القاهرة 30 اكتوبر 2014 الساعة 11:09 ص
كان جمال عبدالناصر - رحمه الله - يقول. إنني أقرأ صحف أعدائنا كل صباح. وأستمع إلي إذاعاتهم. واليوم الذي لا أجد فيه هجوما علينا أشعر بالحزن. لأن هجومهم يعني أننا علي الطريق الصحيح.
وبنفس المنطق. فإنه لو لم تقع جريمة تفجير كمين كرم القواديس العسكري بشمال سيناء في هذا التوقيت. وبهذا الحجم. لكان معني ذلك أن هناك "خطأ ما". إما في تفكير أعدائنا وتدبيرهم ضدنا. أو من جانبنا وفي مسيرتنا.
هل نسينا أننا في شهر أكتوبر. الذي قهرت مصر بجيشها وشعبها أعداءها خلاله قبل واحد وأربعين عاما. وحققت لنفسها وللعرب أكبر انتصار عسكري في تاريخهم.
أعداؤنا لا ينسون. وما أكثر ما سعوا علي امتداد تلك السنين - علي كثرتها - لكي يحولوا أفراحنا بالنصر في هذا الشهر إلي أحزان. سواء بأيديهم. أو بأيدي عملائهم. وأن تستهدف الضربة الجيش الذي قهرهم.
وما كان لنا أن نتوقع أن ينتهي أكتوبر هذا العام دون أن يكرروا مسعاهم. ويتركوا عليه بصمتهم.
وأما حجم الجريمة. فبحجم ما في صدورهم من غل من مصر. وما تحققه مصر الآن بالتحديد.
هل كنا نتصور أن أعداءنا سعداء. أو سيسكتون علينا. ونحن ننظم في أكتوبر هذا العام بالذات أضخم عرض عسكري نوعي منذ العرض العسكري الذي لم يكتمل واغتيل فيه الرئيس السادات في أكتوبر 1981. وأن يستعرض فيه الجيش المصري. وبمشاركة عربية. قوة وحداته. وكفاءة رجاله. وتطور أسلحته. وارتفاع مستوي تدريبه. أرضا وبحرا وجوا؟!
هل نتصور أن أعداءنا سعداء. أو سيسكتون علينا. وهم يرون جيش مصر يقوم في هذا الشهر بالذات بأكبر مناورة عسكرية منذ نحو 18 عاما. هي "المناورة بدر 2014" تشارك فيها تشكيلات من كل أفرعه الرئيسية. وتظهر فيها أحدث أسلحته. وتستخدم الذخيرة لاحية. وتعمل وفق تصورات ميدانية لمجابهة كافة التهديدات. علي كافة الجبهات!!
بل ولا يكتفي جيش مصر بذلك. وإنما يرسل تشكيلات منه لتشارك في تدريبات خارجية مع جيوش دول شقيقة مثل الإمارات والسعودية. في ذات الوقت الذي يؤدي كامل مسئولياته ومهامه في مواجهة الإرهاب في المداخل وعلي الحدود في مختلف الاتجاهات!!
لابد من النيل من هذا الجيش.. هذا هو القرار الطبيعي لأعدائنا.. لابد من "كرسي في الكلوب" يطفئ هذا الوهج.. لابد من رسالة تقول للمصريين: هذا جيشكم الذي ينظم أضخم عرض عسكري. ويقوم بأكبر مناورة. ويستعرض قوته لا يستعصي علينا.. ونستطيع ضربه.. لا تثقوا في أنه سيحميكم. فهو لا يستطيع حماية نفسه.
وكانت جريمة "كرم القواديس" هي هذا كله.. بالنسبة للجيش.
لكن الجيش ليس هو فقط ما يوجع أعداءنا ويقض مضاجعهم اليوم.
إنها مصر.. كل مصر. شعبا ودولة وقيادة وحلما ومشروعا.. إنها تسبح. وبقوة وعزم. ضد التيار الذي يراد له أن يكتسح المنطقة بأكملها.
ما تقوم به مصر. لو انتبهنا إليه كما ينتبهون. له العجب.. وهي تذهلهم بتحركاتها. وكلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله بأيدي المصريين وقيادتهم.
العالم العربي كله يجري "هدم" بعض دوله. و"تنكيس" البعض الآخر توطئة للهدم. بينما مصر تبني في كل الاتجاهات.. تبني نظاما سياسيا. واقتصادا قويا.. وتحلم بوطن حر ديمقراطي مستقر ومزدهر. بل وتعمل لإنقاذ أشقائها من السقوط.
