القاهرة 28 يوليو 2015 الساعة 09:46 م
مؤخرا احتفل الفنان عز الدين نجيب بعامه الخامس والسبعين?. ?نظم معرضاً? ?في أتيليه القاهرة بمناسبة عيده الماسي،? ?ضم لوحات تعود لمراحل مختلفة من مسيرة الفنان المستمرة منذ تخرجه في كلية الفنون الجميلة في العام? ?1962? ?لا يزال نجيب مؤمنا بدور الدولة في رعاية الفن،? ?حيث يري أن تجربة الراحل ثروت عكاشة،? ?والتي ترسخت في وجدان الفنانين المصريين في الخمسينيات والستينيات،? ?كانت جيدة،? ?لم تستبعد أحداً،? ?بل لم تفسد إلا بدخول أشخاص? ?غير مناسبين لمواقع المسئولية،? ?ثم بدأ التدهور عقدا وراء عقد،? ?لتتخلي الدولة عن دورها في الرعاية بشكل تدريجي?. ?
الفنان المولود في العام? ?1940? ?كان شاهدا علي هذه التحولات،? ?كما عايش تغيرات طرأت حينما دخل الفن المصري للسوق بعدما كان محروساً? ?في رعاية الحكومة?. ?خلال هذه المسيرة الممتدة تبدو مواقف وآراء نجيب مبدئية،? ?رغم مرور الكثير من السنوات تجده لم يغير قناعاته كثيراً،? ?بل يبدو وهو يستعيد العديد من الحكايات قد نسي المرارة الشخصية للمواقف،? ?ليقدمها بشكل ساخر مثل حكايته مع جمال العطيفي?. ?خلال جولة للأخير،? ?الذي شغل منصب وزير الثقافة والإعلام مارس? ?1976?- ?فبراير? ?1977،? ?في عهد الرئيس الراحل أنور السادات بالمعرض العام،? ?وقف الوزير أمام لوحة لعز الدين نجيب،? ?وبدا حائرا،? ?فقال للمحيطين به إن اسم هذا الفنان يذكرني ببلطجي تنشر عنه الجرائد،? ?وكان قد وصف بأنه مُتهم بتخريب البلاد كذلك?. ?حتي لا تستمر حيرة الوزير،? ?الذي كان من مشرعي دستور? ?1971،? ?تقدم منه نجيب وقال معترفا?: »?أنا هو?«. ?الموقف السابق كان خلال مدة قصيرة قضاها نجيب خارج الوزارة،? ?وقبلها وبعدها كان موظفاً? ?بوزارة الثقافة حتي العام? ?2000
لم? ?يعقد نجيب مراجعات فيما? ?يخص آراءه ضد التغريب في? ?الفن أو ما? ?يعتبره? "?شكلانية?" ?بلا أصالة أو هم إنساني،? ?حسبما? ?يوضح في? ?حواره معنا،? ?بل إنه? ?يعتبر أن العام? ?1974? ?كان فارقاً? ?في? ?حركة الفن،? ?حيث شهد هذا العام الإعلان عن تيار جديد? ?يلجأ للتغريب في? ?بينالي? ?الإسكندرية،? ?أذ شهدت هذه الدورة? ?بداية التحوّل من اهتمام الفن بالأصالة لصالح التغريب،? ?وهو ما أدي لبروز تيار? "?الشكلانية?" ?فيما بعد،? ?حسب تعبيره?. ?حول مسيرة الفنان المولود بالشرقية منذ? ?75? ?عاما،? ?والتي? ?تتقاطع بشكل لافت مع تاريخ من التحولات في? ?سياسات الدولة بشأن الثقافة طوال ما? ?يزيد علي? ?50? ?سنة،? ?كان حوارنا مع عز الدين نجيب?.?
حكاية
خلال الحديث توقف عز الدين نجيب قليلا،? ?ليروي حكاية عن الأخوين رزق،? ?اللذين توليا نفس المنصب بالتوالي،? ?حكي نجيب هذه الحكاية وسط الأجوبة،? ?كأنها في سياق منفصل،? ?حيث لم تكن إجابة عن أحد أسئلتنا،? ?لكنه أوردها كحكاية كشفت عن روح القاص،? ?التي عرف بها نجيب في الستينيات،? ?حيث يحكي نجيب أن المثال المصري عبد القادر رزق،? ?وكان رئيسا لإدارة الفنون الجميلة?. ?كان قبل ثورة? ?1952? ?يعمل أستاذا بكلية الفنون الجميلة،? ?ولجأ إليه أحد الهاربين بمنزله?.?
