القاهرة 15 ديسمبر 2014 الساعة 09:53 ص
قلت لك في أمسيةمن أماسينا تفوح بعطر الأحباب، وأنت بيننا تحضر وتغيب، لا تمل الحضور ولا تمل الغياب،بعد أن أسمعتك قصيدتي الجديدة وهتفت كعادتك - مشجعاً ودافعاً - »يا حلو.. يا حلو» كنتدائماً تختصني بذلك النداء الجميل »يا حلو.. يا حلو» حين تعجبك قطعة من شعري أو نثري.
قلت لك في تلكالأمسية: »تعرف يا أستاذ نجيب؟.. ربنا رأف بحال الشعراء المصريين حين أطلقت علي ماتكتبه (رواية)، فنحن في مصر لم نقرأ شعراً يفوق شعرك، تلك الملاحم الجبارة المسماةب »الحرافيش» و »أولاد حارتنا» ولو كانت شعرا - ولو انها شعر عظيم - لحمل كل مناصُُرتهوعاد إلي بلده. وانطلقت ضحكتك المجلجلة التي من لم يسمعها لم يعرف يوماً ما هي الضحكة؟.
حين رحلت لم يرحلأنسُك معك، لقد تركت لنا ذاكرتك المكتوبة وذكراك الحية.. المكتوب والمحكي.. زادا يشدناإليك فأنت بالنسبة لأحبائك المقربين عسير الرحيل، ونعتبر ما آنستنا به زادنا وثروتناالتي لا تقدرها أثمان.
من أين أتيت بكلذلك القدر من التواضع الذي علمنا الأدب وكشف عن هول اتساع المسافة بيننا وبين مبدعمثلك لقد احتكرت التواضع الذي كان يصغر الهامات أمامك دون أن تقصد إلي ذلك أو تراه.لم تقف أمام إنجازك العبقري لتصنع لنفسك تمثالاً من صخر لا يخترق، علي العكس، لم تكنتتذكر أعمالك إلا حين كنا نأتي علي ذكرها متسائلين فتجيب إجابات من كأنه قرأها مثلناوليست من صميم عطائه الروحي والفكري، فلقد عشت تنظر للأمام، وتلتقينا في السمر الليليفي »عوامة المسامرة» رجلاً كأنه ولد منذ لحظات قليلة.. لقد أسعدنا حظنا، ورضي عنا زماننا،حين أتاحا لنا الاقتراب منك والتحلق من حولك نستمتع حتي بصمتك، فليس صمتك، كصمت الآخرين.
لقد تفرقنا منبعد رحيلك يا عم نجيب، ذهب كل الي حال سبيله: المزارع عاد إلي الصعيد يزرع، من كانيقرأ الجرائد ويفليها، ليأتي لك بكل ما يحدث في العالم وفي مصر بعد أن لم تعد تقويعلي القراءة منذ الحادث العبثي الأثيم الذي استهدفك غدراً وجهلاً انصرف صديقنا إليالكتابة في الجريدة واستكمال رحلته الروائية وابتعد عنا تماماً.
وعاد خفيف الظلكاتب القصائد الجنسية الفجة ذات المدلولات السياسية إلي مرضه وعزلته في مسكنه البعيد،يأتيني صوته عبر الهاتف »كل حين ومين»، فنتذكرك ونأسف لتبخر الأيام.
كذلك الروائي الذيأحب هواء الدنيا وعشق فوضاها الإنسانية والذي لا أدري كيف لم يوظف حريته وانطلاقه فيالحياة في أدبه الروائي، فأصدر روايتين أو ثلاثا وصمت، يهاتفني بين الفينة والفينةسائلاً عن صحتي، وذلك المحامي النابه الذي لا تتبين حزنه من فرحه فكأنه صنع وجهه بنفسهولكن كان لديه دائماً ما يتحفنا به من أسرار السياسة الخفية، إلي ذلك العاشق الصامتللعم نجيب والمحب لنا جميعاً والقاريء لنا جميعاً ولم يحاول الكتابة يوماً شفاه الله،يهاتفني كلما قرأ شيئاً لي مشجعاً ودافعاً. كذلك ذلك المفكر الديني المختبيء في بدلةعصرية وأسلوب عصري، ومعاد لكل ما أتت به الثورة - الثانية طبعاً - وهو يكتب بانتظامأسبوعياً بالجريدة التي أنشر بها أشعاري، وأظنه يحبني بنفس الأسلوب الذي اتبعناه فيوجود العم نجيب، وحين رحل العم رحلت معه العاطفة التي تسببت من تحلقنا حوله، وكأنهكان الرابطة التي لم تجعلنا ننفجر في وجوه بعضنا البعض وكأننا نأتي لأداء مهمة محددةسينفرط عقدها بعد المغادرة، فلا داعي لثقل الدم أو الإفصاح عن حقيقة ما في ضمائرناقبل المجيء والذي حتماً سنعود إليه بعد المغادرة.
