لا أعرف إن كان السينمائيون الليبيون قد ظلموا أنفسهم بعدم قدرتهم على تسويق أنفسهم وأعمالهم إلى خارج ليبيا، أم أن تاريخ السينما الليبية نفسه قد بدا مظلوما، وبين هذا وذاك وقع الغبن على السينما الليبية بأنها حتى الآن ليست معروفة إلا نادرا من المشاهد العربي، مع أن ثمة انطباعا خفيا لدى المشاهد العربي بأنه توجد سينما غنية في ليبيا، ومرد هذا الانطباع إلى أن أشهر فيلمين عربيين عالميين تم تصويرهما في ليبيا، وهما «الرسالة» و«عمر المختار» لمصطفى العقاد، ومع ذلك لا يحظى حتى المهتم برؤية أفلام ليبية، وحتى ضمن الأنشطة الثقافية التي تقيمها الجهات الثقافية الليبية خارج ليبيا تغيب السينما، فما حكاية الغياب أو التغييب بالنسبة إلى هذه السينما؟
البدايات الأولى مر تاريخ السينما في ليبيا بمراحل مختلفة، ففي ديسمبر 1951 استقلت ليبيا عن إيطاليا، ومع ذلك ظل سوق العروض السينمائية فيها تابعاً لإيطاليا على نحو لا نجد له مثيلا إلا في الدول الواقعة تحت الحكم الاستعماري. ففي كل عام كانت دور العرض التي يبلغ عددها حوالي ثلاثين دارا، تعرض حوالي خمسين فيلما مصريا وأربعين فيلما إيطاليا، وعشرة أفلام أو أكثر من الأفلام الأمريكية، وغيرها من أفلام الدول الغربية. وكانت الأفلام الإيطالية تعرض باللغة الإيطالية دون ترجمة عربية، وفي دور عرض مخصصة للأجانب فقط. كما فرض آنذاك على جميع دور العرض أن تعرض يوم الأحد أفلاما إيطالية ففي عام 1966 مثلا، كان في طرابلس 13 دارا للعرض منها تسعة للأجانب، وأربعة للمواطنين. وحتى قيام ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 لم تعرف ليبيا الإنتاج السينمائي القومي عدا الجريدة التي كانت تصدرها الحكومة منذ عام 1955
مرحلتين أساسيتين وظهرت السينما الليبية وتطورت خلال مرحلتين أساسيتين: الأولى منهما تقع خلال الفترة التي بدأت عام 1963 تقريبا، حتى بداية تاريخ إنشاء المؤسسة العامة للخيالة - للسينما- الليبية في عام 1973، حيث بدأت المرحلة الثانية. كانت الأشرطة المنتجة خلال المرحلة الأولى من نوع الأفلام التسجيلية مقاس 35مم، بعضها أبيض وأسود، والبعض الآخر ملوّن، وقد أنتجت بجهود بعض الشباب الليبي المتحمس والهاوي لهذا الفن، ولم يكن يزيد عددهم خلال بداية تلك المرحلة عن عدد أصابع اليدين. ويقدَّر عدد الأشرطة التي أنتجت خلال المرحلة الأولى بحوالي سبعين شريطا تسجيليا مختلفا، صادف بعضها نجاحا فنيا مرموقا. مع بداية عام 1970 بُدئ في إنتاج مجموعة من الأشرطة السينمائية التعليمية بلغ عددها ستة أشرطة تعليمية، وفي عام 1971، أي بعد قيام ثورة الفاتح من سبتمبر، بدأ تطور كبير في مجال النشاط الخيالي عندما أنشأت أمانة الإعلام والثقافة إدارة الإنتاج السينمائي، وجُهزت بأحدث الآلات، والأجهزة، والمعدات اللازمة للإنتاج، فضلا عن إنشاء معمل حديث لتحميض وطبع أفلام مقاس 35مم، 16 مم أبيض وأسود، أما الأشرطة الملونة فكان يجري تحميضها وطبعها بالخارج. وكان من إنجازات تلك الإدارة قيامها بإنشاء وتجهيز مكتبة وسجل خاص للأشرطة السينمائية، جمعت فيه بعض الأعمال التسجيلية التاريخية التي صورت في ليبيا إبان الاحتلال الإيطالي بواسطة بعض شركات السينما الأجنبية. ويرجع تاريخ تصوير هذه الأشرطة إلى عام 1911، وقد أفادت هذه الأشرطة كثيرا في إنتاج بعض الأفلام التسجيلية الناجحة، يذكر منها شريط "كفاح الشعب الليبي ضد الاستعمار" الذي أنتج عام 1973.
