القاهرة 02 يوليو 2015 الساعة 01:35 م
حتي صباح الاثنين الماضي.. كنا نتعامل مع انقلاب الشاشات الصغيرة منذ بداية شهر رمضان باعتبار أنه أمر معتاد. وأن الحياة ماهي إلا مجموعة مسلسلات متتالية مستمرة من الصباح للمساء. تخترقها مجموعة من الإعلانات في كل الأوقات والمواقف حتي جاء اغتيال النائب العام هشام بركات ليذكرنا بأننا كنا نعيش في الوهم ونتعامل معه علي أنه الحقيقة. فالأعمال الفنية لا يجب أن تنسينا الواقع سواء بالمحتوي أو باسلوب العرض وكثافته خاصة. إذا كانت أغلب هذه الأعمال بعيدة عن الواقع أو لا تضيف كثيراً الي رؤيتنا له. وهو رأي مبدئي وليس نهائيا إلا بعد نهاية عرض هذه الأعمال مع نهاية رمضان.. ودراسة ما قدم والتوقف عند أسئلة ضرورية مثل علاقة هذه الأعمال بما نحتاجه الآن من أفكار ورؤي في وقت صعب.. ولماذا يتراجع التعبير عما نواجهه في الشارع المصري من إرهاب وعنف وفوضي وممارسات مرفوضة وأيضاً قضايا التعليم والصحة.. يتراجع ولا نري له صدي علي شاشات الدراما في رمضان.. صحيح أن هناك مسلسلاً ممنوعاً من العام الماضي من تأليف بلال فضل واخراج خيري بشارة ولكن الرد علي هذا لا يكون بالامتناع عن تقديم أعمال جريئة وإنما المزيد منها مع المطالبة بالافراج عن المسلسل الممنوع.. وربما كانت أكثر الأعمال الدرامية جرأة هذا العام هي "تحت السيطرة" و"حارة اليهود" و"أستاذ ورئيس قسم" ثم "قبل البداية" إضافة! "حق ميت".. ومن المؤكد أن "تحت السيطرة" يقف وحده في منطقة لا ينافسه فيها أحد. فهذا المسلسل الذي كتبته مريم نعوم التي قدمت في العامين الماضيين "سجن النساء" و"ذات" وشاركها في كتابة القصة مخرجه تامر محسن في ثاني عمل تليفزيوني له بعد "بدون ذكر أسماء" عمله الأول عام 2013 من تأليف وحيد حامد.. مسلسل يطرح علينا اسلوباً مختلفاً في تناول القضايا الخطيرة اجتماعياً وهي قضية المخدرات بكل أنواعها. والتي كشف تقرير أخير عن تجاوز عدد المدمنين في مصر رقم الأربعة ملايين. والقضية هنا ليست قضية المدمن. أو المدمنة. وإنما تخص الأسرة والأصدقاء والمعارف. تخص مشاعر وعلاقات ومحبة وكراهية وقدرات يتحملي بها البعض ويتجاهلها البعض الآخر فنحن أمام صورة مجتمع مصغر يقدمه المسلسل من خلال بطلته مريم "نيللي كريم" التي كانت مدمنة وتعافت وسافرت الي بلد أخري وأحبت وتزوجت وبعد عودتها تبدأ متاعبها من جديد حين تعود لأجواء الماضي وتقابل أصدقاء الأمس.. يطرح العمل بدقة وبراعة أهمية المناخ العائلي في صناعة الأزمة أو اخمادها ودور الإرادة الصلبة في تقديم المساعدة وقيمة احترام الصدق والشفافية في الافلات من نداء العودة للمخدر وهو ما نراه في علاقة مريم بزوجها حاتم "ظافر العابدين" وصديقها القديم الذي تحول لمعالج "هاني عادل" والصديق الذي انتكس "أحمد وفيق" وزوجته الشكاكة. ثم دائرة أخري من الصديقات منهن من تواجه المشكلة مع ابنتها الطالبة "جيهان فاضل" وكيف يتصل أبناء المخدرات ببعضهم البعض وكيف يحصلون عليها بسهولة فائقة ولو في الجبال! وبالطبع مسألة التحول من نوع لنوع وصولاً لحقن النفس وتجاهل كل النداءات.. نحن أمام عمل كبير يضعنا جميعاً في قفص الاتهام. فليس المدمنون والمتعاطون وحدهم هم المدانون. وإنما كل من شارك في تهيئة الظروف ودفعهم الي هذا.. ومازال نصف المسلسل مجهولاً.
