القاهرة 21 اكتوبر 2014 الساعة 02:19 م
• المفارقة العجيبة أن الجريمة التي أوحى بها السيناريو لم يكن لها وجود ووجدنا أنفسنا أمام جريمة أخرى !
عندما يحتل فيلم «واحد صعيدي» المركز الثاني في شباك إيرادات أفلام عيد الأضحى المبارك،بعد نجاحه رابع أيام العيد في حصد 1.4 مليون جنيه،لتصل إجمالي إيراداته إلى 6.3 مليون جنيها مصرياً؛فإن المرء يُصاب بصدمة ممزوجة بخيبة الأمل؛ فالفيلم يفتقر إلى المقومات الفنية والإنسانية التي تؤهله لحصد الإيرادات،وانتزاع الإعجاب،بل يمكن القول إنه «دعابة سخيفة» لا تخلو من عنصرية،وتتسم بغلظة شكلية وحركية،وارتجال يعكس قدراً لا بأس به من العشوائية !
دعاية الفيلم تُشير إلى أن القصة كتبها أحمد جمال بينما صاغ السيناريو والحوار عبد الواحد العشري،لكن «التترات» تكشف أن ثمة معالجة سينمائية كتبها لؤي السيد،وكلها أسباب تبدو كافية لتبرير الفوضى الدرامية التي سادت الفيلم، فضلاً عن السذاجة الواضحة في بناء مواقف لا رابط بينها،عبارة عن «اسكتشات» بطلها محمد رمضان الذي يؤدي دور الشاب الصعيدي «فالح»،الذي نال ليسانس الحقوق،بعد سبع سنوات من الدراسة،وهجر قريته في أسيوط (جنوب مصر) إلى القاهرة ليحقق طموحاته،لكنه يفشل في العمل في مغسلة ثم مطبخ فندق سياحي بالعين السخنة،ولأنه كان يتمنى لو أصبح ضابط مباحث يلبي صاحب الفندق رغبته،ويضمه إلى طاقم الأمن،وبالمصادفة البحتة يعلم بأمر جريمة قتل يتم تدبيرها في الخفاء للتخلص من نزيلة اسمها «سماح»،ويعيش مغامرة البحث عن القاتل وسط حالة من التندر به،والسخرية،من المحيطين به،وعلى رأسهم صاحب الفندق ـ سامي مغاوري ـ الذي وافق على تعيينه مجاملة لقريبه النائب ـ عبد الله مشرف ـ الذي سيسهل له الاستيلاء على قطعة أرض متميزة في سهل حشيش !
تراجع الحس الساخر
فضلاً عن الشكل الواقعي الذي ظهر به الصعيدي «فالح» بالجلباب والشعر الخشن الذي تغطيه الطاقية الصعيدية المعروفة، يبدأ الفيلم بلقطات طريفة لا يغيب عنها الحس الساخر؛مثل وضع لوحة معدنية بأرقام مرورية على ذيول الحمير،كالتي توضع على السيارات،وتخصيص موقف Parking للحمير بجوار المقهى الذي كتب عليه On the Ter3a ،بينما تُحيلك الموسيقى،التي وضعها مصطفى الحلواني،إلى عالم شارلي شابلن،غير أن هذه المقدمة خفيفة الظل تنقلب إلى كابوس مع انتقال «فالح» إلى العاصمة؛حيث يلجأ المخرج إسماعيل فاروق إلى تكريس الصورة الذهنية المقيتة للصعيدي الساذج،الذي يظن أنه «فهلوي»،ويجتر «الكليشيهات» القديمة،التي اعتدناها في بدايات عادل إمام،وتضيع الحدود الفاصلة بين اللهجة الريفية واللهجة الصعيدية،فضلاً عن استغلال وجود الكاميرا (تصوير رءوف عبد العزيز ومحمد عزمي) في الفندق السياحي لتقديم فاصل فج من استعراض أجساد السائحات العاريات !
