القاهرة 30 مارس 2015 الساعة 11:58 ص
لم يكن مفاجئاً حلول اسمي ابراهيم الكوني وهدى بركات في اللائحة القصيرة لجائزة البوكر العالمية، شقيقة البوكر البريطانية التي استُنسخت منها شقيقتها -أو ابنة عمها- العربية. الروائي الليبي والروائية اللبنانية ترجمت أعمالهما إلى لغات عدة منها الإنكليزية التي باتت أقصر الطرق إلى الجوائز العالمية، وهما يملكان قراء في العالم الانغلوساكسوني أياً كان عددهم، ولهما حضور في الوسط النقدي، وهذا ما أكده اختيارهما في اللائحة القصيرة التي تضم -كل عامين- أسماء لامعة في الأدب الأنغلوفوني أو المترجم إلى الإنكليزية. والأمل أن يخطف أحدهما الجائزة الأولى، مع أن بعض «الغيارى» العرب يستبعدون مثل هذا الأمر، حسداً أو انتقاصاً من الأدب العربي الذي لم يصبح عالمياً برأيهم. قد يكفي أن يصل روائينا وروائيتنا إلى اللائحة القصيرة ليرسّخا اسميهما عالمياً، وإن كانت العالمية صفة تتخطى الجوائز عادة وتمثل «واقعاً» أعمق وأشمل لا يمكن وقفه على «المكافآت» والجوائز. لكنّ فوز أسماء مثل فيليب روث واليس مونرو واسماعيل كاداريه بالبوكر العالمية، يمنح هذه الجائزة سحراً ويؤكد صدقيتها وفرادتها أدبياً. إنها جائزة «البين بين»، إن أمكن القول، محطة موقتة تتيح لحائزها أن يأمل، مقدار ما أمكنه، بالفوز بجائزة نوبل. هذا ما يُقال عن هذه الجائزة في الغرب. تُرى ألم تفز بها الكندية أليس مونرو قبل أن تفوز بنوبل قبل عامين؟ أليس فيليب روث أحد كبار الروائيين في أميركا والعالم، مرشحاً دائماً لجائزة نوبل وقد يمكن إدراج اسمه بين الفائزين بها «مجازياً»؟
قد يأخذ عليّ نقاد وروائيون حماستي هذه وتفاؤلي، ولعلهم على صواب. لكنّ ورود الكوني وبركات في لائحة تضم أسماء روائية مهمة ورائجة عالمياً خارج الاعتبارات المعروفة والعلاقات والأبعاد السياسية (كما يحصل في نوبل أحياناً) يؤكد مكانة الرواية العربية الجديدة التي يمثل الاثنان صورتين جليّتين عنها. ولافت فعلاً أن يتجاور الاسمان العربيان في لائحة قصيرة واحدة مع أسماء مثل الهندي اميتاف غوش، روائي كالكوتا، المترجم جيداً في فرنسا والحائز فيها جائزة «مديسيس» للرواية الأجنبية (1990) وكانت جامعة السوربون منحته دكتوراه شرف تقديراً لأعماله، عطفاً على شهرته في بريطانيا وأميركا التي درّس في جامعاتها ومنها هارفرد. أما الروائية الفرنسية السمراء ابنة الغوادولوب ماريز كونديه الماثل اسمها في اللائحة القصيرة، فهي من الوجوه الرائدة في تيار روايات «الشعوب» والأعراق والثقافات وتحيا وتكتب في مناخ يتقاطع بين الفرنسية والإنكليزية، وهي تدرّس في جامعة كولومبيا الأميركية، وكانت اقترحت عام 2006 على الرئيس الفرنسي جاك شيراك تسمية يوم العاشر من أيار (مايو) يوماً تذكارياً لاندحار العبودية، فوافق وأُدرج هذا اليوم في المفكرة العالمية. وكانت كونديه حازت أيضاً جائزة الأكاديمية الفرنسية عام 1988. ومن الأسماء المهمة أيضاً الكونغولي الفرنكوفوني الشهير الان مابانكو الذي عرفت رواياته رواجاً وترجمت إلى لغات عدة وهو حصل على جائزة رونودو الفرنسية المعروفة وجائزة الأكاديمية الفرنسية. ناهيك عن الروائي الأرجنتيني سيزار آيرا المعروف في فرنسا والعالم الأنغلوفوني.
لم أورد هذه الأسماء الأجنبية إلا بغية إظهار حجم المنافسة التي يخوضها ابراهيم الكوني وهدى بركات وقوة المنافسين «الأجانب» ونزاهة لجنة التحكيم وموضوعيتها وتضلعها من الفن الروائي الجديد والحديث وما بعد الكولونيالي، وهي ضمت روائيين ونقاداً أكاديميين ورئيس تحرير مجلة «نيويورك ريفيو» الأدبية. وإن فاز أحد مرشحينا العربيين أم لم يفز، فهما نجحا في كسر حال الحصار»الجوائزي» الذي ما برحت الرواية العربية تحيا داخله وتعانيه. هذه خطوة راسخة تحققها الرواية العربية، الرواية المكتوبة بالعربية والمترجمة إلى لغة أخرى. الكوني وبركات لا يكتبان بالفرنسية أو بالإنكليزية وسواهما بل بالعربية وهما اختيرا لأنهما يكتبان بلغتهما الأم. لكنّ الجائزة هذه لم تتجاهل مثلاً أمين معلوف الذي بلغ لائحتها القصيرة عام2011. وقد تختار لاحقاً وبسهولة أحد الروائيين العرب الذين يكتبون بالأجنبية وبعضهم تمكن فعلاً من ترك أثر في الرواية العالمية الحديثة.
لا يسعني إلا أن أتذكر كيف أسقطت جائزة البوكر العربية رواية هدى بركات «ملكوت هذه الأرض» من لائحتها القصيرة ومعها روايات أخرى لأسماء كبيرة من لبنان والجزائر ومصر وأحلت محلها روايات ارتأت لجنة التحكيم «تعويمها» من دون حجة مقنعة ولا ذريعة نقدية صائبة. إنها هدى نفسها التي شطبت لجنة التحكيم اسمها من اللائحة العربية القصيرة يحل اسمها في لائحة إحدى أرقى الجوائز العالمية. ووجد بعض المناوئين للبوكر العربية وناقديها والحاقدين عليها في إنجاز هدى هذا، حافزاً على صب المزيد من نار غضبهم على البوكر العربية وعلى السخرية من لجان التحكيم التي تعتمدها وتفاجئ جمهورها بها، واصفين إياها بالجهل وعدم الكفاية والانحياز.
هل بالغ هؤلاء في موقفهم السلبي من البوكر العربية؟ لا جواب. لجنة التحكيم هي لجنة تحكيم. والذائقة تختلف بين لجنة وأخرى، بين أشخاص وأشخاص. كيف تختار إدارة البوكر لجنة التحكيم؟ لا معايير واضحة ومعلنة هنا. في أحيان، تصيب الإدارة في تسمية المحكمين وفي أحيان تخطئ خطأ ذريعاً. ومثلما تحمل لائحة الفائزين مفاجآت تحمل أيضاً أسماء المحكمين مفاجآت قد تكون أشد استغراباً وعجباً.