حارة اليهود حارة المصريين
في مسلسل "حارة اليهود" مفاجأة من خارج الصندوق المعتاد لأفكار الدراما التليفزيونية. لكنها نفس الدراما التي توقفت سريعاً عند اليهود في المجتمع المصري في حلقات ثلاثية "الهجان" من قبل غير أن التوقف عن الحارة هنا كمقر رئيس لأحداث المسلسل هو استعادة لزمن ومناخ وحقبة حقيقية في تاريخ مصر المعاصر. ومن منظور اجتماعي أراد به كاتب العمل د.مدحت العدل التأكيد علي معدن المصريين وقناعاتهم بالمواطنة قبل أن تفلح المؤامرات والأعمال التخريبية لأنصار الصهيونية الذين أرادوا تقديم تبرير لانشاء دولة إسرائيل وقبل أن ترفع جماعة الإخوان المسلمين مستوي عملياتها التخريبية ضد اليهود المصريين ومحلاتهم وضد كل المصريين.. تبدأ الأحداث هنا عام 1948 حين كانت مصر هادئة مستقرة وفلسطين يتم اغتصابها وبالتالي النداء علي شباب اليهود للذهاب إليها وهو ما فعله "موسي" ابن "هارون" صاحب محل المانيفاتورة في الحارة. وفي نفس الوقت يشارك الشاب "حسن" ابن أحد رجال الحارة في هجمات الجماعة وتتصاعد لغة الحوار لليهود باسم الدفاع عن الإسلام ليقف أهل الحارة. أغلبهم. في وجه هذه الموجة مساندين لهارون غير أن الأحوال لا تعود كما كانت بسبب فراق ليلي اليهودية وحبيبها علي ابن المعلم حسين بعد أن أوشكت علي التضحية بنفسها والزواج ممن دفع ديون ابيها بعد حرق محله.. قصة الضابط علي "إياد نصار" الذي ذهب ضمن الجيش المصري الي حرب 48 وأسره ومحاولات قتله وعودته من أجمل قصص هذا العمل والتي ساهمت في ابراز قضية التسامح الاجتماعي إلا أن ما يثيره من الأسئلة كثير في ظل ما يطرحه من صور وشخصيات وأفكار استطاع مخرجه محمد العدل تحويلها الي لقطات نابضة بالحياة وإدارة ممثلين عي درجة عالية من الموهبة والاحتراف معاً مثل منة شلبي وريهام عبدالغفور وإياد نصار وأحمد كمال وسلوي محمد علي وهالة صدقي وأحمد مدحت وسامي العدل وغيرهم.
أستاذ ورئيس قسم
في مسلسله الجديد "أستاذ ورئيس قسم" يقترب عادل إمام من السياسة المباشرة من جديد بعد "فرقة ناجي عطا الله" عام ..2012 هنا السياسة المصرية والزمن قبل 25 يناير 2011 وبعده. والبطل دكتور جامعي بكلية الزراعة ولكن شأنه السياسي أكثر تأثيراً علي طلبته وطالباته. خاصة أبناء زوجته السابقة "نجوي إبراهيم" من زوجها الثاني حسونة بك بركات "يوسف فوزي" أحد رجال الحكم قبل يناير.. فوزي جمعة هنا ليس مجرد شخصية درامية يتقمصها عادل إمام بعد مشوار طويل مع شخصيات مختلفة ومتعددة ولكنها جسر يريد من خلاله هو والمؤلف يوسف معاطي تقديم رؤية للأحداث في مصر ابتداء من ثورة يناير.. أما أين ينتهي المسلسل في حلقته الثلاثين فهو مالا نعرفه ومن المؤكد أن اختيار شخصية بطل درامي ينتمي الي اليسار لم تأت اعتباطاً لدي الكاتب والبطل وأيضاً المخرج وائل احسان.. وإنما سبقتها بعض المشاهد في أعمال سابقة حول اليساريين وكيف يفكرون مثلما رأينا في فيلم "السفارة في العمارة" وتلك السخرية من العائلة اليسارية التي تنتمي إليها بطلة الفيلم وتتعامل باحترام ومساواة مع الشغالة. وهو ما يعود إليه الكاتب هنا من خلال شغالة أخري. تقوم بدورها صفاء الطوخي. وتبدو من خلال ثقافتها وتعاملها مع ضابط حضر للمنزل للقاء الدكتور تبدو امرأة مثقفة محترمة تنال اعجاب الضابط "ياسر علي ماهر" قبل أن يكتشف وضعها فيسخر منها ويشتمها في مشهد من أهم المشاهد الكاشفة عن الطبقية الكامنة لدي فئات كثيرة في اطار دراما تلعب علي المفارقات الاجتماعية والسياسية وتسيد مفاهيم التعامل من خلال الولاء مقابل الصفقات وهو ما نراه خلال علاقات أساتذة الجامعة ببعضهم البعض وبمن هم قريبون من السلطة وأيضاً علاقات أهل السلطة وسعيهم للمصاهرة للحفاظ علي المركز والمال. وربما كان هذا المسلسل أول مسلسل يعيد تقديم أحداث 25 يناير وما حدث في ميدان التحرير ونظام الخيام من خلال وجود بطله الدكتور المعارض ومؤيديه ولكن عدم تحديد الوقت هنا جعل بعض المشاهد تبدو مختلفة عما رأيناه وسمعناه طوال أيام الميدان الثمانية عشر في دراما لا تتعمق حتي الآن في الأحداث بقدر ما تحاول استعادتها ومحاولة تصنيفها.
