القاهرة 19 فبراير 2015 الساعة 12:53 م
نواصل استعراض التحليل لأعمال مؤتمر طريق الحرير البحري
الخامسة: وفي تقديري إن مشكلة بعض المشاركين من بعض الدول ، هو الانحشار الفكري في التاريخ القديم وتجارب مناطق معينية في التوسع والاستعمار دون التفكير بصورة إيجابية في المستقبل وإنما الاستناد للماضي وتذكر مشاكله وشروره وليس مجردا أخذ العبرة منه، والعمل على العيش المشترك في إطار النظرة المستقبلية وإن بعض أحداث التاريخ إذا تم استدعاؤها من الماضي يمكن أن تغذي النظرة السلبية في علاقات الدول خاصة تلك التي كانت بلادهم دولا عظمى ثم تدهورت بسبب الصراعات الدولية. فيظلون يتذكرون بآسى ما كان لدولهم من حضارة عريقة غير مدركين أن مختلف الحضارات سادت ثم بادت أو ازرهرت ثم تراجعت أو كما يقول المثل شهدت عصور الانتصار والازدهار ثم عصور الانكسار والانحسار. وكما يقول الشاعر العربي
ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع
السادسة: إن طريق الحرير البحري يواجه عدة مشاكل منها مخاطر القرصنة في مضيق هرمز وملقا وخليج عدن وقبالة الساحل الصومالي وكذلك توجد مشاكل التنازع حول بحرالصين الجنوبي، ومشاكل الحسابات السياسية في جنوب آسيا، والصراعات وعدد الاستقرار في بعض دول الشرق الأوسط وهذه قضايا تحتاج لمعالجة جذرية. ولتنازلات متبادلة ورؤية مستقبلية علي أساس الكسب المشترك أو ما اصطلح علي تسميتهWin- Win Game
السابعة: إن بعض الدول وخاصة تايلاند تنظر للمستقبل في التفكيرالجاري حاليا في بعض مراكز اتخاذ القرار بإنشاء قناة تربط بين بعض دول المنطقة وبين المناطق المتجاورة، وتتجاوز القرصنة في مضيق ملقا، وهذا ربما يؤثر على بعض الدول المجاورة ويستدعي الأمر التوصل لتفاهم بين دول جنوب شرق آسيا وخاصة سنغافورة في إطار تجمع الأسيان.ASEAN
الثامنة: أشارت بعض المداولات إلي أن المكاسب الناجمة عن طريق الحرير البحري أكبر من المخاطر والتحديات القائمة أو المتوقعة، وهذا ما يجعل مختلف الدول في جنوب شرق آسيا بما في ذلك الفلبين التي لها مشاكل مع الصين في بحر الصين الجنوبي رغم تحفظاتهم يرغبون في الارتباط به للاستفادة من صندوق الاستثمارات الصينية في البنية الأساسية في بلادهم وحتى لا تكون منعزلة سياسياً.
التاسعة: ركز الصينيون في دراستهم للماضي على أخذ العبرة والاستفادة من دروسه والعمل من أجل المستقبل، كما أكد الصينيون على أن مشروع طريق الحرير البحري ليس ضد أحد ولا يرغب في استعداء أية دولة وإن المشاركة فيه مفتوحة للجميع.
العاشرة: ركزت كلمة الدكتور محمد نعمان جلال في الجلسة الافتتاحية الرسمية والتي كانت الكلمة الرئيسة الثانية- بعد مداخلات قادة الصين الثلاثة المشار إليهم سابقا- على أهمية طريق الحرير للمنطقة العربية والعلاقات العربية الصينية ولدور ابن بطوطة الرحالة العربي المغربي (1304-1377 ميلادية -703-779 هجرية ) في إرساء العلاقات مع تلك المدينة العظيمة والتي وصفها ابن بطوطة في كتابه المعنون ( تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) بأنها أعظم مدن العالم ولم ير مثلها قط وإن هذه العبارة محفورة على لوحة في المتحف العربي في مدينة شوانجو،Quanzhou في إقليم فوجيان كما أن المسلمين العرب جاءوا تجاراً للمدينة منذ عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان، وإن أول مبعوث صيني للعالم الخارجي كان بعد توحيد الصين في عهد أسرة هان الملكية التي وحدت الصين لأول مرة عام 221 قبل الميلاد وذهب المبعوث الصيني للإسكندرية عاصمة مصر في العهد البطلمي والتقى مع الملكة حتشبسوت وحصل على عدد من السلع المصرية والخبرة العملية في الألوان الثابتة وفي صناعة الزجاج الملون المعشق وهو ما لم تكن لدى الصين خبرة فيه آنذاك .