ضيف رزق كان متهما في قضية سياسية خطيرة،? ?وهي اغتيال وزير المالية أمين عثمان عام? ?1946،? ?وكانت هناك مكافأة للإبلاغ? ?عن هذا الهارب الخطير،? ?لم يستجب رزق لهذه الإغراءات ووفر الحماية لضيفه الشاب،? ?الذي صار فيما بعد رئيساً? ?للجمهورية?. ?مع مرور السنوات يبدو أن السادات كان قد نسي هذه الحكاية،? ?وقد كان نجيب قد سمعها من رزق،? ?ويعلق بقوله?:" ?كان لديه من الكبرياء ما يمنعه من طلب مقابلة الرئيس ليذكره بهذه القصة?". ?بعد وفاة رزق أعاد الأخ الأصغر للنحات عبد القادر رزق تذكير السادات بما جري،? ?حيث كان شقيق رزق،? ?وهو الرسام عبد الحميد حمدي،? ?قد اعتاد أن يحضر المشتريات لشقيقه وضيفه،? ?نتيجة لذلك نال حمدي وظيفة عبد القادر رزق،? ?بعدما صارت الإدارة الصغيرة إدارة عامة للفنون والآداب وصار حمدي موظفا كبيرا بدرجة نائب وزير،? ?بفضل حكاية الأخ الراحل،? ?وسيكون حمدي بطلا لحكاية فارقة في حياة نجيب كما سيوضح في هذا الحوار?.?
الدولة والفن
كنت قد ذكرت في مقال سابق لك بمجلة الهلال عام? ?2001? ?أن كل شيء تغير في دورة عام? ?1974? ?من بينالي الإسكندرية?.. ?هل توضح ما كنت تقصده بذلك؟
كانت هذه الفترة بداية عصر الانفتاح،? ?بعد استعادة الروح المطعونة والشرف،? ?أملنا كان عاليا لاستعادة مكانتنا مرة أخري،? ?لكن كانت النتيجة عكسية?. ?كانت الآمال كبيرة في هذه الفترة والإحباطات كذلك،? ?وانعكس ذلك علي الحياة الثقافية والحركة الفنية،? ?لأن الثقافة كانت تتراجع،? ?خاصة مع تولي يوسف السباعي لوزارة الثقافة عام? ?1975،? ?حيث كان معاديا بشدة للأفكار التي كانت سائدة في الثقافة المصرية خلال الخمسينيات والستينيات?. ?وبدأ الاهتمام بأمور أخري? ?غير البحث في مسألة الهوية،? ?وبدأ الفنانون يبحثون عن شيء آخر? ?غير الحلم الوطني وبدا أن أوروبا أصبحت معيارا لقياس مدي تقدم الفنان المصري?.?
ألم يكن ذلك بسبب المناخ السياسي ؟? ?
كنتُ? ?مديرا للمسافرخانة،? ?والأمن كان قد بدأ يحاصرنا،? ?وفي عام? ?1975? ?حبست من يناير ليونيو?. ?القضية التي دخلت بها السجن كانت قضية جماعة كتّاب الغد،? ?والراحل يوسف السباعي كان هو من أبلغ? ?عنّا?. ?
