القاهرة 11 مايو 2015 الساعة 03:57 م
من سطور المقدمة لملحمة جلجامش او كلكامش تتضحلنا أروع صور الإبداع ولا اقصد هنا الصور
الفنية فقط بل حتى التربوية والأخلاقية فالملحمة عبارة عن نص أدبي اجتماعي فكريجمع في طياته كل المعاني الجميلة للحب و الصداقة وفعل الخير وانتصار الانسان للروح الإنسانية مع المحافظة على وحدة النص الإبداعية وقدأعطى النص إبعاد فكرية ناضجة فبعد ان يشرحالمؤلف بطش كلكامش الملك وظلمه وكيف انه كان يغتصب أي عروس قبل دخول زوجها عليهويظلمه لرعيته نجد ان خيال المؤلف الخصب قد ابتكر طريقة جميلة وهي عقد اجتماعللآلهة وتباحثهم في سبيل تخليص الناس من الظلم وكيف ان الإله هو الذي يفكر فيعباده ولا يقبل بظلمهم حتى من كلكامش الذي كان ثلثيه إله والباقي بشر أي تجري فيهدماء الإلهة المقدسة اما الصورة الأخلاقية الثانية التي تجسدت بحب كلكامش بطلالملحمة لصديقه انكيدو فقد رفضه دفنه وحين تعفنت جثته قال لهم ادفنوه انتم انا لا اقوى على دفنه أي حب هذا الذي ترسخ في داخل ملك طاغيةكان لا يعرف أي لغة غير القتل وانتهاك الإعراض وكيف أصبح هذا الوحش الكاسر لعاشقيحمل كل هذه الشفافية وتطل علينا الصورة التربوية الثالثة وهي الأهم بكل الصور والمحور الاساسي للعمل حين شاهد كلكامش السور الذي بناه حول المدينةوعرف ان فعل الاشياء العظيمة والمنجزات التي تخدم الناس تخلد اسمه وتبقيه محفور فيالذاكرة وكانت ضربة إبداعية بمثابة رسالة لكل إنسانبصورة عامة وكل ملك أو حاكم بصورة خاصة فحين عاد كلكامش من رحلته الطويلة الشاقةوهو محبط يأس بعد ان فقد عشبه الحياة التي غامر من اجلها وترك المملكة وقد حصل علىمراده ولكن الحية سرقه منه عشبه الخلود ولهذا كان البابليين يقولن إن الحية لاتموت فهي أكلت عشبه الحياة وسقوط جلدها كل سنة يعني مولد جديد لها كان الملك اليأسقد فقد أخر أمل له في الخلود وعرفه ان نهايته ستكون كمصير صديقه انكيدو لكنه حينوصل إلى أورك ويرى السور العظم الذي بناه كي يحمي المدينة والناس من الغزو تعكسصورة فكرية في داخله ويقول مع نفسه ان هذه المنجزات العظيمة هي التي تخلدني بدلالظلم والطغيان ومن هنا يطلق مشروع إصلاحي واسع ويقم بالتغير ويصبح جلجامش انسانثاني بكل المقاييس يفعل الخير ويتعامل بطيبة ويتوجه لبناء مشاريع كثيرة ان الكثيرمن الحكام والملوك كانو السبب في جلب الويلات والمصائب على شعوبهم و الدمار والموتبحروب رعناء لا لشيء بل من اجل بناء مجد وتاريخ ولو نظرنا لكثر من الحروب التيتسببت بمجازر وهلاك امم نجد انها وقعت لا سباب واهية وكان وراء استمرارها عنادوكبرياء بعض الحاكمين و اما الشعب المغلوب على امره هو الذي يدفع الثمن وخلاصةالعمل تنهيه الملحمة بموت كلكامش وحزن مدينة أورك كلها على الملك العادل بعد ماكان الكل يكرهه ويتمنا الخلاص منه لكن بعد التغير أصبح محبوب وهنا تظهر لنا صورةثانية وهي حزن شعب بابل ان أي شعب من الممكن ان ينسأ أفعال الحاكم اذا ما غير منسياسته وأصلح ويمكن فتح صفحة جديدة وكل هذه القيم الرائعة التي جسدتها القصة نجدفيها روعة التعبير وبلاغة الحبكة الأديبة ودقة الوصف عند إنسان الرافدين منذ عصرما قبل التاريخ فحين يصف الكاتب جمال وهيبة وقوة كلكامش يقول في النص الطيني الاوليقول عن الملك ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, هو الذي رأى كل شيء إلى تخوم الدنيا، هوالذي) عرف (كل شيء وتضلع) بكل شيء. معاً (سيد) الحكمة الذي بكل شيء (تعمق). رأىأسراراً خافية، وكشف أموراً خبيثة، وجاءنا بأخبار عن زمان ما قبل الطوفان. مضى فيسفر طويل، وحل به الضنى والعياء، ونقش في لوح من الحجر كل أسفاره. رفع الأسوارلأوروك المنيعة، ومعبد إيانا المقدس، العنبر المبارك. انظر، فجداره الخارجي يتوهجكالنحاس. 