القاهرة 30 اكتوبر 2014 الساعة 11:10 ص
حاول المرء جاهدا. وفشل في أن يمنع نفسه من المقارنة بين عدوان 28 فبراير 1955 في غزة وشهدائه من جنودنا وجنود سودانيين وفلسطينيين وبين عدوان "كرم القواديس" في سيناء. في يوم الجمعة الماضي 24 أكتوبر 2014. كل منهما عدوان أو معركة محدودة. ولكن يلوح في الأفق أن عدوان 24 أكتوبر ستكون له آثار ونتائج محلية وإقليمية وربما دولية قد لا تقل شأنا عما حدث بعد عدوان 28 فبراير 1955. الليلة التي قال عنها أحد المؤرخين إن عبدالناصر لم ينم فيها حزنا وألما علي أبنائه وشبابه من الجنود والمقاتلين. وفكر ودبر كيف ينتقم لهم. وقد كان.
المقارنات يسوق بعضها بعضا. فليلة الجمعة الماضية لم تكن فقط عشية عيد الهجرة. وبدء عام هجري جديد. بل كانت أيضا ذكري يوم رائع في حرب العبور في 1973. وهو وقفة الجيش والشعب يدا واحدة حققت صمودا بطوليا في السويس في ذلك اليوم. إنه يوم ملحمة السويس التي غيرت بل قلبت حسابات العدو الصهيوني. الذي كانت تستعد رئيسة حكومته "جولدا مائير" ومعها وزير حربها "موشي دايان" لعبور القناة ودخول السويس. خابت التوقعات. واندحر المعتدي. وأصبح 24 أكتوبر يوما خالدا من أيام حرب العبور المجيدة.
هل توقع مجرمو القواديس أنهم يقدرون بإجرامهم وإرهابهم أن يقلبوا صفحات انتصاراتنا إلي وقفات إحساس بالهزيمة؟. خاب ظنهم وإلا لما جاء عدوانهم الأثيم قبل 3 أيام فقط من ذكري لنصر كبير آخر. وهي إغراق المدمرة الإسرائيلية "إيلات" بصاروخ في أول معركة بحرية من نوعها في تاريخ العالم كله.
أكثر من هذا. وقع عدوان القواديس قبل أسبوع واحد من ذكري بدء العدوان الثلاثي البريطاني - الفرنسي - الإسرائيلي في 29 أكتوبر 1956. وهو العدوان الذي شهد نهاية إمبراطوريتين استعماريتين. كانت إحداهما توصف بأنها لا تغيب عنها الشمس.. إنها مصر. من أرادها بسوء قصمه الله.
ونحن نبكي شهداءنا في غدر القواديس. كما نتذكر جميع شهدائنا في جميع حروبنا ونتمني الشفاء العاجل لجرحانا ومصابينا. فإن وقوع عدوان القواديس حين يعيدنا إلي هذه المعارك التي ذكرناها. وانتصاراتنا التي حققناها. يؤكد لكل من يحتاج إلي تأكيد أن مصر ستخرج منتصرة من حربها ضد الإرهاب. مهما طالت هذه الحرب. ومهما كانت خسائرنا فيها. لأننا قادرون شعبا وجيشا علي أن نستنبط من كل معركة دروسها المستفادة. ثم نضع هذه الدروس موضع التطبيق العملي. وبذلك نحقق النصر ونضرب الإرهاب ونقضي علي الإرهابيين. من موقع الإيمان بأنه كلما كان هذا أسرع كان أفضل. حتي لا تكون الحرب ضد الإرهاب عائقا يعطل أو يؤخر مشروعاتنا الكبري التي حددناها. ووضعنا توقيتاتها. وبدأنا العمل فيها فعلا. وفي المقدمة هنا قناة السويس الجديدة والكبري. والتي أدي بدء العمل فيها إلي قلب خطط ومشروعات كان يستعد لها العدو الصهيوني.
