كتب: إسلام عبد الوهاب
محسن محمد
| يصعب على الإنسان أن يتنبأ بمستقبله وأن يعلم حاضره دون أن يعرف ماضيه، من هذا المنطلق أخرج المؤرخ الصحفي محسن محمد كتابه "سرقة ملك مصر" ويقصد به الملك "توت عنخ آمون" ويحتوي علي 25 فصل وقد صدر ثلاث طبعات منه ويقدم للقارئ مادة أشبه بالتحقيق الصحفي عن حضارة مصر والسرقات والنهب التي تعرضت لها المقابر والمعابد من قبل الأجانب، ويضع أمام القارئ أرقام وحقائق ثابتة حول سرقة مقتنيات الحضارة المصرية وكيفية بحث العالم كله حول ألغازها والاهتمام بملوكها والشغف الكامل باقتناء بعض من تلك الحضارة ولو بالسرقة، فهو يعيد كتابة تاريخ الفراعنة في العصر الحديث. "الأم تقرأ للصغير وعمره 5 سنوات صفحات من الإنجيل بصوت مرتفع، والطفل يحفظ الصفحات ويعيدها كلمة بعد أخرى، خاف الأب من ذكاء ولده، فمنع الأم من القراءة للطفل، ولكن الصغير سرق نسخة من الإنجيل من كتب أبيه، لم يكن الطفل فرانسوا شامبليون يعرف القراءة والكتابة ولكنه كان يحفظ مكان الكلمات في الصفحات ويقارن النطق بالحروف ويلتقط مجلة تهتم بآثار مصر وفنونها ويطالع فيها تقريرا ورسما عن حجر رشيد ويصمم الطفل وعمره 11 سنة علي حل لغز الهيروغليفية وتفسير كلماتها فيتعلم في سن 16 سنة عدة لغات ويدرس وعمره 17 سنة بأكاديمية العلوم الفرنسية ويضع في ذات السن خريطة تاريخية لمصر التي لم يزرها ويؤلف في
قراءة في كتاب "سرقة ملك مصر" لمحسن محمد | هذه السن كتابا عنوانه "مصر تحت حكم الفراعنة"، ومنع الفقر الشاب من التفرغ للكتابة الهيروغليفية فقد كان عاطلا وملابسه ممزقة وحذاؤه بال ولا يدفع الإيجار ويؤجر حجرته للطلبة ويعطيهم دروسا ويصحح بروفات الكتب ليعيش، ورغم تلك الظروف استطاع شامبليون عام 1822 وعمره 32 سنة في حل رموز الكتابة الهيروغليفية بعد عشرين عام من اكتشافها ويزور مصر بعدها ويستقبله المصريون بترحيب بالغ ويمكث فيها ثلاث سنوات، ويموت العبقري شامبليون عام 1832 الذي جعل من آثار مصر كتابا مفتوحاً" كانت هذه مقتطفات من فصل "قانون ماسبيرو" أحد فصول كتاب "سرقة ملك مصر" فلم يفُتْ محسن محمد إرجاع الحق إلي صاحبه فقبل شامبليون كان العالم يهتم بآثار مصر لكونها أثر وحضارة قديمة وبعد شامبليون اختلفت النظرة إلى آثار مصر فقد صارت تاريخ يقرأ وأعاد أنظار العالم إلى مصر وحضارتها كما أن ما فعله شامبليون جعل فرنسا تعطي الحق لنفسها في إن تفرض سطوتها على الآثار ومصلحة الآثار المصرية نحو مائة عام. "توت عنخ آمون" الملك المسروق ابن اخناتون إله التوحيد والملكة نفرتيتي أخناتون الذي حكم مصر في التاسعة من عمره وكان الملك العاشر من ملوك الأسرة الثامنة وحكم تسع سنوات فقط، ويذكر محسن محمد عن مكتشفي المقبرة الخاصة بتوت عنخ آمون في الفصل الأول "وادي الملوك بلا ملوك" وكلاهما بريطانيان فيتحدث عن الأول اللورد كارنارفون الذي شاءت الأقدار أن تقلب سيارته فيظن السائق أنه مات فيلقي عليه بصفيحة ماء فيفيق ويترك الحادث أثر في صدره ومعدته وقدميه، وقيل له "مصر تطيل عمر المرضى، زارها والداك