القاهرة 02 اغسطس 2015 الساعة 12:12 م
من حق الأمة المصرية- شعبا وجيشا- أن تحتفل وتفخر بانجاز المشروع القومي لاستثمار عبقرية موقع مصر بسواعد وأموال المصريين، لأنه لم يكن مجرد دليل أحدث علي تهافت نظرية قدر التبعية المكتوب علي مصر، وإنما ملحمةً؛ أضافت البرهان الأحدث علي ما سجله مبدع شخصية مصر، يقول: إن شعب مصر كان دائما شعبا محاربًا كما كان شعبا بناءً, يبني بيد ويحارب بالأخري، إذ تحقق البناء في ظروف الحرب ضد الفاشية التكفيرية والارهابية والعميلة.
ومع انطلاق العمل في تنفيذ المشروع القومي لاستثمار عبقرية موقع مصر بازدواج وتعميق قناة السويس، كنت قد كتبت أُذَكِّر بنظرية أن الموقع قد جني علي مصر، وفي عصر قناة السويس بالأخص، التي صنعها وروجها منظرو الاستعمار، ومؤداها أن بلداً بموقع مصر لا يمكن أن يكون ملكاً خاصاً لنفسه!! وهو ما دحضه جمال حمدان معلنا- وبحق- أن موقعنا إذ اقترن بطاقة كفء له لكانت النتيجة عكسية تماماً. (استثمار عبقرية الموقع بمشروع القناة، الأهرام، 17 أغسطس 2014). وانجاز هذا المشروع العملاق في عام واحد بطاقة تكافيء خطورة الموقع تحت قيادة الرئيس السيسي يدعوني للثقة دون ريب في قدرته علي قيادة تصنيع مصر؛ بدءا من تفعيل ما تعهد به في خطاب تنصيبه: أنه يتعين النهوض بقطاع الصناعة عصب الاقتصاد المصري والسبيل لخلق فرص العمل وتشغيل الشباب، باصلاح المنظومة التشريعية لتحفيز قطاع الصناعة وتيسير حصول المستثمرين علي الاراضي والتراخيص لإقامة المشروعات، ووقف تصدير المواد الخام ومعالجتها وتصنيعها لزيادة القيمة المضافة، وتنفيذ مشروع تنمية محور قناة السويس بما يتيحه من فرص لتعظيم الموارد والتنمية الصناعبة.. ولأنه لا تصنيع بغير بناء قاعدة الطاقة الضرورية له، دعوت الرئيس السيسي للوفاء بوعده في ذات الخطاب بإنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية.. (جدوي مشروع القناة تتضاعف بالتصنيع، الأهرام 14 سبتمبر 2014).
وتوضيحًا لحتمية تصنيع مصر، أعلنت مجددا وباستقامة: إن المصريين لن يتمتعوا بأمنهم الإنساني إلا بفضل ما يتيحه التصنيع من وظائف غير محدودة ومرتفعة الإنتاجية والدخل، ولن تعزز مصر أمنها القومي وتتحرر من التخلف والتبعية والإنكشاف والعوز بغير التصنيع. وأن توسع عمران مصر لا غني عنه، ولكن بالاستثمار في التصنيع، وعلي الرئيس السيسي أن يثق في أن قدرات مصر تؤهلها- دون ريب- لأن تكون دولة صناعية متقدمة وغنية! وفي هذا السياق أشرت الي تقرير منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية- يونيدو (التنمية الصناعية في العالم لعام 2013، النمو المستدام للتشغيل: دور الصناعة التحويلية والتغيير الهيكلي) وإعلانه باستقامة: أن فرص العمل لا تتساقط من السماء وإنما تنشأ عن التنمية الاقتصادية، وأن خلق فرص عمل متزايدة ومستدامة يتطلب تغيير هيكل الاقتصاد؛ أي تعزيز قدرته علي أن يولد وبشكل متواصل أنشطة جديدة سريعة النمو تتميز بارتفاع القيمة المضافة والإنتاجية. وبفضل التصنيع، أي تنمية وتعميق وتحديث الصناعة التحويلية، أصبحت الأخيرة ركيزة وجوهر التحول الهيكلي والنمو الاقتصادي، وقدمت فرصا أوسع لتحقيق تراكم رأس المال والاستفادة من وفورات الحجم وإدخال التكنولوجيات الجديدة؛ مقارنة بغيرها من القطاعات الاقتصادية. (لا توظيف ولا تنمية بغير التصنيع، الأهرام، 8 يونيو 2014).