وأضاف الدكتور جلال بأنه في عصر الدولة العباسية وفي عصر أسرة تانج وقبلها سونج ازدهرت التجارة بين العالم العربي الإسلامي وبين الصين وأخذ طريق الحرير البحري فرعين رئيسين أحدهما كان يمر في الخليج العربي ورست السفن في أكبر مينائين آنذاك وهو ميناء مسقط وميناء البحرين ثم إلى بغداد عاصمة الدولة العباسية
أما الفرع الثاني فإتجه لبحر العرب وخليج عدن ثم انقسم إلى فرعين أحدهما دخل إلى البحر الأحمر ومدينة السويس ومنها في قناة سيزوستريس الفرعونية إلى نهر النيل ثم رشيد ودمياط وعن طريق البرإلي الإسكندرية وأصبحت القناة تسمى قناة أمير المؤمنين في العهد الإسلامي وكانت تربط بين مدينة السويس وبين نهر النيل والفرع الثاني إتجه لشرق إفريقيا حيث الأسطول التجاري الصيني بقيادة الرحالة جانج خا Zheng He الذي قاد أسطوله في سبع مرات للمنطقة وأضاف الدكتور جلال بأن قناة السويس الجديدة التي أطلقتها مصر في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي تمثل أحد أطراف المبادرة الثلاثية المعاصرة للقرن الحادي والعشرينThe Trio Initiative وهي قناة السويس الجديدة، وطريق الحرير البري وطريق الحرير البحري واستطر بأن أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين شهد انطلاقة دول مجلس التعاون الخليجي حيث الموقع الاستراتيجي والثروة النفطية والسوق الواعدة والإمكانيات المالية تعد في القرن الحادي و العشرين من أهم ركائز العلاقات العربية الصينية مما جعل التجارة الصينية لدول الخليج العربي تحتل المركز السابع في تجارة الصين الخارجية كلها والتجارة الخليجية للصين تحتل المركزالسادس في تجارة دول الخليج مع العالم.
حظيت المداخلة باهتمام كبير من قادة الصين الحاضرين ورجال الإعلام والفضائيات في جنوب الصين حيث أجريت عدة مقابلات مع الدكتور جلال لفهم كثير من الأفكار التي طرحها.
الحادية عشرة: يعد المتحف العربي الإسلامي في مدينة شوانجو أحد روائع التراث العربي الصيني وهو متحف حديث ساهمت فيه سلطنة عمان بقيادة جلالة السلطان قابوس ودولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة الشيخ زايد بن سلطان رئيس الدولة آنذاك رحمه الله ، وكان ذلك دليلا رائعا ومصدر فخر للعلاقات بين الصين والعرب ونقلت إليه كثير من الآثار العربية التي تعد خير دليل على العمل التجاري السلمي بين الطرفين حيث كان التجار العرب آنذاك هم سادة البحر وهم المرشدون للملاحة في البحار.
الثانية عشرة: وفي اعتقادي أنه من الضروري للغاية مساهمة الدول العربية وبخاصة دول الخليج العربية ومصر واليمن في طريق الحرير البحري الذي يمر عبرها أو في مياها الإقليمية خاصة إنها طريق التجارة بين الشرق والغرب وبين الصين القوة الاقتصادية الثانية في العالم ومؤهلة لكي تصبح القوة الاقتصادية الأولى في غضون سنوات قلائل. أما مصر بوجود قناة السويس القديمة والقناة الجديدة فهي تمثل أهم ممر مائي دولي يربط بين الشرق والغرب وهو ممر مائي مرتبط بطريق الحرير منذ القدم وجاء حفر قناة السويس الثانية في توقيته المناسب ليتماشي مع مبادرة طريق الحرير البحري.
وفي الختام نقول الصين في القوة الصاعدة والتي تبحث عن حلول مبتكرة لمشاكلها وتحدياتها الاقتصادية سواء في الحاضر أو من أجل بناء المستقبل وتركز على الماضي لأخذ العبرة ولعل أهم الأفكار التي تركز عليها الصين هو مفهوم التناغم والوفاق ومفهوم القوة الناعمة في علاقات الدول ومفهوم المكاسب المتبادلة وليس سيطرة قوة على غيرها وهذا ما يستحق اهتمام عربي في عصر يجري فيه عمدا تهميش الدور العربي والتركيز على سلبياته بدلا من التفكير الإيجابي البنّاء حول مساهمته القديمة في بناء الحضارة ومساهمة من حيث الطاقة ورؤوس الأموال في بناء الاقتصاد العالمي المعاصر بل والمستقبل الواعد رغم التحديات الكبيرة التي تواجه العرب في هذه المرحلة ورغم التشويه المتعمد لصورة العرب والإسلام والمسلمين في الوقت الحاضر . ولكن الحقيقة سوف تنكشف والصورة الصحيحة سوف تظهر ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ويحق الله الحق ويبطل الباطل والله غالب علي أمره. وهو علي كل شيء قدير.،وسوف تنجلي الغمامة التي ساهم في نشرها كتاب مسيسون رغم كونهم علماء أمثال برنارد لويس و صامويل هنتنجتون في أطروحته عن صراع الحضاراتCLASH OF CIVILIZATIONS وفي نظرته للحضارتين العربية الإسلامية والحضارة الصينية بأنهما أكبر الحضارات تحديا للحضارة الغربية وتجاهله لمفهوم التراكم الحضاري ولمفهوم عدم أبدية أية حضارة ، لمفهوم أن الحضارة العالمية الراهنة ليست حضارة الغرب فقط بل هي تراكم حضارات وإنجازات البشرية جمعاء عبر عصور التاريخ.