القاهرة 15 ديسمبر 2014 الساعة 01:47 م
التوظيف الأمريكي للإسلاميين
الإخوان وأمريكا .. الشيطان يلبس عمامة !!
العلاقة بين أمريكا والإخوان بدأت قبل وصول الرئيس " أوباما "
إلى السلطة ، وتنظيم الإخوان يمتلك " لوبي " في الغرب بشكل عام
وفي الولا يات المتحدة بشكل خاص ، قامت بتغذيته الأموال النفطية
منذ عشرات السنين ..
دكتور وليد فارس / مستشار الكونجرس الأمريكي
أظن ــ والظن عند العرب بمعنى اليقين ــ أن الثورة الشعبية المصرية الثانية ، في الثلاثين من يونيو 2013 ، قد هزّت قواعد التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ، الذي تمتد فروعه داخل 85 دولة ، وقد أصابته " صدمة " ما حدث في مصر ، وهو يتابع التداعيات التي تنبىء بإنهيار الأحلام ، أو على الأقل تهدد بإنكماش حركة التنظيم الدولي ، وهي الحقيقة التي دفعت قياداته للإحتشاد في إحدى قاعات فندق "هوليدي إن " بالقرب من مطار " أتاتورك " الدولي باسطنبول يومي السبت والأحد ــ 6 و 7 يوليو ــ وعقد مؤتمر عاجل بشأن " إعادة تقدير المواقف والحسابات " بعد قرار الشعب المصري عزل الرئيس الإخواني " محمد مرسى " ومطاردة قيادات الجماعة " الأم " في مصر ، قضائيا ، والملاحقات الأمنية في قضايا تمس الأمن القومي المصري ، والمطالبات الشعبية بحل جماعة الإخوان ، وكشف علاقاتها الخارجية ومصادر تمويلها !! وقيادات التنظيم الدولي للإخوان ، تدرك تماما أن مستقبل التنظيم الدولي ، أصبح مرهونا بمستقبل " الجماعة " في مصر ، وأن التنظيم الدولي سوف يفقد عموده الفقري ، بإختلال كيان الجماعة القائد و" الأم " وهي المؤسسة للتنظيم الدولي .. وأن تراجع موجة الإخوان في مصر سوف تتبعها تراجعات أخرى ومتواصلة داخل الدول العربية أولا ، ثم تمتد إلى دول أخرى خارج الإقليم العربي !!
كيف بدأ التنظيم الدولي ؟ ومن دعم وساند ؟! والإجابة تكشف عن شواهد التوظيف الغربي "الأنجلو أمريكي " للإسلاميين ، وإن كانت بريطانيا قد سبقت في التوجه لتوظيف ما وصفته ـ وقتئذ ــ في بداية القرن العشرين تقريبا ، بتيار الإسلام السياسي ، فقد ورثت الولايات المتحدة الأمريكية ، فيما بعد ، دوائر النفوذ من بريطانيا في منطقتنا ، وبدأت مهام " توظيف الإسلاميين " ..
• وفي كتابه الشهير " مسجد في ميونخ : النازيون ووكالة المخابرات المركزية وصعود الإخوان المسلمين في الغرب " يكشف مؤلفه الصحفي الكندي إيان جونسون ، عن أبعاد أخرى لتحالف الإسلاميين والغرب الذي لم يقتصر حسب وثائق المؤلف ، على الولايات المتحدة وبريطانيا ، فالولايات المتحدة استثمرت وبنت على مخطط ألماني نازي بدأه "هتلر" أثناء الحرب العالمية الثانية ، لتوظيف الإسلاميين لضرب الاتحاد السوفيتي .. والقصة بإيجاز أن النازيين وجدوا أن عددا كبيرا من الجنود السوفيت ، الذين وقعوا في أسرهم ، مسلمون ساخطون على الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين ، وكارهون لنظامه ــ شارك بين 150 و300 ألف سوفيتي مسلم في الحرب العالمية الثانية ــ ففكروا في استخدام المسلمين كطابور خامس داخل الجمهوريات الروسية المسلمة ، وتولى هذه المهمة رجل يدعى " جيرهارد فون " الذي بدأ في رسم مخطط واسع لاستغلال الإسلاميين لصالح النازيين ، وبعد هزيمة ألمانيا واصل " فون " نشاطه المعادي للشيوعية .. ولم تنجح الشبكة التي