القاهرة 20 اغسطس 2015 الساعة 02:05 م
بقلم : دكتور محمد المخزنجي
الرسوم بألوان أكليريك على قماش، لفنانين تلقائيين من سكان أستراليا الأصليين «الأبورجنيز»، وتشتهر فى عالم الفن الحديث باسم «الرسم بالتنقيط»، وفيها تلعب النِّقاط دوراً حركياً وجمالياً فى اللوحة، موروثاً من لوحات الأسلاف عن طبيعة صحراء غرب أستراليا حمراء الرمال، كانت تُرسَم على الأرض والحجر والشجر، بألوان من الطبيعة ترمز إلى الطبيعة (أزرق البحر، أصفر الشمس، أخضر النبات، أبيض السحب، أحمر الأرض)، وتمثل النِّقاط فيها كلمات لرسائل مُشفَّرة فلم تكن لهم لغة مكتوبة، وكان لكل لوحة أغنية تصاحب رسمها وتقترن بها، وهو ما ظل الأحفاد المحدثون يحافظون عليه منشدين الأغانى وهم يرسمون، ويعتبر انتشار وتقدير هذا الفن فى العالم اعترافاً ضمنياً بأن هؤلاء «الأبورجنيز» الذين تبدو ملامحهم للبعض غير جميلة، إنما تنطوى جوانحهم على جمالٍ أخَّاذٍ كأجمل ما يكون البشر.
حتى صباح ذلك اليوم لم يكن الرجل يشكو من أى عارضٍ صحى كبير أو صغير، وكان يبدو بمقياس الحيوية ومعايير الفحوص الطبية والتحليلات الدورية التى كان مواظباً عليها شاباً لا يتجاوز الأربعين، وبرغم تقاعده الوظيفى ظل محافظاً على عادة الاستيقاظ مبكراً، يبدأ يومه بلقمة صغيرة يُعِدُّها لنفسه مع كوب الشاى، يحتسيه بينما يقرأ أخبار مصر على مواقع الإنترنت، لهذا عرف يومها ببدء فض اعتصام النهضة فى حينه، ولأنه يسكن على مقربة أمتار من المكان، قرر النزول لمتابعة الحدث الخطير فضولاً واستثارة، خاصة وقد كانت البدايات التى تُذاع على الهواء عبر البث الحى لإحدى الفضائيات المنقولة على الشبكة، توحى بأن الفض سيكون سلمياً، فقد شاهد وسمع سيارات شرطة حديثة مزودة بميكروفونات قوية وصافية الصوت، تُوجِّه نداءات للمعتصمين بفض الاعتصام مع ضمان خروجهم الآمن إلى بيوتهم، وكانت تُحدِّد الطرق التى يمكن أن يسلكوها لضمان أمنهم وسلامتهم مع التعهد بعدم ملاحقتهم.
كان مدخل الميدان من شارع مراد، المحصور بين سور حديقة الحيوان وحديقة الأورمان عند تمثال نهضة مصر، مقطوعاً ببوابة خشبية كبيرة من بوابات السرادقات أقامها المعتصمون، تعلوها لافتة عريضة تُمجِّد مرسى وتطالب بعودته للرئاسة، وتحتها قليلاً إلى الوراء كان تمثال نهضة مصر رابضاً وقد تشوَّه بكتابات تسب قيادة الجيش وتتهم ملايين 30 يونيو الذين فاضوا فى شوارع البلاد رفضاً لحكم الإخوان بأنهم خونة وعبيد عسكر ولاعقو بيادة، إضافة إلى عبارات سباب بعضها فاحش للجيش والشرطة تجاور آيات قرآنية تتوعد الكافرين وتبشر الصابرين، ومن وراء ذلك بدت هناك تِباب من الأجولة المملوءة بالرمل تُظاهِرها متاريس خفيضة مبنية بالطوب والأسمنت أقامها المعتصمون، ولم تكن الخيام واللافتات تسمح برؤية العمق فيما وراء ذلك.