لكن التأثر بالغرب أمر شائع في تاريخ الفن المصري،? ?أقصد أن الرواد كانت لديهم علاقات بأوروبا مثلا ؟
لم يكن هناك استلاب للهوية عند الفنان المصري?. ?كان لدي البعض تجارب تُعبر عن الحداثة والأساليب الغربية،? ?لكن في المحصلة الأخيرة كان التفاعل نديا?. ?لا يري الفنان المصري أنه أقل من الأوروبي،? ?مثل تجارب جماعة? "?الفن والحرية?"?،? ?وعبد الهادي الجزار،? ?وحامد ندا،? ?وجيل الجماعات الفنية الذي بدأ يكبر في الستينيات،? ?لكن خلال السبعينيات لم تعد هناك هذه الندية،? ?أصبح التوجه السياسي للنظام يشجع علي هذا،? ?القضية الفلسطينية بدأت تنزاح من الاهتمام الرسمي،? ?بالتزامن مع المؤشرات السابقة علي توقيع معاهدة كامب ديفيد،? ?كل هذا جعل الحالة الفنية مرتبكة بشكل عام،? ?خاصة أن جيل السبعينيات لم يكن مسيسا،? ?أو منخرطا في التجربة السياسية مثل الأجيال السابقة له،? ?ربما كانت هناك حالة من اللامبالاة لدي أغلب التشكيليين وقتها?. ?وفي هذا التوقيت أيضا حدثت حالة من تبادل الأدوار،? ?من كان مهاجرا من الفنانين بدأ في العودة لمصر،? ?والأجيال الأحدث بدأت بالتفكير في السفر،? ?خاصة أن أيام الحرب شهدت حالة من التضييق علي السفر وكانت البعثات الفنية متوقفة،? ?لهذا بعد الحرب عادت البعثات لأوروبا،? ?وبالتالي حينما يقيم أي فنان منهم فترة
في أوروبا،? ?كان يري أن أوروبا?/ ?الغرب هي المجال الوحيد للاعتراف به?.?
الفنان الذي عاش ظروف الحرب،? ?وهي تجربة كبيرة بالتأكيد،? ?فيجد نفسه فجأة في أوربا بعدما كان يعيش داخل مجتمع مغلق،? ?أعتقد أنه من الطبيعي سيتأثر بالنموذج الأوروبي،? ?لا أقول إنه سينبهر،? ?علي الأقل سيلمس اختلافا ما بين شكل الحياة هنا وهناك،? ?ألا تقبل هذا التفسير؟
كان الواحد منهم يعود محمّلا بثقافة? ?غريبة وبعيدة? ?عن منابع الروح الوطنية،? ?مثل أعمال مصطفي عبد المعطي،? ?فاروق وهبة،? ?فاروق شحاتة،? ?وفاروق حسني كذلك?. ?الأخير سافر أوائل السبعينيات،? ?ليس لدي حصر بكل التجارب،? ?لكن هو مجرد تحليل?. ?لم يكن هناك جدل أو حوار بين التيارات المختلفة حتي تُصنع حالة مصرية،? ?لكن بالعكس كان المهتم بصناعة حالة مصرية يكون متهما بأنه شيوعي أو سلفي أو إخواني?. ?في هذه الفترة كان هناك اهتمام باللوحة الزخرفية،? ?وهي اللوحة الموجهة للسائح،? ?وكان في هذه الحالة هو المشتري العربي?.?
لكن لم يكن هناك سوق قبل ذلك؟
بالفعل شهدت السبعينيات بداية تشكل السوق،? ?قبل ذلك كانت الدولة هي المشتري الوحيد،? ?ولم يكن هناك سعر جيد للوحات،? ?كانت القيمة المالية الأبرز لأي لوحة لا تزيد علي المائة جنيه?. ?الدولة كانت تقدم المراسم وتنظم المعارض وتشتري الأعمال وهي جهة تنظيم منح السفر والتفرغ? ?كذلك?. ?كما كانت مسئولة عن تقديم الفنان وطباعة وترجمة المنشورات الخاصة بالمعارض?. ?كانت الوزارة بمثابة كفيل،? ?كان ذلك يبدو جيداً? ?ولم تكن هناك أية شروط?. ?الدولة كانت ترعي فنانين يقدمون التجريد وآخرون يرسمون السد العالي في الوقت نفسه?. ?أما مع تحولات السبعينيات كانت لوحة المنظر الطبيعي أو الأخري الزخرفية المتأملة في فنون الخط الحرفية هي التي تثير الاهتمام،? ?كان هذا? ?التيار يوازي التيار السائد الذي كان يميل فنانوه للتغريب?. ?بينالي الإسكندرية كان يجلب للمصريين أحدث صيحات الفن في أوروبا وأصبح الفنان يمكن أن يشاهدها هنا بدلا من أن يسافر للخارج?. ?داخل دورات هذا البينالي بدأ التوجه نحو قيم ما بعد الحداثة،? ?واستخدام الخامات والأعمال المجسمة والمركبة،? ?كل هذا كان يعرض بالتوازي مع إبداعات الفنانين الرواد،? ?أمثال حامد ندا،? ?جاذبية سري،? ?صلاح عبد الكريم،? ?سيف وانلي،? ?حامد عويس،? ?وأدهم وانلي كل هؤلاء كانوا الفرسان الذين وصلوا لقمتهم في السبعينيات?. ?كان هناك توازن نسبي بين عدة تيارات،? ?وفرصة للفنانين الشباب كذلك?. ?وقتها مثلا كنت مدعوا للمشاركة في بينالي الإسكندرية عام? ?1974،? ?رغم كوني محسوبا لدي الجهات الأمنية كمعارض للنظام?.?
