القاهرة 27 نوفمبر 2014 الساعة 12:02 م
اسرائيل منذ نشأتها وإعلان قيامها. بل منذ كانت مجرد فكرة. هي كيان عنصري. ومنذ 1948 إلي اليوم. وهي تزداد عنصرية وتطرفاً في العنصرية. ندع الفكرة الصهيونية جانباً. لأن الحديث عنها يغطي مجلدات تملأ خزائن الكتب. ونقف عند الممارسة الصهيونية. منذ إنشاء أول مستوطنة في أرض فلسطين. إلي آخر قرار بإنشاء منازل ووحدات سكنية في جزء من القدس الشرقية. وفي يوم الأحد الماضي. 23 نوفمبر الحالي. خطت إسرائيل خطوة جديدة وكبيرة نحو المزيد من الصهيونية. بموافقة حكومتها علي مشروع قرار يصف "إسرائيل" بأنها "دولة يهودية". ومن المقرر أن يكون الكنيست "البرلمان الإسرائيلي" قد بدأ أمس القراءة الأولي لهذا المشروع. الذي سيواجه معارضة قوية. ليس من بيانات الشجب والاستنكار والإدانة العربية المعتادة. والتي لا تسمن ولا تغني من جوع. بل من الرأي العام العالمي. ومن قوي ومؤسسات دولية ديمقراطية حقيقية. تقف وبقوة ضد العنصرية. أياً كان مصدرها. أكثر من هذا شهدت إسرائيل نفسها معارضة غير هينة. ونقداً شديداً منذ أن طرح بنيامين نتنياهو فكرة إصدار مشروع القانون هذا. ووجهت إليه دوائر إسرائيلية نقداً حاداً. وحذرته من اتخاذ هذه الخطوة في هذا التوقيت بالذات. حيث تشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة. خاصة مدينة القدس. مقدمات انتفاضة ستكون عاصفة. بل ومدمرة. إذا لم يتراجع نتنياهو وقطعان المستوطنين في القدس عن محاولات "تهويدها" بالكامل. وعن محاولات تدنيس المسجد الأقصي. مما يزيد التوتر في زهرة المدائن يوماً بعد يوم. منذ منتصف يونيه الماضي تقريباً. وقال مسئولون سابقون كثيرون لنتنياهو: حذار من التمادي في الخطأ. بل إن رئيس الاستخبارات الحالي "يورام كوهين". قال في الكنيست: إن "البعد الديني الذي يرتديه النزاع خطير ومتفجر جداً".. وكان هذا في اليوم نفسه الذي قتل فيه أربعة إسرائيليين علي يدي شابين فلسطينيين. في اليوم التالي تساءلت صحيفة "ها آرتس": "هل هدف نتيناهو هو بالفعل منع تكرار مثل هذه المآسي؟!.. هل قطع الدائرة الدموية بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو هدف مركزي بالنسبة له؟!".. والجواب واضح من وصف الصحيفة سياسة نتنياهو ووزائه بأنها "قمة عدم المسئولية تجاه "الجمهور" الإسرائيلي.
عسقلان تطرد العرب!!
أما إلحاح تنتياهو وأنصاره علي طرح مشروع "إسرائيل دولة يهودية" فلم يؤد إلي تراجع ناقديهم ومعارضيهم. بل زاد نقدهم حدة وعنفاً. وهم يتوقعون ردود الفعل التي سيخلقها هذا المشروع وتحوله إلي القانون في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي خارجها. خاصة أن نتائج هذا المشروع بدأت تظهر في داخل إسرائيل فعلاً. قبل إقراره بشكل نهائي: قرر رئيس بلدية عسقلان وقف عمل العرب في المدينة. وفي عدد آخر من المدن أعلن أصحاب أعمال أنهم سيتوقفون عن توظيف العرب. علي الرغم من أنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية.. وتمت إقالة عدد غير قليل من العمال العرب. ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية. ويعملون في مجالات البناء. والمطاعم. والترميمات. ونشرت الصحف الإسرائيلية حالات عديدة لطرد العمال العرب أو عدم تشغيلهم. وحاول أرباب الأعمال تبرير خطواتهم هذه بالتخوف من قيام العمال العرب بعمليات عسكرية. وكان هذا إقراراً من جانب الإسرائيليين بأن موجة العمليات التي شهدتها مدينة القدس بشكل خاص قد أدخلت الخوف في قلوب ملايين المواطنين في جميع أرجاء إسرائيل. طبقاً لما ذكرته "يديعوت أحرونوت" في يوم الخميس الماضي. أي 20 نوفمبر. ووجد نتنياهو وأنصاره في هذه الأجواء فرصة لركوب الموجة من ناحية أخري. كي يدفعوا بمشروع "الدولة اليهودية" إلي الأمام. ضاربين عرض الحائط بالأصوات المعارضة. وغير عابئين بأي ردود فعل سيثيرها مشروع القرار. في الدوائر الخارجية. خاصة حين يتحول إلي قرار. مع أن بعض الإسرائيليين لم يفتهم التذكير بسابقة مناحيم بيجن. وقرار "توحيد القدس" في 1980. الذي يرون أن إقراره لم يغير الواقع القائم. ولدرجة أنه بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود علي هذا القرار. لا تزال المدينة مقسمة وستظل.
