القاهرة 29 يناير 2015 الساعة 12:59 م
رحم الله "شيماء الصباغ".. وأسكنها الله سبحانه فسيح جناته.. وألهم الله. أسرة هذه "الشهيدة" الكريمة. الصبر والسلوان.. هذه الأسرة الفاضلة.. التي قررت. وهي مازالت تعيش المأساة. ومازالت دماء الفقيدة لم تبرد بعد.
قررت الأسرة. القبول بقضاء الله.. والقبول "بجريمة".. قتل واغتيال. نالت أحد أبنائها.. جريمة. لا يكاد. يمر يوم. إلا وتكررت لتحصد أرواحاً بريئة.
قررت أسرة "شيماء". ورفضت بكل الإيمان والعزم.. "استغلال" الحادث.. استغلال الجريمة.. لتأجيج الوضع. وإثارة العداء.. وإشاعة الفوضي.
هذا الموقف النبيل.. والسلوك الوطني الراقي.. من "الأسرة".. يكشف.. وبكل الوضوح كُنه. وطبيعة الأسرة. التي خرجت منها. ونشأت. هذه الشهيدة.. العزيزة.
خرجت "شيماء".. حاملة الورود. لتضعها في ذكري زملاء رحلوا.. دفاعاً عن الوطن.. وأملاً في عالم جديد.. بعيداً عن القتل. وعن الفوضي. وعن الدمار.. وأظنها رحمها الله لم تفكر في عنف. أو انتقام. أو جرم. وهو ما أكده. وبرهن عليه سلوك أسرتها عندما رفضوا.. وبكل العزم عدم استغلال الحادث.
* * *
اللافت للنظر.. والمثير للانتباه.. هو هذا "الصرع".. وهذه "الضجة الإعلامية".. الضخمة التي يقودها:
عدد من الكتاب. والمعلقين. والإعلاميين.. وكذلك السياسيون المنتمون. لكثير من الأحزاب السياسية.. التي يفوق عددها.. عدد الأعضاء المنتمين إليها.
هؤلاء. وأولئك الذين "يقذفون" باتهاماتهم. في كل اتجاه.. وكأن المطلوب.. وانتقاماً. للفقيدة العزيزة "شيماء":
* هو "تدمير" هذا الوطن.
* هو إثارة الفتنة. بين أبناء هذا الشعب.. وبين مكوناته.
* هو هدم الدولة المصرية.. وضرب مؤسساتها.. وإشاعة حالة من الكراهية. والبغضاء. والتشكك..
بين الشعب من جانب.. وبين الأمن. والجيش. والقضاء. والسلطة كلها من جانب آخر.
هذه "الحالة".. من الإثارة "المنظمة".. والمدبرة. والكاذبة.. هي في الحقيقة.. المطلوب تأكيده وتثبيته.. في عقول الناس.. وفي مشاعرهم.. وبالتالي في سلوكهم "المنحرف".. بعد ذلك.
"فشيماء". رحمها الله. ليست أول ضحية.. للعنف الذي يلف ويحيط حياتنا. طوال السنوات الأربع الأخيرة.
وليست "أول بريء".. تستهدفه رصاصات "المجرمين".. أياً كان منبتهم.. وأياً كانت انتماءاتهم..
ما أكثر من سقطوا من الشهداء الأبرياء..
بعضهم من بسطاء الناس.. وبعضهم من جنود. لم تتجاوز أعمارهم العشرينات.. وبعضهم من رجال الأمن والشرطة. ورجال الجيش. وقد وصلوا إلي أعلي الرتب.
ولم يعرف أحد منا. نحن شعب مصر.. أن ثأراً. أو قصاصاً. أو عداوة. كانت بين "القتلة" والمجرمين.. وبين كل هذا العدد الضخم من "شهداء الواجب".
فلم يكن هناك ما يتصارعون ويتقاتلون عليه أو حوله..
والمسألة ببساطة.. أن "جماعة عميلة" وفاسدة.. قد تصورت أنها قادرة علي العودة للسلطة. من خلال تحويل البلاد إلي "الفوضي".. وأن إثارة الفزع والرعب. والقتل. قادرة علي إسقاط الدولة.
* * *
كان الظن.. أن يدرك الكثيرون.. خاصة من يتصورون أنفسهم من أهل العلم والمعرفة. والفكر.. أن يعملوا. ويصارعوا. ويتحركوا من أجل "تعبئة شعبية".. شاملة.. ضد مخطط "الفوضي والعنف والقتل" الذي تمارسه.. عصابات التدمير والتخريب.
كان الظن.. أن تقوم "النُخب". ورجال الأحزاب. والقوي السياسية "بمهمة مقدسة".. هي غسل. وتنظيف عقول ونفوس. البسطاء وجماهير الشعب. من الأكاذيب التي تروجها عصابات الداخل والخارج.. تلك الممولة. بالمال الحرام.. من أجل هدم مصر.
وكل يوم يخرجون علينا "بأسماء" كريهة.. لتنظيمات وجماعات مجهزة. ومدربة. ومسلحة.. تسفك الدماء.. وتثير الرعب والخوف.