ووفاء بوعدي بتناول لاحق لبقية محتويات التقرير أوجز هنا بعضا مما أورده بشأن دور الدولة الحاسم في التصنيع، عبر سياسة صناعية يتمثل هدفها الرئيسي في قيادة تغيير هيكل الاقتصاد لإعادة بنائه علي صورة الدول الصناعية المتقدمة، بإزالة العقبات وتصحيح إخفاقات السوق في كل مراحل التنمية والتصنيع. ويبرز التقرير في هذا السياق أربعة أدوار للدولة: كجهة منظِمة تضع التعريفات الجمركية والحوافز المالية أو الإعانات؛ وكجهة مموِلة تؤثر علي سوق الائتمان وتخصيص الموارد المالية العامة والخاصة للمشاريع الصناعية؛ وكجهة منتِجة تشارك مباشرة في النشاط الاقتصادي من خلال المؤسسات المملوكة للدولة، وكجهة مستهلِكة تضمن سوقا للصناعات عبر المشتريات العامة. وتعرف مصر كل هذه الأدوار؛ وإن في سياق عشوائي بسبب فقدان غاية التصنيع وإرادته!!
ويشير التقرير الي تطور أدوار الدولة في التصنيع بمراحله: بمواءمة السياسات الزراعية والصناعية وإقامة أو دعم الصناعات التحويلية كثيفة العمالة والقائمة علي الموارد التي تتسم بانخفاض حواجز الدخول اليها، في المرحلة المبكرة من التصنيع. وبتحسين كفاءة الصناعة التحويلية والإنتاجية والتنويع وتطوير الهيكل الاقتصادي، في المرحلة الوسطي للتصنيع. والابتكار التكنولوجي وتحقيق التمايز برفع الجودة وابتكار منتجات وخدمات جديدة وتقنيات صديقة للبيئة، في المرحلة المتقدمة للتصنيع. وقد عرفت مصر قيام الدولة وخاصة بعد ثورة 23 يوليو بتنفيذ مهامها في المرحلتين المبكرة والوسطي للتصنيع، حتي صار التصنيع فريضة غائبة في مصر وجري وأد التصنيع قبل ولوج مرحلته المتقدمة والحاسمة، فدفعت الثمن الفادح لتخلفها وعوزها وتبعيتها!!
ويؤكد تقرير اليونيدو أنه يمكن للحكومات استخدام أدوات السياسات الاقتصادية لحفز التصنيع بالحد من تكاليف المدخلات حفزًا للاستثمار في الصناعة: بتطوير التعليم وتنمية المهارات وتشجيع الإبتكار وتوفير التمويل، من جهة، التنسيق بين السياسة الصناعية وسياسات المنافسة والتجارة والاستثمار الأجنبي المباشر وأسعار الصرف، التي تلعب دورا تكميليا مهما للسياسة الصناعية، من جهة أخري. ويضيف التقرير أنه علي الرغم من القيود التي تفرضها اتفاقات التجارة المتعددة الأطراف والثنائية لا يزال لدي الحكومات هامش استخدام أدوات السياسة التجارية لخدمة السياسة الصناعية، وخاصة باستخدام الحواجز غير الجمركية. كما يمكن للحكومات دعم القدرات التصديرية للشركات الصناعية بتوفير تمويل تنافسي وتشجيع البحث والتطوير وحفز برامج التدريب واستخدام سياسة سعر الصرف لدعم الصناعة التحويلية الوطنية.
ويبقي الحديث متصلا عن مستقبل التنمية في مصر، وسبيله التصنيع الذي يستجيب لتحديات عصر المعرفة واقتصاد العولمة، وأختم هنا مؤكدا يقيني بأنه علي مصر بقدراتها، التي مكنتها من انجاز مشروع قناة السويس العملاق، أن تثق في قدرتها علي اللحاق بركب الدول الصناعية بوضع وتنفيذ استراتيجية للتصنيع.