ بما بقي من العلاقة الأصلية بين القصر والحي.
وأضاف عبد العزيز أن للقصر قيمة تاريخية كبيرة فهو تحفة معمارية متفردة شيده المليونير البلجيكي "البارون ادوارد إمبان" ، والذي جاء إلى مصر من الهند في نهاية القرن التاسع عشر بعد افتتاح قناة السويس، لذا فهو شاهد رائع على الثقافة التي سادت في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، والتي كانت مزيجاً من إحياء الطرز التاريخية، والولع بالشرق موطن الأديان والأساطير والغموض.
يذكر أن القصر تبلغ مساحته حوالي 12.5 ألف متر وترجع فكرة بناءه إلى "البارون إمبان" الذي عرض على الحكومة المصرية فكرة إنشاء حي في الصحراء شرق القاهرة واختار له اسم هليوبوليس أي مدينة الشمس، وحيث أن المنطقة كانت تفتقر إلى المرافق والمواصلات والخدمات، وحتى يستطيع البارون جذب الناس إلى ضاحيته الجديدة فكر في إنشاء مترو ما زال يعمل حتى الآن وأخذ اسم المدينة مترو مصر الجديدة إذ كلف المهندس البلجيكي أندريه برشلو الذي كان يعمل في ذلك الوقت مع شركة مترو باريس بإنشاء خط مترو يربط الحي أو المدينة الجديدة بالقاهرة، كما بدأ في إقامة المنازل على الطراز البلجيكي الكلاسيكي بالإضافة إلى مساحات كبيرة تضم الحدائق الرائعة، وبني فندقاً ضخماً هو فندق هليوبوليس القديم الذي ضم مؤخراً إلى قصور الرئاسة بمصر.
صُمم قصر البارون بحيث لا تغيب عنه الشمس وتدخل جميع حجراته وردهاته، وهو من أفخم القصور الموجودة في مصر على الإطلاق، وتضم غرفة البارون لوحة تجسد كيفية عصر العنب لتحويله إلى خمور، ثم شربه حسب التقاليد الرومانية وتتابع الخمر في الرؤوس، صممه المعماري الفرنسي ألكساندر مارسيل Alexandre Marcel وزخرفه جورج لويس كلود Georges Louis Claude، واكتمل البناء عام 1911 وهو مستوحى من معبد أنكور وات في كمبوديا ومعابد أوريسا الهندوسية.
توفى البارون إمبان في عام1929 ومنذ هذا التاريخ تعرض القصر لخطر الإهمال لسنوات طويلة بسبب إغلاقه المستمر أحيط القصر بهالة من الغموض مما جعل الناس تنسج حوله الكثير من القصص الخيالية والشائعات ومنها أنه صار مأوي للشياطين وترددت بعض الأقاويل حول سماع أصوات لنقل أثاث القصر بين حجراته,ورؤية أنوار تضئ فجأة ثم تنطفئ, ومشاهدة دخان ينبعث من غرفة القصر الرئيسية,وظهور وهيج نيران ما يلبث أن ينطفئ وبالبحث حول صحة هذه الشائعات قال بعض السكان المجاورين أن القصر تكتنفه حالة من الغموض ولعل ذلكيرجع إلي عدة أسباب منها منع البارون إمبان دخول الغرفة الوردية الموجودة ببدروم القصر والتي تفتح أبوابها علي مدخل السرداب الطويل الممتد لكنيسة البازليك والتي تقع في آخر شارع العروبة حيث يوجد القصر
هذا إلي جانب مقتل أخت البارون بسبب سقوطها من شرفة غرفتها,وتشير الأساطير إلي أن روح أخته سخطت بسبب تأخر البارون في إنفاذها,مما أدي إلي تعطل التروس التي تدير البرج منذ ذلك الحين وحتي الآن وفقا لهذه الرواية هذا بالإضافة إلي أن ابنة البارون كانت مصابة بشلل الأطفال وكان والدها يعاملها معاملة قاسية أدت إلي أصابتها بحالة من الأكتئاب وقد وجدت ميتة في بئر المصعد دون أن يعرف أحد السبب.
