القاهرة 21 سبتمبر 2015 الساعة 12:33 م
( تقع بلدة راية أو رثيو Raythou " على ساحل خليج السويس فى شبة جزيرة سيناء جنوبي بلدة الطور وعلى بعد ثمانية كم منها وهى بلدة قديمة مندثرة ولكن آثارها قائمة إلى الآن . وتعود مدينة الطور إلى عهد الفينيقيين وقد سميت بالطور نسبة إلى جبل طور سيناء ، وكانت تسمى قديما " ريثو وبقيت معروفة بهذا الاسم إلى القرن الـ 15 م .وهى من أشهر مواني سيناء وأقدمها وآثاره تدل على أنها كانت مأهولة بالسكان قديما كما أن اسم راية ظهر فى المجمع الكنائسي فى سنة 536 م على لسان الراهب ثيوناس : " أنا ثيوناس الكاهن بنعمة الله النائب عن رهبان طور سيناء وراية وأبرشية فيران المقدسة "
هذا ما أوضحه الخبير الأثرى الدكتور "عبد الرحيم ريحان " موضحا أنه نتيجة للأهمية الكبيرة لهذا الموقع فقد قامت منطقة آثار جنوب سيناء بأعمال حفر تمهيدية بالموقع ابتداء من عام 1997م وهى الأعمال التى كان من نتاجها الكشف عن خبيئة من أوانى البريق المعدنى ذو الأهمية الآثرية الكبيرة ، لذلك قامت المنطقة بالأجراءات اللازمة للحفاظ على هذا الموقع الهام ، فقامت بإستصدار القرار رقم ( 3340 ) لسنة 1999 بتسجيل المنطقة واعتبارها أرض أثرية ، بدأت أعمال الحفائر المشتركة بالموقع بين المجلس الأعلى للآثار ممثلا فى منطقة آثار جنوب سيناء وبعثة مركز الدراسات وثقافة الشرق الأوسط اليابانى بالقاهرة وهى الأعمال التى لا زالت مستمرة إلى اليوم محرزة العديد من النتائج الهامة سنويا .
وقد أدى الكشف عن هذا الميناء ودراسة نتائج الحفائر المستخرج منه للتوصل إلى معلومات هامة جدا عن حركة التجارة فى البحر الأحمر وموانيه خلال العصور الوسطى وأهم السلع التى كانت تنتقل ما بين تلك الموانى فى تلك الفترة ، والعلاقات التجارية التى كانت تربط بين تلك الموانى وغيرها فى تلك الفترة ، و فى نفس الوقت سيعكس حركة الهجرات والانتقال بين بعض المناطق وأخرى ، إضافة إلى الحالة الاقتصادية التى تنعكس على المنتجات الفنية .
"دير وادى الطور ودير سانت كاترين "
موضحا أن منطقة الراية تمتع بأهمية كبيرة باعتبارها واحدة من المدن والموانى الرئيسية للساحل الغربى لشبه جزيرة سيناء وقد اعتبر هذا الموقع من الموانى الهامة على ساحل الخليج لموقعه المتميز حيث يوجد هذا الميناء عند النهاية العليا لمصب وادى السلة القادم من منطقة سهل القاع مخترقا مدينة الطور فى إتجاه البحر عند منطقة رأس راية ، وعليه فقد أدت الرواسب القادمة مع السيل عبر فترات زمنية طويلة إلى تعكير المياه بتلك المنطقة وهو ما أدى إلى منع نمو المرجان بتلك المنطقة مما كان له أبلغ الأثر فى اعتبار تلك المنطقة مثالية لرسو واستقبال السفن .
وكان لوجود كل من دير وادى الطور ودير سانت كاترين أثرا بالغا وواضحا فى زيادة نمو هذه المدينة ومينائها ، إذ أدت الأهمية الكبيرة لدير سانت كاترين وزيادة عدد زواره باستمرار منذ إنشاءه فى القرن السادس الميلادى ، إضافة إلى الأهمية الكبيرة التى كان يتمتع بها دير وادى الطور بإعتباره مرحلة وسطى ومكان استراحة للمسافرين القادمين لزيارة دير كاترين ، كل ذلك أدى إلى الاهتمام الكبير بمدينة ريثو القديمة ومينائها الذى استغل فى استقبال القادمين من أوروبا أو القاهرة عن طريق البحرالأحمر عبر الرحلات التجارية ، وكذلك القادمين من القدس لزيارة دير كاترين والعودة إلى بلادهم .مما أدى إلى النمو المضطرد لمدينة رايثو أو راية ، ابتداء من منتصف القرن السادس الميلادى وحتى القرن الثانى عشر الميلادى عندما قلت أهمية هذا الميناء وموقعه وانتقلت الأهمية إلى ميناء الكيلانى .
