القاهرة 18 ديسمبر 2014 الساعة 12:31 م
نجح مؤتمر "الجمهورية" ضد الإرهاب الذي نظمته مؤسستنا - دار التحرير - علي مدي يومي الأحد والاثنين الماضيين.. تصدر اسم الدار وجريدة "الجمهورية" خلالهما نشرات الأخبار في كل الاذاعات وشاشات التليفزيون المصري الأرضية والفضائية والخاصة وتابعته بقية الصحف.. لقد كان "طلقة" صائبة في اتجاه الهدف الصحيح.
وموقف المؤسسة و"الجمهورية" ضد الإرهاب ممتد عبر سنوات عديدة مضت.. أذكر أن أحد قراراتي التي أعتز بها عندما توليت رئاسة مجلس إدارة المؤسسة في منتصف 2005 كان إنشاء أول مركز في الصحافة المصرية لدراسات مكافحة الإرهاب في يناير 2006 باسم "مركز الجمهورية لدراسات مكافحة الإرهاب" رغم أن ظاهرة الإرهاب وقتها كانت في إحدي مراحل انحسارها واخترت لقيادته يومها واحدا من أكثر زملائنا علما وخبرة بهذه الظاهرة وهو الزميل الراحل سعد هجرس.
وقد قام هذا المركز بجهد ملحوظ إذ عقد العديد من المؤتمرات والندوات والفعاليات وتغير اسمه بعد انتهاء رئاستي للمؤسسة إلي "مركز الجمهورية للدراسات الأمنية والاستراتيجية" الذي يرأسه الآن اللواء سامح سيف اليزل.
وفي الشهور الأخيرة الماضية عندما تصاعد الإرهاب وتحول من ظاهرة محلية إلي دولية وعابرة للحدود ومتعددة التنظيمات والروافد اقترحت علي أخي الأستاذ جلاء جاب الله رئيس مجلس الإدارة أن تبادر "الجمهورية" إلي عقد مؤتمر قومي ضد الإرهاب وأن تواصل ريادتها في التصدي الفكري والإعلامي والسياسي لهذه الظاهرة فتفضل مشكورا بالترحيب بالفكرة بل وزاد علي ذلك أن أشار إلي ذلك في أولي مقالاته عن المؤتمر المنتظر في "الجهورية الأسبوعي".
المؤتمر الذي عقد هذا الأسبوع يمثل نموذجا عمليا للتعاون الكامل بين الصحافة القومية وكافة مؤسسات وأجهزة الدولة الرسمية وعلي رأسها مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء بالاضافة إلي سائر المؤسسات الوطنية الأخري. العامة والقطاع الخاص.
فرئيس الجمهورية بادر بالموافقة علي أن يكون المؤتمر تحت رعايته وهذا ما أعطي للمؤتمر وزنا وقيمة اضافيتين.. ورئيس الوزراء جاء ليفتتح أعمال المؤتمر ومعه نصف أعضاء مجلس الوزراء الذين أثروا بحضورهم جلسات المؤتمر علي امتداد يومي انعقاده.
وبالمناسبة فقد سبق أن نظمت مؤسسة أخبار اليوم مؤتمرا اقتصاديا قوميا ناجحا تحت رعاية رئيس الجمهورية أيضا للخروج برؤية حول تحديات ومستقبل الاقتصاد المصري. كما كلف الرئيس مؤسسة الأهرام بإدارة حوار مع الشباب لتفعيل دوره وإدماجه في الحياة السياسية.
أريد أن استخلص من ذلك رسالة مهمة موجهة إلي كل مؤسسات الدولة وعلي رأسها مؤسستا الرئاسة والحكومة وهي أنه في كل أزمة أو تحد تواجهه مصر وفي كل جهد وطني تتطلبه سوف تجد الدولة الصحافة القومية معها في نفس الخندق كتفا بكتف. ليس دفاعا عن شخص ولا انحيازاً لمؤسسة وإنما دفاعا عن مصر الوطن والأرض والشعب والقيم الحضارية لأن الصحافة القومية حتي من قبل أن تصبح ملكا للدولة كانت وستبقي صحافة الشعب.