ويظل الصديق الوحيدالذي تمتد علاقتي به منذ أوائل الستينيات حتي الآن الروائي الكبير الحاصل من الخارجعلي جوائز مهمة، والذي يبدي وأبديالرأي في كتاباتينا وحياتينا دون حساسية والذي اصطحبنيإلي عم نجيب الذي جالسته في أوائل الستينيات في »كازينو أوبرا» قبل أن تحترق الأوبرا،ومراراً في مقهي ريش، وفي كازينو النيل.
أما من كان يقطعإليك المسافة من المهندسين إلي »عوامة الملتقي» علي صفحة النيل أمام حديقة الحيوان،والتي قرر صاحبها أن يستضيف سهرة الثلاثاء علي حساب العوامة تكريماً لنجيب محفوظ والتيما ان اشتراها رجل أعمال آخر حتي أوقف تلك المنحة الرائعة وقت رحلت أن في نفس الاسبوع- ليس بسبب ذلك بالطبع - أما ذلك الذي كان يحب أن يأتيك مترجلاً، أو يصطحبك من بيتكأحياناً إلي »عوامة المسامرة» فإنه يجلس الآن في منفاه الإجباري الاختياري، يصعب عليهقطع المسافة من مكتبه إلي الحمام الذي يلتصق بابه بظهره، يفتقد الصحبة ويرقب القاهرةمن قفاها.
بعد رحيلك يا عمنجيب وعلي غير توقع من حساباتنا القديمة حدثت ثورتان جماهيريتان هزتا أركان العالموانقسم الناس بخصوصهما في الداخل وفي الخارج كم كنا في حاجة لآرائك النافذة ذات القولالقليل والأعماق غير المحدودة، بماذا كنت ستصف جسارة وعظمة هذا الشعب؟ وبماذا كانتستوحي لك خيبتنا وحيرتنا العبقرية المعروفة التي هي دافعنا الأساسي للكتابة - للكتابةفقط؟.
راهناً علي الثورةالأولي فسرقت بطريقة فجة، سرقوها أعداؤك الذين استهدفوا اغتيالك يوماً بطعنتهم المسمومةواستعدناها بالثانية التي تُسرق بطريقة ناعمة بل بنفس أساليب خيباتنا القديمة التيطالما أعطتنا مادة للسمر والسخرية وآنست أجواءنا.
والغريب في هاتينالثورتين يا عم نجيب واللتين انقسمت مصر بسببهما وانقسم العالم بين متآمر وداعم، أنهماجاءتا علي عكس كل ثورات الدنيا، غيرتا فوق ولم تغيرا سنتيمتراً واحداً في تحت وانفلتتمصرك الآمنة علي هيئة قطاع طرق ومفجري قنابل وظهرت سيماء التوحش علي الوجوه الكارهةالتي قصدت إلي غدرك يوماً، صار مسلكهم الغادر سمة عامة تتساقط أنباؤها الهمجية ساعةبعد ساعة لا شك أن كل هذا كان سيكون مادة خصبة لأسمارنا، وهل يملك مثقفونا أكثر منالكلمات والضحكات المعبأة بالهم الوطني زاداً للأسمار؟.
المهم.. خرجنامن المولد بلا حمص رأينا المولد وتهنا في أرجائه ووقائعه ولم نر الحمّص لنعود به إليأبنائنا الذين لا ينتظرون منا حمصاً لأنهم عرفوا طريقاً آخر ابتعد بهم عنا وجعلهم أقربللأعداء بعد أن خدعهم المخادعون.. لا شك أنك كنت ستجد في هاتين الثورتين العظيمتينزاداً لا ينفد من التعليقات المبصرة فأنت تقودنا برأيك إلي الجوهر علي الرغم من ضعفالإبصار الذي لا تحتاج إليه، فبدونه »كتبت» أعمالاً خالدة.
شيء واحد يحيرنييا عم نجيب، حين كنت بالمستشفي في مرتك الأخيرة وكانت الزوجة الجليلة التي كنت أراهاللمرة الأولي قد منعت الدخول عليه وكنا نقف بالباب حائرين ماذا نفعل ونضيق طبعاً بذلكالمنع، وإذ بي أسمعك تصيح وأنا بالباب: »هوه الأبنودي فين؟» لم أعبأ بالمنع واقتحمتالغرفة مهرولاً وانحنيت عليك في سريرك وقلت »أنا أهو يا حبيبي» وقبلتك واكتشفت ان عمنجيب بتاعنا ليس موجوداً وأنه الاحتضار، فتراجعت ونظرت إلي قرينته في شبه اعتذار، وانسحبت..إنها المرة الأخيرة التي أري فيها الوجه الكريم، وحتي الآن لا أدري لماذا هتفت باسميفقد كنت آخر الملتحقين ب »عوامة المسامرة».
