القاهرة 26 نوفمبر 2014 الساعة 03:15 م
الغزال بين قرونه وساقيْه :
وقف الغزال عند نبع ماء ليشرب.. نظر فى صفحة الماء وتأمل صورته.. أعجبه كثيرًا صلابة وطول قرونه.. وقال لنفسه : إنّ قرونى مصدر قوتى.. ثم تذكر أنّ ساقيه قصيرتان.. فشعر بالضيق والحزن وقال لنفسه : يا ريت كانت ساقاىَ طويلتيْن .
خرج من سرحانه عندما شعر بحركة أقدام تقترب منه.. نظر فرأى الأسد وهو يُحاول انتهاز الفرصة للانقضاض عليه.. فانطلق سريعًا فى الغابة.. وكلــّما كان فضاء الغابة مُـتسعًا ، وليس به أية عوائق ، كان يُسرع أكثر.. وفجأة وجد نفسه أمام غابة من الأشجار كثيفة الفروع.. فإذا بقرونه تشتبك بفروع شجرة ضخمة.. وعندما حاول تخليص قرونه من فروع الشجرة.. كان الأسد قد انقضّ عليه.. ليأكله.. وقبل أنْ يحتضر قال لنفسه : كنتُ أشعر بالندم لأنّ سيقانى قصيرة وليستْ طويلة.. وكنتُ أتباهى وأفتخر بقرونى.. وبينما كانت سيقانى هى التى حافظتْ على حياتى.. إذا بقرونى هى التى قضتْ على حياتى .
000
التعليق : ونظرًا لأنّ حكايات إيسوب موجّهة للبشر، وليس لأبطاله من الحيوانات ، فإنّ مغزى تلك الحكاية ، هو على كل إنسان أنْ يعى قدراته الخاصة ، ويعتز ويتمسك بما وهبته الطبيعة من ملكات معينة أو قدرات خاصة ، ولا يستهين بأية إمكانيات على حساب إمكانيات أخرى ، وأنّ من المهم توظيف ملكاته ، وعليه أنْ يتجنــّب النظر إلى قدرات الآخرين.
000
السلحفاة تتعلم الطيران :
ضاقتْ السلحفاة بحياتها.. وبزحفها على الأرض.. وبخطواتها البطيئة.. ولما لاحظ الثعلب أنها لم تترك مكانها لعدة أيام.. سألها عن السبب.. فاشتكتْ له وحكتْ عن مشكلتها.. فقال لها الثعلب : أطلبى من النسر أنْ يُعلــّمك الطيران.. ولما استبعدتْ الفكرة.. ظلّ النسر يُواصل الإلحاح وإغوائها بالفكرة.. حتى اقتنعتْ بها.. وعندما وقف نسر بجوارها.. طلبتْ منه أنْ يُعلــّمها الطيران.. ضحك النسر وقال لها : هذا طلب صعب يا عزيزتى السلحفاة.. ولكنها بكتْ وظلــتْ تلح عليه. حتى وافق على تعليمها الطيران.
حملها النسر بمخالبه.. وحلق بها بعيدًا عن الأرض.. وعندما فشل فى أكلها لصعوبة صلابة صدفتها.. فكــّر فى التخلص منها.. خاصة عندما شعر بالتعب من ثقل جسدها.. فأرخى مخالبه وتركها تسقط على الصخور.. فهوتْ وتحطــّمتْ وتناثرتْ أشلاءً .
000
التعليق : دأب إيسوب على تناول الموضوع الواحد ، ومعالجته أدبيًا فى أكثر من حكاية ، والمغزى هنا – كما فى الحكاية السابقة- أنّ على كل كائن حى الاعتزاز بقدراته وبما وهبته به الطبيعة من خصائص ، كذلك لا يجب التذمر من تلك الخصائص التى قد يراها البعض أنها (قيود) وكان الرمز فى الحكاية حركة السلحفاة البطيئة. ولكن أهم درس فى تلك الحكاية هو : محاولة تقليد الآخرين ، ولأنّ إيسوب كان يتمتــّع بخيال خصب ، فإنّ الفانتازيا لديه ارتفعتْ إلى درجة عالية فتخيّل سلحفاة ترغب فى تعلم الطيران ، نتيجة نصيحة الثعلب ، وبالتالى يجب على الإنسان عدم الانصياع والاستسلام لأية نصيحة يقولها إنسان لآخر، لأنه لو فعل ذلك ستكون نهايته مثل نهاية السلحفاة التى استجابتْ لنصيحة الثعلب ، وصدقتْ نفسها فى إمكانية أنْ تطير مثل النسر.
000
مسابقة فى الجرى بين السلحفاة والأرنب :
فى هذه الحكاية (الشهيرة فى الأدب العالمى) فإنّ إيسوب رسم شخصية سلحفاة مختلفة تمامًا عن السلحفاة فى الحكاية السابقة.
قرّرتْ الحيوانات إجراء مسابقة فى الجرى بين الأرنب والسلحفاة.. كانت الحيوانات تأمل فى الضحك وقضاء بعض الوقت المُمتع ، وهى تـُشاهد السلحفاة البطيئة والأرنب السريع فى تلك المسابقة.. وافق الأرنب على الفور بدون تردد.. بينما السلحفاة تردّدتْ لأنها تعرف قدراتها.. وتـُدرك أنّ الأرنب أسرع منها.. ولكن الحيوانات ظلــّتْ تلح عليها.. وتــُغريها بكل الطرق.. وأنّ الأرنب الذى وافق على دخول المسابقة مشهور عنه الكسل.. وبعد إلحاح من كل الحيوانات وافقتْ السلحفاة.. وتمّ تحديد يوم ووقت بدء المسابقة .