اجواء غامضة .. وعبدة للشياطين
ولعل تلك الأجواء الغامضة التي أحاطت بالقصر المهجور دفعت جماعة من الشبان المصريين في عام1997 إلي التسلل إلي القصر ليلا وإقامة حفلات ماجنة إذا كانوا يرقصون ويغنون علي أنغام موسيقيهيفي ميتال الصاخبة وكانوا يلطخون جدران القصر بدماء القطط والكلاب حيث ألقت الشرطة المصرية القبض عليهم لتفجر بذلك أول قضية من نوعها, عرقت بتنظيم عبدة الشيطان,ولعل هذا هو سبب الأساطير التي ترددت منقبل سكان مصر الجديدة حول مشاهدتهم أضواء ساطعة وصخبا وضجيجا كل ليلة داخل القصر
قام المجلس الأعلي للآثار بتسجيل قصر البارون وضمه ضمن الآثار الإسلامية والقبطية عام1993, وبالتالي فهو يخضع لقانون حماية الآثار رقم 119لسنة 1983,وأكد علي أن المجلس يقوم الآن بعمل الدراسات العلمية لإجراء الترميمات المعمارية والفنية الدقيقة اللازمة للقصر.أماحديقة القصر فقد تم ترميمها بالكامل وتم عمل مشروع إضاءة للحديقة والقصر من الخارج ذلك بشكل مميز بحيث يغلف النور القصر بالكامل لتظهر ملامحه ومعالمة المعمارية والجمالية,كما تم ترميم التماثيل الخارجية للقصر.
هليوبوليس .. مدينة الشمس
ويرجع قصر البارون إلي المليونير البلجيكي البارون إدوارد إمبان الذي جاء إلي مصر في نهاية القرن الـ19,وفكر في إنشاء أحد الأحياء في صحراء شرق القاهرة وأختار له اسم هليوبوليس اي مدينة الشمس,وبدأ البارون في تشيد المنازل علي الطراز البلجيكي,وذلك لإقامة مجتمع للطبقة الارستقراطية والجاليات الأجنبية,وفي النهاية قرر البارون إنشاء قصره الأسطوري الذي قام بتصميمه مهندس فرنسي يدعي ألسكندرمارسيل فجمع في تصميمه بين أسلوبين معماريين أحدهما ينتمي إلي عصر النهضة خاصة بالنسبة للتماثيل الخارجية وسور القصر,أما القصر نفسه فينتمي إلي الطراز الكمبودي بقبته الطويلة المزينة بتماثيل بوذا.
تحف نادرة من الذهب والبلاتين
انتهى البارون من تشييد القصر عام1911,ويشغل القصر وحديقته الواسعة مساحة 125 ألف متر مربع,أما القصر نفسه فلا يتعدي طابقينوبدروم, ويضم البدروم أماكن أقامة الخدم وأفران ضخمة, ومغاسل , ومن خلال مصعد فخم مصنوع من خشب الجوز نصعد إلي الطابق الأول ويضم قاعة المائدة التي توزعت علي جدرانها رسومات مأخوذة من مايكل أنجلو,وليوناردو دافنشى ورامبرانت وبمصعد رخامي من بين بتماثيل هندية صغيرة نصعد إلي الطابق الثاني الذي يحتوي عدة غرف للنوم لكل منها حمامها الخاص الذي تكسوه بلاطات من الفسيفساء,ومن خلال مصعد مصنوع من خشب الورد الفاخر,نصعد إلي سطح القصر الذي يشبه المنتزة حيث كان البارون يقيم حفلاته,وجدران هذا السطح مزينة برسوم نباتية وحيوانية وكائنات خرافية وأخيرا نصل إلي برج القصر الذي يدور حسب اتجاه الشمس حيث أنه مثبت علي قاعدة دوارة تديرها محركات تلف كل ساعة لفة كاملة.كما يضم القصر تماثيل وتحف نادرة مصنوعة بدقة بالغة من الذهب والبلاتين بخلاف تماثيل بوذا والتنين الأسطوري.