بنك الوطن
يستقيلون ليبحثواعن بنوك أخري عربية أو أفرنجية في مصر أو خارجها لأن مرتب الاثنين والأربعين ألف جنيهشهرياً لا يكفيهم ولا يصلح لإعالة أسرهم، ويصرون في مقاومة خفية علنية أنهم لن ينخرطوافي لعبة استرداد أنفاس مصر التي يقودها السيسي، ويرفضون تماماً أن يصبحوا عاملاً منعوامل قيام مصر من جديد لتبدأ مسيرة يأكل أثناءها الجميع. فقط يأكلون ليشتد العود وتستندمصر علي أكتاف رجالها.
نحن لا نلوم هؤلاءالرافضين المتململين فقد مضي عهد كنا نرفع فيه رايات الوطنية ونحاول فعلاً أن نكوننسمة علي وجوه فقراء مصر، ولكننا الآن في زمن نَفْعِيِّ دُرِّبَ فيه الجميع علي أيديولوجية(يالله نفسي) وأنا نفسي لا أدري إذا ما كنت أتقاضي مائة ألف جنيه في الشهر هل كنت سأكونراضياً أن ينزل الراتب إلي أقل من النصف.
تعيش مثل تلك الطبقةفي واقع مستريح: فيلا في الساحل الشمالي، وشقة أو فيلا في الحي الخامس أو القطاميةأو داخل الأسوار التي لا نعرف عنها شيئاً، يذهب الأبناء إلي الجامعات الأوروبية سواءكانت هنا في مصر أو في بلادها البعيدة. الجميع له عربات وربما أكثر من سائق، ويعيشونحياة في مستوي الأجر الدولاري أو الاسترليني الذي يتقاضونه، فكيف لهم أن يتقبلوا الخسفبالمرتب وبواقعهم ليقتربوا من الناس. مع أنه مهما صدرت من قرارات فإنهم - والحمد للهلن يقتربوا من قريب أو بعيد من (الناس)، الناس تسعي لالتقاط بقايا حصاد الأغنياء فيمراعي الفقر المدقعة، تحاول التقاط فتات ما يتساقط من يد الأيام اليابسة التي لا تجود.
أما قضية المجتمع،وأن الرئيس يحاول ان يضع للفقراء حداً أدني حتي لا ينزلقوا إلي هاوية لا مخرج منهابعد سنين عجفاء أخذ فيها الفساد راحته فأفقر أهلنا وجل أجيالنا المقبلة ليلتهمهم المرضوالجهل والإهمال وصاروا كماً مهملاً هؤلاء الذين أضاعوا أعمارهم في بناء الساحل الشماليوالمدن الرائعة التي نقطنها.
اللهم لا حسد،ولا شك أن ذلك الذي يتقاضي ذلك المرتب العالي يستحق بعلمه وخبرته وكفاءته ربما أكثرمن ذلك اذ أن لكل مجتهد نصيبا، ولا يجب أن نقارنه بمن تخرج في مدارسنا العفنة التيتلقي تلاميذها أحياناً »علمهم» وهم جالسون علي تراب الأرض، ولا ذنب لهم، فلربما لوأتيحت لهم فرصنا في الحياة والحظ لصاروا أفضل منا وأكرم عطاء لوطنهم، لكن ولأن الزمنكان فاسداً فإن الطبقات الدنيا كانت أولي ضحايا الفساد ولعبته الكبري التي لم يمنعهأحد من العبث بها.
هكذا نجد أن موجةالاستقالات التي تجتاح البنك المركزي وبنوكنا العامة للكوادر المهمة والقيادات ذاتالخبرة، ستؤدي بأن يرحل كل هؤلاء من المصارف المصرية الي تلك الاستثمارية والاجنبيةفيما يشبه موجة تظاهر سرية واحتجاج علني علي هذه الإثني وأربعين ألف جنيه ، ويتعجبأهلونا الفقراء من ذوي الاثنين والاربعين جنيهاً فقط، والذين لا يتخيلون أن المرتباتفي مصر من الممكن أن تتجاوز الألف أو الألفي جنيه.
لا أربط بين القبولبتخفيض الأجر والوطنية وان كانا شديدي الصلة في هذا الظرف بالذات، لكننا لن نستطيعان نحشر دواء الوطنية بالملعقة في الأفواه الرافضة، والتي لا شك وأن لها مفهومها المختلفعن الوطنية تحت مبدأ (احمدوا ربنا اللي احنا قادرين نبص في وشوشكم) وكما قلت فإن كلإنسان حر في نقل خطواته حسبا لما يري، ولكن بلادنا التي طحن فيها أبناؤها من الطبقةالمتوسطة الدنيا وما دونها يصعب علينا ان نفرط فيمن بنوها وعمروها ثم ألقي بهم إليخارجها، أو صاروا خدماً عند أغنيائها.