الجهل الصارخ بقانون الدراما من جهة،والخيال الكسيح من جهة أخرى،كانا سبباً في ظهور كاتب السيناريو،ومن بعده واضع المعالجة السينمائية،بمظهر البليد قليل الحيلة،بدليل إطلاق اسم «سماح» على ثلاث نزيلات بالفندق لإضفاء مزيد من الإثارة والغموض والتشويق على جريمة القتل،وافتعال معارك وهمية مع المشتبه فيهم،فالأولى (نيرمين ماهر) تغني في الفندق،وتعاني من طليقها «وسيم» ـ أحمد التهامي ـ الذي خلعته،وتخشى تصرفاته الحمقاء،والثانية (راندا البحيري) جاءت مع صديقتها (ميار الغيطي) للاستجمام،بعد احتدام الخلاف مع صديقها «كريم» (محمد سليمان) و«سماح» الثالثة (إيناس النجار) مذيعة وصلت إلى الفندق لتصور لقاء تليفزيونياً مع «أحمد الأسيوطي» ـ صبري عبد المنعم ـ رجل القانون الدولي،الذي عاد من المهجر ليفضح الفساد وأباطرته؛فعلى امتداد المشاهد والأحداث يعاني الفيلم الكثير من الثرثرة والحشو والشخصيات الزائدة التي لا تلعب أي دور؛ كالفريق الأمني،الذي يضم «منصور» (حسن عبد الفتاح) و«جودت» (أيمن منصور) ولا أهمية له سوى تلميع محمد رمضان،والأمر نفسه بالنسبة للمخرجة «رشا» ـ ريهام حجاج ـ التي ظهرت بشكل باهت للغاية. الارتجال العشوائي
في إطار الارتجال العشوائي نفسه أقحم الفيلم نفسه،بلا داع،في منطقة السياسة،من خلال شخصية «أحمد الأسيوطي» الدخيل،ومشهد محاكاة الصعيدي «فالح» للرئيس الراحل «السادات» في خطابه الشهير الذي هدد من خلاله بأن «الديمقراطية لها أنياب وأظافر»،مع بعض التصرف في العبارة المأثورة (!) كما أطلق المخرج العنان لبطله في تقديم أغنية على غرار أغنيته في فيلم «قلب الأسد»،فإذا كان قد قال هناك : «أديك في السقف تمحر ..أديك في الأرض تفحر .. اديك فى الجركن تركن» فهاهو،وبنفس الفجاجة والسخافة،يقول هنا : «اضرب في الوش رصاصة بثلاث أسلحة قناصة» ويضيف لا فض فوه : «علشانك يا نورا ألعب في الشارع كورة» ثم يباغتنا بتقديم أغنية «أنا باعشق البحر»،التي يحاكي فيها أسلوب محمد منير في الغناء،لكن الهبوط والابتذال لا يقفا عند حد التردي اللفظي والحركي بل يتجاوزاه إلى محاولات ساذجة لتحويل «فالح» إلى فيلسوف ينظم مأثورات شعبية غاية في الركاكة مثل : «الرجولة بالشخصية مش بالدروس الخصوصية»،«من أجل السياحة سبت الفلاحة» و«من أجل المحروسة سبت الجاموسة» !
المفارقة العجيبة أن الجريمة التي اعتمد عليها السيناريو،وحشد كل العناصر لكشف غموضها،تهاوت وانهارت،بعد أن تبين أنها لا وجود لها،في حين كانت المفاجأة أننا وجدنا أنفسنا حيال جريمة أخرى بطلها «الأسيوطي»،الذي تعرض للاغتيال بالفعل،واكتشفنا أن محمد رمضان فعل كل ما في وسعه من ارتجال غليظ،والتجاء إلى «الإفيهات» الخشنة،وطريقة وأسلوب لا يعرفان الطريق إلى خفة الظل،لإنقاذ الفيلم من فشل كان يتوقعه،وكانت النتيجة أن شاهدنا مسخاً للبطل الذي اكتشف أنه مُغرر به،ويبحث عن الحقيقة،ويتمسح في «البريء»، وعانينا من خليط درامي مشوه من الأعمال التي تناولت شخصية «الصعيدي» الساذج،وباستثناء خروج المخرج إسماعيل فاروق بالكاميرا إلى العين السخنة لم تخرج الأحداث من سجن المكان الواحد،وفشل «فاروق» في تبديد الملل وإنقاذ «الصعيدي» من الفشل،وأذعن للإنتاج الذي اتسم بالفقر والهزال؛بدليل اختيار ممثلين على شاكلة نيرمين ماهر، إيناس النجار،راندا البحيري وميار الغيطي بالإضافة إلى محمد سليمان وأحمد التهامي .. وغيرهم؛فالخلطة عجيبة،والتركيبة غليظة،بينما تمثلت الطامة الكبرى في سقوط الفيلم في فخ العنصرية البغيضة،بسخريته التي لم تتوقف من البطل الذي انحدر من«أسيوط»،وبلغ الجهل مداه عندما وصف الحوار «أسيوط» بأنها بلد الجريمة الأولى !