ظلت سيارات الشرطة المزودة بمكبرات الصوت لأكثر من ثلاثة أرباع الساعة تذيع نداءاتها للمعتصمين بالخروج وتؤكد ضمان سلامتهم وعدم ملاحقتهم حال عودتهم إلى بيوتهم، وكان الجو مشحوناً بتوتر راعش فى صباح باكر بدا صافياً ومشوباً بشبورة خفيفة ونسمة مُبترِّدة قليلاً رغم صيف أغسطس، وعندما حاول الرجل أن يقترب من فوهة الميدان أمام الباب الرئيسى لحديقة الحيوان كى يرى ما يختفى فى العمق، رده ضابط شرطة شاب إلى الخلف «حفاظاً على سلامتك»، وقد تراجع بالفعل نحو مطلع كوبرى الجامعة الذى كان يعتليه مجموعة من المواطنين سكان العمارات القريبة والصحفيين وكاميرات التليفزيون، مما بدا معه أن الشرطة واثقة من أن الفض لن يشهد تجاوزات ولن تُراق فيه دماء، وقد انتقلت هذه الثقة إلى الرجل والذين تجمعوا عند مدخل الكوبرى، ومع ذلك ظل التوتر عالقاً بفضاء هذا الصباح الباكر خفيف الضباب.
كررت مكبرات صوت سيارات الشرطة نداءاتها بوتيرة أسرع لقرابة عشرين دقيقة، وأنذرت بأن الفض سيبدأ بعد قليل، ثم سادت دقائق صمت امتدت طويلاً كما بدت للرجل وللناس من حوله، ثم هرولت جرافة مدرعة تحطم قوائم بوابة السرادق فهوت وسقطت معها متغضنةً صورة مرسى وشعارات تمجيده، وراح الجنود يُزيحون عروق خشبها وقماش خيمتها ولافتاتها جانباً ليفسحوا الطريق للجرافة التى أطاحت بصف أجولة الرمل فى سرعة غير متوقعة، وبالسرعة ذاتها هدمت ونَحَّت أنقاض المتراس المبنى بالطوب والأسمنت، وانفتح الطريق إلى داخل ميدان الاعتصام الذى بدا مهجوراً بينما النيران تشتعل فى خيام وسرادقات المعتصمين الخالية على الجانبين، وتقدمت مدرعة من مدرعات الشرطة زيتية اللون لدخول الميدان بتمهل، يحف بجوانبها الخلفية مجموعة من جنود الأمن المركزى فى ثيابهم الرسمية السوداء يحملون دروعاً من البلاستيك الشفاف وهراوات مطاطية بلون رمادى داكن، وبغتةً دوَّى صوت رصاصة.
كانت الرصاصة الأولى التى لم يتبين الرجل والمتجمعون معه مصدرها ولا من أطلقها، لكن سرعان ما ظهرت مؤشرات للإجابة عن هذا السؤال دون تصريح، فقد أقبل من عمق الطريق الذى اندفعت فيه المدرعة مجموعة من الجنود فى ملابسهم السوداء يهرولون حاملين زميلاً لهم مصاباً إصابة بدا أنها تُعجزه عن الوقوف، ثم تبين للرجل الذى كان طبيباً أن الإصابة يمكن أن تكون قاتلة، أو على الأقل ستترك هذا الجندى الريفى النحيف الأسمر الذى لا يتجاوز العشرين عاماً عاجزاً مدى الحياة، وعلى كثرة ما رأى هذا الطبيب من مصابين ودماء تنزف من أجسامهم على امتداد أربعين عاماً فى عمله الطبى، راعه أن إصابة هذا المجند الشاب تنزف كأن صنبور حديقة قد انفتح فى جسمه وأخذ يدفُق بكل قوة، حاول الاقتراب للمساعدة قائلاً للضباط الذين منعوه إنه طبيب ويريد أن يساعد، فأخبروه وقد بدأ يظهر عليهم التوتر أن الإسعاف قادم، وقد ظهرت بالفعل سيارة إسعاف برتقالية اللون تقبل مسرعة من الجانب الآخر للكوبرى، وكان الرجل فى قرارة قلبه المهصور يهجس أن لا أمل كبيراً فى إنقاذ هذا المجند، صنبور الدم كان يزخ باتجاه الأرض من زاوية مقعدته وهو محمول مُرابعةً بين أيدى زملائه. ورجَّح الطبيب أن الرصاصة لابد قد اخترقت الحوض وقطعت شرياناً كبيراً من تفرُّعى الأورطى عند العصعص. وبينما كانوا يحملون المجند المصاب إلى سيارة الإسعاف، اندفع الرجل صائحاً فى المسعفين «ركّبوا له محاليل حالاً فى الطريق. حالاً ركّبوا له محاليل»، ثم بدا أن الصباح يشتعل.