أهم الاكتشافات الأثرية :
مشيرا إلى أن المنطقة الأثرية تشغل مساحة كبيرة تطل على خليج السويس والموقع يشتمل على حصن كبير مربع تقريبا تصل مساحته إلى حوالى 80×80 م , بالإضافة إلى مجموعة من المبانى المنتشرة من حول الحصن ، شيدت أغلبها من الحجر المرجانى والطوب النى وبعض المواد المتوفرة فى البيئة المحلية للموقع ، وفى هذا الموقع توصلت البعثة المصرية اليابانية على العديد من الاكتشافات الهامة وهى :
الكشف عن السور الخارجى للقلعة وهو من الحجر المرجانى المنتشر بالموقع بوفرة لقربة من البحر ، ويصل سمك هذا السور إلى حوالى متر ونصف تقريبا ، الكشف عن مجموعات الأبراج الملحقة والمدعمة للسور الخارجى للقلعة وهى عبارة عن تسعة أبراج ذات تخطيط مربع تقريبا وهى مشيدة هى الأخرى من الحجر المرجانى ، والتى يصل سمك جدرانها إلى حوالى 140سم .، الكشف عن المدخل الرئيسى للقلعة وهو مواجهه للبحر ويكتنفه برجان لحراسة المدخل وتأمينه وهو يتكون من مدخلين الأول إلى الخارج وهو من باب منزلق لسرعة غلقة فى حالة وجود أى اعتداء أو هجوم على القلعة وهو من وسائل الدفاع التى انتشرت فى غضون العصور الوسطى ، والثانى مدخل عادى باب من درفتين زود بعتب من الحجبر البازلتى .كما تم الكشف عن المدخل الثانى السرى الصغير أو ما يعرف إصطلاحا بمخرج الطوارى أو الفرار ، وهو يواجة المدينة من الجهة الجنوبية الشرقية .
وقد تم الكشف عن أغلب الشوارع والممرات بداخل القلعة ، ومجموعات كبيرة من الحجرات فى مناطق كبيرة من الموقع أثبتت دراستها أن بعضها أعيد استخدامه فى فترات لاحقة وهو ما يبدو من اختلاف مواد البناء المستخدمة إضافة إلى عدم ترابط جدران الحجرات تلك مع ما حولها من الوحدات الأخرى ، هذا بجانب الكشف عن قناة مياه حجرية فى الشارع الرئيسى للقلعة تتجه إلى البحر، والكشف عن مسجد مربع الشكل وهو بسيط فى تكوينه وله مدخل وحيد مواجه للقبلة بالجدار الشمالى الغربى .
وإن أعمال التنقيب المستمرة بالموقع أدت إلى الكشف عن العديد من أوانى الخزف ذات البريق المعدنى والعديد من الأوانى الخزفية الأخرى متعددة الأنواع والأشكال المحلية والمستوردة خاصة من الصين ، وبعض العملات الإسلامية كالدنانير الذهبية أو الدراهم الفضية أو الفلوس النحاسية أو البرونزية ، هذا بإضافة إلى الكشف عن كميات ضخمة جدا من أجزاء الفخار وكسر الخزف بأنواعه المتنوعة المحلية منها والمستوردة ، وكسر الزجاج المتعدد الأنواع ، والأخشاب المختلفة ، والقليل من المعادن . كما تم العمل مؤخرا فى موقعين بالقرب من البحر مباشرة فى كل من الجهتين الجنوبية والغربية من القلعة وذلك فى محاولة للكشف عن أى آثار أو منقولات بيزنطية تدعم فكرة أن الموقع كان فى الأساس حصن رومانى أعاد المسلمون استخدامه كما ذكر بعض العلماء اليهود الذين عملوا بالموقع أثناء فترة الاحتلال .
علاقات تجارية واسعة
ذاكراً أن الموقع أعيد استخدامه لأكثر من مرة على مدار فترات تاريخية مختلفة وهو ما يبدو واضحا من مواد البناء المختلفة وأسلوب البناء وعدم الترابط بين الجدران فى بعض الحجرات . كما أن الموقع كان من المؤكد أنه مستغل منذ حوالى القرن الثامن الميلادى حيث إن المسكوكات التى تم العثورعليها بالموقع تنسب إلى عصر الخليفة العباسى المهدى " 158 – 169 هـ & 775 – 785 م" ، كما أن الموقع كان مستغل من قبل المسلمين والمسيحين وذلك لعثورنا على العديد من أدوات اللعب الخاصة بالأقباط وبين ذلك كره الإسلام المعروف للتماثيل وصناعتها ، وخاصة فى تلك الفترة المبكرة .
كما أن الحفائر أكدت على وجود علاقات تجارية واسعة وقوية كانت تربط مصر فى تلك الفترة بالمحيط التجارى حولها وخاصة من دول جنوب شرق أسيا ، أو على الأقل الأهمية الكبرى التى كان يتمتع بها هذا الميناء فترة العصور الوسطى فى حركة التجارة بين الدول التجارية .