وليت "نُخبنا". وإعلامنا. بل وأحزابنا تدرك. أن "العناوين" الكبيرة. والكاذبة والمثيرة.. لا تحصد لهم إلا الكراهية من جانب الأغلبية.. وأن عزلتهم. لا تكسر.. أو يفك القيد عنها.. إلا العمليات الهمجية.. مثل:
* تحطيم شبكات ومحطات الكهرباء.. وتدمير المصانع. ومراكز الإنتاج.. وتسميم مياه الشرب وتخريب الطرق.. وإحراق محطات المترو. والسكك الحديدية.
فضلاً عن التركيز المحموم. علي الجنود البسطاء. والضباط الأبرياء.. ولنسأل أنفسنا. سؤالاً "ساذجاً". قد لا يعجب المتآمرين:
* لماذا كل هذا التركيز "الساذج" علي الشهيدة شيماء؟!!.. بينما لم يتوقف أحد.. ولو بكلمة واحدة عند استشهاد جندي أو مواطن أو جنرال.. ممن تحصدهم كل يوم وكل لحظة. طلقات الشر والجريمة..
في حين أن كل شهيد من هؤلاء. لم يعتد علي أحد.. وبينما كل شهيد من البسطاء وغير البسطاء. الساهرين علي أمن الوطن. يرحل. وراءه "حفنة" من اليتامي الذين لا عائل لهم.
* * *
المؤسف.. أن شهداء الواجب.. بالأمن. والجيش. والمؤسسات العامة.. لا ينتمون. إلي حزب. أو جماعة. أو تنظيم.
إنما هم جميعاً.. منتمون للوطن.. ويعملون لخدمة هذا الوطن. وخدمة شعبه.. لكن أحداً. لا يتوقف عندهم.. وكأن المسألة حالة. أو أمر طبيعي.. يخدمون الوطن.. ويؤمنون حياة ومصالح العباد فيه.. ويقتلون علي أيدي المجرمين.
وحينما. تنال "رصاصة غادرة".. حياة شيماء.. فلابد أن تقف الدنيا ولا تقعد.
هذا التمييز "الفاجر" بين الأبرياء من أبناء هذا الوطن.. تمييز "مقصود".. تمييز مخطط ومدبر.
فحياة المواطن المصري مقدسة.. ولابد أن تكون مصانة.. ومرفوض كل تمييز.. بين حياة هذا. وحياة ذاك.. لكن الواضح أن التمييز والتفرقة ضرورة واجبة.. لانتشار الفوضي. واستمرارها.
وعلينا أن نتوقف هنا.. عند ظاهرة لا تقل بشاعة عن الظواهر الأخري. التي تحدثنا عنها..
هذه الظاهرة البشعة.. تتمثل. في الحديث "البائس" والسخيف عن "الشباب".
وأن الشباب. لابد أن يأخذ حظه ونصيبه في الحكم والسلطة. ولا أدري من هُم هؤلاء الشباب. الذين يتحدثون عنهم.. ويحملون رايتهم؟!!
هل هؤلاء الشباب "مجموعة" من المواطنين.. مؤهلين ومدربين ومتعلمين. تعليماً راقياً؟!!
أم هم "أناس" ومجموعات. وجماعات. لا وجود لهم.. ولا كيان يجمعهم.
الشباب.. لمن يعرف.. ولمن لا يعرف.. ولمن يكذب ويشوه الحقائق.
"الشباب" فئة عمرية.. ليس إلا.. الشباب مرحلة يمر بها كل البشر.. بعدها ينتقل أصحابها. أو ينتقل البشر خلال مسيرتهم الحياتية من الطفولة للشباب.. للشيخوخة.
وقد مرت البشرية كلها. ومازالت تمر. بتلك المراحل الحياتية.. لا تمييز خلال هذه المسيرة.. إلا لمن اجتهد. وعمل ودرس وتعمق وتخصص. في فرع من الفروع العلمية. والعملية. والفنية.
فالشباب الذي حقق النصر في حرب أكتوبر ..1973 لم نسمع أن أحداً منهم أو من غيرهم قد رفع الرايات. مطالباً. بحقه أو بنصيبه. أو بمكافأة علي ما بذل وفعل.
أما هذا التمييز بين "شباب" غير معروف الهوية.. وغير معروف الكفاءة.. وإنما هو "شعار".. و"رمز" يستغله ويستخدمه المزورون. فلا مكان له.. في "حسبة". ومشروع بناء الوطن الجديد.
نحن أمام "تحدي حقيقي".. تحدي إعادة بناء وطن وإنقاذه من براثن مجرمين ومخربين..
وأن كل من لديه القدرة. أو الخبرة أو المعرفة للمشاركة الفعالة. عليه أن يتقدم.. وعلي الدولة أن تعطيه الفرصة. وتفتح له المجال.
فشباب اليوم.. هم شيوخ المستقبل.. وعلينا أن نتذكر دائماً أن الشباب "مرحلة عمرية".. وليس أبداً. ولا دائماً قدرة علمية وكفاءة.