القاهرة 23 اكتوبر 2014 الساعة 01:45 م
مؤتمر حاشد ومحتشد بالمسئولين والإعلاميين والأكاديميين وبعض الفنانين أقامه صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي تم وضع الدراما التليفزيونية في قفص الاتهام باعتبارها أكثر الوسائل المؤثرة علي المشاهد المصري وبالتالي علي سلوكه فيما يخصي الظواهر السلبية في المجتمع وعلي رأسها تعاطي المواد المخدرة.. والمؤتمر دعت إليه وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي فالصندوق يتبع الوزارة.. وكانت المفاجأة هي دراسة لمسلسلات شهر رمضان 2013 وصدرت في كتاب قدم بالتفصيل الشديد المعالجة الدرامية لمسائل التدخين وتعاطي المخدرات وإدمانها في 34 مسلسلا تليفزيونيا عرضت في رمضان من العام الماضي وساهم في كتابتها نخبة من كتاب الدراما التليفزيونية يمثلون ثلاثة أجيال أو أكثر. كما ساهم في إخراجها أيضا نخبة من مخرجي هذه الدراما القادمين من السينما أو أبناء دراما التليفزيون بالأساس بالإضافة طبعا للعاملين في كل التخصصات الأخري. خاصة الممثلين والممثلات الذين يوصلون مباشرة رسائل العمل عبر الأداء وبالتالي هم أكثر من يواجه المشاهد بالتدخين والتعاطي.. إلخ.
غير أن الكتاب يكشف دراسات سابقة أجراها الصندوق حول نفس الموضوع عامي 2010. 2011. وكان أحد أهدافه هذا العام هو معرفة التغيير في حجم اهتمام الدراما بهذه القضية من عام لعام. وهل هناك تغيير فني في طرق التعبير عبر أساليب المعالجة من خلال مؤلفي الدراما والقالب الدرامي الذي وضعت خلاله قضايا التدخين والتعاطي. ثم ملاحظة "صورة المدخن" ذاته. وصورة المتعاطي والمدمن وهل جد عليها جديد سواء في بناء الشخصية أو تطورها من حلقة لأخري وبالطبع فإن الرصد يتتبع معرفة كيف قدمت المسلسلات أيضا أساليب التدخين عبر شخصياتها والأنواع المؤثرة علي الحالة النفسية لدي أبطال الدراما. وهل تغيرت عن الماضي القريب.
وأين المدخنون في السينما المصرية؟!
من جهة أخري فقد بذل المشاركون في هذه الدراسة جهدا كبيرا في تقصي ما يخص القضية من كافة جوانبها عبر المسلسلات وكأنهم يوازون أو يساوون بين الصورة والأصل. والأصل طبعا هو المجتمع والحياة التي يأخذ منها المؤلفون والكتاب القصص والشخصيات ليعيدوا تقديمها عبر الدراما التليفزيونية وأيضا عبر السينما.. لكن. لسبب لا أدريه لم يستكمل المسئولون عن هذه الدراسة الصورة الدرامية كاملة فيحللون أيضا أفلام السينما المصرية عن أعوام 2010. 2011. 2013 وساعتها سوف تصبح الصورة أوضح بكثير. فالسينما هي الفن الأقدم في العالم وفي مصر. والسينما المصرية قدمت هذه القضايا كثيرا. وعدد الأفلام التي تنتج سنويا الآن قليل وأقل بكثير من عدد المسلسلات وهو ما يعني أن جهد الباحثين الكبير سوف يكتمل بيسر في حالة المقارنة بين السينما والتليفزيون ولا توجد حجة في انتشار التليفزيون أكثر فالسينما تعرض في أغلب قنوات التليفزيون وربما كان إجراء البحث علي الأفلام بجانب المسلسلات مهما لأمرين الأول هو تقديم صورة أكثر شمولية لفن الدراما الأكثر تأثيرا في جزءيه. والثاني هو أن قالب الفيلم السينمائي محدود المدة يسمح بتركيز القضية وبالتالي يصبح التعامل مع قضايا التدخين والإدمان من خلال السينما أكثر فاعلية لدي الدارسين ومع ذلك فإن أهداف الدراسة في جزء منها يخص مدي إظهار دراما التليفزيون لعملية تعامل المدخن والمتعاطي مع غيره من الناس أكدت علي وجود بعض الجوانب المضيئة في عملية التوعية بأخطار تعاطي وإدمان المخدرات بجانب الجوانب المظلمة الغالبة علي الدراسة.. لكن ما هو مؤسف بالفعل هو أن الدراسة كشفت عن ارتفاع كبير في عدد مشاهد التدخين والتعاطي في مسلسلات 2013 لتصل إلي "2988" مشهدا مقابل "2047" عام 2010 و"2071" عام 2011 كما ارتفعت المدة الزمنية لمشاهد التدخين لتصل عام 2013 إلي 103 ساعات تقريبا بينما كانت 54 ساعة عام 2010 و71 ساعة عام 2011 أي تضاعفت. وتفرق الدراسة هنا بين مشاهد التدخين ومشاهد التعاطي وأيهما أكبر وزمن المشهد.
