القاهرة 16 يونيو 2015 الساعة 03:09 م
• منتصر ثابت:
استفادت المونودراما من التطور العلمي والنظريات العلمية والنفسية والمدارس النقدية الحديثة.
• مصطفى الحمداوي:
الواقع يثبت أن هذه الكتابة كانت خجولة دائما ومحصورة ضمن دائرة أسماء بعينها.
• مأمون الحجاجي:
تطور المونودراما مرتبط بتطور أدوات المسرح عمومَا.
• أسامة عكنان
العولمة عملت على تضاءل دور المسرح ومن ثم المونودراما.
• عمار نعمة جابر
كاتب مسرحي من العراق يقول: لازال النص المسرحي يمتلك دورا كبيرا في تقنية بناء العرض المسرحي
رغم أن جذور المونودراما تعود لبدايات الدراما الأولى الإغريقية القديمة التي ينفرد بها البطل بحديث مطول خاص به بينما ينصت الجميع حتى يتسنى له إنهاء حواره.إلا أن التوثيق اعتبر نشأتها بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة الهزات التي تعرض لها العالم والتي تمخض عنها العديد من التوجهات والمدارس الفنية سواء في المسرح أو في الفنون بشكل عام، ثم تبلورت إبان الحركة الرومانسية التي اجتاحت أوربا منذ النصف الثاني من القرن العشرين، ثم مرحلة النهضة التي امتازت بالجودة اللغوية والبلاغية على حساب الفعل الدرامي.
وظلت في تقدم وتراجع على مدى عصور طويلة حتى استقر بها الحال على ماهي عليه اليوم.
فكان لابد من طرح سؤالاَ هامَا على كتاب المسرح العربي: هل تقنيات الكتابة للمونودراما اليوم تتطور؟ وما هي شروط كتابتها؟
الكاتب المصري منتصر ثابت يقول: التطور هو سمة الحياة والجمود هو بداية الضعف والتطور لازم لمواكبة إيقاع الحياة ذاتها، والمسرح بصفة خاصة يقدم عالما جديدا متفردا في كل لحظة ويكفى أن نلقى نظرة إلي المذاهب المسرحية من كلاسيكية ورومانسية وطبيعية وتعبيرية وواقعية وسريالية وعبثية وغيرها لنرى كيف حرص المسرح على أن يكون نابضا بالحياة رافضا للجمود والتحجر مناقشا حتى لمفاهيم الحداثة وما بعد الحداثة ولم تكن المونودراما بعيدة عن هذا التطور ليس في التقنيات فحسب ولكن في الرؤية والتأثر بالمدارس الحديثة ولا سيما المدرسة النفسية والتي تأثرت كثيرا بكتابات وأبحاث سيجموند فرويد والتحليل النفسي وبخاصة أن المينودراما تعتمد على الممثل الواحد والذي يعتمد تصاعد الحدث المسرحي والفعل الدرامي فيه غالبا على الحالة النفسية للشخصية وتجلياتها المختلفة. نعم استفادت المونودراما من التطور العلمي والنظريات العلمية والنفسية والمدارس النقدية الحديثة. ومن يكتب هذا الفن الصعب عليه أن لا يكتفي فقط بموهبة الكتابة للمسرح ولكن أن يمتلك القدرة على تقديم حبكة قوية ومشوقة من خلال شخصية واحدة وأن يحافظ على التصاعد الدرامي مستخدما الحيل المسرحية المختلفة حتى لا يصاب القارئ أو المشاهد بالرتابة والملل واعيا بالدراسات النفسية الحديثة وإمكانيات المسرح الحديثة التي تستطيع أن تساعده في نص يتمتع بالسحر المسرحي للمتلقي
الكاتب المغربي "مصطفى الحمداوي" يقول: الكتابة المونودرامية ينبغي أن تتطور تبعا لتطور المجتمع العربي، ولتطور الأحداث في الوطن العربي، الأحداث السياسية والاجتماعية التي تشكل غالبا المجال الخصب الذي ينهل منه خيال الكاتب. في المقابل ينبغي كذلك أن نعترف بأننا نمر بمرحلة صعبة، أحداث مأساوية في الوطن العربي تؤثر لا شك على أكثر من مستوى، وبالتالي لن نفاجأ بتراجع العديد من المجالات الثقافية التي كانت أكثر ازدهار في الماضي، ولم تواكب تطور المجتمع، ولم تساير أيضا تطور الفنون والثقافة في العالم المتحضر. وهنا ينبغي أن نشير إلى المسرح والأعمال الدرامية التي شهدت تراجعا مهولا في الوطن العربي. وبالتطرق إلى المسرح، وارتباط فن المونودراما بالمسرح باعتباره أحد أهم أشكال الفنون المسرحية جذبا وصعوبة وتعقيدا، نلاحظ جليا تراجع المسرح أيضا على الساحة العربية وهنا لسنا في حاجة كي ندخل في تفاصيل شرح سبب هذا التراجع الكبير.