نحن مع الرئيسفي قضية الحد الأدني والأقصي، أما الاثنان وأربعون ألفا فكفيلة بعلاج مرضي قريتي لعامكامل وأكثر.. صحيح انه مبلغ لا يكفي سندويتشات الولاد الصبح لكنه بالنسبة لنا يعيدالدماء إلي عروق الفقراء الجافة ويسهم في إيقاظ الأمة وإدارة ما كيناتها الخامدة..!
هناك ما هو أكبرمن كل البنوك، انه »بنك الوطن»!!.
بسكو مصر
كل من يهاتفني،كل من يلقاني، يطالبني بأن أطالب الرئيس بعدم بيع الشركة التي واكبت مسيرة الشعب المصريوالتي تحقق له أرباحاً سنوية والتي اسمها »بسكو مصر» قال لي أحدهم أليست »بسكو مصر»علي وزن »تحيا مصر» وصمت.
وذلك الخطاب الذيتسلمته من الدكتور (محمد البلشي) الطبيب ببركة السبع منوفية، والذي اقتط لكم بعض تساؤلاتهالتي تخفي غضباً، فهو أحد المشاركين في الثورتين، ولم يفتح صدره ولم يقل أنا وأنا،ولكنه ينظر للنتائج بعد الثورة ويضرب كفاً بكف، ويضع لي نقاطا كاشفة محددة، ومن قبلومن بعد يكشف عن حزنه لفقدان بقية ثروة مصر وكيف ان الفساد يمد ظلاله إلي زمننا.. زمنالسيسي الذي من أهم لافتات يرفعها هي لافتة مقاتلة الفساد، يقول د.البلشي.
بسكو مصر من أقدمالشركات الوطنية.
معظم أموالها عامة،ولم تحقق الشركة أية خسائر.
تسد احتياجات المصريينمن منتجاتها ذات الجودة العالية وبأسعار تناسب الجميع، بالذات هؤلاء غير القادرين عليشراء المستورد أو ناتج مصانع وكلائه.
يعمل بالشركة آلافالعمال.
تملك الشركة مساحاتمن الأراضي لا تقدر الآن بثمن بالقاهرة والإسكندرية.
ترغب (الحكومة)التي ستحارب الفساد في بيع شركة بسكويت الغلابة لشركة »كلوقز» kelloggss الأمريكيةذات السمعة السيئة في تسريح آلاف العمال من مصانعها سواء في أمريكا أو بالعاصمة البريطانيةأو في استراليا.
هذه الشركة التيتستخدم المواد الضارة بالصحة والمعدلة وراثياً وكذلك تاريخها السييء في التعامل معشركة مونساتو المتخصصة في المواد المعدلة وراثياً.
قدم المركز العربيللنزاهة والشفافية بلاغاً للنائب العام رقم 23263 لسنة 2014 عن وجود مندوبي شركة كلوقزفي مصانع ومكاتب الشركة وحصولهم علي ملفاتها، وعملهم داخلها دون صفة منذ ثلاثة أشهروأكثر.
ما هذا الاختراقلإحدي القلاع الوطنية؟ من خلف ذلك؟ وأين الدولة أم أنها تري وتغمض عينيها وكأننا لمنقم بثورتين، وكأن زبانية الخصخصة مازالو يملكون شرعية لا نملكها.
وهل يباع هذا الصرحالوطني دون علم الحكومة مثلاً؟ ومن خلف ظهر الشعب المصري العظيم.. تباع دون علم الغلابةالشرفاء العاملين بها لتضيع حقوقهم تماماً مثلما ضاعت حقوق الدولة والشعب المصري فيعاصفة الخصخصة المسمومة وكأنهم مازالوا يحكمون وكأن فلاناً القديم لا يختلف عن فلانالجديد.
أثناء مرورك عليمصانع هذه الشركة بالأميرية تشم من علي بعد كيلومتر رائحة البسكويت والخبيز البلديما يعيدك إلي أمك وجدتك وأختك وهن قابعات يفتلن كعك العيد وبسكويته.
فإذا كانت الدولةكسيحة وغير قادرة علي إدارة وتطوير هذه الشركة الجبارة وتكسب منها لنا، فلتسمح لناحكومتنا »النابهة» أن نرسل لهم »شوية ستات» من أفقر حي شعبي في مصر لعمل الشغلانة دي..حاجة تقرف!!.
