القاهرة 23 اكتوبر 2014 الساعة 01:53 م
يوم الخميس الماضي. أغلق "مركز كارتر للديمقراطية"الذي أسسه ويشرف عليه في أمريكا الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر مكتبه في القاهرة الذي انشأه بعد ثورة 25 يناير 2011 وأعلن انه لن يشارك في متابعة الانتخابات البرلمانية القادمة.
قرار الإغلاق جاء مسببا.. فمن وجهة نظر المركز حسب البيان الذي أصدره هناك قيود تفرضها الدولة المصرية علي الحريات وتضييق علي أنشطة المجتمع المدني والأحزاب السياسية. فيما يتعلق بحق هذه المنظمات والأحزاب في التنظيم والتجمع والتعبير وان استمرار هذا الوضع يخلق مناخا لا يساعد - من وجهة نظر المركز - علي إجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة.
لا أناقش المركز في قراره.. فهو حر في أن يستمر في عمله بمصر أو يتوقف. رغم ان هناك الكثير الذي يمكن أن يقال حول طبيعة الدور الذي يقوم به في مصر وانحيازاته السياسية.
يكفي فقط أن نذكر أو نتذكر موقف المركز ما بين الانتخابات الرئاسية المصرية التي أجريت بمشاركة جماعة الاخوان عام 2012 والانتخابات الرئاسية التي أجريت بدونهم عام .2014
في الانتخابات الأولي جاء الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر بنفسه علي رأس بعثة مراقبة من المركز واجتمع بمرشد الجماعة الدكتور محمد بديع وأركان مكتب الارشاد وعرضت عدد من القنوات الفضائية لقطات للحفاوة التي قابل بها قادة الإخوان الرئيس الأمريكي الأسبق ثم لقطة لكارتر في نهاية الاجتماع وهو يسلم الدكتور بديع ورقة. ينظر فيها بديع ثم يبتسم ابتسامة عريضة ممتنة وهو يدس الورقة في جيبه ويودع كارتر بحرارة.
لا أحد كشف عن مضمون هذه الورقة مما اتاح لبعض المواقع ان تربط بين هذه اللقطات. وبين تأكد الإخوان من فوز مرشحهم الرئاسي الدكتور محمد مرسي واستباق الذراع القضائي للجماعة الممثل فيما سمي "قضاة من أجل مصر" لوقائع الانتخابات واعلانهم فوز مرسي قبل أن تعلن اللجنة العليا للانتخابات النتيجة الرسمية بل قبل انتهاء عملية فرز الأصوات.
أما في الانتخابات الثانية فلم يحضر كارتر.. بل ورفض أن يشكل المركز بعثة مراقبة واكتفي بارسال عدد من خبراء المركز للمتابعة. هذه نقطة
النقطة الثانية أنني لا أريد أيضا مناقشة الأسباب التي ساقها المركز في بيانه لتبرير قراره بالغلق.. فهذه الأسباب لا تتعلق برأي المركز وحده بل تعكس بدرجة أو أخري رأي الادارة الأمريكية نفسها فيما يجري في مصر ولا تكف السيدة جين بساكي المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية عن ترديدها في مؤتمراتها الصحفية اليومية كلما سئلت في ذلك وهي ذات الأسباب أيضا التي استخدمتها الادارة الأمريكية لتبرير تعليق المساعدات العسكرية لمصر.
ما أريد الحديث عنه تحديدا في هذا الموضوع كله هو الآتي: انه في الوقت الذي كانت وزارة الخارجية المصرية تصدر بيانا علي لسان متحدثها الرسمي الدكتور بدر عبدالعاطي. ترد فيه علي بيان مركز كارتر وتفند ما ساقه في أسباب الغلق. كانت جهات أخري في نفس الحكومة المصرية تمضي في اتجاه معاكس تماما. وتتخذ إجراءات تقدم بها لمركز كارتر بل وللعالم كله دليلا عمليا دامغا علي صدق ما سجله من أسباب وكذب وزارة الخارجية المصرية في الرد عليه.
* مثلا.. وزارة الداخلية المصرية تقدمت ببلاغ للنيابة تم الكشف عنه في ذات التوقيت ضد صحيفة "المصري اليوم" تتهمها فيه بخرق حظر النشر في قضية تزوير الانتخابات الرئاسية عام 2012 والتي لم يصدر القضاء حكمه النهائي فيها بعد. وجري استدعاء رئيس تحرير الصحيفة ومحررها المسئول واخضاعهما لتحقيق مطول أمام النيابة المختصة قبل إخلاء سبيلهما وتوجيه عدة اتهامات لهما علي رأسها "سرقة" أوراق قضية من المحكمة.
وكان طبيعيا أن تلقف الجريدة الموضوع وتحوله إلي قضية رأي عام بالمانشيتات علي مدي ثلاثة أيام دفاعا عن موقفها وعن حرية الصحافة.
هنا أيضا لا اتحدث في "موضوع" القضية أو الاتهام ولكن عن "توقيت" الإجراء. الذي أسقط في حجر مركز كارتر والإدارة الأمريكية شهادة فورية بصدق ما يقوله المركز عن قيود علي الحريات وتضييق علي وسائل الإعلام وحرية التعبير.
