القاهرة 02 يوليو 2015 الساعة 01:19 م
فاز النائب العام الراحل المستشار هشام بركات ب "الشهادة" فداء عن مصر والمصريين جميعاً. في شهر رمضان. وهو صائم. وفي طريقه لعمله كمحام للشعب وأحد حراس العدالة.
وفاز الشعب المصري بجرعة إصرار جديدة علي مواصلة الحرب ضد الإرهاب والإرهابيين. زادته تلاحماً وتصميماً علي الاستمرار في الدفاع عن حقه في الحياة الآمنة. وفي التقدم.
وفازت "30 يونيو" بدليل عملي جديد ودامغ. يؤكد أنها تعبير عن إرادة شعب. وضمير أمة. وأنها كانت حتمية. وأنها علي الطريق الصحيح.
فلا يعادي "العدالة" ورموزها إلا "مجرم" وما كان لمصر أن تقبل أن يستمر في حكمها مجرمون.
لقد تأكدت حتمية وصحة "30 يونيو" بجريمة الاغتيال. ربما أكثر مما كانت ستتأكد بفرحة الاحتفال.
***
ما الذي فازت به الجماعة الإرهابية وتوابعها من وراء ارتكابها هذه الجريمة؟!
لقد أضافت صفحة سوداء جديدة إلي كتاب تاريخها الدموي في التعامل مع المصريين. وأكدت عداءها الدفين للعدالة ورجالها. واستمرارها علي نفس المنهج.
الجماعة الإرهابية التي اغتالت المستشار هشام بركات في ذكري 30 يونيو.
هي نفسها التي اغتالت القاضي الجليل أحمد الخازندار عام 1948. بتوجيه من مؤسسها ومرشدها العام حسن البنا. لأن الخازندار كان يتولي ملف قضية تتعلق بجرائم الجماعة.
هي نفسها التي عندما أصبحت في السلطة لأول مرة عام 2012. حرضت علي حصار المحكمة الدستورية العليا لإسكات صوتها الذي ينطق بالحق والعدل. وابتدعت في دستور 2012 نصاً يشطب نصف قضاة المحكمة عند إعادة تشكيلها.
هي نفسها أيضا التي اغتالت قضاة العريش الثلاثة قبل نحو شهر.
لقد قطعت الجماعة الإرهابية وتوابعها آخر الخيوط التي كان يمكن أن تبقي لها مع المصريين.
***
منذ أسبوع فقط. كانت الجماعة الإرهابية تطرح. من خلال بعض ذيولها. مبادرة للمصالحة.
المبادرة. وقد تناولتها في مقال الخميس الماضي. خارج أي سياق. وبعيدة عن أي منطق. إذ تضمنت شروطاً ومطالب للجماعة. دون أن تقدم في مقابلها أية التزامات أو تعهدات.
والمفروض. أن الجماعة الإرهابية تسعي بالمبادرة. للمصالحة مع الشعب وليس مع النظام لأنها لا تعترف أصلاً بالقيادة الحالية بدليل أن أول بند في المبادرة هو الدعوة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
الآن. يتبين أنها كانت تقدم المبادرة بيد. وتخطط لاغتيال النائب العام باليد الأخري.. كيف يتصالح معها الشعب وهي تغتال محامي الشعب.. هذه نقطة.
نقطة ثانية.. كان يمكن لو وقعت جريمة اغتيال النائب العام في توقيت آخر. أن يلتمس الرأي العام العالمي الذي تضلله الجماعة. العذر لها في ذلك. وهو أنها جماعة "معتدلة" تعرضت لظلم داخلي من خلال ما تزعمه من "قضايا مسيسة" و"محاكمات جماعية". وأحكام بالإعدام والسجن المؤبد إلي آخره طالت قياداتها العليا ورموزها.
لكن وقوع الجريمة في التوقيت الذي حدثت فيه. مع سلسلة هجمات إرهابية عالمية في الكويت. وفرنسا. وتونس. أدانها العالم كله. ورأي فيها جرائم عدوانية غير مبررة. وضع جريمة اغتيال النائب العام في ذات السياق. ونزع عنها أي ادعاء بأنها رد فعل علي ظلم تتعرض له.