وهل يملك مثقفوناأكثر من الكلمات والضحكات المعبأة بالهم الوطني زاداً للأسمار..؟
قلت لك في أمسيةمن أماسينا تفوح بعطر الأحباب، وأنت بيننا تحضر وتغيب، لا تمل الحضور ولا تمل الغياب،بعد أن أسمعتك قصيدتي الجديدة وهتفت كعادتك - مشجعاً ودافعاً - »يا حلو.. يا حلو» كنتدائماً تختصني بذلك النداء الجميل »يا حلو.. يا حلو» حين تعجبك قطعة من شعري أو نثري.
قلت لك في تلكالأمسية: »تعرف يا أستاذ نجيب؟.. ربنا رأف بحال الشعراء المصريين حين أطلقت علي ماتكتبه (رواية)، فنحن في مصر لم نقرأ شعراً يفوق شعرك، تلك الملاحم الجبارة المسماةب »الحرافيش» و »أولاد حارتنا» ولو كانت شعرا - ولو انها شعر عظيم - لحمل كل مناصُُرتهوعاد إلي بلده. وانطلقت ضحكتك المجلجلة التي من لم يسمعها لم يعرف يوماً ما هي الضحكة؟.
حين رحلت لم يرحلأنسُك معك، لقد تركت لنا ذاكرتك المكتوبة وذكراك الحية.. المكتوب والمحكي.. زادا يشدناإليك فأنت بالنسبة لأحبائك المقربين عسير الرحيل، ونعتبر ما آنستنا به زادنا وثروتناالتي لا تقدرها أثمان.
من أين أتيت بكلذلك القدر من التواضع الذي علمنا الأدب وكشف عن هول اتساع المسافة بيننا وبين مبدعمثلك لقد احتكرت التواضع الذي كان يصغر الهامات أمامك دون أن تقصد إلي ذلك أو تراه.لم تقف أمام إنجازك العبقري لتصنع لنفسك تمثالاً من صخر لا يخترق، علي العكس، لم تكنتتذكر أعمالك إلا حين كنا نأتي علي ذكرها متسائلين فتجيب إجابات من كأنه قرأها مثلناوليست من صميم عطائه الروحي والفكري، فلقد عشت تنظر للأمام، وتلتقينا في السمر الليليفي »عوامة المسامرة» رجلاً كأنه ولد منذ لحظات قليلة.. لقد أسعدنا حظنا، ورضي عنا زماننا،حين أتاحا لنا الاقتراب منك والتحلق من حولك نستمتع حتي بصمتك، فليس صمتك، كصمت الآخرين.
لقد تفرقنا منبعد رحيلك يا عم نجيب، ذهب كل الي حال سبيله: المزارع عاد إلي الصعيد يزرع، من كانيقرأ الجرائد ويفليها، ليأتي لك بكل ما يحدث في العالم وفي مصر بعد أن لم تعد تقويعلي القراءة منذ الحادث العبثي الأثيم الذي استهدفك غدراً وجهلاً انصرف صديقنا إليالكتابة في الجريدة واستكمال رحلته الروائية وابتعد عنا تماماً.
وعاد خفيف الظلكاتب القصائد الجنسية الفجة ذات المدلولات السياسية إلي مرضه وعزلته في مسكنه البعيد،يأتيني صوته عبر الهاتف »كل حين ومين»، فنتذكرك ونأسف لتبخر الأيام.
كذلك الروائي الذيأحب هواء الدنيا وعشق فوضاها الإنسانية والذي لا أدري كيف لم يوظف حريته وانطلاقه فيالحياة في أدبه الروائي، فأصدر روايتين أو ثلاثا وصمت، يهاتفني بين الفينة والفينةسائلاً عن صحتي، وذلك المحامي النابه الذي لا تتبين حزنه من فرحه فكأنه صنع وجهه بنفسهولكن كان لديه دائماً ما يتحفنا به من أسرار السياسة الخفية، إلي ذلك العاشق الصامتللعم نجيب والمحب لنا جميعاً والقاريء لنا جميعاً ولم يحاول الكتابة يوماً شفاه الله،يهاتفني كلما قرأ شيئاً لي مشجعاً ودافعاً. كذلك ذلك المفكر الديني المختبيء في بدلةعصرية وأسلوب عصري، ومعاد لكل ما أتت به الثورة - الثانية طبعاً - وهو يكتب بانتظامأسبوعياً بالجريدة التي أنشر بها أشعاري، وأظنه يحبني بنفس الأسلوب الذي اتبعناه فيوجود العم نجيب، وحين رحل العم رحلت معه العاطفة التي تسببت من تحلقنا حوله، وكأنهكان الرابطة التي لم تجعلنا ننفجر في وجوه بعضنا البعض وكأننا نأتي لأداء مهمة محددةسينفرط عقدها بعد المغادرة، فلا داعي لثقل الدم أو الإفصاح عن حقيقة ما في ضمائرناقبل المجيء والذي حتماً سنعود إليه بعد المغادرة.