من الكبير قوي.. إلي نظرية الجوافة
وعلي الرغم من ارتفاع نسبة المسلسلات التي تناولت أضرار التدخين في عام 2011 والتي وصلت إلي 20% من العدد الكلي بينما كانت النسبة تقل عن الثلث قبلها بعام واحد. فإن عام 2013 سجل انخفاضا وتراجعا عن هذا التناول الإيجابي للقضية بنسبة 8.8% أي ثلاثة مسلسلات فقط من 34 مسلسلا ولتصبح الصورة غير مريحة ولا مقبولة في فن جماهيري بالدرجة الأولي كان يسمي "دراما الأسرة" ذات يوم. فأكثر من 60% من مسلسلات رمضان في العام الماضي لم تتناول قضايا التعاطي والإدمان وإنما اكتفت فقط بعرض مشاهد لها. بينما تناولت هنا 9 مسلسلات مقابل 4 تجاهلت القضية تماما وهذا هو الجانب الإيجابي في رأي الدراسة أن مسلسلات مثل "اسم مؤقت" و"الكبير قوي" و"نظرية الجوافة" و"ونيس والعباد وأحوال البلاد" ابتعدت تماما عن التدخين والتعاطي والإدمان ضمن أحداثها وتمضي الدراسة في تحليل صورة المدخن أو المدمن والبيئة التي ينشأ فيها والجو المؤثر عليه وكيف يؤثر هو علي الآخرين.. ثم ردود الفعل تجاهه داخل العمل بالطبع وليس خارجه.
والمدخنة المصرية ظهرت في الصورة
ولعل من أهم وأطرف أجزاء الدراسة ما يخص الحالة النفسية والمزاجية التي يبدو عليها الأشخاص أثناء التدخين والأعمال التي يمارسها المدخن أو المتعاطي والأماكن التي يختارها للتدخين والبشر وحيث أظهرت أنه في عام 2010 كان الشاب يدخن وحده خوفا واحتراما لأبيه. لكنه أصبح يدخن أمامه عام 2013 وهو ما أكدت الدراسة علي أنه تغيير في المعتقدات والتطورات الاجتماعية نحو التدخين للدرجة التي أصبح البعض يري في المدخن رجلا ناجحا ومؤثرا.
أيضا سجلت الدراسة صعود صورة "المدخنة" المصرية بعد أن كان التدخين مقصورا علي الرجال. لكن الدراما سجلت من خلال الدراسة ارتفاع نسبة السمات الإيجابية للمدخنين في هذه الأعوام وبالتالي يساهم هذا في اعتبارهم قدوة لدي جانب من المشاهدين.. لم يترك البحث أمرا يخص التدخين والتعاطي كما تقدمه المسلسلات بدون التعرض إليه. لكنه أيضا أتاح مساحة لإضافة مزيد من المعلومات حول القضية من خلال بعض الكلمات لضيوف الندوة مثل د. طارق الكاشف أستاذ علم النفس الذي أعلن أن التدخين يجتذب سنويا 6 ملايين شخص وأن مصر الآن بها 15 مليون مدخن و3 ملايين مدخن وأننا نحرق 36 مليار جنيه سنويا علي هذه الأصناف. بينما أكد الفنان محمد صبحي أن السينما والدراما ليس عليها أن تنقل الواقع بقبحه الشديد وبكل ما فيه من شرور. وبرغم ما يحمله أغلب الحاضرين للفن من مسئوليات إلا أن أحدا لم يطالب بدعم الفن لكي يقوم بدوره.
ومازال النيل يجري
في التسعينيات من القرن الماضي كان للدراما التليفزيونية دور مهم في التعامل مع القضايا التي تؤرق المجتمع وكانت هيئة الاستعلامات هي الجهاز الذي تعاون مع التليفزيون لإنتاج مسلسل عن تنظيم الأسرة بعنوان "مذكرات طبيبة" بطولة كريمة مختار. ثم مسلسل ثان عن ظاهرة الزواج المبكر في الريف ودور رجل الدين المستنير في هذا وهو "مازال النيل يجري" تأليف أسامة أنور عكاشة وإخراج محمد فاضل والذي حقق نجاحا كبيرا.. الآن في وسع مركز علاج الإدمان أن يساهم في إنتاج أعمال درامية ضد التدخين والإدمان ويشكل فكرياً وفنياً عالياً.. لأنه من الصعب أن يوافق منتج تليفزيوني علي إنتاج مسلسل من أجل هذا الهدف أساسا. ولا نصفه.. ومع ذلك فإن ما قدمه المركز جدير بالتقدير والاحترام.