القاهرة 22 ابريل 2015 الساعة 03:31 م
ليه الدنيا مصرّة تقصقص ريشى وتفضى الدنيا من حواليا ......
يعنى إيه تكون أيامى كلها تشييع جنازات للأصحاب والمعارف والأقارب اللى الحياة من غيرهم م تتعش ...
يعنى إيه يكون صاحبى معايا إمبارح على القهوة وعمالين نقسم أحلامنا وأفراحنا وأحزانا وبعدين النهاردة أكون مجبر على وضعه فى حفرة تحت الأرض وردم التراب عليه وعلى ...
ثم أقف أتلقى كلمات لا معنى لها مثل :
- يارب تكون آخر الأحزان !!
أجدنى أصرخ فى السنوات والشهور الماضية وأنا أوارى جثامين الأصدقاء والأهل والأحباب فى التراب .. يعنى إيه آخر الأحزان ؟
والغريب أن قسوة الدنيا لا تتوقف أمام توسلات ودعاء المعزين ولا تكون آخر الأحزان ...
تتكرر وتتشابه وتقسو ولا تحنو ..
كل يوم أودع صديقا ...
كل يوم أنظر إلى وجه من أجلس معهم أو التقيهم أو أهاتفهم
واسأل نفسى : ترى هل هذا هو اللقاء الأخير لى معهم ..
ترى هم الراحلون أم أنا ؟
صلاح جاهين يطل على برباعياته :
مرغم عليك يا صبح مغصوب يا ليل ...
لا دخلتها برجليا ولا كان لى ميل
شايلنى شيل دخلت أنا فى الحياة ...
وبكرة هاخرج منها شايلنى شيل ..
عجبى !!!!!
ماشى ياعم جاهين بس مين اللى ح يشيل مين بكره ...
أنا ولا هم ؟!
تأتى الإجابات صاعقة قاسية بين اللحظة والأخرى ..
بين اليوم والأخر ..
بين الشهر والأخر..
بين السنة والثانية ...
وكله بينهش فى قلبى ..
أخاف أنام لحسن أقوم على صوت جرس التليفون :
فلان البقية فى حياتك ..
أصبحت أخاف من تليفونات الصباح الباكر أو مابعد منتصف الليل رغم إننى سهير..
"سهير ليالى وياما لفيت وطفت ..
فى ليلة راجع فى الظلام قمت شفت ..
الخوف كأنه كلب سد الطريق ...
وكنت عاوز أقتله بس خفت ...
عجبى !""
الخوف أصبح كلب يطاردنى ...
منذ سنوات طويلة وأنا أعيش هذه الحالة من الترقب ...
نقلت أحاسيسى لكل من حولى :
"أنا ح أموت السنة دى "
ابن خالى وقرين روحى وشقيقى فى الرضاعة أصبح يسخر منى كلما قابلنى :
-"إنت لسه م متش السنين بتعدى وأنت لسه عايش "...
"سنوات وفايته عليا فوج بعد فوج ...
واحدة خدتنى ابن والتانية زوج ...
والتالتة أب خدتنى والرابعة إيه ...
إيه يعمل اللى بيحدفه موج لموج؟ ...
عجبى !"
منذ سنوات لا أذكر عددها كنا نحضر أى عزاء ننفجر فى الضحك لأى موقف أو كلمة لأننا نشعر أن الموت بعيد عنّا بكثير ولا يعرف إلا العواجيز
وإحنا بنهد الدنيا ونبنيها ،
حتى زارنا الموت وخطف واحد منا فى لحظة ندالة ...
وقتها قلت بوجع مازلت اتذكره حتى الآن :
-عزرائيل عرف طريقنا يا أحمد !!
"يا باب أيا مقفول ..
إمتى الدخول؟ ...صبرت ياما واللى يصبر ينول ...
دقيت سنين والرد يرجعلى : مين؟؟ ...
لو كنت عارف مين ...
أنا كنت أقول ..
عجبى !!!!!
قد يكون وجع فراق الأقارب مفروض عليك
أما وجع فراق الأصحاب إنت اللى اخترته
لأنك اخترتهم ..