ألاعيب للخداع
وعشية موافقة حكومة نتنياهو علي هذا المشروع لم تر فيه صحيفة "ها آرتس" سوي خدعة. ووصف أحد كبار الكتاب نتنياهو بأنه "الشائخ المضطر إلي تكرار ألاعيبه الخداعية". فهل صحيح أن هذا المشروع مجرد خدعة إسرائيلية داخلية. في مسرح سياسي تاريخه حافل بأمثال هذه الخدعة؟!.. "الخدعة" هنا زادت علي حدها. فقد سارع نتنياهو إلي التنديد بخطوة رئيس بلدية عسقلان. ومثيلاتها. بل قال: لا مكان للتمييز ضد من أسماهم "عرب إسرائيل". أي فلسطينيي 1948. مع أن عمدة عسقلان. لم يفعل شيئاً سوي أنه طبق في أرض الواقع "الريح التي تهب من مكاتب زعماء اليمين في القدس" المحتلة. من أمثال نتنياهو ومن يشايعونه سواء من قادة حزبه أو من أعضاء حكومته. ممن لا يفعلون شيئاً سوي أن يقودوا إسرائيل في طريق القوة والمزيد من القوة. باعتراف "يوفال ديسكن" وهو رجل أمن سابق. تولي رئاسة جهاز "الشاباك" أي الأمن الداخلي. ومنظمات المقاومة في 2005. وقد كتب في يوم الجمعة الماضي 21/11/2014 مقالاً مهماً في صحيفة "يديعوت" بعنوان "هذا ما ينتظرنا" وهو مقال جدير بالقراءة. من جانب كل من يتابع ما يجري في القدس الشرقية المحتلة. واحتمالات أو مقدمات الانتفاضة فيها. وما يجب علي القيادة الإسرائيلية أن تفعله "قبل أن تخرج الأحداث كلية عن السيطرة". وفي هذا المقال يبرز "ديسكين" ثلاث نقاط تستحق اهتماماً خاصاً:
¼ الأولي: العنصر الديني في الصراع هو المحفز الأقوي لتصعيد الأحداث في القدس.
¼ الثانية: العلاج الحقيقي للصراع. يلزمنا بالتوصل إلي حل جذور الصراع. ومن أجل ذلك نحن في حاجة إلي قيادة إسرائيلية قوية. لتحريك العملية السياسية الإقليمية مع دول عربية معتدلة. وفي إطار ذلك نقوم بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لكن قيادتنا. أي قيادة إسرائيل. وعلي رأسها رئيس الحكومة "نتنياهو" تتفوق في عمل عكس معظم تعهداتها.
¼ الثالثة: انتفاضة القدس فرصة نادرة لفهم واقع الدولة ثنائية القومية. التي تبني رغم أنفنا في الضفة الغربية. بل بين البحر والنهر "البحر المتوسط ونهر الأردن".
بين مرسي وداعش
هذا كلام مهم.. ولكن قد يكون أهم منه ما قاله "ديسكين" تعليقاً علي موافقة حكومة نتنياهو علي مشروع قانون "إسرائيل.. دولة يهودية". إذ قارن هذا بما جاء به دستور الرئيس المعزول محمد مرسي. فقد رجح مشروع نتنياهو. الجانب الديني اليهودي في إسرائيل علي الجانب الديمقراطي. ورأي ديسكين أن جماعة الإخوان المسلمين تحمل الصفات البنيوية ذاتها التي تحملها الأحزاب الدينية في إسرائيل. وأشار هنا إلي نص المادة 219 من دستور الإخوان المسلمين الملغي. والتي جاء فيها أن "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية. ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة".. وذهب ديسكين إلي أن النقاش والجدال الذي دار في حينه حول "دستور مرسي" هو الذي قاد في نهاية المطاف إلي سقوطه. مما يعني أن مصير نتنياهو أيضاً سيكون السقوط. بسبب ما سيثار من جدال حول قانون "قومية إسرائيل" وهذا احتمال وارد. ولكنه قد لا يكون احتمالاً راجحاً أو مرجحاً. وهناك احتمال آخر قريب منه. وهو أن قانون يهودية إسرائيل يجعلها قريبة أو شبيهة ب"دولة داعش" من حيث عنصريتها من ناحية. ومن حيث أهدافها العدوانية من ناحية أخري.. وإن كان بقاء "الدولة الإسلامية" الداعشية يعني بقاء إسرائيل قوية ومحتلة. وأن زعزعة تلك قد تسهم في زعزعة هذه. مثل هذا الاحتمال يثير تساؤلات عديدة. أهمها سؤال يتعلق بدول التحالف. الذي يحارب داعش. فكيف يسمح لنفسه في الوقت نفسه بأن يساند إسرائيل ويدعمها. ولا يقف ضد احتلالها لأراضي دولة شعب آخر. هذا تناقض مثير من جانب الدول التي تعادي داعش. في حين تلاحظ أن شعوب هذه الدول بدأت تتخلص من ولائها لإسرائيل. وتعيد النظر في الموقف منها. فماذا ستفعل هذه الدول. وشعوبها بعد أن تصبح إسرائيل دولة عنصرية رسمياً. وتعلن عنصريتها في قانون ذي طابع دستوي. ويلغي أي قانون أساسي "أي دستوري" يتعارض مع هذا القانون العنصري الذي قالت عنه وزيرة القضاء الإسرائيلية إنه "يهدم الدولة".. وما سيحدث في داخل إسرائيل. وفي دول العالم من ردود أفعال علي هذه العنصرية التي بلا غطاء يتوقف أولاً علي رد الفعل العربي. فهل قرأ العرب نص هذا المشروع. خاصة بنده الأول. وهو "دولة إسرائيل.. هي الدولة القومية للشعب اليهودي". ثم ماذا هم فاعلون؟!
كفانا الله وإياكم. كلمات الشجب والإدانة والاستنكار. فقد "بشمنا منها". ونريد أفعالاً. بالمناسبة. وحتي لا يتقول الذين في قلوبهم مرض. الأفعال لا تعني الحرب. خاصة ونحن في حرب ضد الإرهاب.. واسلمي يا مصر.