12- وانظر، فجداره الداخلي ماله من شبيه. تلمس، فعتباته (قد أرسيت) منذالقدم. تقرب، فإيانا لعشتار، لا يأتي بمثله ملك، من بعد، ولا إنسان ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ان روعة هذا الوصف يدل على مفهوم الجمالوالإحساس العالي عند مبدع الرافدين فهذه الكلمات كتبت قبل خمسة ألآلاف سنة وهيأقدم نص أدبي وجد لحد الان ولقد وصف الكاتب بطل قصته بشتات الأوصاف معبر عن سعتخياله في ابتكار الجمال لكن هذا البطل يظهر في الوهلة الأولى شخص مدمر لا يرحم احدفيقول الكاتب في مقطع ثاني عن جلجامش ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, وعلى صوت الطبل يوقظ رعيته. - ثار أهل أوروكفي بيوتهم: ((لا يترك جلجامش ابناً لابيه، ماض في مظالمه ليل نهار. وهو الراعي ,,,,,,,,,,,,,,,,,,, من هذه السطور تكون لدينا صورة ان جلجامشالبطل كان جميل وذو حكمة لكنه ظالم للرعية وقد اجتمعت الإلهة وقررت معاقبته كما فيالأسطورة وقد قررت خلق قوة بحجم قوته كي تأدبه فقررت خلق انكيدو الهمام ان خلقشخصية انكيدو كان توظيف موفق نجح الكاتب في زجه وقد ادخله بحبكة ادبية وقد عرفناعلى انه شبه متوحش فهو يعيش في الغابة ويأكل العشب ويشرب الماء مثل الحيوانات وشعررئسه كشعر المرأة وقد قال عنه الكاتب ان الظبية أرضعته وانه لا يفهم أي شيء غيرحياة البراري وكل أصدقائه الحيوانات وهذا ما جعله يفسد على الصيادين صيدهم ويقطعشباكهم وكي يقنع الكاتب المتلقي فقد جعل لقاء البطلين من خلال رؤية ادبية بعيدة عنالضربات الخيالية او ما يسه اليوم بأدب بالواقعية السحرية التي نجدها في اغلب والروايات فقد كان احد الصيادين يحاول الصيد لكن انكيدو خرج عليه وافسد فخاخه ومزقالشباك وقد هرب الصياد حين شاهده واخبر ابيه ولم يحاول الصاد مواجهته او الاعتراضعلى تصرفه الغير المبرر فقد خاف منه بشدة حين شاهده فهو يشبه الوحوش بقوته وضخامته ان هرب الصياد يعطي لنا فكرة عن القوةوالهيبة التي خلقه بها انكيدو نعم كما جاء في في وصف انكيدو من الهيبة والقوة فهوالذي خلقته الإلهة يقول الكاتب ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,و غسلت يديها، وجمعت قبضة من طين رمتها فيالفلاة. في البراري خلقت إنكيدو العظيم، نسل... ننورتا يكسو الشعر جسده، وشعر رأسهكامرأة. خصلات شعره تندفع سنابل قمح. - لا يعرف الناس ولا البلدان، عليه ثيابكسوموقان. يرعى الكلأ مع الغزلان، يرد الماء مع الحيوان، ومع البهيمة يفرح قلبهعند الماء. (ومرة) أحد ,,,,,,,,,,,,,,,, لم يقتصر على وصفه بكل هذه الأشياء بل قال فيلوح ثاني ان همته مثل همة الإله انو وانو كبير الإلهة وسيدها فأعطى بطله الثانيأهمية كبير وقد استطاع الكتاب ببراعته ان يخلق هذه الشخصية التي كانت محور الصراعوجعله يمثل جانب الخير والبراءة فهو يتعايش مع الحيوانات ويأكل ويشرب مثلها ويهاجمالصيادين لا من اجل شيء ولكن كي يخلصها من الفخاخ وقد شكوه الصيادين لكلكامش لميأمر الملك بإرسال قوة او شخص قوي لقتال انكيدو بل نجد ان الخصب الفكري الرائع عندالكاتب جعله يفكر في طريقة جديدة يمتع بها المتلقي ويعطي نكه لراويته فقد قررتالملك إرسال احد أجمل جواريه وهي شمخة وطلب منعا التعرف عليه وتعليمه الحضارةوالتمدن كي يخسر ثقة الحيوانات ويصبح من البشر ويترك طباعه وكانت هذه الفكرة ضربةإبداعية مميزة أعطت مدلول على أهمية المرأة عند الرجل وعرفت مكانة المرأة فيالحضارات التي مضت وكيف كان لها تميز ونجد ان كلكامش لم يختار رجل يعرض عليهصادقته و يعلمه طرق التعامل في سبيل كسبه بل اختار جارية كي يقول لنا مدى جاذبيةالمراة وسحرها على الرجل أن توظيف المرأة في الأسطورة لعب دور مهم وهي طريقة إقناعللمتلقي للخطاب الأدبي واستطاعت شمخة الجارية قلب كيان المعادلة