ويظل الصديق الوحيدالذي تمتد علاقتي به منذ أوائل الستينيات حتي الآن الروائي الكبير الحاصل من الخارجعلي جوائز مهمة، والذي يبدي وأبديالرأي في كتاباتينا وحياتينا دون حساسية والذي اصطحبنيإلي عم نجيب الذي جالسته في أوائل الستينيات في »كازينو أوبرا» قبل أن تحترق الأوبرا،ومراراً في مقهي ريش، وفي كازينو النيل.
أما من كان يقطعإليك المسافة من المهندسين إلي »عوامة الملتقي» علي صفحة النيل أمام حديقة الحيوان،والتي قرر صاحبها أن يستضيف سهرة الثلاثاء علي حساب العوامة تكريماً لنجيب محفوظ والتيما ان اشتراها رجل أعمال آخر حتي أوقف تلك المنحة الرائعة وقت رحلت أن في نفس الاسبوع- ليس بسبب ذلك بالطبع - أما ذلك الذي كان يحب أن يأتيك مترجلاً، أو يصطحبك من بيتكأحياناً إلي »عوامة المسامرة» فإنه يجلس الآن في منفاه الإجباري الاختياري، يصعب عليهقطع المسافة من مكتبه إلي الحمام الذي يلتصق بابه بظهره، يفتقد الصحبة ويرقب القاهرةمن قفاها.
بعد رحيلك يا عمنجيب وعلي غير توقع من حساباتنا القديمة حدثت ثورتان جماهيريتان هزتا أركان العالموانقسم الناس بخصوصهما في الداخل وفي الخارج كم كنا في حاجة لآرائك النافذة ذات القولالقليل والأعماق غير المحدودة، بماذا كنت ستصف جسارة وعظمة هذا الشعب؟ وبماذا كانتستوحي لك خيبتنا وحيرتنا العبقرية المعروفة التي هي دافعنا الأساسي للكتابة - للكتابةفقط؟.
راهناً علي الثورةالأولي فسرقت بطريقة فجة، سرقوها أعداؤك الذين استهدفوا اغتيالك يوماً بطعنتهم المسمومةواستعدناها بالثانية التي تُسرق بطريقة ناعمة بل بنفس أساليب خيباتنا القديمة التيطالما أعطتنا مادة للسمر والسخرية وآنست أجواءنا.
والغريب في هاتينالثورتين يا عم نجيب واللتين انقسمت مصر بسببهما وانقسم العالم بين متآمر وداعم، أنهماجاءتا علي عكس كل ثورات الدنيا، غيرتا فوق ولم تغيرا سنتيمتراً واحداً في تحت وانفلتتمصرك الآمنة علي هيئة قطاع طرق ومفجري قنابل وظهرت سيماء التوحش علي الوجوه الكارهةالتي قصدت إلي غدرك يوماً، صار مسلكهم الغادر سمة عامة تتساقط أنباؤها الهمجية ساعةبعد ساعة لا شك أن كل هذا كان سيكون مادة خصبة لأسمارنا، وهل يملك مثقفونا أكثر منالكلمات والضحكات المعبأة بالهم الوطني زاداً للأسمار؟.
المهم.. خرجنامن المولد بلا حمص رأينا المولد وتهنا في أرجائه ووقائعه ولم نر الحمّص لنعود به إليأبنائنا الذين لا ينتظرون منا حمصاً لأنهم عرفوا طريقاً آخر ابتعد بهم عنا وجعلهم أقربللأعداء بعد أن خدعهم المخادعون.. لا شك أنك كنت ستجد في هاتين الثورتين العظيمتينزاداً لا ينفد من التعليقات المبصرة فأنت تقودنا برأيك إلي الجوهر علي الرغم من ضعفالإبصار الذي لا تحتاج إليه، فبدونه »كتبت» أعمالاً خالدة.
شيء واحد يحيرنييا عم نجيب، حين كنت بالمستشفي في مرتك الأخيرة وكانت الزوجة الجليلة التي كنت أراهاللمرة الأولي قد منعت الدخول عليه وكنا نقف بالباب حائرين ماذا نفعل ونضيق طبعاً بذلكالمنع، وإذ بي أسمعك تصيح وأنا بالباب: »هوه الأبنودي فين؟» لم أعبأ بالمنع واقتحمتالغرفة مهرولاً وانحنيت عليك في سريرك وقلت »أنا أهو يا حبيبي» وقبلتك واكتشفت ان عمنجيب بتاعنا ليس موجوداً وأنه الاحتضار، فتراجعت ونظرت إلي قرينته في شبه اعتذار، وانسحبت..إنها المرة الأخيرة التي أري فيها الوجه الكريم، وحتي الآن لا أدري لماذا هتفت باسميفقد كنت آخر الملتحقين ب »عوامة المسامرة».