التحول والانطلاق قفزت صناعة السينما في ليبيا قفزتها الكبرى في طريق النمو والارتقاء بصدور قانون إنشاء المؤسسة العامة للخيالة – للسينما- في 13 ديسمبر 1973، لتنتقل السينما الليبية بذلك إلى مرحلتها الثانية، التي تعد نقطة التحول والانطلاق إلى عالم السينما الرحب، حيث أنشأت المؤسسة معملا حديثا للصوت مجهزا بأحدث الأجهزة والمعدات اللازمة للتسجيلات الصوتية 35 مم، 16 مم ضوئي، ومغناطيس، وقاعة حديثة للميكساج، والعرض، فضلا عن أجهزة المونتاج و للصورة والصوت، وأحدث معداتٍ وأجهزةٍ للتصوير، والإضاءة. في خلال الفترة من أبريل 1974 إلى أبريل 1979، أُنتج حوالي 134 شريطا تسجيليا متنوعا، إلى جانب بعض أعداد من مجلة الخيالة المصورة. كما أنتج كذلك 7 أشرطة روائية طويلة بعضها إنتاج مشترك، وحصل بعضها على جوائز دولية في يونيو 1979، بُدئ في إنتاج أول شريط روائي طويل على مستوى الإنتاج العالمي بأيدٍ ليبية خالصة وفي 21 يوليو 1979، صدر قرار اللجنة الشعبية العامة بالجماهيرية بإنشاء الشركة العالمية للخيالة – للسينما -، لتصبح الجهة المختصة والمسئولة عن كل ما يتعلق بالنشاط الخيالي من إنتاج، وعروض، واستيراد، وتوزيع، وتسويق الأشرطة، وقد ضم إليها جميع دور العرض في لبيبا وضمت الشركة مجموعة من الدارسين والمتدربين بالخارج على مختلف فنون السينما موزعين على جامعات ومعاهد إيطاليا وبريطانيا ويوغسلافيا السابقة وأمريكا وفي مجال إثراء المكتبة العربية في فنون الفن السابع أصدرت المؤسسة وأسهمت في إصدار كتب مختلفة تسهم بها بنصيب الأسد النقص الذي يسود المكتبة العربية والأفريقية في مجال السينما ومن منشوراتها في هذا المجال: الخيالة ونشر المعرفة في المجتمع العربي الليبي للدكتور حسن حمدي الطوبجي. -دور الخيالة في تربية النشء في المجتمع العربي الليبي للدكتور حسن حمدي الطوبجي -الخيالة وتعديل السلوك الاجتماعي للدكتور علي الحوات -الخيالة كقيمة ثقافية للدكتور سامي سمعان تادريس - مركز توثيق الأعمال الخيالية لميلاد العقربان.