كونها " فون " عسكريا في تهديد السوفيت ، لكنهم أثبتوا أنهم أكثر كفاءة في تنفيذ الأجندتين السياسية والدينية بعد أن تحولوا من جنود ، لـ "إسلاميين " ، وتحولت مدينة ميونخ ، بسبب وجود عدد كبير من المسلمين السوفيت فيها ، لمركز لهؤلاء الإسلاميين الذين انضم إليهم عدد من النازيين السابقين والمنظمات التابعة للمخابرات الأمريكية!! ويوضح " جونسون " في كتابه ، كيف استطاع الأمريكيون سرقة مشروع " شبكة فون مندى " وتسليمها للقيادي الإخواني سعيد رمضان لمساعدته في تكوين شبكة من التنظيمات الإسلامية بدعم من أمريكا وبريطانيا ، وتمويل سعودي ، لمواجهة نفوذ الاتحاد السوفيتي في مصر ، وخطر عبد الناصر ، وكان مسجد جنيف ، قد تحول لاحقا للمركز الإسلامي في جنيف 1961 ، وأصبح نواة هذا المشروع .. واتضح فيما بعد أن المركز الإسلامي كان مجرد بداية ، ففي عام 1962 ، ساعد سعيد رمضان في إنشاء " رابطة مسلمي العالم " التي أصبحت الجهاز العصبي المركزي للحركة الوهابية في العالم ، بتمويل سعودي سخي تكفّل بإرسال الدعاة ، والدعاية المطبوعة ، وتمويل بناء مساجد ومراكز وهابية مختلفة بطول شمال أفريقيا وآسيا الوسطى ، وحتى خارج العالم الإسلامي ..
• وهناك توضيح آخر ، من جانب " جيل كيبل " الباحث الفرنسي المتخصص في تاريخ الإسلام السياسي ، ومؤلف كتاب " الجهاد : تعقب أصول الإسلام السياسي " بأن من أدار هذه الرابطة إضافة للقيادي الإخواني سعيد رمضان ، علماء من المؤسسة الدينية السعودية ، ودعاة هنود من مدارس " ديوبند " التي أسسها " أبو الأعلى المودودي " وفي هذه المدارس تخرج لاحقا زعماء حركة طالبان الحالية في أفغانستان .. وفي عام 1970 ، بعد وفاة " عبد الناصر " ، قاد " سعيد رمضان " وفدا للإخوان ، نظمته ومولته السعودية ، للتوسط لدى السادات لإعادة إحياء الجماعة التي جرى حظرها عام 1954 ، حسب قول " روبرت باير" ، ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية ، وأن المملكة العربية السعودية لعبت دور المحلل للإخوان ، ووافق السادات الذي كان يرغب في التنصل من الروس والتخلص من الناصريين ، والتحالف مع الأمريكيين ، وانتشرت الحركة الإسلامية بصورة كبيرة في عهد السادات ، وسرعان ما ردت هذه الحركات الجميل للأمريكان والسعوديين بالجهاد ضد الروس في أفغانستان عام 1979 .
وسعيد رمضان ، هو الذراع اليمني لمؤسس جماعة الإخوان الشيخ حسن البنا ، وزوج إبنته ، ووزير خارجية الجماعة ــ حسب وصف قيادات إخوانية ــ الذي تولى تأسيس فروع الجماعة في الخارج والتنظيم الدولي للإخوان ، وبدأ الاهتمام العالمي بـ "رمضان " عام 1953 ، حين دعاه البيت الأبيض مع 5 أشخاص من دعاة وعلماء المسلمين من دول مختلفة للقاء مع الرئيس الأمريكي " دوايت أيزنهاور" وجاء اللقاء كجزء من مؤتمر إسلامي في الولايات المتحدة ، إلا أن وثيقة سرية أمريكية ، وقعت في يد "روبرت دريفوس " مؤلف كتاب " لعبة الشيطان .. كيف أطلقت أمريكا الأصولية الإسلامية " كشفت عن أن إدارة المعلومات الدولية ، التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية ــ وهي فرع له اتصال مباشر بوكالة المخابرات المركزية ــ هي الجهة التي نظمت المؤتمر وتكفلت بتكاليف نقل هؤلاء الدعاة والعلماء من مصر والبحرين ولبنان والهند وبلدان أخرى ، التي بلغت 25 ألف