هل تفتقد دور الدولة في الستينيات وأوائل السبعينيات،? ?وكيف تقيم هذه التجربة الآن؟
كانت الدولة أقرب لكفيل الفن،? ?ثم تركته للسوق الحرّ،? ?ليكون أسيرا لموجات السياحة والاتجاهات الغربية،? ?المشكلة أن الجمهور هو الخاسر،? ?وهو الطرف الغائب عن المعادلة?. ?قاعات المعارض كانت مفتوحة للمواطنين،? ?كنت تجد قاعة باب اللوق،? ?واجهاتها المطلة علي الشارع تعرض اللوحات للمارة،? ?كان ذلك يجذب جمهوراً? ?من عامة الناس?. ?كما كانت هناك قاعة كبيرة بالاتحاد الاشتراكي علي النيل?. ?بجوار سينما قصر النيل كانت قاعة إخناتون القديمة،? (?آخر شارع قصر النيل من ناحية ميدان التحرير?). ?وكان متحف الفن مواجها لها،? ?تم هدمه،? ?فيما بعد،? ?كل هذا كان في عهد يوسف السباعي وقد شهدت هذه الفترة خروج الجمهور،? ?وطالما أنه خرج فإن الفنان لن يهتم بوعي الجماهير،? ?بل سيكون جمهوره المهتمين بالفن الرفيع باعتبارهم نخبة،? ?فأصبح الفن نخبويا?. ?
لكن الفن نخبوي؟
صحيح هو كذلك،? ?لكن هناك فرقاً? ?أن يبدأ وينتهي عند النخبة كما لو أننا نتحدث مع بعضنا البعض فقط? !?
ألا تري أن رعاية الدولة للفنون كانت خاضعة لبعض الشروط ؟
لم تكن هناك شروط مكتوبة?. ?الاختيار كان يتم بموافقة الإدارة العامة للفنون الجميلة كان يرأسها المثال عبد القادر رزق،? ?ثم عبد الحميد حمدي?. ?مراسم وكالة الغوري كانت تخصص أيام ثروت عكاشة بعض الأماكن لمجموعات من شباب الفنانين وكانوا يأتون أياماً? ?بالتبادل مع بعضهم،? ?وكان هناك ما يشبه المدرسة،? ?مواد وخامات الرسامين كانت الدولة تحضر هذه الأدوات وأساتذة يدرسون لهم،? ?منهم علي الدسوقي وأحمد الرشيدي،? ?وغيرهم،? ?وكان مدخلهم للفن أنهم هواة بالوكالة?. ?كانت المراسم منحة? ?غير مشروطة وبلا سقف،? ?يقابلها مراسم في السناري كانت مخصصة لمشاريع التفرغ?. ?أبدع كمال خليفة،? ?وكان فنان أفانجارد ينتمي للحركة الطليعية،? ?العديد من أعماله فترة التفرغ? ?التي منحتها له الوزارة?.?
لم يكن هناك تمييز إيجابي للدعائيين أيا من كانوا يحتفون بالنظام ورموزه ؟? ?
لم يحدث هذا،? ?لكن الأمر تغيّر مع دخول أشخاص جدد مواقع المسئولية بالوزارة أيام السادات،? ?حينما كان يوسف السباعي يتجول بأحد المعارض كنا نسمعه يتهكم علي? ?لوحات حامد ندا?. ?أذكر واقعة ليوسف السباعي? ?في? ?مرسم حامد ندا،? ?حيث أخذ? ?يتندر علي ما وجده من اللوحات لأنها تجسد رسوماً? ?لأجساد أنثوية عارية? . ?كان الرسام موجودا بالمرسم،? ?لكنه لم? ?ينتبه لوجودنا،? (?يشير نجيب إلي أذنه?)?،? ?لم? ?يكن ندا? ?يسمع جيداً،? ?ربما لم? ?يعرف أن السباعي? ?جاء لمرسمه من الأساس،? ?وكأن هذه الزيارة لم تحدث? !?
