القاهرة 23 نوفمبر 2014 الساعة 03:17 م
بداية ونهاية حكم الإخوان !!
كانت الحقائق تسخر من الذين يقولون أن الديمقراطية في مصر
لن تتحقق إلا إذا إرتضينا بنتائج الإنتخابات .. ولم يسأل احد
ألم تأت الديمقراطية ، بالفاشية والنازية ، في إيطاليا وألمانيا ؟!
( 19 ديسمبر 2012 )
لا أتصور أن ما يحدث في مصر الآن ، وما سوف يحدث ، كان غير متوقع ، بل كانت الشواهد قائمة ، تنبئ وتنذر وتحذر، وهكذا وجدنا أنفسنا أمامنا وضعا قابلا للتفجر!!
وربما كانت مشكلة المشاكل ، وهذا مالا نراه أحيانا بوضوح ، حتى وإن كان همّه ثقيلا ، أن الحياة السياسية المصرية كلها وبأكملها ، محصورة أو محاصرة داخل ثوب قصير لا يناسبها ، كأنه طوق محيط بها ، وهو من صنعها ، من قبولها ، وسكوتها طويلا بالصبر على الوهم ، وإن كانت تلك ظاهرة واجهت ثورات كثيرة ، إلا أن كل الثورات الكبرى تنبهت بسرعة إلى مزالق الأوهام ، وحاولت تداركها ، ولذلك احتفظت بالقيم الجوهرية للثورة وحافظت عليها ، أما نحن فقد تعاملنا مع أسباب انتكاسة الثورة وكأنها نوازل القدر، يتحسب الناس وقوعها ولا يملكون ردها !! وكانت الحقائق كلها تسخر من الذين يقولون إن الديمقراطية في مصر لن تتأتى لها فرصة حقيقية إلا إذا ارتضينا بنتائج الانتخابات ، وفي الانتخابات ــ وتلك مصيبة كبرى ــ فإن العواطف تتأثر بحملات الإعلان الناجحة ، إما بسبب ما تستخدمه من أساليب متقدمة في اللعب بعواطف الناس ، وما تنفقه من أموال ، أو بسبب مجرد الإلحاح المستمر للترويج لشخص أو حزب ، كل هذه المؤثرات كثيرا ما تدفع الأغلبية في اتجاه معين دون آخر ، دون أن يكون هذا الاتجاه المعين بالضرورة أقرب إلى الحقيقة ، أو إلى تحقيق الصالح العام .. ومثل هذه الاعتبارات هو الذي جعل مفكرا فرنسيا كبيرا ( أليكس دى توكفيل ) يكتب منذ ما يقرب من قرنين من الزمان، كتابه الشهير( الديمقراطية في أمريكا ) يحذر فيه من طغيان وظلم الأغلبية لمن عداهم ، ومثل هذا هو أيضا الذي جعل مفكرا أمريكيا معاصرا يصف الديمقراطية الأمريكية ساخرا بأنها " أفضل نظام سياسي يمكن شراؤه بالنقود " إنه لم يتهم الديمقراطية الأمريكية باستخدام التزوير أو الرشوة ، بل كان يقصد ما يمكن للنقود أن تفعله في تشكيل عواطف الأغلبية سواء بالحق أو بالباطل !!
وعموما ليس كل نظام تأتي به الديمقراطية يكون هو نفسه ديمقراطيا ، فقد عرف التاريخ أشكالا من الحكومات التي أتت عن طريق العمليات الانتخابية والاختيار الحر، وكانت معادية واستبدادية .. ألم تأت الأغلبية بالفاشية والنازية ، فالفاشية لم تتوان طوال عهدها عن نبش الشعور الديني ، ليس فقط من أجل حشد وتعبئة الجماهير حول طروحاتها ، وإنما إلى تقديس الرجل الأوحد ، الزعيم الجبار ، الذي يمثل رجل العناية الإلهية ( ملاحظة : شيوخ التيار السلفي قالوا إن الرئيس مرسي نعمة إلهية ، علينا شكرها ــ سعيد عبد العظيم النائب الثاني لرئيس الدعوة السلفية ــ وأن مرسي ولي أمرنا وعلينا السمع والطاعة .. وهناك من قال : أن من أهان السلطان أهانه الله ــ الداعية السلفي محمد عبد المقصود ــ وأن مرسى رجل العناية الإلهية ، وأمل عودة الخلافة الإسلامية معقود عليه !! ) ألم يجعل هذا من موسوليني " شبه إله " ومن هتلر شخصية كونية استثنائية الوجود ، لقد تم الدمج بين الدين وألوهية الزعيم فأدى ذلك إلى منظومة من الأيديولوجيا عبرت عن نفسها في السياسة الفاشية والنازية في إيطاليا وألمانيا، وقد يتشابه ذلك في مصر مع الذين استطاعوا قلب الأمور وتوظيف الشريعة الإسلامية ، وتلاعبوا بالمشاعر الدينية للناس، لتبرير الاستبداد وشهوة الاستحواذ على كامل السلطات، ومفاصل الوطن، من أجل تحقيق أهداف ومطامع سياسية !!