دولار ــ في ذلك الوقت ــ خلاف مصاريف إضافية تكفلت بها شركة " أرامكو " السعودية الأمريكية .. وطبقا للوثيقة نفسها ، وتصنيفها "سري .. معلومات أمنية " فإن هدف المؤتمر ، في الظاهر مجرد تجمع علمي بحت ، إلا أن الهدف الحقيقي هو : " تجميع عدد من الأشخاص ، من ذوي النفوذ في تشكيل الرأي العام في البلاد الإسلامية في قطاعات مختلفة مثل التعليم والعلم والقانون والفلسفة ، ما يعزز بشكل غير مباشر النفوذ السياسي للولايات المتحدة في المنطقة " ، وأن من بين الأهداف المتوقعة للمؤتمر خلق قوة دافعة لحركة النهضة الإسلامية .. وهناك شيء واحد مؤكد ، حسب مؤلف " لعبة الشيطان " روبرت دريفوس ، هو أن الغرب ولعقود طويلة فضل التحالف مع الإسلاميين لضرب الحركات القومية واليسارية ، وحتى بعد 11 سبتمبر 2001، كان التغيير الرئيسي لدى دول الغرب هو التحالف مع الإسلاميين الذين لا يرفعون السلاح ، وأن واشنطن وجدت في الإسلام السياسي شريكا مريحا خلال كل مرحلة من مراحل بناء الإمبراطورية الأمريكية في الشرق الأوسط !!
• وفي كتابه " لعبة الشيطان .. كيف أطلقت أمريكا الأصولية الإسلامية ؟ " الصادر عام 2006 يقول مؤلفه روبرت دريفوس : هناك فصل غير مكتوب في تاريخ الحرب الباردة ، يتناول خطة أمريكا المجهولة لدعم وتمويل ــ سرا ، وأحيانا علنيا ــ الإسلاميين المتشددين ، هذه الخطة المجهولة ، التي نفذت على مدار 6 عقود ، مسئولة جزئيا عن ظهور الإرهاب الإسلامي كظاهرة في جميع أنحاء العالم ، بل إن إمبراطورية أمريكا في الشرق مصممة وتقوم على عدة ركائز إحداهما الإسلام السياسي .. ويضيف " دريفوس " في مقدمة كتابه الشهير : أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية عقودا في رعاية الإسلاميين ودعمهم والتلاعب بهم وخداعهم ، باستخدامهم كحلفاء لها في الحرب الباردة ، لكن السحر انقلب على الساحر بعد أن تحول هؤلاء الأئمة والملالي والدعاة لوحوش ، ليس فقط ضد الولايات المتحدة ، بل ضد حرية الفكر والعلوم الإنسانية ، وضد القومية واليسار وحقوق المرأة ، بعضهم إرهابيون ، لكن أكثرهم متعصبون لأفكار تعود للقرون الوسطى ويتمنون العودة للقرن السابع الميلادي ، وأنه خلال سنوات الحرب الباردة بين عامي 1945 و1991 ، لم يكن الاتحاد السوفيتي هو العدو الوحيد لأمريكا وحلفائها ، وسعت الولايات المتحدة لـ " شيطنة " وتجريح كل الأفكار والأيديولوجيات التي يمكن أن تهدد الأجندة الأمريكية والنفوذ الغربي مثل التيارات القومية والعلمانية والاشتراكية ، وكانت هذه الأفكار هي أيضا أكثر ما يخشاه الإسلاميون ، ويضرب الكتاب مثلا واضحا بتحالف الغرب مع الإسلاميين لضرب الحركات القومية في العالم العربي وإيران وتركيا والهند ، فالحركات القومية الناشئة في دول العالم الثالث كانت تهديدا كبيرا لمصالحها ، واتخذ هذا التهديد أشكالا مختلفة ، أشهرها جمال عبد الناصر الذي تواطأت بريطانيا والمخابرات الأمريكية مع الإخوان لاغتياله عام 1954 .. وفي السبعينيات وبعد وفاة " عبد الناصر " وتراجع القومية العربية ، ظل الإسلاميون دعامة أساسية للعديد من الأنظمة الموالية للولايات المتحدة ، ومنها مصر في عهد الرئيس السادات الذي تحالف مع الإسلاميين للقضاء على " الناصريين " والتقرب من أمريكا التي قال إنها " تمتلك 99% من أوراق اللعبة السياسية " ..