يضعون مصر في حالة حرب عاتية ضد إرهاب داخلي وخارجي. بهدف تعطيل استكمال خارطة المستقبل بالانتخابات البرلمانية. وإسقاط مؤسسات الدولة القائمة. وتركيع الاقتصاد بالتكلفة الإضافية الباهظة لهذه الحرب. وخنقه بوقف أو تعطيل المساعدات فإذا بمصر تفاجئهم من وسط هذا الركام بإطلاق مشروع قناة السويس الجديدة. وإذا بالشعب الذي يعاني من أجل الحصول علي احتياجاته الأساسية يقدم لقيادته في أسبوع واحد 64 مليار جنيه لتمويل المشروع. وإذا بالدولة تؤكد تصميمها علي إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها وتتعهد بتأمينها وحمايتها.
يحاولون إشعال الجبهة الغربية لمصر علي حدودها مع ليبيا. ويفجرون كمين الفرافرة. فإذا بمصر تبذل مع أشقائها من دول الجوار الليبي جهدا خارقا من أجل. ليس فقط إطفاء هذا الحريق. أو احتواء الموقف علي الحدود وتأمينها. بل بدعم ومساندة السلطة الشرعية في ليبيا للحفاظ علي وحدة الأراضي الليبية وتحقيق أمن واستقرار دائمين للشعب الليبي.
يسعون لتكرار محاولات الوقيعة بين مصر وأثيوبيا في ملف مياه النيل. وبين مصر والسودان في ملف حلايب وشلاتين من أجل إشعال الجبهة الجنوبية لمصر وتشتيت فكر وجهد مصر السياسي والعسكري ما بين الجبهات. فإذا بمصر تنجح. ليس فقط في نزع فتيل الأزمتين. بل وفي التوصل إلي إطار متفق عليه للتعامل في كل ملف. وتحويل كل أزمة إلي نقطة انطلاق لعلاقات إيجابية تعود بالنفع علي كل الأطراف.
يعملون من أجل تشويه صورة مصر أمام العالم الخارجي. وتحويل حكومات العالم والرأي العام العالمي ضد مصر. فإذا بالظهور العالمي الأول للقيادة المصرية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة يحبط تدبيرهم. وينقل للعالم. حكوماته وشعوبه. صورة مصر الجديدة الحقيقية. ويفتح آفاقا هائلة أمام علاقات دولية إيجابية لمصر. لها مردودها الآن وفي المستقبل في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
مصر الآن فعلا - لمن يقرأ الأحداث والتطورات جيدا - تحير أعداءها. بل وتذهلهم.. تخوض في وقت واحد كل أنواع الحروب التي يفرضونها عليها.. تتحرك بقوة وعزيمة في كل الاتجاهات رغم كل السلبيات والمعوقات.. تسعي لتحويل كل نار يشعلونها إلي نقطة ضوء.. وتبني مكان كل طريق يقطعونه عليها جسرا جديدا متينا من التواصل.
وأعداؤنا يحفظون التاريخ جيدا. وهم لا يعملون علي اللحظة الراهنة. بل علي المستقبل أيضا. والتاريخ الذي يحفظونه يقول. إن مصر إذا اتحدت فلن يهزمها أحد.. وإذا انطلقت فلن يوقفها أحد.
وهذا ما يثير رعبهم.
وفي هذا الإطار فقط. وفيه وحده. يجب النظر إلي جريمة "كرم القواديس" وتوقع ما يمكن أن نواجهه في قادم الأيام.
هي جريمة كبيرة.. نعم.. فبالعاطفة الوطنية والإنسانية. لا شيء في الوجود يعادل دم شهيد من رجالنا.. فما بالنا وعدد الشهداء تخطي الثلاثين من أغلي الرجال.
لكنها بالحساب السياسي البارد. قياسا علي ما نقوم به الآن. وعلي الحلم المصري بالمستقبل. لن تكون أكثر من "شكة دبوس" في قدم عملاق.
تؤلم؟ نعم.. توقف المسيرة؟! أبدا بل تسرعها.
إنهم لا يردون بها علي مقتل العشرات من إرهابييهم. أو هدم العشرات من أنفاقهم. أو نسف مخازن ذخيرتهم ومستودعات متفجراتهم.
ذلك هدف وقتي صغير.. جولة أو معركة في حرب طويلة. ثلاثية الهدف: كسر الإرادة - ضرب الحلم أو المشروع.. ثم إسقاط الدولة.
والحروب دائما لا تقاس بنتيجة جولة أو معركة. بل بالمحصلة النهائية. التي يحسمها الأكثر صمودا.. الأطول نفسا.. الأكثر تمسكا بحلمه وهدفه وقدرة علي الدفاع عنه.
سنواجه في قادم الأيام ما هو أكثر كلما تحركنا نحو حلمنا بخطوات أسرع.. وعلينا أن نكون مستعدين لدفع الثمن.. فلا أحد منا يعرف كم شهيد سقط في حرب أكتوبر 1973. ولكننا نعرف فقط أن أرواحهم ودماءهم هي التي حررت الأرض والإرادة وحققت النصر.
"ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين"
صدق الله العظيم