لقد نجحت المؤسسات القومية الثلاث القائدة للصحافة المصرية: دار التحرير - أخبار اليوم.. والأهرام فيما تطوعت به من مبادرات أو كلفت به من مسئوليات وطنية في هذه الفترة وكان نجاحها مكسبا لكل الأطراف.
الدولة كسبت صحافة وطنية واعية ومسئولة تحارب معها معارك الوطن وتساهم في تنمية وعي المواطنين بالتحديات التي يواجهها وتحشدهم خلف القيادة علي خط الدفاع الأول جنبا إلي جنب مع القوات المسلحة والشرطة المدنية.
الصحافة القومية كسبت مهنيا وأدبيا وماديا.. لقد أكدت ريادتها وجدارتها بقيادة الرأي العام في الاتجاه الصحيح وسط تيارات إعلامية وسياسية محلية ووافدة متضاربة وكل منها يريد أن يأخذ الرأي العام في اتجاهه وليس في اتجاه المصلحة العليا لمصر.
الشعب بدوره كسب صحافة تقف إلي جانب قضاياه وتدرس مشاكله وما يواجهه من تحديات وتساهم في تقديم الحلول.
لقد تحقق ذلك كله دون أن تدفع الدولة للصحافة القومية شيئا أو تتحمل الميزانية العامة المرهقة مليما.
إن هذا يسقط تصورا خاطئا ساد لدي البعض لفترة طويلة بأن الصحافة القومية تمثل عبئا علي الدولة. خاصة ومؤسسات هذه الصحافة تعيش أزمة مالية طاحنة.. فما يبدو الآن بوضوح. أن الصحافة القومية هي سند الدولة في كل ما تخوضه من معارك أو تواجهه من تحديات. ابتداء من المعركة ضد الإرهاب إلي الحرب علي الفساد إلي احتضان أحلام وطموحات الشباب في وطن يتسع لأفكارهم ومبادراتهم ويرحب بمشاركتهم في صياغة مستقبله.
إن من يتصورون أن الصحافة القومية تمثل عبئا علي الدولة بسبب احتياجاتها المالية ينسون أن علي مدي ثلاثين سنة أو أكثر كانت الدولة هي التي تمثل عبئا علي الصحافة القومية وهي أيضا سبب ما تعانيه مؤسسات هذه الصحافة اليوم من مديونيات متراكمة.
لقد كانت الصحافة القومية تخسر ماديا وأدبيا ومهنيا نتيجة اضطرارها للدفاع عن سياسات خاطئة أو تبرير ممارسات مرفوضة حتي انصرف عنها الكثير من قرائها إلي صحف المعارضة والصحف الخاصة.
لكن ما أسفر عنه التعاون بين الصحافة القومية والدولة في الشهور الأخيرة يفتح الطريق أمام حلول غير تقليدية للمشكلات المالية للمؤسسات الصحفية القومية بعيدا عن الموازنة العامة للدولة.
إن مجرد دعم الدولة الأدبي ممثلة في رئيس الجمهورية والحكومة لأنشطة المؤسسات الصحفية ووضع فعالياتها الوطنية تحت رعايتها وتشجيع القطاع الخاص علي مشاركتها في هذا الدعم لن يكلف خزانة الدولة شيئا لكنه سينعش خزائن المؤسسات ولو بسيولة محدودة أو مؤقتة من عائد هذه الأنشطة والفعاليات. تساهم في تغطية جزء من نفقاتها الجارية.
هذا بالطبع ليس حلا.. لكنه خطوة علي طريق الألف ميل.