والشاهد ، أن صناعة " تنظيم دولي" للإخوان ، لم يكن بعيدا عن توجهات الولايات المتحدة ودعمها ومساندتها ، وكانت حركة أعض
اء التنظيم ، وتأسيسهم للمراكز الإسلامية والجمعيات الخيرية كواجهة للتنظيم داخل الدول الغربية ، تجرى دون قيود ، ولعلنا ندرك لماذا كانت تلك الدول هي قبلة الهاربين من الأحكام القضائية في بلدانهم من الإرهابيين وعناصر التكفيريين المتشدديد ، حيث وجدودوا في دول أوروبية مكانا آمنا يهربون إليه ؟!! وعموما تلك قصة أخرى ، وإن كانت تعود بنا إلى منتصف الأربعينيات، حيث تواطأت الحكومات البريطانية المختلفة مع القوى الإسلامية الراديكالية ، ويقدم "مارك كرتيس " في كتابه " الشئون السرية " الصادر عام 2010 عشرات الأمثلة المدعومة بعشرات من الوثائق السرية التي تكشف عن العلاقة بين حركات الإسلام السياسي والمخابرات الأمريكية والبريطانية على امتداد أكثر من 60 عاما .. ويقول " كرتيس " أن ساسة بريطانيا كانوا يعتبرون الإسلاميين مفيدين من 5 أوجه ، أولها : تقويض التيارات القومية في العالم العربي وجنوب آسيا .. وثانيها : استخدامهم كـ " قوات صاعقة " لزعزعة استقرار الحكومات المناوئة .. وثالثها : العمل عند الضرورة كقوات عسكرية لخوض حروب نيابة عنها كما حدث في إندونيسيا في الخمسينيات ، وفي أفغانستان في الثمانينيات .. ورابعها : استخدامهم كـ " أدوات سياسية " لإحداث التغييرات من جانب الحكومات المستهدفة ، مثل إيران ، ضد محمد مصدق ، رئيس الحكومة الإيرانية عام 1953 .. وخامسها : تقويض النظم القومية والعلمانية ودعم الأنظمة الموالية للغرب ، خصوصا في السعودية وباكستان .. ويركز " كرتيس " على باكستان التي يعتبر انفصالها عن الهند أحد أهم نقاط التحول في تاريخ الإسلام السياسي ، وترحيب ونستون تشرشل ، رئيس وزراء بريطانيا الشهير ، بدعوات بعض الإسلاميين بالاستقلال عن الهند ــ الذي كان أمرا غريبا وقتها ــ لأن باكستان في حقيقتها دولة ليس بها مقومات تحفظ وحدتها ، غير هويتها الإسلامية ، والبريطانيون كانوا يدركون ذلك جيدا ، لكن تشرشل رحب بانفصالها للاحتفاظ بجزء صغير من الهند ، التي اضطرت بريطانيا للرحيل عنها بعد استقلالها عام 1947 ولتحقيق هذا الهدف شجعت بريطانيا تيارات الإسلام المتشدد ورموزه ، ومنهم أبو الأعلى المودودي صاحب نظرية " الحاكمية لله " التي تبناها لاحقا سيد قطب .. وتعلمت الولايات المتحدة الأمريكية ــ خليفة بريطانيا في قيادة العالم ــ الدرس ووظفت الجهاديين في أفغانستان لضرب السوفيت .. ولم يقتصر دعم بريطانيا للإسلاميين على باكستان ، فدعمها للملكة العربية السعودية " الوهابية " أكثر وضوحا ، وكان الهدف من هذا الدعم ، الذي واصلته الولايات المتحدة لاحقا ، مكافحة "فيروس " القومية العربية " بعد صعود " عبد الناصر " وتأميمه قناة السويس ، وأدت السعودية دورها في رعاية الإخوان والسلفيين عقودا طويلة ، وأنفقت بين عامي 1970 و2007 نحو 50 مليار دولار لنشر "الوهابية " في جميع أنحاء العالم ، وهو ما وصفه أحد المراكز البحثية الأمريكية بـ " أكبر حملة دعائية في التاريخ " وجرت بمباركة ورضا بريطانيا والولايات المتحدة ، اللتين رأتا في أفكار الوهابيين حائطا دفاعيا ضد أفكار " عبد الناصر " التي كانت تهدد مصالح الدولتين خصوصا في منابع النفط !!