خلال الساعات الماضية فقدت اثنين فى ضربة مباغتة من عزرائيل...
فقدت صديقى الكاتب الكبير "عبد الله نصار"...
والشاعر الكبير "عبد الرحمن الأبنودى"
دفنت نصار فى الصباح فى كفر منصور بكفر شكر قليوبية..
وفى المغرب احتضن تراب الإسماعيلية وشاطىء القناة الأبنودى ..
• عبد الله نصار طبطب على وأنا عود أخضر فى بلاط صاحبة الجلالة حين حاول أن يدهسنى أحد الكبار فى أواخر الثمانينات وعرض على الانضمام إلى قسم الاقتصاد الذى يرأسه فى الجمهورية ...
قلت له ببراءة وتحدى على المواجهة :
ضحك وقال: - "أنا لا افهم ولا أحب الاقتصاد وأرقامه رغم تربيتى وثقافتى العلمية "...
" لو كان اللى بيشتغلوا فى الاقتصاد بيفهموا فيه م كنش حال بلدنا كده "...
ضحكت وفهم اعتذارى
لكننى كنت أتعلم منه وأفهم أعضل القضايا الاقتصادية بلغته البسيطة وتناوله السلس
كانت آخر مكالمة معه قبل دخوله المستشفى عندما علمت بتعبه إتصلت به قلت له :
"خير "...
قالها بحشرجة :
-" إزيك يا دكتور كما كان يحب أن ينادينى "..
قلت :"خير "...
كح وتوالت كحاته حتى خرجت من سماعة التليفون لتمزق قلبى ..
قلت :
"اشرب ميه يا أستاذ عبد الله ح أكلمك تانى" ..
ولم أكن أدرك أنها المكالمة الأخيرة ...
"عجبى عليك يا زمن يا أبو البدع ...
يا مبكى عينى دماً ...
إزاى اختار لروحى طريق؟ ...
وأنا اللى داخل فى الحياة مرغماً ...
عجبى !!!!!
• أما الأبنودى الذى عرفته عن قرب أكثر من 30 عاما ...
وكانت صفحة نادى أدباء الأقاليم التى أشرفت عليه فى الجمهورية لأكثر من 25 عاما هى الساحة المفضلة للأبنودى لنشر قصائده رغم أننا لا ندفع أى مقابل مادى كان يقدم له فى منافذ أخرى ...
قلت له "سأوقع معك عقد احتكار... لا تنشر أى قصيدة جديدة فى أى مكان إلا بعد النشر فى نادى أدباء الأقاليم
ضحك ونفذ وعده لسنوات طويلة ...
من القصائد التى كان يداعبنى حين يلقيها فى أى مكان فى حضورى قصيدة " يامنه وكان " يقول :
إلى يسرى السيد أبو يامنه :
والله وشبت يا عبد الرُّحمان ..
عجّزت يا واد ؟
مُسْرَعْ؟
ميتى وكيف؟
عاد اللي يعجّز في بلاده
غير اللي يعجز ضيف !!
هلكوك النسوان؟
شفتك مرة في التلفزيون
ومرة .. وروني صورتك في الجورنان
قلت : كبر عبد الرحمان!!
أمال أنا على كده مت بقى لي ميت حول!!
والله خايفة يا وليدي القعدة لتطول
مات الشيخ محمود
وماتت فاطنة ابْ قنديل
واتباع كرم ابْ غبّان
وأنا لسة حية..
وباين حاحيا كمان وكمان
عشت كتير
عشت لحد ماشفتك عجّزت يا عبد الرحمان
وقالولي قال خَلَّفت
وإنت عجوز خلَّفت يا أخوي؟
وبنات..!!؟
أمال كنت بتعمل إيه
طيلة العمر اللي فات؟
دلوقت مافقت؟
وجايبهم دِلْوكْ تعمل بيهم إيه؟
على كلٍّ..