عدوان القواديس وإطاره العربي
بالإضافة إلي ما سبق. فإن عدوان القواديس ليست وراءه فقط أحداث تاريخية وعصرية أثارت حقد كل القوي التي يحزنها أن تصحو مصر وتتقدم. بل له أيضا إطار عربي قد لا يقل أهمية وتأثيرا علي مسيرة "مصر 2014" نحو الانطلاق.
إن تزايد وتيرة ونطاق العمليات الإرهابية وامتدادها من سيناء إلي الفرافرة. تزامن مع خطوات مصرية محددة لخنق حرب الإرهاب وحصاد الإرهابيين من ناحية. لتأمين حدود مصر غربا وجنوبا. في الغرب أعلنت مصر بوضوح وقوفها ومساندتها للشرعية في ليبيا الشقيقة. وكانت محادثات رئيس الوزراء الليبي في القاهرة ونتائجها موضع ترحيب وتقدير عربي كبير.. وبالمثل جاء الرئيس السوداني إلي القاهرة وأغلق ولو إلي حين ملف حلايب وشلاتين الذي كان يحاول البعض أن ينفخ فيه عن عمد. لعله يفتح جبهة أخري ضد مصر. ومرة أخري. خابت الخطط وتساقطت الأوهام. مما جعل بعضنا يتذكر عبارة رائعة للزعيم جمال عبدالناصر. وهي: "لن يرفع السلاح المصري في وجه السودانيين. حتي لو دخلوا قصر عابدين". هذه أقوال وأفعال تؤرق وتثير الذين في قلوبهم مرض. فلا يملكون إلا أن يموتوا من غيظهم. أو يندفعوا هائجين لارتكاب جريمة مثل القواديس التي فقدنا فيها حوالي ثلاثين شهيدا من خيرة أبنائنا. الذين لن ننساهم. والذين سنثأر ونقتص لهم. ففي القصاص حياتهم وحياتنا.
أكثر من هذا فإن القوي المتربصة بمصر والتي لا تتمني إلا الشر لأهل مصر. لم تعد ترتاح إلي الكيفية والدبلوماسية الهادئة الواثقة التي أصبحت تتعامل بها مصر مع ملف سد النهضة الأثيوبي وغيره من السدود. صحيح أن الخطر لايزال قائما. وأن الاتفاق لم يتم بشكل تام بعد. إلا أن صحوة مصر 2014 ويقظة قيادتها كفيلتان بإبطال المخططات المدبرة لجرنا إلي معركة حياة أو موت من أجل نصيب عادل من مياه النيل.
هذا وغيره يعني فيما يعني أن مصر تسعي جاهدة كي تخلع العباءة الضيقة القصيرة التي ألبسها إياها علي مدي أربعين عاما الرئيس السادات ومبارك. ولم يكن من قبيل الكلمات المرسلة ما قاله أحد قادة الكيان الصهيوني من أن "مبارك" كان كنزا استراتيجيا لإسرائيل "مصر 2014" لم تعد كنزا لأحد أو لقوة أخري سوي قوة شعبها وجيشها وأمتها العربية.
ملف يجب أن يفتح
معني هذا أن الخطر علي سيناء خطر مزدوج. أو هو خطر واحد ذو رأسين: الإرهاب من جانب. والصهاينة من جانب آخر. ولنتذكر هنا جيدا أن الصهيونية أوسع وأكبر من اليهودية.
منذ قريب قال نائب الرئيس الأمريكي علنا: "أنا صهيوني. إذ يمكن أن يكون المرء صهيونيا دون أن يكون يهوديا". وهذه أول مرة فيما أظن. يعلن فيها مسئول أمريكي من هذا المستوي مثل هذا الموقف منذ إنشاء الكيان الصهيوني. أما هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق فلم يكن في حاجة يوما لأن يخفي صهيونيته.