سنوات التحوّل
هل تعرضت لمضايقات حينما كنت مديرا للمسافرخانة؟? ?
عبد الحميد حمدي،? ?رئيس إدارة الفنون الجميلة،? ?كان قد أحضر بلطجية وكسروا مرسمي? ?في? ?عام? ?1975? .?
لماذا؟
كنت قد وضعت لائحة تنظم العمل خاصة مع وجود مراسم مغلقة?. ?كانت ممنوحة لأصحابها من كبار الفنانين ولم? ?يتسلموها من العام? ?1966?.?? ?كانوا? ?يتعاملون مع الموضوع بوصفه تكريما من الدولة?..?هل? ?يسحب أحد التكريم!؟ لهذا كنت قد أعددت مشروعاً? ?لحل هذه الأزمة?. ?بعدما اعتمدت هذه اللائحة،? ?وجاء الراحل حسن سليمان كرئيس اللجنة المكلفة بإخلاء المراسم،? ?صدر أمر بوقف التنفيذ وتمّ? ?تحويلي? ?للتحقيق?. ?قام حمدي? ?باستدعائي? ?لمكتبه،? ?وقال لي? ?لا تذهب للمسافرخانة،? ?حيث كان? ?يتم إخلاء المرسم الخاص بي?. ?ألقي البلطجية بأشيائي? ?من الدور التاسع،? ?لم أصدق هذا،? ?فذهبت مباشرة للمرسم ورأيت الأشياء وهي? ?تلقي علي الأرض?.?
كيف خرجت من الوزارة؟
صرت بلا مرسم أو وظيفة أو مكتب،? ?ورفعت عدة دعوات قضائية،? ?وكسبتها في? ?النهاية،? ?لكن لم أرغب في? ?العودة لموقعي? ?السابق بالمسافر خانة،? ?وعملت بوكالة الغوري?.?
كانت لك حكاية مع جمال العطيفي? ?وزير الثقافة والإعلام أواخر السبعينيات،? ?ما هي؟
جاء العطيفي? ?بعد السباعي،? ?وكان هو أول من صّك مصطلح دولة القانون وسيادة القانون،? ?كان ذلك خلال أزمتي? ?ورفعي? ?للدعاوي القضائية?. ?وكانت أزمتي? ?موضوعاً? ?لحملات صحفية مؤيدة لموقفي? ?في? ?روز اليوسف برئاسة صلاح حافظ،? ?وكانت مجلة المصور المنصة المقابلة لها،? ?التي? ?شنت هجوما شديدا عليّ? ?وعلي الشيوعيين?. ?ادعوا أن المرسم،? ?الذي? ?طردت منه علي? ?يد بلطجية،? ?كان به ماكينة طباعة،? ?وأن مخططا لتفجير مصر وتخريبها كان? ?يعد به وغير ذلك من الأكاذيب?. ?خلال هذه الفترة شاركت بالمعرض العام،? ?وحينما كان العطيفي? ?يتجول وقف أمام واحدة من لوحاتي،? ?وكان بصحبة عبد الحميد حمدي،? ?تساءل الوزير أليس هذا هو البلطجي? ?الذي? ?تنشر قصته في? ?الجرائد،? ?فقلت له?: ?أيوة أنا هو،? ?وضحكت?. ?بعد ذلك عرض العطيفي? ?تنظيم جلسة? "?مصطبة?" ?للتصالح،? ?حسب تعبير الرئيس السادات،? ?وتابع الوزير?: "?بوصفي? ?أنا كبير العائلة الفنية أدعوك لأن تجلسا سويا لحل المشكلة?"?،? ?بالطبع رفضت هذا العرض مبررا ذلك بتمسكي? ?بتطبيق القانون،? ?وقلت له كيف تتم المساواة بين الجاني? ?والضحية? ?،? ?فكان رده?:" ?فيه استك والل? ?يشده لازم? ?يكون عارف حدود الشد إيه لو شديت جامد أنت الل حتتلسع بيه?"?،? ?بالطبع رفضت ما طرحه وقلت له أنا ملتزم بما ستقره المحاكم في? ?القضايا المنظورة أمامها?.?
