القاهرة 16 ابريل 2015 الساعة 02:10 م
يعتقد كثيرون أنّ علم الفلك ليست له أية فوائد تعود على البشر، وأنّ سفن الفضاء نوع من الرفاهية فى الدول المُـتقدمة علميًا وتكنولوحيًا ، بينما أثبت الواقع أنه بفضل أبحاث الفضاء تمّ تطبيق العديد من نتائجها على سكان الكرة الأرضية الذين استفادوا منها ولعلّ أبرزها مجال الاتصالات وإنشاء القنوات التليفزيونية الفضائية إلخ.
وكتب عالم الفضاء الأمريكى كارل ساجان (1934- 1996) عدة كتب بأسلوب جمع بين تفاصيل جهود العلماء منذ كوبرنيكوس وجاليليو حتى القرن العشرين ، فى مجال علم الفلك وبين الأسلوب البسيط بل والمشوّق ، خاصة للقراء غير المُـتخصصين فى المجالات العلمية.
وفى كتابه (رومانسية العلم) الصادر عن هيئة الكتاب المصرية- سلسلة العلوم والتكنولوجيا- عام 2010- ترجمة د. أيمن توفيق ، ذكر ساجان أنّ العلم الحديث وأبحاث الفضاء وضعا البشرية على طريق (اختصار المسافات) وأنه بعد أنْ استأنس الإنسان الحصان وركبه ، وبعد اختراع العربة التى يجرها الحصان ، التى ظلتْ لبضعة آلاف من السنين أكثر وسيلة تكنولوجية للنقل أتيحتْ للجنس البشرى . وكانت تلك الوسيلة تـُـتيح للإنسان أنْ يرتجل بسرعة 10- 20 ميلا فى الساعة. وأنّ البشرية لم تتجاوز (تكنولوجيا عربة الخيول) إلاّ مؤخرًا وفى وقت حديث جدًا ، ويؤكد ذلك استخدامنا لتعبير (قوة الحصان) لتقييم محركات السيارات ، فمحرك قوته 375 حصانـًا يملك قوة جر 375حصانـًا . ومن السيارات انتقلتْ البشرية إلى مراحل أخرى بعد اختراع الطائرة والتغلب على قانون الجاذبية الذى توصل إليه العالم نيوتن وطوّره علماء آخرون مثل أينشتاين. ولذلك فإنّ التغيرات فى تكنولوجيا المواصلات فى القرن العشرين مثيرة. وبعد أنْ اعتمد البشر على سيقانهم لملايين السنين وعلى الخيل لآلاف السنين وعلى محركات الاحتراق الداخلى لما يزيد قليلا عن مائة سنة، وعلى الصواريخ لعدة عقود ، فإنّ عوائد عبقرية الاختراعات البشرية مكــّـنتْ الإنسان من السفر (سواء على سطح الأرض أو على سطح المياه) بسرعات تزيد مئات المرات عن سرعة السيقان ، أما فى الهواء فالسرعة تزيد عنها بآلاف المرات وفى الفضاء الخارجى بعشرات الألوف من المرات.
وذكر أنّ (تلغراف شعاع القمر) اخترعه مُنجّم إنجليزى هو (جون دى) ولكن تلك الوسائل لم تكن عملية إلا فيما ندر، وكانت السرعة أشبه بإنسان على حصان ، ومع التقدم العلمى تغيّر كل شىء ، فسرعة الاتصال بواسطة التليفون والراديو تصل إلى سرعة الضوء أى 186000ميل فى الثانية أو حوالىْ ثلثى بليون ميل فى الساعة. وأنه وفقــًا لنظرية النسبية الخاصة لأينشتاين لا يمكن انتقال جسم ولا معلومات من مكان لآخر بأسرع من سرعة الضوء ، وأنّ ذلك ليس مجرد حاجز هندسى مثل حاجز الصوت وإنما هو السرعة القصوى الكونية المُبيّنة فى صلب الطبيعة. وبفضل علم الفلك توصل العلماء لتكنولوجيا الاتصالات ، وبذلك أصبح من المألوف أنْ يتصل البشر ببعضهم عبر القارات ويتم الاتصال فى نفس اللحظة. أما فى مجال تكنولوجا النقل فذكر أنه ((لم نستطع الاقتراب من سرعة الضوء مطلقــًا وتواجهنا مشاكل فسيولوجية وتكنولوجية)) وذكر أنّ سرعة 1040 ميل فى الساعة هى أقل من نصف سرعة الصوت. وهناك أنواع عديدة من الطائرات (بالذات العسكرية) ومنها طائرة الكونكورد ، تستطيع تحقيق تلك السرعة. وذكر أنّ رجال الأعمال والعاملين فى السفارات هم أكثر الناس الذين يُطالبون بزيادة سرعة الطيران ، وكان تعلق ساجان ((إنّ المطلب الحقيقى فى رأيى ليس نقل المعدات والأفراد ، بقدر ما هو نقل المعلومات. ويمكن الإقلال من الاحتياج إلى نقل فائق السرعة بتحسين استخدام تكنولوجيا الاتصالات الحالية. وحدث مرارًا أنى شاركتُ فى اجتماعات مع عشرين شخصًا دفع كل منهم 500 دولارًا فى الانتقال والإقامة بمجموع عشرة آلاف دولار لمجرد أنْ يجتمع الجميع معًا. وكان الهدف هو تبادل المعلومات ، بينما هناك بدائل من تقنيات الاتصالات تغنى عن كل تلك التكاليف وتـُحقق نفس الغرض مثل اجتماعات الفيديو video conferences وغير ذلك من الوسائل الالكترونية الحديثة لتبادل المعلومات.