من الصعب أن نجزم، بكلام مقتضب، ما إذا كانت الكتابة المونودرامية تتطور مع الزمن أم أنها تظل جامدة، فالواقع يثبت أن هذه الكتابة كانت خجولة دائما ومحصورة ضمن دائرة أسماء بعينها، بل الأكثر من ذلك غالبا ما رأينا مخرج وممثل مسرح المونودراما هو نفسه من يكتب في هذا الفن، وبالتالي يحتكر تقريبا جميع الجوانب المتعلقة بمسرح المونودراما. الشيء المثير للانتباه هو وجود مهرجانات متباينة تعنى بفن المونودراما عامة، وبالكتابة المونودرامية خاصة، لكن الإشكال الذي يطرح دائما في هذه المهرجانات أنها تكرس نفس الوجوه القديمة، وحتى حين يتعلق الأمر بالمسابقات في التأليف المونودرامي لا نجد هناك متابعة من الجهات المهتمة. ماذا سيستفيد كاتب مونودرامي من نص فاز بجائزة ما، ولكن هذا النص يظل حبيس صفحات كتاب ولا يتم تقديمه إلى الإخراج والتمثيل؟! هنا، وفي هذه الحالة يموت النص..لأن النص الحي هو الذي يحيى بين الجمهور، ويتفاعل مع الجمهور.
مع الأسف كتابة المونودراما في الوطن العربي لا تتطور، بل سأتجرأ لأقول بأنها تتقهقر، فعدم تطور هذه الكتابة يعني تراجعها إلى الوراء. ولعل الإشكال يكمن في كون أن نخبة المسرح لم تعوِّد المتلقي العادي على نصوص تجريبية في المسرح كما هو الحال بالنسبة للمونودراما. الفن التجريبي عموما يبقى حكرا على نخبة ضئيلة من الجمهور، والمسئول عن نشر الثقافة والفن في الوطن العربي لا يهمه العمل على تقريب فنون تجريبية في المسرح كالمونودراما إلى المتلقي..وغالبا، أو دائما لا يلتفت المخرج والممثل لإبداعات الشباب في هذا المجال، هناك فكرة، في اللاوعي، مفادها أن من يكتب هو من كرس نفسه على الساحة، أو كُرس على الساحة من قبل. أعتقد بسبب هذه العوامل أو بغيرها يمكننا أن نستخلص بسهولة أن كتابة المونودراما لا تتطور أبدا، وسنكون سعداء بالفعل إذا اعتقدنا واهمين، أو عن حق، أنها تبقى جامدة وتراوح مكانها.
في تصوري، وكأي إبداع، وفي أي مجال، لابد من توفر خيال واسع أولا للتجرؤ على الكتابة المونودرامية، وهذا أمر أساسي بقدر ما هو بديهي أيضا، إلى جانب توفر الكاتب على إلمام تام بالتقنيات والآليات والإخراج والمؤثرات والسينوغرافيا بشكل عام. بغير توفر هذه الشروط كاملة يصعب على الكاتب انجاز نص مونودرامي صالح للعرض..وإلا سيسقط الكاتب في فخ كتابة المونولوغ، والمونولوغ هو فن قد لا ينتمي لا للمونودراما ولا للمسرح أيضا. فإذا كان الإلمام بالتقنيات والآليات لعرض مسرح المونودراما بحده الأدنى متوفرا، فان الشرط الأهم والحاسم هو قدرة بلورة الكاتب للنص وكيفية التعامل مع الأحداث داخل النص، ومدى قدرته على السفر بالمتلقي بخيال ملهم في عوالم من المتعة والإدهاش. إذا استطاع المؤلف أن ينجز هذا التحدي، فإنه حتما سينجح في كتابته لفن المونودراما، مع توفر الموهبة والقدرة التلقائية للتعامل مع هذا النوع من الكتابة الصعبة والمعقدة..والجميلة في آخر الأمر.