فلما لا تفعل أنت" وجاء إلى مصر بعد 4 سنوات من حادث سيارة، وأما الثاني فهو "هوارد كارتر" وهو بطل الأحداث والذي ولد لأب فقير واحترف مهنة أباه رسم الحيوانات والمناظر الطبيعية وبيعها، وجاء مصر عن طريق أحد الأصدقاء الذي طلب منه أن يعمل معه في نقل اللوحات التي توجد على جدران المعابد والآثار المصرية وكان عمره 17 عام ثم يعمل بعدها مع واحد من كبار علماء الآثار المصرية ثم يعين في سن 25 مفتشا للآثار في صعيد مصر ثم يترك عمله بعدها بأربع سنوات ليتوجه إلى الأقصر التي يحبها ليعمل مرشدا للأفواج السياحية وفي وقت الفراغ باحثا عن قبور الفراعنة، ويحاول أن يأخذ رخصة للتنقيب فترفض فرنسا حتى يلتقي باللورد ويتحدا فيأخذ اللورد الترخيص وينوب عنه في الحفر كارتر.
كارتر واللورد اكتشفا مقبرة توت عنخ آمون صباحاً وسطوا عليها ليلاً | "الكشف" هذا هو عنوان فصل كيفية اكتشاف المقبرة التي هزت العالم كله، فيقول محسن محمد "درس كارتر نتائج جمع الحفائر التي تمت من عام 1875 ورأى أن اللصوص سرقوا بعض التحف النادرة من مقبرة الملك توت عنخ آمون ولكنهم لم يسرقوا كل ما في المقبرة ولم يصلوا إلى المومياء الملك" ويكمل محسن محمد حديثه عن كارتر قائلاً: "عاش كارتر في مصر 32 عام أعزب لا يؤانس وحدته أحد في العشة التي بناها في وادي الملوك وأطلق عليه أسم قلعة كارتر" وبعد رحلة طويلة من التنقيب سافر كارتر إلى لندن وفور عودته وذهنه يمتلئ بفكرة العثور على المقبرة وعلى ظهر حماره وصل إلى منطقة الحفر ليجد العمال صامتين على غير عادتهم، أسرع إليه رئيس العمال صائحا "وجدنا درجة وسط الصخور" وبالتالي الحفر والتنقيب حتى الوصول إلى المقبرة بأكملها وأرسل كارتر برقية إلى اللورد يطلب فيها مجيئه ليشهد معه فتح المقبرة. تبرز صيغة التحقيق الصحفي وتعلو عندما يتحدث عن أدلة دخول كارتر واللورد وابنته وكالندر مساعد الأول إلى المقبرة ليلاً والسطو على بعض مقتنياتها فيقول "روى هذه الحقيقة توماس هوفنج بالوثائق والمستندات في كتابه "توت عنخ آمون": القصة التي لم تنشر من قبل" وتوماس هوفنج عمل بمتحف المتروبوليتان أكثر من ستة عشر عاما وكان مديرا له عشر سنوات وهو الذي نظم عرض 55 قطعة من آثار الملك توت عنخ آمون في 6 مدن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1977 بمناسبة مرور 55 عام على اكتشاف المقبرة، وقد رغب في معرفة دور متحف المتروبوليتان ومساعداته لكارتر في تصويره وترميم وحفظ ونقل الآثار فاطلع على كل أوراق المتحف ومستنداته فاكتشف دور المتروبوليتان في شراء آثار الملك الفرعوني التي سرقها اللورد أو كارتر أو الاثنان معاً". ولأن الصحافة لعبت دورا مهما في عملية الاكتشاف وإلقاء الضوء عليه فقد علق عليه محسن محمد في فصل "حكومة في حكومة" وأكد على دور الصحافة الأجنبية التي اهتمت بصورة كبيرة جدا بالحدث وهو اكتشاف مقبرة الملك مما دفع جريدة "التايمز" البريطانية إلى احتكار نشر كل سبق صحفي عن المقبرة وتتولى بيع الأخبار والصور لمن تشاء ودفعت للورد مبلغ 500 جنيه ونفذ العرض.