وكانت الحقائق أيضا تسخر من الذين يطالبون الرئيس مرسي بأن يكون رئيسا لكل المصريين، وأن يخلع ثوب الإخوان ، ولم يكن هذا ممكنا ولن يكون بالطبع ، ونحن نعلم أن الرئيس محمد مرسى لم يكن من الصفوف الأمامية في تنظيم الإخوان ، وكان ترتيبه السابع تقريبا ، ولم يكن المرشح الرئيسي لهم ، بل كان " إحتياطيا " ولذلك كان يخشى الجماعة في كثير من الأحيان ، وكان مكتب الإرشاد بالضرورة ، هو الذي يقرر، وهو الذي يقود ذراعه الرئاسية على قمة السلطة في مصر !! ولم يكن متصورا ، ولا يقبله عقل أي عاقل ، أن تدفع الجماعة وبمساندة أبناء عمومتهم من التيار السلفي بكافة فصائله ، لمرشح رئاسة يكون ممثلا لعموم الشعب المصري بمن فيهم " الملحدين " ــ حسب وصفهم ــ من الليبراليين واليساريين والعلمانيين والأقباط ومعهم بالطبع الناصريين والعروبيين .. إذا من سيقودهم لحلم الخلافة ، وتطبيق " أحكام " وليست مبادئ الشريعة الإسلامية ، ومن سيعمل على ترسيخ الهوية الإسلامية لولاية ضمن الأمة الإسلامية .. والنوايا معلنة وليست سرا، وهي صورة علقها التيار الإسلامي على مستقبله ، أو لعله علق مستقبله عليها !!
والقضية الآن ليست إعلانا دستوريا ، أصدره الرئيس مرسى في 21 نوفمبر 2012 سواء منعدم وباطل من الأساس ، حسب اتفاق فقهاء القانون ، أو حتى لو كان حقا أصيلا لرئيس يمتلك السلطتين التنفيذية والتشريعية مع غياب البرلمان ، وأنه يستند إلى الشرعية الثورية كما تقول جماعة الإخوان التي سبق وأعلنت أنه لا وجود للشرعية الثورية ، ولا شرعية الميدان، بل شرعية دستورية مع رئيس منتخب وبناء على الإعلان الدستوري الأول وهو بمثابة دستور مؤقت !! ولكن أيا كانت تلك الشرعية، فنحن أمام نتيجة توافرت لها أسبابها ومطامعها وأهدافها، باستخدام السلطات المطلقة، وأن يحصّن رئيس منتخب قراراته من الطعن أو الاعتراض ، وأن يحصّن مجلس الشورى المطعون في شرعيته ، ويحصّن الجمعية التأسيسية للدستور فاقدة التوافق المجتمعي .. يحصّنهما بأغلبيتهما الإسلامية شبه المطلقة ، من الحل، والمجلس والجمعية كانا يترقبان إصدار حكم قضائي متوقع بالحل !! لقد قلنا في زمن الرئيس المخلوع مبارك ــ في جريدة الأحرار بتاريخ 15 / 12 / 2009 ــ إن الآلهة عندما تغضب على أحد لا تنتقم منه، لكن تكلفه هو أن ينتقم من نفسه ، ويسيء لنفسه ، حسب مقولة الفيلسوف العظيم سقراط .. والصورة تتكرر الآن، ولكن مع اختلاف طفيف ، وهو أن جماعة الإخوان في صورة الرئيس هي التي تنتقم من نفسها ، وسياق الحوادث كفيل بأن يثبت ذلك!!
وما حدث ( إصدار الرئيس مرسى ، الإعلان الدستوري ) ليس فقط انقلابا على الشرعية واعتداء على القضاء ، ولا حتى مجرد تنصيب الحاكم الفرعون ــ كما يقول كثيرون ــ ولكن ما حدث هو انكشاف الساتر عن المستور .. ونحن أمام بعض ــ وليس كل ــ ملامح الحقيقة !! وهذا بالتحديد ما كنا نخشاه ، ومنذ أن كانت الاتفاقات والصفقات تدار وتعقد حتى قبل رحيل مبارك بأيام ، ثم تأصلت مع المجلس العسكري الذي يتحمل وحده وزر تسليم المفاتيح للإخوان والتيار الإسلامي الذي تم منحه صكوك غفران عن عناصره المتهمة بالاغتيالات والعنف ، سواء من داخل السجون أو العودة من أفغانستان وباكستان والشيشان والصومال والبوسنة والهرسك، ولأسباب لا نعلمها ، وإن كانت معلقة بالشكوك ، وهذه قصة أخرى معقدة بالخفايا والخبايا ، وهي قريبة الشبه بما قاله المستشار فاروق سلطان ــ رئيس لجنة الانتخابات الرئاسية ــ إنه حل لإشكالية الطعون في جولة الإعادة لإنتخابات الرئاسة بين مرسى وشفيق ، كان مقترحا إعادة الانتخابات في عدة مواقع ، لكن المشير حسين طنطاوي ، رئيس المجلس العسكري الحاكم وقتئذ ، قال له : أعلن النتيجة اللي عندك ، بفوز مرسي !! وربما خوفا من سيارات مفخخة إخوانية، وربما رفضا للمرشح الثاني أحمد شفيق ، الأقل منهم رتبة في التسلسل العسكري ، وربما انصياعا لتدخلات خليجية أمريكية ، كما يقول بعضهم !!
.....
ونحن لا نهتم بكل ما قيل ويقال ، ولكن ما يهمنا الآن هو الوضع الراهن ، وفيما أظن أن أي سيناريو لشكل التطورات الممكنة والأحداث المحتملة في مصر، لا بد أن يأخذ في الاعتبار أن مفتاح الموقف في مصر لا يزال في يد الشعب ، وربما ــ أقول ربما ــ لن يمر الربع الأول من العام القادم 2013 من دون اشتعال ثورة جديدة حاسمة للتصحيح ، تضع مصر على الطريق الصحيح ، وإذا حدث ــ وصدق ظني ــ فإنها ستكون ثورة تصحيح لمسار الربيع العربي ، تنعكس آثارها بالضرورة على تونس وليبيا ، وعلى دول عربية أخرى، وعلى ما يحدث في سورية في المقدمة .