هواة السينما أما عن أندية السينما فلا يوجد في ليبيا أندية سينمائية ما عدا »منتدى الخيالة« التابع للمؤسسة العامة للسينما وقد أنشىء هذا المنتدى في عام 1974 ويؤمه بعض الهواة والمحترفين في الفنون وليس لديه أعضاء منتسبون ويتركز معظم نشاط هذا المنتدى في الوقت الحاضر في مجال صناعة السينما وتعرض في هذا المنتدى بعض الأشرطة التسجيلية وخاصة تلك التي تم إنتاجها من قبل المؤسسة العامة للخيالة كما تعرض أحيانا بعض الأشرطة الروائية وإلى جانب هذا تعقد في المنتدى بعض الندوات أو تلقى فيه بعض المحاضرات من قبل الخبراء المختصين في فن السينما والذين تدعوهم المؤسسة لزيارتها بين حين وآخر كما تبذل المؤسسة جهدا كبيرا في تشجيع الجماهير لتكوين نواد وجمعيات هواة السينما ونتيجة لهذا السعي تكونت أول جمعية لهواة السينما في عام 1976 وتضم هذه الجمعية حوالي مئة منتسب. ويحسب لمرحلة ـ ما قبل تأسيس مؤسسة السينما ـ أنها قد احتوت على تجربة متميزة ، وهي مغامرة سينمائية أساسها إنتاج أول شريط روائي طويل ليبي، وقد تحقق بالفعل وكان بعنوان "عندما يقسو القدر" وقد أخرجه عبد الله الزروق وأنتجه المنتج علي الفلهودي، والذي كانت له تجربة سابقة في مجال الإنتاج ولكنها لم تكتمل. ورغم أن هذا الشريط قد تم البدء بالعمل فيه منذ عام 1971 إلا أن العمليات الفنية الخاصة به لم تكتمل إلا عام 1973 وداخل المعامل التي تملكها المؤسسات العامة للخيالة. والمعروف أن هذا الشريط لم ينل اهتماما جيدا على الصعيد الإعلامي، وكان ينبغي أن يؤرخ به فعليا باعتباره البداية الحقيقية للإنتاج السينمائي الليبي، وربما عدم الاهتمام الفعلي بالشريط المذكور عن عدم الحرص الشديد لتحقيق سياسة إنتاجية جيدة من حيث التخطيط والتنفيذ. أما البداية الحقيقية لإنتاج المؤسسة العامة للخيالة، فقد كان شريط "الطريق" لمخرجه يوسف شعبان محمد وهو شريط جيد الفكرة، لكنها كانت مناسبة لشريط روائي قصير أكثر منها لشريط روائي طويل ـ 1973 ويذكر هنا بأن هذا الشريط لا يمكن اعتباره من إنتاج المؤسسة كاملا، لأن بداياته جاءت مع إدارة الخيالة وهي الإدارة المشرفة على الإنتاج السينمائي قبل إنشاء المؤسسة. باكورة إنتاج المؤسسة عام 1976 "الضوء الأخضر" جاءت دون المستوى المطلوب، فقد ذهب التفكير في التوزيع قبل الإنتاج، ولم يكن من هم وراء البحث في إنتاج شريط معين إلا أن يتم توزيعه، ولكن الشريط، لابد له من أساسات درامية وفنية أولا، بصرف النظر عن التوزيع القائم على وجود أسماء ونجوم من هناك، بالطريقة نفسها التي اتبعتها لبنان في بعض السنوات عندما قدمت أشرطة مصطنعة تخلط فيها اللبناني مع السوري مع نجوم مصر، مع وجود فارق تجاري، وقاعدة للتوزيع لم تكن متوفرة لدى المؤسسة العامة للخيالة. وحاول فيلم "معركة تاقرفت" السير مع ركاب فيلم "عمر المختار" (أسد الصحراء)، الشريط العالمي الإنتاج، ونقصد بذلك شريط الذي بدت مشكلاته واضحة مع وجود مخرجين، وهما عياد دريزة ومصطفى خشيم، وكل منها يسير في اتجاه يكاد يختلف مع الثاني ورغم أن الشريط قد اعتمد على عناصر وطنية، إلا أن المونتاج قد تم في الخارج مع الطبع والتحميض ومن الصعوبة طبعا الحديث عن إنتاج متكامل للمؤسسة العامة للخيالة، بخصوص هذا الشريط والذي عرض عام 1981 لأن أكثر من جهة قد شاركت في إنتاجه وإن كانت اللجنة الإدارية للإعلام الثوري هي التي أشرفت على الإنتاج من خلال المؤسسة العامة للخيالة.
عبدالله زاروق | نأتي بعد ذلك إلى فيلم روائي مهم ويعد من أفضل الأشرطة المنتجة فعليا، وهو "الشظية" للمخرج المرحوم "محمد الفرجاني" وهو
|