* مثلا.. قرار في توقيت متزامن أيضا مع بيان مركز كارتر. أصدره وزير العدل أو رئيس الحكومة - لا أذكر - بتشكيل لجنة حكومية لصياغة التشريعات الصحفية والإعلامية. من وزيرين سابقين وثالث حالي. بعيدا عن المجلس الأعلي للصحافة ونقابة الصحفيين ودون استطلاع رأيهما.
وهذا القرار فوق انه مخالف للدستور الذي ينص في مادته رقم 77 علي أن يؤخذ رأي النقابة المهنية في مشروعات القوانين المتعلقة بها. فيه استفزاز غير مبرر للجماعة الصحفية واستعداء لها في توقيت لا يتطلب ذلك وفي وطن لا يحتمله.
ولقد احتاج رئيس الحكومة لجبر الآثار التي ترتبت علي هذا القرار إلي استقطاع جزء من وقته للقاء رئيس المجلس الأعلي للصحافة ومعه نقيب الصحفيين. وإلي توضيح ان اللجنة المذكورة لن تضع التشريعات الصحفية والإعلامية. بل فقط ستضع الصياغة القانونية للمشروعات التي يتقدم بها الصحفيون والإعلاميون وإلي تشكيل لجنة جديدة موسعة من ممثلي المهنة لهذا الغرض.
ولا أريد ان اتجاوز أو اشتط في التعبير واقول ان مركز كارتر أو أي جهة أخري مماثلة لو كان قد كلف أحدا أو جهة ل "التخديم" علي قراره بغلق مكتبه في مصر. واخراج القرار عبر وقائع "طازجة" تضاعف مصداقيته. لما حصل من هذا الفرد أو الجهة علي أكثر مما تطوعت الحكومة المصرية ذاتها بتقديمه له مجانا. وكان يمكن تفادي ذلك بسهولة. وكانت البدائل متاحة.. ولو كنت من المركز لأرسلت برقية شكر للحكومة المصرية علي تعاونها.
لقد كنا نعيب علي حكومات عهود سابقة. انها كانت حكومات "الجزر المنعزلة" كل وزير فيها يعمل في واد.. ولم يكن ذلك اتجاها شخصيا من الوزراء بقدر ما كان نتيجة غياب "رؤية شاملة" طويلة وقصيرة المدي للحكومة بأكملها.
وقد سقطت هذه العهود. لكن يبدو ان عدواها انتقلت إلي الحكومة الحالية أو ان العمل بسياسة الجزر المنعزلة هو "عيب خلقي" في الادارة المصرية لا سبيل إلي الشفاء منه.
ليذهب كارتر ومركزه إلي الجحيم.. لا مانع.. لكن لتبق لهذه الحكومة التي تبذل جهدا هائلا غير منكور. وتجتهد في العمل الوطني ما وسعها الاجتهاد رؤية شاملة تجمعها علي هدف واحد هو مصلحة مصر بوعي كامل بكل الابعاد حتي لا تقع في مثل هذه التناقضات.
وهذا دليل.. محلي
الفيديو الذي عرضه الزميل وائل الإبراشي هذا الأسبوع في برنامجه "العاشرة مساء" لمحافظ الاسكندرية وهو يمشي في طرقة مبني مهجور اتضح انه مستشفي الطواريء بسموحة. وينادي بأعلي صوته: يا مستشفي.. أنا المحافظ.. فلا يرد عليه أحد ولا يسمع الا صدي صوته. يعبر عن حالة من حالات الانفصال أو الانعدام في الادارة كما في الوزارة.
فالمستشفي افتتحه رئيس الوزراء بصحبة المحافظ قبل أسبوعين.. والمفترض انه مع مغادرة رئيس الوزراء للافتتاح أصبح المستشفي من الناحية المحلية في عهدة المحافظ وتحت مسئوليته وعليه متابعته.
لكن المحافظ - فيما يبدو - اعتبر ان مسئوليته انتهت بالظهور في حفل الافتتاح إلي جانب رئيس الوزراء ولذلك لم يدر ان المستشفي أغلق أبوابه فور انتهاء الاحتفال ولم يعمل حتي مر أكثر من أسبوع علي هذا الحال ووصل الخبر إلي رئيس الوزراء من مواطن يبدو انه يشارك المحافظ رؤيته. واضطر رئيس الوزراء.. ليس لسؤال المحافظ أو اخطاره. ولكن لارسال مندوب من رئاسة الوزراء إلي الإسكندرية للتحقق من الأمر أولا.. فلما وجده صحيحا. اتصل بالمحافظ وطلب التحقيق.. وهنا فقط تحرك المحافظ. وظهر في الفيديو الفضيحة وكأنه ينادي في صحراء: عيل ضايع ياولاد الحلال.
العمل في الحكومة ومع المحافظين في حاجة - بالمفردات العامية - إلي "تظبيط" حتي لا تتبدد جهود الجميع.
من أجندة الأسبوع
** الاعدامات المتكررة التي يقوم بها تنظيم "داعش" لأعضاء فيه بتهمة الخيانة والعمالة لدول التحالف وامدادهم بمعلومات وصور عن تحركاته ومواقع تمركزه تسهل لطيران التحالف ضربه.. تؤكد انه ليس من نوع التنظيمات العقائدية الحديدية المحكمة بل هو تنظيم فضفاض لا ولاء لبعض أعضائه لدين أو عقيدة ويسهل اختراقه وتجنيد أعضائه لصالح أي جهة وبالتالي تسهل هزيمته.