بدأ السباق بشكله الطبيعى المُـتوقع.. الأرنب يجرى بأسرع من السلحفاة.. ويتقدم عنها كثيرًا.. والسلحفاة تمشى بخطواتها الطبيعية المُـتثاقلة كما هو معروف عنها.. فإذا بكل الحيوانات تــُطلق الضحكات سخرية من السلحفاة .
ثم يحدث التطور الدرامى (لو جاز التعبير) الذى أدخله إيسوب على شخصية الأرنب ، الذى مهـّـد لشخصيته بالكسل ، فتخيّـل أنّ الأرنب قال لنفسه : أنا واثق من النتيجة.. وأنا الذى سوف أفوز بالمسابقة.. لذلك توقف وجلس تحت ظل شجرة ليستريح بعض الوقت ، ولكنه بمجرد أنْ استرخى جسده ، وبمجرد أنْ أغمض عينيه ، إذا به يروح فى سبات عميق . وبينما هو تحت الشجرة ويغط فى النوم ، مرّت عليه السلحفاة ، التى لم تهتم بمنظره ، ولم تــُـفكــّر فى التوقف لتستريح مثله.. قالت لنفسها بسرعة : أنا أبطأ من الأرنب كثيرًا.. ولو توقفتُ لأستريح ، فربما يستيقظ الأرنب ويواصل الجرى ويسبقنى ويفوز بالمسابقة.. وبالفعل واصلتْ السلحفاة المشى بكل جدية مُستخدمة كل طاقتها كى تــُحقــّــق أقصى ما تستطيع من (سرعة) فكانت النتيجة أنه عندما استيقظ الأرنب ، كانت السلحفاة قد وصلتْ إلى نقطة النهاية وفازتْ بالمسابقة ، فوقفتْ كل الحيوانات لتحيتها والتصفيق لها والرقص من أجلها .
000
التعليق : أعتقد أنّ التعليق الواجب هنا هو تحية إيسوب على هذا الخيال الخصب : لأنه تحدى قوانين الطبيعة ، فمن المعروف طبيعة كل من (السلحفاة بطيئة الحركة) وطبيعة الأرنب (سريع الحركة) ورغم ذلك صاغ تلك الحكاية ، فتخيّل إقامة مسابقة فى الجرى بين كائنيْن على النقيض تمامًا فى قدراتهما الجسدية : أحدهما (سريع الحركة) والآخر (بطيىء المشى) وليس الجرى.. ثم تكون المُـفاجأة عندما خطط لحكايته على أساس نهايتها المُـفارقة للواقع ، والمُـتحدية لقانون الطبيعة : الأبطأ يسبق الأسرع ويفوز عليه. ولكن لكى يفعل إيسوب ذلك كان عليه أنْ يضع المُبرّر (الدرامى) ليُــقنع القارىْ ، فكان هذا المُـبرّر فى شكل الآفة التى أحيانــًا ما تـُصيب بعض البشر، أى آفة الكسل – كما حدث مع شخصية الأرنب فى الحكاية - ولكن هل الدرس هنا فى تلك الحكاية هو إدانة (الكسل) فقط ، أم لابد من إدانة توأمه أى الغرور، لأنّ الأرنب لم يستسلم لآفة الكسل ، إلاّ عندما طمأن نفسه بأنه هو الفائز فى المسابقة ، واعتبر أنّ فوزه هو الشىء الطبيعى والمُـتوقــّع . على الجانب الآخر كانت السلحفاة مُــدركة تمامًا لقدراتها ، ولم تخجل من الاعتراف بأنها أبطأ من الأرنب ، لذلك اجتهدتْ (قدر طاقتها) ولم تستسلام - أو حتى تــُـفكر- فى الراحة عندما رأتْ الأرنب نائمًا تحت ظل الشجرة ، وإنما واصلتْ (المشى) والمغزى – كما أراد إيسوب – أنها أخذتْ المسألة ب (جدية) فحقــّـقتْ الفوز.. وما فعله الأرنب يجب على كل إنسان تجنبه ، وما قامتْ به السلحفاة يجب أنْ يكون قدوة لكل إنسان .
000
الغراب الذى قلــّـد النسر :
كان النسر يطير مٌحلــقــًا فوق أشجار الغابة.. فرأى قطيعًا من الغنم.. وبسرعة انقضّ على حمل صغير.. وطار به ليستمتع بلحمه.. رآه الغراب.. فقال لنفسه : لماذا لا أفعل مثلما فعل النسر؟ فانقضّ على القطيع.. وحاول أنْ ينتقى أصغر الخرفان .. ولكن عندما أمسك به.. اشتبكتْ مخالبه بفروة الخروف.. وحاول أنْ يُخلــّص مخالبه من الفروة.. ولكنه فشل فى محاولته.. وعندما رآه راعى الغنم انقضّ عليه بعصاته.. ثم أمسك به وقيـّـده وشلّ حركته.. ثم أخذه معه إلى منزله.. ليتفرج عليه أطفاله.. سأله الأطفال : ما اسم ذلك الطائر؟ فقال لهم : كنتُ أعرف أنّ اسمه (غراب) ولكنه حاول تقليد النسر.
000
التعليق : كما فى حكايات كثيرة كتبها إيسوب ، كان يُحاول معالجة آفة التقليد فى أكثر من حكاية. والدرس الذى ركــّز عليه كثيرًا هو أنّ التقليد الأعمى دائمًا ما يأتى بنتيجة عكسية ، بل كارثية ، وبالتالى يجب على البشر تجنب تلك الآفة ، وأنّ على كل إنسان أنْ لا يقع فى خداع نفسه بأنْ يكون مثل غيره ، خاصة عندما يكون فاقدًا لقدرات من يُحاول تقليده ، كما فعل الغراب الذى حاول تقليد النسر.