وبفضل علم الفضاء تمّ اختراع الطائرة العمودية القادرة على الإقلاع والهبوط العمودى وقد أدّتْ إلى فوائد جمة للبشر خاصة فى كوارث الزلازل وغيرها فتـُـتيح للطائرات الهبوط فى الأماكن النائية ومعها الاسعافات اللازمة والأطباء الخ دون حاجة لممرات الهبوط التقليدية.
ومن رأى العالم ساجان أنه مع استنزاف الوقود الحفرى يعتقد باحتمال عدم بقاء السيارات المزودة بمحركات الاحترق الداخلى لأكثر من عقود معدودة ، فوسائل النقل فى المستقبل يتعيّن أنْ تكون مختلفة. وأنه يمكن تخيل مركبات تعتمد على الطاقة الشمسية أو الخلايا الكهربائية والتى ينتج عنها أقل قدر من التلوث البيئى وباستخدام تقنيات فى متناول الجميع.
وذكر أنه تـُستغل الآن قوى جاذبية الكواكب للوصول إلى سرعات لا يمكن الوصول إليها بغير تلك الوسيلة. فلم تتمكن مارينر10 من الوصول إلى عطارد إلاّ لأنها طارتْ ملاصقة للزهرة فاستفادتْ من جاذبية الزهرة التى أعطتها قوتها فتمكنتْ من زيادة سرعتها. ولم تخرج من النظام الشمسى كلية إلاّ لأنها مرّتْ بالقرب من المشترى الكوكب العملاق . والمركبات الفضائية بايونير10، 11 وفوياجر1، 2 هى أكثر وسائل النقل تقدمًا صنعها البشر، وستغادر النظام الشمسى بسرعة 43000 ميل فى الساعة حاملة رسائل إلى أى شخص قد يُصادفها هناك بعد أنْ كان السفر- منذ وقت قريب – لا يتجاوز بضعة
أميال فى الساعة.
وذكر أنّ علماء فيزياء الأرض يعتمدون على المُعطيات السيزمية (الزلازل الصناعية) ومثلهم فى ذلك علماء الفلك ، فهم أيضًا لا ينتظرون ما تجود به الطبيعة من أحداث . وقد اقتصر عمل الفلكيين على متابعة الإشعاعات الكهرومغناطيسية التى تنبعث أو تنعكس من الأجرام الفلكية. ومن المستحيل فحص النجوم و الكواكب فى المعامل ، والاستثناء الوحيد هو النيازك الساقطة على الأرض . ولكن مع التطور العلمى أصبح الفلكيون المُـتمركزون على الأرض يملكون وسيلة تجاربية ، هى الرادار الفلكى وصار بالإمكان إرسال أى شعاع بالتردد الذى يُحدده العالِم والذبذبة التى يُريدها ، وبعد ذلك يتم فحص الإشارة التى ترتد من سطح الكوكب. كما أنّ الرادار الفلكى قـدّم مجموعة كبيرة من المُعطيات حول زمن دوران الزهرة وعطارد ومُعطيات أخرى أسهمتْ فى تحسين فهمنا لتطور النظام الشمسى والحُـفر الاصطدامية على سطح الزهرة ومرتفعات المريخ وحجم الكتل الصخرية فى الحلقات المحيطة بزحل. وأنّ التليسكوب الرادارى الجديد (آريسيبو) فى المركز القومى للفضاء فى بورتو ريكو سيُمكننا من تصوير تفاصيل سطح الزهرة والقمر أكثر دقة بكثير من الصور الفوتوغرافية المُـلتقطة من الأرض.. فلأول مرة صرنا ندس أصابعنا الكهرومغناطيسية فى النظام الشمسى. وبفضل ذلك التقدم العلمى نجح العالم (توماس جولد) فى صنع نسخة من تراب القمر تـُماثل الخواص المعروفة عنها قبل معلومات سنة 1969 عن القمر.