"لعنة الفراعنة تصيب من يتربح بالآثار" | "لعنة تحمي الفرعون" في هذا الفصل من الكتاب تناول محسن محمد لعنة الفراعنة بشيء من الحيادية المطلقة فهو تحدث عن موت اللورد كارنارفون الذي لدغته بعوضة في خده الأيسر ولم ينتبه اللورد في البداية لخطر البعوضة فهو اعتاد زيارة مصر بانتظام خلال العشرين سنة الماضية ومر بموسى الحلاقة على الجرح فتسمم من التراب أو من الذبابة ، ومات بعد عام واحد من اكتشاف المقبرة أرجئها الكثيرون إلي لعنة الفراعنة، ويقول محسن محمد "أغرب ما في هذه القصة أن البعوضة عضت اللورد في خده الأيسر والإصابة التي وجدت في مومياء توت عنخ آمون كانت في خده الأيسر أيضا" وأما كارتر فهو عاش بعد اكتشافه للمقبرة 17 سنة ومات عن 66 عام ، ثم سرد محسن محمد من الأسماء الذين أصابتهم لعنة الفراعنة وكذلك الأسماء الذين لم يصبهم مكروه ثم يعلق في نهاية الفصل قائلاً :"من الواضح أن لعنة الفراعنة غريبة للغاية، أنها لم تمس إنسانا كان له دور لصالح الكشف، ولم تمس عاملا مصريا واحدا اشترك في الحفر أو في نقل محتويات المقبرة، بل تركت هؤلاء جميعاً يعيشون حتى يتم كل منهم عمله في كشف آثار الملك، وحفظها وترميمها ونقلها إلى المتحف المصري في القاهرة!". لم يتبق لمحسن محمد سوى ذكر معارك كارتر بعد موت اللورد كارنارفون وتوقفه عن التنقيب ثم سفره بعد سحب رخصته ومطالبته بحقه في اكتشاف المقبرة نصف مجوهراتها ودخوله المحاكم المختلطة بل وحتى رسائل عمال الحفر إليه يطمئنونه علي المقبرة وعلي مقتنياتها فيأخذه الحنين فيعتذر ويعود ثانية يواصل الحفر والتنقيب. "نفرتيتي" الملكة الجميلة والتي لم يفت محسن محمد أن يذكرها من باب أنها أم الملك توت عنخ آمون صاحب المقبرة وأنها أيضا تعرضت للسرقة من لص ألماني يدعي ريتشارد ليسبيوس عام 1842 وعرض الألمان تمثال نفرتيتي علي الناس 1923 وأخذت مصر تطالب بعودة نفرتيتي، وعندما اعتلى هتلر السلطة المطلقة أكد أن التمثال لن يعود إلى مصر لأنه على حد قوله يهيم به عشقاً، وقد حاولت مصر بكافة الطرق استعادة التمثال أو مبادلته لكن الألمان رفضوا تمام وتوقفت مصر عن المطالبة برأس نفرتيتي. يختتم محسن محمد رحلته الفرعونية في آثار مصر بفصل اعتراف والذي يذكر فيه اتفاقيات رد الممتلكات الثقافية إلى بلدانها الأصلية والبلدان الموقعة عليها، ورفض بريطانيا وفرنسا التوقيع علي الاتفاقيات، وأيضا أشهر التماثيل التي ردت إلى مصر مثل تمثال آمون وبقيت آثار الملك توت عنخ آمون، كما يعلق على الآثار الموجودة في الخارج ورفض الدول الموجودة
|