***
إن القضاء المصري يخصص وقتاً طويلاً. ويبذل جهداً كبيراً في محاكمة قادة وأعضاء الجماعة الإرهابية وتوابعها عن جرائمهم التي ارتكبوها في حق الوطن والشعب. سعياً إلي تحقيق العدالة. ويوفر لهم كل ضمانات المحاكمة النزيهة أمام قضاتهم الطبيعيين. التزاماً بنصوص الدستور المصري. واحتراماً للمعايير الدولية.
لدرجة أن القاضي. في بعض هذه المحاكمات. يري أحياناً بأم عينيه خلال بعض الجلسات قادة الجماعة الذين أمامه في قفص الاتهام. وهم يتبادلون التهاني مع بعضهم. ويرفعون أيديهم بعلامة النصر فور سماعهم لأي خبر عن وقوع عملية إرهابية. بما يجسد عقيدتهم الإرهابية. لكنه لا يستطيع أن يحكم بما يري. لأنه ملتزم بما هو مدون أمامه في أوراق القضية فقط.
ورغم ذلك. تنطلق أبواق الجماعة الإرهابية والمؤيدين لها. أو المخدوعين بها في الخارج. في حملة شرسة ضد القضاء المصري. تشكيكاً في نزاهته. ونيلاً من استقلاله وعدالته. عقب أية أحكام يصدرها بإدانة قيادات الجماعة وإرهابييها.
وتضطر الدبلوماسية المصرية بدورها أن تخصص وقتا طويلاً. وتبذل جهداً كبيراً. في صد هذه الهجمات الممنهجة دفاعاً عن سيادة الدولة واستقلال ونزاهة قضائها.
ما قول المدافعين عن الجماعة الإرهابية. ورافعي رايات حقوق الإنسان والمعايير الدولية الآن. وهم يرون الجماعة الإرهابية وقد أصدرت حكماً نهائياً وباتاً بإعدام النائب العام المستشار هشام بركات. ونفذته. ليس شنقاً ولا رمياً بالرصاص. أو حتي بالكرسي الكهربائي. بل بنصف طن من المتفجرات. دون تحقيق. أو فض أحراز. أو الاستماع إلي طلبات ومرافعة الدفاع. أو شهادة شهود. أو انتظار استئناف أو نقض؟!
***
إن دماء النائب العام. مثل دماء كل من سبقوه من المصريين إلي طابور الشهداء. هي في رقبة قادة الجماعة الإرهابية.. مرشدها العام محمد بديع. والمعزول محمد مرسي. وكل من يحاكمون الآن في قضايا الإرهاب والتخابر وغيرها.
ولن يقنع المصريون. ولن يهدأ لهم بال إلا بالقصاص.. ليس فقط عن الجرائم السابقة. بل لوقف أية جرائم أخري محتملة.
وبالطبع فإن من حق الدولة أن تتخذ كل الإجراءات السياسية والأمنية التي تراها ضرورية للحفاظ علي أمنها وسلامة أراضيها ومواطنيها.
لكن. إلي جانب ذلك. سيجئ الوقت الذي تصبح هناك أحكام نهائية وباتة بالإعدام في حق قادة الجماعة الإرهابية. بعد استنفاد كل درجات التقاضي في القضايا التي يحاكمون فيها.
أي أن مصيرهم سينتقل من يد السلطة القضائية. إلي السلطة التنفيذية. التي تملك تنفيذ الحكم. في التوقيتات التي تحددها. والظروف التي تناسبها.
ولابد أن تصل رسالة إلي قادة الجماعة المحكوم عليهم بالإعدام. وإلي أتباعهم من خلالهم. إلي أنه رغم أن أحكام إعدامهم أصبحت نهائية وباتة. وعن جرائم ارتكبوها بالفعل. فإن مصيرهم أي تنفيذ هذه الأحكام مرهون بسلوك جماعتهم وتوابعها من الفصائل المختلفة. في الشارع وتجاه الشعب المصري.
وأنه مع كل جريمة إرهابية جديدة. أو اغتيال لشخصية مهمة. سيتم تنفيذ الإعدام المقرر في واحد أو أكثر من القيادات العليا للجماعة.
هذا وقت للحسم وليس لتقبل التعازي.
واستشهاد المستشار هشام بركات أحد بشائر النصر علي الإرهاب. تماماً مثلماً كان استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض أحد بشائر النصر علي إسرائيل.
العدو واحد.. ورياض كان رئيساً لأركان الجيش المصري.. وبركات. بمنصب النائب العام الذي شغله كان رئيساً لأركان القضاء المصري