حق ميت وحقوق الأحياء
يطرح هذا العمل اسمين جديدين هما مؤلفه باهر دويدار ومخرجه فاضل الجارحي وأيضاً بطله الذي يكتب اسمه لأول مرة كبطل أول لمسلسل تليفزيوني وهو حسن الرداد في دور "نادر" الشاب المكافح. سييء الحظ. الذي يعول أمه وهو وحيدها "دلال عبدالعزيز" ويحب فتاة بلا أسرة "إيمي سمير غانم" يتضح أنها كانت لقيطة تربت في ملجأ مع لقيط آخر أصبح بمثابة الشقيق لها "محمد سلام" ولما كبرا ذهب كلاهما يبحث عن ملجأ آخر. وحياة شريفة قبل أن تغتالهما عصابة تتاجر بالفتيات الصغيرات وربما كانت هي المرة الأولي التي تموت فيها البطلة بعد الحلقة الثانية عشرة غير أن المسلسل يحفل بخطوط متعددة وقصص مثيرة للتأمل والتفكير حول علاقات الناس وخباياها سواء في محيط العمل "في مكاتب المحامين" أو ورش النجارة أو حتي داخل السجون إضافة الي دراما جانبية تخص رجال الأمن في علاقتهم بالأحداث والبحث عن مجرمين بدون أدلة دامغة وهو ما نراه من خلال رجل أمن "أحمد عبدالعزيز" منقسم بين عمله ورعاية ابنته الوحيدة وقصة أخري تخص الإعلام. في مطاردته للأحداث وكيف تتحول مقدمة برنامج شهير "صبا مبارك" الي محققة وقاضية وجلادة من أجل انجاح برنامجها وزيادة إعلاناته حتي تزداد أرباحها ونفوذها وهو خط يبدو في قمته مع بداية المسلسل لكنه يتراجع تماماً حتي يأتي حدث آخر ليصبح هنا ضمن الأجزاء الهامة المعطلة لهذا العمل الذي يكشف عن فنانين جدد واعدين في مجال التصوير "يوسف لبيب" والمونتاج "نادية حسن" مع موسيقي متفاوتة التأثير للموسيقار السوري رعد خلف.
بعد البداية
في عمله الأول كبطل درامي يكشف الممثل طارق لطفي عن المزيد من القدرات في تقمص كل جوانب الشخصية وعن لياقة بدنية عالية جعلت من مشاهد الحركة العديدة في هذا العمل أمراً سلساً وممتعاً بالطبع من خلال إدارة المخرج "أحمد خالد مرسي" وهو اسم جديد علي دراما التليفزيون. بينما يعمل الكاتب عمرو سمير عاطف منذ سنوات طويلة ولديه خبرات كبيرة في كتابة دراما التشويق وهو ما يقدمه هذا المسلسل منذ حلقته الأولي حين يكتشف بطله "عمر" الكاتب الصحفي أنه محكوم عليه بالموت. وأن الخبر نشر فعلاً وحين يحاول مناقشة رئيس تحرير الجريدة التي يعمل بها يكتشف أنه يراوغه وأن الموقع المرشح له قد ذهب الي زميلة معدومة الموهبة والقدرات فيبدأ في الفرار من حلقة ومؤامرة تدبر له من قبل جهة أمنية ترسل فرقة لمطاردته واقتناصه بعد الإعلان عن موته فعلاً وهو الكاتب الشهير.. الملاحظة الأكثر أهمية هنا أن "عمر" يهرب من مطاردات دائمة ومستمرة لأسباب لا يطرحها المسلسل تحديداً حتي الحلقة الثانية عشرة. فهو يحارب الفساد ولكن هناك حلقة مفقودة في الدراما تخص أطراف أخري لابد من وجودها حتي لا يصبح التشويق من أجل التشويق فقط في عمل يحفل بعناصر الجودة كالتصوير والمؤثرات والاضاءة إضافة الي فريق جيد من الممثلين والممثلات من أجيال مختلفة بينه سناء شافع وفاروق والفيشاوي ومحمود الجندي وتميم عبده الي خالد سليم ودرة وروجينا ونبيل عيسي وغيرهم.
في المجمل. فإن مسلسلات القضايا العامة هي الأكثر أهمية هذا العام مع وجود عدد آخر من مسلسلات القضايا الخاصة مثل "الكابوس" لغادة عبدالرازق و"طريقي" الذي يقدم قصة كفاح مطربة أحبت الغناء منذ طفولتها بأداء شيرين عبدالوهاب و"مريم" الذي يقدم قصة امرأة تعاني من أجل طفلتها وشقيقتها التوأم وتكالب الطامعين في ثروتها بأداء "هيفاء وهبي" وهي أدوار وبطولات أقل مما حصلت عليه المرأة في رمضان الماضي والتي قدمت عشرات الأدوار التي قدم بعضها للمرة الأولي مثل السجانة في "سجن النساء" والسيدة الأولي وغيرها من الأدوار الهامة.. أخيراً.. فإن هناك أعمالاً أخري قد تنافس هذه الأعمال أو تتفوق عليها سوف يتاح لنا رؤيتها عبر موقع "يوتيوب" أحد الانجازات الهامة في عالم العودة الي أي عمل فني وهو ما يجعل المشاهد المتمكن قادر علي اصدار احكامه بنزاهة تامة.