بنك الوطن
يستقيلون ليبحثواعن بنوك أخري عربية أو أفرنجية في مصر أو خارجها لأن مرتب الاثنين والأربعين ألف جنيهشهرياً لا يكفيهم ولا يصلح لإعالة أسرهم، ويصرون في مقاومة خفية علنية أنهم لن ينخرطوافي لعبة استرداد أنفاس مصر التي يقودها السيسي، ويرفضون تماماً أن يصبحوا عاملاً منعوامل قيام مصر من جديد لتبدأ مسيرة يأكل أثناءها الجميع. فقط يأكلون ليشتد العود وتستندمصر علي أكتاف رجالها.
نحن لا نلوم هؤلاءالرافضين المتململين فقد مضي عهد كنا نرفع فيه رايات الوطنية ونحاول فعلاً أن نكوننسمة علي وجوه فقراء مصر، ولكننا الآن في زمن نَفْعِيِّ دُرِّبَ فيه الجميع علي أيديولوجية(يالله نفسي) وأنا نفسي لا أدري إذا ما كنت أتقاضي مائة ألف جنيه في الشهر هل كنت سأكونراضياً أن ينزل الراتب إلي أقل من النصف.
تعيش مثل تلك الطبقةفي واقع مستريح: فيلا في الساحل الشمالي، وشقة أو فيلا في الحي الخامس أو القطاميةأو داخل الأسوار التي لا نعرف عنها شيئاً، يذهب الأبناء إلي الجامعات الأوروبية سواءكانت هنا في مصر أو في بلادها البعيدة. الجميع له عربات وربما أكثر من سائق، ويعيشونحياة في مستوي الأجر الدولاري أو الاسترليني الذي يتقاضونه، فكيف لهم أن يتقبلوا الخسفبالمرتب وبواقعهم ليقتربوا من الناس. مع أنه مهما صدرت من قرارات فإنهم - والحمد للهلن يقتربوا من قريب أو بعيد من (الناس)، الناس تسعي لالتقاط بقايا حصاد الأغنياء فيمراعي الفقر المدقعة، تحاول التقاط فتات ما يتساقط من يد الأيام اليابسة التي لا تجود.
أما قضية المجتمع،وأن الرئيس يحاول ان يضع للفقراء حداً أدني حتي لا ينزلقوا إلي هاوية لا مخرج منهابعد سنين عجفاء أخذ فيها الفساد راحته فأفقر أهلنا وجل أجيالنا المقبلة ليلتهمهم المرضوالجهل والإهمال وصاروا كماً مهملاً هؤلاء الذين أضاعوا أعمارهم في بناء الساحل الشماليوالمدن الرائعة التي نقطنها.
اللهم لا حسد،ولا شك أن ذلك الذي يتقاضي ذلك المرتب العالي يستحق بعلمه وخبرته وكفاءته ربما أكثرمن ذلك اذ أن لكل مجتهد نصيبا، ولا يجب أن نقارنه بمن تخرج في مدارسنا العفنة التيتلقي تلاميذها أحياناً »علمهم» وهم جالسون علي تراب الأرض، ولا ذنب لهم، فلربما لوأتيحت لهم فرصنا في الحياة والحظ لصاروا أفضل منا وأكرم عطاء لوطنهم، لكن ولأن الزمنكان فاسداً فإن الطبقات الدنيا كانت أولي ضحايا الفساد ولعبته الكبري التي لم يمنعهأحد من العبث بها.
هكذا نجد أن موجةالاستقالات التي تجتاح البنك المركزي وبنوكنا العامة للكوادر المهمة والقيادات ذاتالخبرة، ستؤدي بأن يرحل كل هؤلاء من المصارف المصرية الي تلك الاستثمارية والاجنبيةفيما يشبه موجة تظاهر سرية واحتجاج علني علي هذه الإثني وأربعين ألف جنيه ، ويتعجبأهلونا الفقراء من ذوي الاثنين والاربعين جنيهاً فقط، والذين لا يتخيلون أن المرتباتفي مصر من الممكن أن تتجاوز الألف أو الألفي جنيه.