وإذا نظرنا إلي حرب الإرهاب والحرب ضد الإرهابيين ومن يساندونهم. في إطار شبه جزيرة سيناء فقط. فإنه يجب أن ننظر للخطر الصهيوني علي سيناء وكأن خطر الإرهاب غير موجود وفي الوقت نفسه يجب أن نتعامل ضد خطر الإرهاب وكأن الخطر الصهيوني غير موجود. والأفضل في جميع الأحوال والحالات أن نحسب حساب الخطرين معا. ففي كل شر ومن صالحنا أن نسعي ونعمل ونخطط سرا وعلنا لضرب أحد الخطرين بالآخر. ربما بدا للبعض أن خطر الإرهاب طارئ ومؤقت. لكن مخططاته خبيثة إلي أبعد الآماد.
أما الخطر الصهيوني علي سيناء خاصة فإنه قديم قديم. وقد يكون أصلا من نتاج عقليات "الصهيونية غير اليهودية".
ولما كان ذلك كذلك فإننا بكل الصراحة والوضوح أصبحنا في حالة تستدعي العمل من أجل ليس تعديل الملحق الأمني لمعاهدة مارس 1979 فقط. بل وإلي تعديل المعاهدة نفسها. وهذا متاح لنا طبقا لقواعد القانون الدولي. وهناك اجتهادات فقهية عميقة في هذا الخصوص. يجب أن تطرح علنا. وأن يتبلور حولها رأي عام قوي يري في هذه المراجعة المدخل الصحيح لكسب الحرب ضد الإرهاب في سيناء.
صفحة أخري من تاريخ مصر وسيناء
منذ أسابيع قليلة تحدثت هنا عن "لقاء الرحلة" الذي عقده الصليبيون قبل فتح القدس. وعلي الرغم من قراءاتي في حروب الفرنجة وما تحفل به مكتبتي المتواضعة من كتب في هذا الموضوع. فإني قد وقعت منذ أيام معدودة علي صفحة أجهلها من تاريخ مصر وسيناء. بعد نهاية الحروب الصليبية. والمفاجأة هنا مضاعفة. لأن ما وقعت عليه جاء في مقدمة لكتاب مصري عن سيناء. نشره أو بالأدق أعاد نشره "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" الذي أنشأته وتموله قطر. والذي تحدثت هنا عنه منذ أسابيع باسم مركز عزمي بشارة!!
الكتاب هو "سيناء المدخل الشرقي لمصر" للأستاذ الدكتور عباس مصطفي عمار. وقد صدرت طبعته الأولي في ..1946 ندع هذا كله الآن. ونقف قليلا عند المقدمة التي كتبها الأستاذ وليد نويهض بدوي وجاء فيها المفاجأة التي أشرت إليها. وملخصها أنه بعد فشل الحروب الصليبية. كلفت الكنيسة البابوية المؤرخ "مارينوسانتو" بوضع كتاب عن تلك الحروب يجيب عن سؤالين: لماذا فشلت؟ وما الاقتراحات التي يجب اتباعها للوصول إلي النجاح؟ وضع سانتو موسوعة من 13 مجلدا. أهمها المجلد الأخير الذي جاء فيه أن السبب الرئيسي للفشل في مسار الحملات التي تركزت جغرافيا علي احتلال ساحل بلاد الشام. وأهملت مصر التي تشكل قاعدة جغرافية وسكانية للمنطقة. وتحتوي علي أكبر خزان بشري يغذي بلاد الشام باحتياط من الجيوش القادرة علي الحماية أو التصدي أو قيادة المواجهة. ووضع "سانتوس" مشروعا لأوروبا إذا قررت استئناف المواجهة. تركز المشروع علي تصويب جغرافيا الحملات فاقترح أن تعطي مصر الأولوية. وبعدها تنطلق الهجمات من سيناء لاحتلال فلسطين والسيطرة علي القدس. السؤال هنا: إلي متي سنظل ونجهل ونهدر قيمة سيناء. التي يجب أن نعرفها كما نعرف أكفنا؟. واسلمي يا مصر.