تدفقت مصفحات الشرطة وأرتال الجنود إلى عمق الميدان وسُمعت أصوات طلقات أفاد الصحفيون أنها تنطلق من داخل حديقة الأورمان، وتردد أن هناك مسلحين من المعتصمين كانوا يتمترسون بالحديقة، وأن الشرطة تبادلهم إطلاق النار، ولم يمض أكثر من نصف ساعة بعد توقف صوت إطلاق النار حتى سُمح للصحفيين بالدخول ولكن إلى عمق معين، ودخل الرجل معهم فرأى الميدان الذى كان يغص بالمعتصمين خالياً إلا من الشرطة ورجال أمن فى ثياب مدنية بينما حرائق الخيام والسرادقات مستمرة على الجانبين والأسفلت ملىء بالمخلفات والأنقاض فى فوضى عارمة وثمة آثار لدماء حديثة عند الفتحة التى شقها المعتصمون من قبل فى سور الحديقة. ومن عمق الشارع أقبلت جلبة بينما ضباط فى ثياب مدنية وبعض الجنود يسوقون بعنف وعصبية عدداً ممن قبضوا عليهم فى المكان، ومعظمهم ملتح، واثنان منهم كان خطماهما داميين وقد علت وجهيهما ملامح ذعر بينما يُدفع بهما إلى جوف عربة مصفحة. وفى منتصف الجزيرة الوسطى مُنتزَعةِ أحجار الرصيف كان هناك ضباط وجنود ومخبرون يحصون «المضبوطات»، صندوق به كمية كبيرة من الرصاص وبضع بنادق مختلفة الأشكال تغلب عليها البدائية باستثناء بندقيتين آليتين قيل إنهما كانتا بين يدى من كانوا يطلقون النار من داخل الحديقة. وأراد الرجل أن يتفقد الحديقة التى افتقد دخولها، الذى كان يومياً، قبل خمسة وخمسين يوماً مع بدء سيطرة المعتصمين عليها، والتى طالما اعتبر أن سُكناه بقربها جاءه نوعاً من المكافأة القدرية لسعيه الطويل والمجتهد فى الحياة، فأسرع بدخولها مع أول الداخلين، ولفت نظره أن هناك تجمُّعاً يحيط بشجرة «الباوباب» عند السور الجنوبى للحديقة قرب بِركة بوص البامبو العملاق.