إن ما يجعل كل محاولة تبدأ بين الصحافة القومية والدولة لحل المشكلة المالية للمؤسسات تنتهي دائما بلا شيء. اننا حين نطالب دولة تعاني ميزانيتها العامة من عجز يتجاوز المائتي مليار جنيه بأن تتحمل عدة مليارات اضافية هي جملة الديون الحكومية والبنكية المتراكمة علي المؤسسات الصحفية القومية فنحن نضع المشكلة في طريق مسدود.
لماذا لا نبحث عن "مداخل" أخري للحل غير هذا المدخل؟!
مثلا: المؤسسات القومية تملك العديد من الأصول غير المستغلة أو "سيئة" الاستغلال وكل المؤسسات بلا استثناء تفتقر إلي الخبرات والكوادر الاحترافية الميدانية في مجال إدارة واستثمار الأصول بالشكل الذي يحقق أعلي عائد.
الدولة علي الجانب الآخر تملك لجنة وزارية لإدارة واستثمار أصول الدولة أعتقد انها برئاسة وزير الاستثمار ولديها بالتأكيد الخبرات والكوادر التي تفتقر إليها المؤسسات.
كيف يمكن التعاون بين الدولة والمؤسسات في هذا المجال باعتبار أن أصول المؤسسات هي في النهاية أصول دولة من أجل إدارة نموذجية واستغلال أمثل لهذه الأصول لصالح المؤسسات؟! هذا مدخل.
مثلا.. في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك كان هناك عرض من الدولة بأن ترفع رأس مال المؤسسات بمقدار الديون الحكومية علي كل مؤسسة مقابل أن يكون للدولة أو للحكومة ممثلون في مجلس إدارة كل مؤسسة لمراقبة الانفاق المالي للمؤسسات ولضمان عدم العودة مرة أخري لتراكم الديون وسد الثغرات التي تسمح بالفساد المالي والإداري.
لكن.. لأن صاحب العرض في ذلك الوقت كان وزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالي أحد دعاة "خصخصة" الصحافة القومية وبيع مؤسساتها لقي العرض مقاومة كبيرة من المؤسسات خشية أن يكون مقدمة للخصخصة.
لماذا لا نعيد التفكير في هذا العرض الآن في عهد جديد وأمام تحديات كبري تجعل الدولة في حاجة ماسة إلي تقوية الإعلام القومي وتشهد علي تمسك رئيس الجمهورية بالمؤسسات الصحفية القومية ورفضه أي تفكير في بيعها؟! الثقة المتبادلة الآن بين الدولة والصحافة القومية تسمح بذلك.. هذا مدخل آخر.
مثال ثالث.. الدراسات التشريحية والميدانية التي أجريت علي المؤسسات في سنوات سابقة وفي مقدمتها الدراسة التي أجراها مكتب "حازم حسن" بتكليف من حكومة الدكتور أحمد نظيف والدراسة التي أعدتها لجنة مجلس الشوري الأسبق برئاسة الدكتور علي لطفي أكدت جميعها ان المؤسسات تفتقر إلي هيكل تنظيمي متكامل وإلي توصيف للوظائف وإلي لوائح عادلة للأجور وهذا يسمح باهدار الكفاءات وتضارب المسئوليات وإهدار الأموال والطاقات داخل كل مؤسسة.
ولدي الدولة بلا شك خبراء في التنمية الإدارية والبشرية سواء في وزارة الدولة للتنمية الإدارية أو في الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة يمكنها مساعدة المؤسسات في معالجة هذا الوضع.. بما يوفر كل هذا الاهدار ويسمح بحسن توظيف الكفاءات.
كيف يمكن تحقيق التعاون بين المؤسسات والدولة في هذا المجال.. هذا مدخل ثالث.
وكل هذه المداخل لا تحمل ميزانية الدولة شيئا وفي نفس الوقت ستفتح أبوابا للأمل أمام المؤسسات للخروج من أزمتها وتشيع مناخا جديدا يشجع كل العاملين فيها علي بذل كل طاقاتهم من أجل التقدم بها إلي الأمام ويجعل الصحافة القومية أكثر كفاءة وقدرة في مساندة الدولة في كل معارك الوطن.
ا