حين رآها انكيدأعجب بها وأصبحا أصدقاء وقد عملته التحضر وطريقة التعامل مع الآخرين وبالفعل حينشاهدت الحيوانات انكيدو فرت منه فقد صار إنسان مغاير ونجحت الخطة لكن شمخة حكت لهعن جلجامش وظلمه للراعية فقرر انكيد الهمام موجته ومنازلته من اجل تخليص الناس منشره وهذا الصورة الإبداعية التي تتضح لنا كيف بعد هذه الرحلة الأدبية استطاعالمؤلف ربط الإحداث وتم الغرض الذي خلقت الالهة من اجله انكيدو وهو منازلة الملكالظالم وبالفعل كان نزال بين الاثنين أنتها بانتصار جلجامش ثم أصبحا صديقين حميمينلم تقف مخيلة المبدع للنص لهذا الحد بل رسم لنا صورة إبداعية جديدة كي يدخل بنصهالتشويق ويشعل روح المغامرة فجلجامش بعد هذا الانتصار وقد زهت بعينه قوته وصار لاشيء يقف في وجهه قرر ان يخوض تجربة أشبه بالانتحار حين أراد قطع أشجار الأرز وقتلالعفريت المخيف خمبابا حارس الغابة الاوز وهو وحش ينفخ النار من فمه ويصفه لناالكاتب بطريقة فنية جميلة فقد قالو شيوخ اوراك لملكهم عن خمبابا ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, قد سمعنا عن شكل حواوا المخيف، فمن يستطيعالصمود أمام أسلحته؟ تتسع الغابة عشر آلاف ساعة مضاعفة، فمن يستطيع المضي فيأعماقها، وفيها حواوا يزأر كعاصفة الطوفان؟ في فمه نار وفي أنفاسه العطب. لماذاأنت راغب في القيام بذلك؟ انقضاض لا دافع له (انقضاض) حواوا) ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, نشاهد الدقة الوصف وروعة التعبير حينيتحدثون شيوخ المدينة عن العفريت وغابتهالكبيرة وان أي شخص لا يصمد امام سلاحه لم يعتمد الكاتب في نصه على السرد المملالذي يجعل القراء يشعر بالضجر بل سلك طرق الاختصار وحصر اكثر صور الإبداعية ممكنهفي اقل سطور كما قال الاستاذ طه باقر ان الملحمة سليمة الأوزان والقوافي الشعريةوهي نص شعري متكامل من كل جوانبه وقد جعل الكاتب مقاطعه الشعرية لا تخلو من بعضضربات الحداثة حين صور ان أي سلاح لا يصمد إمام أسلحت العفريت وتحدث عن عمقالمواجه هذا الترميز يضاف لأخصب وخيال المؤلف الذي وضع كل أمكانته الإبداعية فيسبيل رسم صور ابداعية متمكنة ويصور لنا المنازلة التي انتهت بمصرع العفريت وانتصارالصديقين بعد هذا المعركة والانتصار الساحق الذي تحققه الملك وفاقت شهرته العالمكله نجد ان المؤلف يتنقل للعالم العلوي حيث الالهة فقد اصبحة جلجامش محط اهتمامعشتار الإلهة الحب والجمال وأبنت الاله انو سيد الالهة فتعرض عليه الزواج وتضعامامه كل المغريات لكنه يرفض وطعن كبريها وقد تكلم الكاتب عن عشتار بصورة ابداعيةراقية وكما وصف جمال العربة العرس التي وعدت بها عشتار ملكها في حال قبوله لكن رفضجلجامش خلق صدمة لعشتار يقول الكاتب ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, صرخت عشتار كالمرأة في الولادة انتحبت سيدةالالهة ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, وكي يعطي المؤلف نصه صورة ابداعية جديدة جعلعشتار تطلب من ابيها الاله انو ان يخلق لها ثور سماوي كبير كي ينتقم من جلجامشووصف الكاتب هذا الثور بالقوة المفرط وقد حدث معركة عنيفة بين البطلين والثور وقتلجلجامش الثور المقدس واشد غضب الالهة عليه وقررت الانتقام منه وعمدت لأموت صديقهانكيدو وقد حزن الملك بشده وقرر البحث عن عشبه الخلود وجاب الارض كي يجد شخص يقولنانه الوحيد الذي عاش بعد الطوفان وربما كان هذا الترميز يقصد به نبي الله نوح (ع)وبعد رحلة طويلة حصل عليها لكن هذه العشبة سرقت منه في طريق العودة فعاد حزين فقدعرف ان مصيره الموت لكن حين وصل اور مدينته و شاهد السور العظم الذي بنها حولالمدينة عرف ان المنجزات التي تخدم الناس هي التي تخلده وهذه الصورة الإبداعيةالكبيرة التي ختم بها المؤلف نصه كانت اجمل نهاية وضعها
|