كيف تقيم تجربة فاروق حسني? ?بالوزارة من? ?1987? ?حتي? ?2011? ?؟
كان يجيد تنظيم الأحداث ويروج لها إعلاميا،? ?كما كان يحشد لها لتكون لافتة لمن هم خارج البلاد،? ?ويجتهد علي حساب البنية الأساسية?. ?أذكر موقفه حينما كانت هناك دعوة لبيع عهدة الدولة من اللوحات بمتحف الجزيرة،? ?وكتب رءوف توفيق بمجلة? "?صباح الخير?" ?داعيا أن يجري البيع من أجل سداد ديون مصر،? ?وقتها تردد أنه كان قد تم منح الضوء الأخضر للحديث عن هذا الأمر،? ?وأن هناك نية لدي الحكومة للقيام بهذه الكارثة?. ?قمنا بالحشد لرفض هذه الدعوة،? ?وأخذنا تسجيلات وشهادات من ثروت عكاشة وغيره،? ?حتي لا تباع اللوحات?.. ?وحينما بدا أن الموضوع قد جذب الرأي العام تدخل حسني ونفذ مشروعاً? ?هو بناء مخازن علي أحدث مستوي،? ?ويتم ترميمها من وقت لآخر،? ?لكن المتحف نفسه،? ?لم يبن،? ?كان يتطلب خمسة ملايين تقريباً،? ?وظل مغلقا منذ ثلاثين سنة حتي الآن?. ?فاروق حسني كان تركيزه فيما يحدث دويا كبيرا،? ?لما الرأي يهتم يتدخل لحل المشكلة?. ?
شاركت في العديد من اللجان الثقافية? ?غير الرسمية،? ?مثل لجنة الدفاع عن الثقافة القومية،? ?ألا تري أنها أفكار قد تؤثر علي الانحياز الجمالي؟? ?
لجنة الدفاع عن الثقافة القومية كانت سياسية،? ?في مواجهة العولمة ضد التجريف واستلاب الهوية مثلا،? ?كنّا قد أصدرنا مجلة? "?المواجهة?"?،? ?للدعوة للاستقلال الوطني والحفاظ علي التراث الإنساني العربي وفكرة العروبة?. ?في الثمانينيات كانت العروبة فكرة يمكنها أن تصنع توازنا أمام الهيمنة الغربية?. ?حينما كانت القضية الفلسطينية،? ?صراع حياة أو موت بين قوي التقدم والهيمنة?.?
نظرة مختلفة للمستقبل?!?
لنتحدث عن طموحك الآن،? ?ما الذي يشغلك ؟
جمعية? "?أصالة?"?،? ?لكن قبل الحديث عن هذا النشاط أود أن أوضح علاقتي التي بدأت بالفنون الحرفية مع اكتشافي لعظمة الفنان المصري من خلال من تبقي من محترفي الفنون الحرفية خلال فترة عملي بوكالة الغوري،? ?لأنها كانت مصدر إشعاع قوي?. ?كان المبني مخصصا للحرفيين من أجل أن يكون هناك تفاعل?. ?فكرت في تأسيس مشروع يسمح للحرفيين بأن يكتسبوا المهارات من خلال الثقافة،? ?وليس عن طريق تفاعل الصنّاع الصغار مع شيوخ الحرفة?. ?كنت أحلم بأن أضيف لمواهبهم الثقافة والمعرفة،? ?وحينما أصبحت مسئولا عن الوكالة ومراكز الفنون التقليدية في مصر،? ?في العام? ?1992،? ?أخذت أبحث عن الحرفيين المهرة،? ?لكن كان ذلك صعبا،? ?وهو ما يعيدنا مرة أخري لمسألة علاقة الدولة بالفنون،? ?حيث كانت الميزانية المقدمة للوكالة أقرب لكناسة دكان،? ?لم تتجاوز مائة ألف جنيه،? ?وأكبر مرتب لحرفي يتراوح من? ?35? ?إلي? ?40? ?جنيها،? ?ومما ضاعف من ذلك عدم وجود إمكانيات لتعيين حرفيين جدد،? ?وقتها فكرت في تأسيس جمعية أصالة لرعاية الحرف التراثية والمعاصرة،? ?كان ذلك في العام? ?1994،? ?لتكون إطارا لدعم الوكالة وفنانيها،? ?وذلك بأن تقوم بشراء الأعمال بسعر يزيد علي قيمته الدفترية،? ?كأنها جهة تشتري الأعمال الفنية من الدولة وتبيعها بالسوق،? ?وتقدم نسبة من عائد الربح للفنان،? ?بحيث يكون هناك دعم للفنان والحرفة كذلك،? ?وقد مكنّا ذلك من إدخال فنانين جدد في الحرفة،? ?لأن الدولة لم تكن تسمح بالتعيين،? ?وبعد ذلك بدأت أعمل من خلال هذه الجمعية الأهلية،? ?ومن خلال علاقتي بفاروق حسني طلبت الدعم لإصدار موسوعة عن الفنون الحرفية في? ?سبعة أجزاء?. ?بعد ذلك تطوّرت الفكرة بأن أجعل الحرفي مكافئا للفنان التشكيلي،? ?حتي? ?يتساوي الفنان التشكيلي مع? "?الأسطي?" ?الذي يدق علي النحاس مثلا،? ?حتي لا يكون هدف ثروت عكاشة قد ضاع للأبد? ! ?