أهي ريحة من ريحتك ع الأرض
يونسُّوا بعض
ماشي يا عبد الرحمان
أهو عشنا وطلنا منك بصة وشمة
دلوك بس ما فكرت ف يامنة وقلت: يا عمة؟
حبيبي إنت يا عبد الرحمان
والله حبيبي .. وتتحب
على قد ماسارقاك الغربة
لكن ليك قلب
مش زي ولاد الكلب
اللي نسيونا زمان
حلوة مرتك وعويْلاتك
والاّ شبهنا..؟
سميتهم إيه؟
قالولي : آية ونور
ماعارفشي تجيب لك حتة واد؟
والاّ أقولك :
نفعونا في الدنيا بإيه؟يعني اللي جبناهم..
غيرشي الإنسان مغرور !!
ولسه يامنة حاتعيش وحاتلبس
لمّا جايب لي قطيفة وكستور؟
كنت اديتهمني فلوس
اشتري للركبه دهان
آ..با..ي ما مجلّع قوي يا عبد الرحمان..
طب ده أنا ليّا ستّ سنين
مزروعة في ظهر الباب
لم طلّوا علينا أحبة ولا أغراب..
خليهم..
ينفعوا
أعملهم أكفان..!!
كرمش وشي
فاكر يامنة وفاكر الوش؟
إوعى تصدقها الدنيا..
غش ف غش..!!
إذا جاك الموت يا وليدي
موت على طول..
اللي اتخطفوا فضلوا أحباب
صاحيين في القلب
كإن ماحدش غاب..
واللي ماتوا حتة حتة
ونشفوا وهم حيين..
حتى سلامو عليكم مش بتعدي
من بره الأعتاب
أول مايجيك الموت .. افتح..
أو ماينادي عليك .. إجلح..
إنت الكسبان..
إوعى تحسبها حساب..!!
بلا واد .. بلا بت..
ده زمن يوم مايصدق .. كداب..!!
سيبها لهم بالحال والمال وانفد
إوعى تبص وراك..
الورث تراب
وحيطان الأيام طين
وعيالك بيك مش بيك عايشين..!!
يو.....ه يا رمان..
مشوار طولان
واللي يطوِّله يوم عن يومه يا حبيبي .. حمار
الدوا عاوزاه لوجيعة الركبة
مش لطوالة العمر.
إوعى تصدق ألوانها صفر وحمر.
مش كنت جميلة يا واد؟
مش كنت وكنت
وجَدَعَة تخاف مني الرجال ..؟
لكن فين شفتوني ..؟
كنتوا عيال.!!
بناتي رضية ونجية ماتوا وراحوا
وأنا اللي قعدت..
طيِّب يا زمان..!!
إوعى تعيش يوم واحد بعد عيالك
إوعى يا عبد الرحمان..
في الدنيا أوجاع وهموم أشكال والوان..
الناس مابتعرفهاش..
أوعرهم لو حتعيش
بعد عيالك ماتموت..
ساعتها بس ..
حاتعرف إيه هوّه الموت..!!
أول مايجي لك .. نط
لسه بتحكي لهم بحرى حكاية
فاطنة وحراجي القط..؟
آ.. باي ماكنت شقي وعفريت
من دون كل الولدات..
كنت مخالف..
برّاوي..
وكنت مخبي في عينيك السحراوي
تمللي حاجات..
زي الحداية ..
تخوي ع الحاجة .. وتطير ..
من صغرك بضوافر واعرة .. ومناقير..
بس ماكنتش كداب..
وآديني استنيت في الدنيا
لما شعرك شاب..!!
قِدِم البيت..
اتهدت قبله بيوت وبيوت..
وأصيل هوه..
مستنيني لما أموت..!!
حاتيجي العيد الجاي؟
واذا جيت
حاتجيني لجاي؟
وحتشرب مع يامنة الشاي ..؟
حاجي ياعمة وجيت..
لالقيت يامنة ولا البيت"
• وأنا زيك يا خال وزيك ياعمة يامنة
صحيت من النوم
لا لقيت الأبنودى ولا نصار !!
هامش
• لو هناك مجموعة من القيادات مثل على عماشة نائب رئيس شركة مياه الشرب لتغير حال الشركات والهيئات عندنا كثيرا !!
yousrielsaid@gmail.com