تبين الرجل أن المتحلقين حول شجرة «الباوباب» كانوا رسميين وإنْ فى ثياب مدنية، أفراد من الشرطة والنيابة يعاينون المكان الذى يرجحون أن الرصاصة الأولى التى اخترقت وحطمت حوض المجند فى بداية الاقتحام قد انطلقت منه، فقد كانت الشجرة مفغورة بعدة فتحات لجهة الجنوب تشى بأنها من آثار رصاصات الشرطة التى كانت ترد على نيران واحد أو أكثر من المعتصمين المسلحين اتخذوا من جذعها الأسطوانى المنتفخ ساتراً لنيرانهم وحائلاً دون وصول الطلقات الجوابية إليهم، غير مدركين أن هذه الشجرة لا تصد رصاصاً ولا ترد حتى رش الخرطوش، فشكلها الذى يشبه زجاجة برميلية عملاقة بعنق مستدق وقليل من الأفرع شبه العارية تتوج هامتها، ليست إلا قارورة طبيعية عملاقة لاختزان الماء، فوراء لحائها محدود الصلابة لُبٌّ إسفنجى يكاد يكون أجوف يؤهلها لتشرُّب واختزان أكبر كمية من الماء فى قلبها، فهى من أشجار جنوب الصحراء الأفريقية وصحراء الغرب الأسترالى شديدة الجفاف التى لا يزورها المطر إلا لِماماً، كما حلم عابر، تحوله هذه الشجرة إلى ذُخر للحياة فى سِنى الجفاف التى تطول هناك. فهى مستودع الرِّى لنفسها كما لقبائل البوشمان التى لايزال أفرادها يعيشون فى برارى الجنوب الأفريقى شبه عراة معتمدين على الصيد وجمع الثمار البرية، ومثلهم «الأبورجنيز» أبناء قبائل السكان الأصليين لأستراليا والذين ينطقون اسمها «بوآب» بدلاً من «بابواب» كما فى صحراء الجنوب الأفريقى، شجرة راسخة وحانية أسماها البوشمان كما الأبورجنيز معاً ودون اتصال «شجرة الحياة». فهى لا تكتفى بتقديم الماء وحده لهم فى أزمنة الجفاف بل تمنحهم ثمارها نوعاً من النشويات البيضاء تُحيط بالبذور البُنِّية فى قلبها ويتخذون منها دقيقاً لخبزهم، وبمنقوع أوراقها النادرة يتداوون. ولم يشفع لها هذا كله أن تداهمها قسوة البشر أحيانا، فكانوا يبقرون بطنها الكبير ويحفرون فى جوفها الرطب زنزانات بأبواب ثقيلة لاحتجاز المسجونين والمجانين، وكانت هذه النهشات الضخمة من قلبها الريان تُميتها واقفةً جافة، ويتوقف عن النمو جذعها الذى يُقاس عمره الطويل باتساع قطره، وثمة شجرة فى صحراء الغرب الأسترالى عمرها ألفا عام وقطرها خمسة عشر متراً ولا تزال تواصل النمو، فهى إحدى الأشجار الأكثر تعميراً على وجه الأرض ويصل مدى عمرها إلى خمسة آلاف عام.
الطبيب الذى جعلته أشجار حديقة الأورمان مولعاً بسيرة هذه الكائنات السرمدية العملاقة، الساكنة والحانية والمعطاءة فى كل أحوالها، حتى لو كانت أشجاراً لا تثمر إلا الظل ولا تشكل إلا مجاثم تستريح عليها الطيور العابرة وتأوى إليها العصافير المقيمة، ظل يتجول بالقرب من شجرة «الباوباب» حتى ينصرف هؤلاء الرجال الرسميون فى الثياب المدنية، وراعه أن هذا الجزء من الحديقة بقرب الفتحة التى فغرها المعتصمون فى السور كان يضج برائحة مرحاض مكشوف رغم ابتنائهم بعض الحواجز المرتفعة التى أقاموها فى المكان فوق العشب وعلى أحواض الزهور من الطوب والأسمنت لقضاء حوائجهم على امتداد أكثر من شهر ونصف. ولما اقترب أخيراً من شجرة «الباوباب» التى كان يزورها يومياً قبل هذا الانقطاع القسرى عنها، راح يحدق فى عمق الثقوب التى حفرتها الرصاصات فى اللحاء واللُّب. وتبين له أن الثقوب لم تكن فى جانب واحد من الجذع بل من جانبين يقابل كل منهما الآخر. وخطر له أن ثقوب الجهة الجنوبية كانت برصاص الشرطة بينما ثقوب الجهة الشمالية كانت برصاص المسلحين من المعتصمين وهم ينسحبون للفرار فاتحين أسلحتهم على الشرطة لتغطية انسحابهم. مد يده يتلمس حواف الثقوب فأحس بسخونة تنز منها طازجة لاتزال، أثر مروق الرصاصات فى لحمها الطرى الهش، ثم انتبه إلى أن سائلاً دافئاً شفافاً يسيل غزيراً من الثقوب الأكثر انخفاضاً، كانت «الباوباب» تنزف نسغها والماء الذى ربما ظلت تختزنه منذ مائة وخمسين عاماً تشكل عمرها المطابق لعمر الحديقة، كما كانت تشير لافتة صغيرة معلقة بمنتصف جذعها وأطاحت بها طلقات الرصاص.
