القاهرة 30 مارس 2015 الساعة 11:21 ص
بدأ، الاثنين الماضى فى القاهرة، مؤتمر مجمع اللغة العربية الواحد والثمانون، الذى يستمر حتى السادس من إبريل القادم. ومن المصادفات التاريخية أن يتزامن المؤتمر مع مؤتمر القمة العربى فى شرم الشيخ، وكلاهما يستهدف إنقاذ العرب من الأخطار الهائلة التى تحيط بهم، والتى وصلت إلى حد تهديدهم بالانقراض.
ولكن بقدر الأضواء التى تسلط على المؤتمر السياسى، وتجعله موضع اهتمام الرأى العام، بقدر الإظلام التام والصمت المطبق على المؤتمر الثقافى، ورغم أن اللغة عماد الثقافة الأول والأخير فهى وسيلة التواصل بين المجموعة البشرية التى تنطق بها، ولغة التعبير هى لغة التفكير، ولا توجد أى مسافة بينهما، أو كما يقال «كل إناء ينضح بما فيه».
موضوع مؤتمر مجمع اللغة العربية هذا العام «اللغة العربية وعالم المعرفة»، وتناقش الأوراق العلمية المقدمة فيه المحاور الآتية: التخطيط اللغوى والتنمية اللغوية، قضايا الترجمة والتعريب، اللغة العربية فى وسائل الاتصال الإلكترونى، مقترحات عملية للتقريب بين المجامع العربية فى موضوعات: المصطلح العلمى، الأرقام، كتابة الحروف، الرسم الإملائى، أسماء الشهور.
يعلمنا التاريخ أن هناك شعوباً انقرضت، وأن أول مظاهر الانقراض كان انقراض لغتهم. ويعلمنا الحاضر فى العالم العربى أن اللغة العربية تنقرض بالتدريج، وتكاد تتحول إلى لغة لصلاة المسلمين، كما كانت العبرية قبل إنشاء إسرائيل. ومن المؤسف أنه فى الوقت الذى قامت فيه إسرائيل بإحياء لغة ميتة منذ ألف عام، فأصبحت لغة حياة يومية توحد بين يهود إسرائيل الذين جاءوا من ثقافات مختلفة لكل منها لغتها، ولغة شعر ومسرح وقصة ورواية وبحث- يقتل العرب لغة كانت حية منذ ألفى عام، ويحولونها إلى لغة للصلاة.
والمشكلة الكبرى أن عامة الناس يتصورون أن هناك اختياراً بين اللغة العربية واللهجات العامية، بينما هذه اللهجات ظاهرة فى كل اللغات، وتنشر بقدر انتشار الأمية الأبجدية، أو ضعف التعليم الأساسى، فالتلاميذ لا يتعلمون العامية. وأن يكتب شاعر أو مسرحى أو حتى ناثر بالعامية فهذا اختيار يتحمل تبعاته وحده، مثل أى اختيار فردى، ولا يجب أن يعنى إهدار اللغة الأصلية التى جاءت منها اللهجة العامية.
فى أول حوار مع نجيب محفوظ نشر فى جريدة «الجمهورية» عام 1965 سألته: كيف يقول أحمد عبدالجواد فى الثلاثية «علام» وهو تاجر متواضع الثقافة؟ فقال لى: إنه ينطق فى عالمى الأدبى، وليس فى عالم الواقع. وقد فكرت أن يكون عنوان هذا المقال: ماذا يكسب العرب لو حافظوا على لغتهم مثل كل الشعوب؟ ولكنى فضلت أن أقول: ماذا يخسرون لو فعلوا؟: حقاً ماذا يخسرون لو فعلوا؟
samirmfarid@hotmail.com