القاهرة 27 يوليو 2015 الساعة 01:06 م
غالباً ما يحدث أن تتدخّل المعرفة المتكوّنة من خارج العمل الفني، في آليات تلقّيه وتفسيره وتفكيكه على مستوى الشكل والمضمون. يشتدّ ذلك في مواجهة أعمال تتناول قضايا مصيرية، سياسية أو اجتماعية، أو ذات علاقة بالوجود وأسئلته. وعلى رغم رفض عدد من النقاد هذا، اتكاءً على فكرة انغلاق العمل الفني على نفسه، باعتباره خطاباً مكتملاً بذاته، إلا أن تدخّل المعرفة المُسبقة يحدث، خصوصاً أن من أدنى تحديات هذا النوع من الأعمال أنه يتوجّه إلى مشاهدين عامرين بالمعرفة.
لعلّ فكرة «إفساد الرمز» في العمل الفني، التي يجري اللجوء إليها، تمثّل الآلية المضادة لطراز هذا التدخّل، وإشكالية المعرفة المسبقة، والمواقف الناجزة في الحياة، وغير القابلة للتطوير، بعمل فني، ثمة من يرى أن من مهماته التنوير لا التغيير! بالتالي، فإن «إفساد الرمز»، يأتي عملياً بغية النجاة من فكرة القولبة والتنميط والتبسيط، ومن القيام بإعادة تنضيد العمل الفني في شكل يسيء غالباً إلى كون العمل الفني حياة نابضة، تدمّرها التدخّلات الجراحية (التحليلية) من خارجه.
«غداً نلتقي»، المسلسل السوري الأكثر تميزاً هذا العام، عن نصّ كتبه إياد أبو الشامات، بالتعاون مع مخرجه رامي حنا - العمل الذي يحاول قراءة الحال السورية من خلال مجتمع سوري موقت، بدا كأنه المعادل الدرامي للحال السورية الدائمة، التي نحسّها وندركها من دون أن نراها - لم يتردّد في «إفساد الرمز»، وذلك بإسناد الدورين الأساسيين لممثلين (عبدالمنعم عمايري، ومكسيم خليل) يتبادلان الموقف في الحياة عنه في الموقف الدرامي. هذه معرفة فائضة من خارج العمل، ولكنها تتدخّل بحسم. وإذا كان الأداء التمثيلي كشف عن براعة كليهما، فمن نافل القول إنه كان لكل منهما أن يتبادل مع الآخر أداء الدور، وبالبراعة ذاتها، ليُستكمل التقاطب الحاد، حينها، بين من هم مع، ومن هم ضد، وهذا ما لا يريده «غداً نلتقي» أبداً.
«إفساد الرمز» يلعب دوره كاملاً هنا، أولاً ليطيح بتقسيمة: «دراما موالاة»، و«دراما معارضة»، التي استُهلكت على مدى 4 سنوات، وبات من الممكن تجاوزها مع الموسم الدرامي الخامس، بعد 2011، وربما ريثما يأتي «جنيف 10»، على ما يقول «أبو رياض» (فوزي بشارة)، الباقي لاستقبال لاجئين سوريين جُدد، وليعرض عليهم ميزات غرفة بتنا نعرف تاريخها. إنها غرفة «وردة العبدالله» (كاريس بشار) التي رأى بعضهم أنها (رمزاً) المعادل الدرامي لسورية ذاتها، المعذّبة ما بين موال ومعارض، والتي اعتنى العمل بإفساد رمزيتها، على الأقل من خلال سفرها إلى فرنسا، إن شئنا تجاوز موضوع الـ37 ألفاً وخمسمئة ليرة لبنانية. الإفساد ذاته الذي سيطاول «أبو ليلى» (تيسير إدريس)، الذي رأيناه أخيراً على «البلم» ذاته.
إفساد الرمز في «غداً نلتقي» نباهةٌ وذكاءٌ وركنٌ أساس في نجاحه.