الكاتب المصري "مأمون الحجاجي" الحاصل على جائزة "الفجيرة" في المونودراما فيقول: يعرف البعض نص المونودراما على أنه مسرحية الشخص الواحد، والذي يمكنه أن يناقش كل مآسي الحياة من خلال الممثل الواحد، وهذا يتطلب نصا مسرحيا مختلفا عن المعتاد، لأن الشخصيات تتحدث ليس فقط بصوت هذا الممثل الواحد فحسب ولكن من خلال حواسه وقدراته على تجسيد حضورهم جميعا فى شخصه، وكاتب المونودراما فى سبيل هذا الهدف يتعامل مع الأدوت المسرحية المتاحة مثل السينوغرافيا ( الديكور وخلافه ) وكذلك الإضاءة والموسيقى ومن قبلهم الحوار المسرحي مع الذات ، تطور مسرح المونودراما مع تطور تلك الأدوات في المسرحية ليصل لأهم تجلياته في معالجة العديد من الرؤى والموضوعات التي أثرت هذا النوع المسرحي.
أما الكاتب الأردني "أسامة عكنان" فله وجهة نظر مختلفة تمامَا عن وجهات النظر السابقة فيقول: المسرح عمومَا يتضاءل دوره في حياة الشعوب يتضاءل، ليس لأنه وسيط فني قاصر، بل على العكس فالمسرح أساس الفنون الدرامية كلها، فما الدراما السينمائية والتليفزيونية إلا تطوير للدراما المسرحية، لكن السبب فيما أقول عن تضاؤل دوره بسبب تشابك وتداخل العلاقات الإنسانية بحيث أصبحت الوسائط الفنية المطلوبة هي الوسائط الفنية القادرة على مخاطبة أوسع شريحة من البشر في نفس الوقت، ذلك أن المواطن نفسه في أية دولة يقل اهتمامه بمسرح بلدة بسبب اهتمامه الأوسع بالوسائط الفنية العالمية والعولمية، وذلك لأن المسرح وسيط فني ممعن في الخصوصية، ولذلك فإن المونودراما أقل تأثيرَا وأكثر تضاؤلاَ.
إننا نتفاعل مع السينما والتليفزيون حيث اعتمادهما على لغة الصورة التي تصل بسهولة لكل الثقافات، أما المسرح فيعتمد على لغة الصوت ولا يترجم لذلك فمن المستحيل التفاعل معه.
عمار نعمة جابر كاتب مسرحي من العراق يقول: لازال النص المسرحي يمتلك دور كبير في تقنية بناء العرض المسرحي بشكل عام، على الرغم من الأصوات العالية التي تدعو إلي تجاوز النص المسرحي ودوره المحوري، متعكزة في الاعتماد على أطروحات الارتجال والتجريب المسرحي. ولكن النص المسرحي استطاع أن يتعامل مع المفاهيم الحديثة في العرض المسرحي، ليقدم نصوصا تتعامل مع هكذا معطيات بشكل واعي ومثير. ونص المونودراما لا يخرج عن كونه نص استطاع أن يتحرك بأيدي كتاب النص المسرحي من خلال تقديم تقنيات جديدة تحاول أن تستفيد من جسد الممثل أولا ومن التقنيات المتقدمة في الإضاءة والمؤثرات الصورية والصوتية ثانيا، وثالثا محاولة التعامل مع المدارس الإخراجية الحديثة والتي نقلت العرض المسرحي إلى مناطق واكبت الحركة السريعة والمثيرة للعصر الحالي. وبتفحص سريع لنصوص المونودراما التي كتبت منذ مطلع القرن الواحد والعشرين نلحظ مدى القفزات الواسعة للأدوات التي يستخدمها النص الحديث على صعيد الترشيق اللغوي والتفعيل الحركي للجسد وتركيب منظومة صورية تقترب من أداء كتابة نص السيناريو للفيلم السينمائي ، بالإضافة إلى الاحتكاك المباشر لليومي في حياة المتلقي . وغيرها من الأدوات التي قدمت نماذج متقدمة لنص المونودراما العربي.