راح الرجل يفكر وهو يتلمس جذع «الباوباب» المبتل والمثقَّب بالرصاص: هل هذا الماء الدافئ يمثل دماء هذه الشجرة وقوام امتلائها وانتصابها؟ هل ستموت لو فقدته عبر هذه الثقوب؟ أسئلة راحت تترى فى خاطر الرجل الذى لطالما كان مفتوناً بسرمدية الأشجار وهو يكتشف فى لحظة فارقة كيف أن بضع رصاصات لا يستغرق إطلاقها بضع ثوانٍ يمكنها أن تقصف عنق هذه السرمدية فى لحظات. وعندما رفع وجهه ينظر إلى الأفرع القليلة المتباعدة لشجرة «الباوباب» ناصلة الأوراق رأى أو هُيِّئ له أنه يرى هذه الأفرع وقد بدأت تتهدل، وجرى فى خاطره أن الشجرة المثقَّبة بالرصاص عندما تفقد ماء عمرها ستهوى متهدلة تتكدس على نفسها وتموت، ولن تموت واقفة جافة كما بيْن البوشمان والأبورجنيز فى البرارى الأفريقية القاحلة والصحارى الأسترالية الحارة شديدة الجفاف، بل ستتحلل فى رطوبة أرض وهواء هذه الحديقة. وحمله تفكيره فى نزيف الشجرة وموتها إلى نزيف المُجنَّد الشاب الذى شخب دمه بفعل تلك الرصاصة الأولى فى هذا الصباح الدامى، يفكر فيه بوجعٍ وأسى: هل سيتمكنون من إنقاذه؟ هل حقاً سيتمكنون؟
مضى الرجل متمتماً بسؤاله، خافت الأنفاس يخطو خارجاً من الحديقة مدهوسة العشب والضاجة برائحة مرحاض كبير. عبَر فتحة السور حيث كانت هناك آثار دماء بدأت تجف تحت شمس أغسطس الصاعدة وتنقلب حمرتها إلى قتامة تتماهى مع لون الأسفلت والتراب، وعندما استدار يميناً ليعود إلى بيته عبر ميدان الجامعة أوقفه حاجز أمنى يقطع الشارع وأشار إليه ضابط صغير العمر برتبة ملازم أن يعود إلى الوراء، وهمس له أحد الجنود بطرف الحاجز أن بعض المعتصمين وبينهم مسلحون بالرصاص والمولوتوف كانوا يتحصنون بكلية الهندسة ومعهم نساء وأطفال. «نساء وأطفال. نساء وأطفال»، كررها الرجل فى خفوت أسيان وهو يستدير ببطء ليرجع، ومن فوق سور حديقة الحيوان الذى تظاهره الخضرة رأى دخاناً كثيفاً يخرج من نوافذ مبنى الكلية الأشهب، ولم يكن بمستطاعِه أن يعرف ماذا يحدث هناك، واكتشف وهو يمضى فوق أنقاض الفوضى وتحت سماء الدخان أنه مثقل ويمشى محنياً بتعب لم يعتده، يود لو يصل إلى قطعة نظيفة من الرصيف يتهاوى جالساً عليها ويستريح لبضع دقائق قبل أن يواصل العودة إلى بيته القريب الذى بدا له الآن بعيداً أبعد مايكون، بينما ألمٌ كطعنة خنجر مستمرة كان يشق صدره خلف عظمة القص، بالضبط وراء منتصف عظمة القص.