لا أربط بين القبولبتخفيض الأجر والوطنية وان كانا شديدي الصلة في هذا الظرف بالذات، لكننا لن نستطيعان نحشر دواء الوطنية بالملعقة في الأفواه الرافضة، والتي لا شك وأن لها مفهومها المختلفعن الوطنية تحت مبدأ (احمدوا ربنا اللي احنا قادرين نبص في وشوشكم) وكما قلت فإن كلإنسان حر في نقل خطواته حسبا لما يري، ولكن بلادنا التي طحن فيها أبناؤها من الطبقةالمتوسطة الدنيا وما دونها يصعب علينا ان نفرط فيمن بنوها وعمروها ثم ألقي بهم إليخارجها، أو صاروا خدماً عند أغنيائها.
نحن مع الرئيسفي قضية الحد الأدني والأقصي، أما الاثنان وأربعون ألفا فكفيلة بعلاج مرضي قريتي لعامكامل وأكثر.. صحيح انه مبلغ لا يكفي سندويتشات الولاد الصبح لكنه بالنسبة لنا يعيدالدماء إلي عروق الفقراء الجافة ويسهم في إيقاظ الأمة وإدارة ما كيناتها الخامدة..!
هناك ما هو أكبرمن كل البنوك، انه »بنك الوطن»!!.
بسكو مصر
كل من يهاتفني،كل من يلقاني، يطالبني بأن أطالب الرئيس بعدم بيع الشركة التي واكبت مسيرة الشعب المصريوالتي تحقق له أرباحاً سنوية والتي اسمها »بسكو مصر» قال لي أحدهم أليست »بسكو مصر»علي وزن »تحيا مصر» وصمت.
وذلك الخطاب الذيتسلمته من الدكتور (محمد البلشي) الطبيب ببركة السبع منوفية، والذي اقتط لكم بعض تساؤلاتهالتي تخفي غضباً، فهو أحد المشاركين في الثورتين، ولم يفتح صدره ولم يقل أنا وأنا،ولكنه ينظر للنتائج بعد الثورة ويضرب كفاً بكف، ويضع لي نقاطا كاشفة محددة، ومن قبلومن بعد يكشف عن حزنه لفقدان بقية ثروة مصر وكيف ان الفساد يمد ظلاله إلي زمننا.. زمنالسيسي الذي من أهم لافتات يرفعها هي لافتة مقاتلة الفساد، يقول د.البلشي.
بسكو مصر من أقدمالشركات الوطنية.
معظم أموالها عامة،ولم تحقق الشركة أية خسائر.
تسد احتياجات المصريينمن منتجاتها ذات الجودة العالية وبأسعار تناسب الجميع، بالذات هؤلاء غير القادرين عليشراء المستورد أو ناتج مصانع وكلائه.
يعمل بالشركة آلافالعمال.
تملك الشركة مساحاتمن الأراضي لا تقدر الآن بثمن بالقاهرة والإسكندرية.
ترغب (الحكومة)التي ستحارب الفساد في بيع شركة بسكويت الغلابة لشركة »كلوقز» kelloggss الأمريكيةذات السمعة السيئة في تسريح آلاف العمال من مصانعها سواء في أمريكا أو بالعاصمة البريطانيةأو في استراليا.
هذه الشركة التيتستخدم المواد الضارة بالصحة والمعدلة وراثياً وكذلك تاريخها السييء في التعامل معشركة مونساتو المتخصصة في المواد المعدلة وراثياً.
قدم المركز العربيللنزاهة والشفافية بلاغاً للنائب العام رقم 23263 لسنة 2014 عن وجود مندوبي شركة كلوقزفي مصانع ومكاتب الشركة وحصولهم علي ملفاتها، وعملهم داخلها دون صفة منذ ثلاثة أشهروأكثر.
ما هذا الاختراقلإحدي القلاع الوطنية؟ من خلف ذلك؟ وأين الدولة أم أنها تري وتغمض عينيها وكأننا لمنقم بثورتين، وكأن زبانية الخصخصة مازالو يملكون شرعية لا نملكها.
وهل يباع هذا الصرحالوطني دون علم الحكومة مثلاً؟ ومن خلف ظهر الشعب المصري العظيم.. تباع دون علم الغلابةالشرفاء العاملين بها لتضيع حقوقهم تماماً مثلما ضاعت حقوق الدولة والشعب المصري فيعاصفة الخصخصة المسمومة وكأنهم مازالوا يحكمون وكأن فلاناً القديم لا يختلف عن فلانالجديد.
أثناء مرورك عليمصانع هذه الشركة بالأميرية تشم من علي بعد كيلومتر رائحة البسكويت والخبيز البلديما يعيدك إلي أمك وجدتك وأختك وهن قابعات يفتلن كعك العيد وبسكويته.
فإذا كانت الدولةكسيحة وغير قادرة علي إدارة وتطوير هذه الشركة الجبارة وتكسب منها لنا، فلتسمح لناحكومتنا »النابهة» أن نرسل لهم »شوية ستات» من أفقر حي شعبي في مصر لعمل الشغلانة دي..حاجة تقرف!!.