كيف تقيم تجارب الأجيال الأحدث؟? ?
الأجيال الأحدث تري أن العولمة ليست مشكلة،? ?هم نتاجها?. ?الفكرة أنها تلغي الحدود الجغرافية،? ?لكنها في جوهرها تفتح أسواق العالم لاحتكارات الرأسمالية،? ?لكنها الحلقة الأكبر،? ?صاحب القرار هو صاحب رأس المال،? ?وتمنح القشور باعتبارها مزايا،? ?مثل اتفاقية الجات،? ?التي لا تساعد علي خلق نهضة صناعية في أي بلد?. ?بالنسبة للجانب الثقافي بها بعدان متناقضان،? ?التنوع الثقافي عن طريق إبراز الثقافة الإقليمية المرتبطة بالتاريخ والحضارات،? ?وفي المقابل لها تحويل المنتج الثقافي للمراكز الأم إلي مقررات لمناهج الدول الأطراف،? ?فيصبح ما يطرح هو آخر أفلام أمريكا أو أحدث ما أنتجته خطوط الموضة بها،? ?بينما يصبح صاحب التراث الحضاري موجودا،? ?لكن في المتاحف فقط?. ?
لكن اللحظة الحالية تسمح بتفاعل أوسع؟? ?
لا يمكن أن يكون هناك تفاعل إذا كنّا أمام طرفين أحدهما عملاق والآخر قزم،? ?سيكون مكان القزم دائما أسفل قدم العملاق،? ?ونحن في عصر العولمة منذ? ?سنوات إلي ماذا وصلنا!؟? ?
لا تري أنك تدين الأجيال الأحدث بحكم ولادتهم في هذا الزمن؟
هم ضحايا،? ?منزوعو المعني الإنساني الأممي?. ?سوف أتنازل وأعتبر أن الهوية والتراث خارج اهتمام هذا الجيل لكونه لم يجد من يغذيه فكريا،? ?لكن لن تجد لديهم ما يعبر عن قيم إنسانية?. ?الفنان يجب أن يكون لديه علاقة بالوجود الإنساني والحقوق الكبري والكون?. ?إذا تأملت معرضاً? ?مثل صالون الشباب في أي دورة من دوراته لن تجد أكثر من? ?5?? ?من الأعمال تعبر عن هذه الاهتمامات،? ?وأغلب المعروض تجارب مستهلكة أو مغامرات شكلية بحتة،? ?ستجد أمامك خامات وأساليب نمطية أو? ?غير نمطية في التعبير،? ?لكن لن تجد فكراً? ?تعبر عنه الأجيال الجديدة،? ?فكراً? ?يؤسس لحركة?.?
لكن هؤلاء يشكلون مستقبل حركة الفن؟? ?
من الممكن أن يقدموا فنا جيدا في? ?المستقبل?.. ?لا أستطيع أن أصادر عما سيحدث فيما بعد،? ?لكن أريد أن أوضح أنا لا أرفضهم لخوائهم الفكري،? ?بل لاتباعهم لنموذج معين لا أحبه?. ?هم صيادون،? ?بمعني أنهم? ?يشاهدون نماذج ويعرفون أن هذا الأسلوب? ?يجلب لصاحبه الجائزة،? ?لتجد أن هناك لوحة مهرجان وأخري تصلح للفوز ببينالي?.?