القاهرة 16 نوفمبر 2014 الساعة 02:36 م
دخل إلى حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي. قرأ: "أشخاص قد تعرفهم". وجد أيقونة بلا وجه، تشير إلى اسم نسائي، عرّفت، صاحبته، نفسها: "كاتبة قصصية". ولأنه يشاركها نفس المشاعر القلميّة؛ طلب منها قبول صداقته. كان القبول مشروطاً: "الصوت والصورة يمتنعان"!
فكانت لوحة المفاتيح ، وأصابعهما التي تمشي عليه، هي الوسيلة الوحيدة للتواصل، وتبادل رؤيتهما الفكريّة، والقلمية!
ذات يوم كتبت له هذه الرسالة: "إنني في الغد عند الساعة السابعة مساء، سألتحق بالطائرة المتجهة إلى استراليا، كمهاجرة، واتمنى أن أراك في استراحة المطار عند الساعة الرابعة بعد الظهر؛ لنتمكن من الحديث معاً خلال هذه الساعات. أنا سأعرفك من صورتك، وإن كنت اقترح وضع صحيفتنا الإسبوعية المفضلة على الطاولة أمامك؛ حتى أتمكن من الوصول، بيسر، إليك".
كان الوقت لا يزال مبكراً عن موعد اللقاء، فجلس إلى الطاولة، ووضع أمامه الصحيفة الإسبوعية الثقافية، التي يتصادف يوم صدورها مع يوم سفر صديقته التي رافقته على درب الشبكة العنكبوتية!
طلب فنجاناً من القهوة المضبوطة، ومع أول رشفة، راح يتخيل شكل وملامح التي سيلتقيها بعد دقائق ـ وهو الذي لم ير صورتها، ولا سمع صوتها من قبل ـ.
"شكل وملامح !".. ما هذا التفكير؟!. هكذا قال مستدركاً، ليكن منظرها ما يكون؛ فجمال النفس، والروح، والإبداع، لا يضاهيه جمال الجسد، ولا يمنعه الحرمان منه.. ألا يتجلى ذلك في فيروز، سفيرتنا إلى النجوم؟!..، وألم يتأكد لنا ذلك في كوكب الشرق أم كلثوم؟!..
أرتشف قليلاً من القهوة، وهو يسأل نفسه الإمارة بالخيال: يا ترى هل هي متزوجة؟.. إنها لم تشأ يوماً أن تخبرني عن هذا الأمر!.. ولكن ـ قالها معترضاً على اقتحام هذا السؤال على فكره ـ: هل الزواج هو الوسيلة الوحيدة للارتباط الأبدي بين أثنين على علاقة ما؟!..
أليست الأبوّة والأمومة، ارتباط؟!.. أليست الأخوّة، ارتباط؟!.. أليست الصداقة، ارتباط؟!..
وبينما هو منهمك في تصوراته من جهتها، إذا بصوت هادئ، يقول له، مستفسراً: " أستاذ ماهر؟..".
انتفض واقفاً، وهو يقول لها: "أنتِ، بالتأكيد، الأستاذة سوسن!".
ما كاد ينطق باسمها، حتى استفاق على سيدة يبدو على ملامحها أنها قاربت الخمسين من عمرها، ووجها لا ينم عن أنه حمل يوماً جمالاً جسدياً مميّزاً، اللهم إلا جمالها الساكن في قلمها، وفي إبداعاتها!
تحادثا طويلاً، وقد علم منها، انها أرملة منذ تسع سنوات، وانها حُرمت من أن تكون أماً؛ لمشكلة طبية مستعصية، حالت دون ذلك!
وبينما هو يودّعها إلى الطائرة، وجد نفسه يقول لها بمشاعر دفينة، لم يدعها تتعدى أعماقه: "أحبك إنسانة.. أحبك رفيقة.. أحبك فكراً، وإبداعاً.."!...