أما الروبوتات (جمع روبوت) وهذه الكلمة اشتقها الكاتب التشيكى كاريل كابيل ونحتها من الجذر السلافى بمعنى (عامل) وبالتالى صار ترجمتها (العامل الآلى) فكان لها الفضل فى هبوط أبوللو11 وبدونها كانت الرحلة ستنتهى بكارثة على سطح القمر. وإذا كان البعض سخر من الروبوت الذى وفــّر الجهد للسيدات فى المنازل ، فإنّ ساجال كتب عن هذا الموضوع ((وإنى لأتساءل عن وجود قدر من التعصب ، مثل العنصرية عند بعض البيض ضد السود ، وتعصب الرجال ضد النساء فإنى أظن أننا نشهد الآن أمرًا مماثلا أصاب الروح الإنسانية بمرض لم يُطلق عليه اسم بعد . وتعبير (التمركز البشرى) يعنى اعتبار الإنسان (مركز الكون) لا يعنى الشىء نفسه تمامًا ، أما تعبير (الحركة الإنسانية) فيصف أنشطة إنسانية أكثر براءة . ومقارنة بتعبيرات التعصب للجنس والعنصرية فإنى اقترح تسميته (الإحساس المفرط بالنوع) وهو القناعة المتحيزة بأنّ ليس فى الوجود ما هو أقدر وأدق وأجدر بالاعتماد عليه من البشر))
وكان من بين الانجازات العلمية فى صناعة الكمبيوتر، اختراع (كمبيوتر الشطرنج) فقد أمكن تصنيع كمبيوتر يتعلم من تجاربه فى مبارياته السابقة. وفى سنة 1989 هزم الكمبيوتر لاعبًا من المستوى الأول لأول مرة فى التاريخ وعاد الكمبيرتر وهزم (جارى كاسباروف) بطل العالم فى سنتىْ 1996، 1997، ثمّ توالتْ هزائم البشر بعد ذلك (هامش من المترجم- ص215)
وذكر ساجان أنه يجب التفرقة بين الروبوتات التى تسيطر على نفسها سيطرة ذاتية وتلك التى تحت السيطرة عن بُعد (خاصة فى أبحاث الفضاء) وهناك أنواع وسط بين هذا وذاك حيث يجمع الروبوت بين خواص النوعيْن ، وأنّ هذا النوع الأخير سيكون الأعلى كفاءة فى المستقبل القريب. وذكر أنّ البعض أبدى قلقه من الرحلات البشرية للمريخ ، خشية نقل الجراثيم الأرضية إليه ونقل الجراثيم المريخية (إنْ كان لها وجود) إلى الأرض. وقد تمّ تزويد مركبات فايكنج التى حطـّتْ على سطح المريخ فى صيف 1976 بكمية كبيرة من المجسات المثيرة والأجهزة العلمية التى هى امتداد للحواس البشرية إلى بيئة غريبة. ويرى أنه من الأفضل (فى المستقبل) وضع مُراقب بشرى فى مركبة فضائية تدور حول الكوكب المُستهدف ، رغم وجود عيب جوهرى فى السيطرة البشرية من مراكز أرضية ، ولهذا فإنّ المستقبل سيشهد اعتمادًا أكبر على المركبات الذكية ذات السيطرة وسوف نشهد تعاظم تعقد الكمبيوترات الموجودة على سطحها. وسنصل إلى صنع كمبيوتر قادر على إصلاح أعطابه بنفسه واستبدال أجزائه المعطوبة بأجزاء سليمة. وسوف نشهد عملية تصغير الأحجام فى الرحلات الفضائية بعد أنْ حلــّتْ شرائح السليكون محل الكمبيوتر. فنحن اليوم نستطيع وضع كل إمكانيات جهاز راديو من صنع سنة 1930 على طرف دبوس . وفى نهاية هذا الفصل كتب أنّ استمرار تطورنا يعتمد على تجاوز التعصب وعلينا أنْ نتأقلم ونتقبـّـل وجود تكنولوجيا العلوم ، مثلما نتقبل وجود أجهزة تـُزرع تحت الجلد لتنظيم ضربات القلب وبذلك نـُجنـّب المريض خطر الموت المفاجىء.
ومن بين الانجازات المهمة فى علوم الفضاء حقيقة أنّ الكون فى حالة تمدد دائم ، وكل المجرات تبتعد عن بعضها . وبالرجوع إلى الأزمنة السحيقة منذ 15 أو 20 بليون سنة كانت المجرات متلاصقة وتشغل حيزًا صغيرًا من الكون. واليوم صار العرف أنْ نـُطلق على ظاهرة التمدد اسم (الانفجار الكبير) وسبق ذلك المجهود أبحاث كوبر نيكوس الذى أثبت أنّ الكثافة الحالية للكون لا تكفى لمنعه من التمدد إلى الأبد. وعن تلك الظاهرة (تمدد الكون) يُحاول علماء الفلك التعامل معها : إما لتجنب مخاطرها (فى حالة وجود مخاطر على الكرة الأرضية) أو الاستفادة منها بالبحث عن كواكب تصلح لسكنى البشر عليها.