القاهرة 28 سبتمبر 2014 الساعة 03:00 م
لو كان أبوك جمال عبد الناصر أسبق القطار ده .!
أقولها إلى أحد أصحابى ، فيجرى وراء القطار ويبكى صاحبى بعد أن هزمه القطار ، فأرد عليه بثقة مبالغ فيها :
- القطار مالوش ذنب أنت إللى أبوك مش جمال عبد الناصر ...!!
***
(فرع النيل) عندنا نسميه البحر ... أجلس على شاطىء البحر فى بلدنا تحت الجميزة القبلية وحولى بعض العيال ثم أقطع الكلام بتحد مبالغ فيه وسؤال مباغت :
مين فيكم أبوه زى جمال عبد الناصر ؟
يرد الكل فى نفس واحد :
- أنا
أرد :
- إللى أبوه زى جمال عبدالناصر يعدى البحر قبل م أفتح عينى
ينط الجميع بجلابيبهم فى البحر فى لحظة واحدة ويبدأون التضبيش ، يصرخ عمى الحاج محمد فى الرجالة إللى حواليه :
- الحقوا العيال ح يغرقوا ، يشخط الرجالة فى نفس واحد فى العيال :
اخرجوا لحسن الفلكة ح تتغذى بيكم النهاردة
ويتمتم عمى الحاج محمد بحنية مفاجئة لى :
- البحر غويط وزايد اليومين دول والعيال مبتعرفش تعوم
يخرج الجميع إلا الواد صبحى الذى يحاول الابتعاد عن الشاطىء إلى منتصف البحر ، فيشخط فيه عمى الحاج :
- اخرج وإلا ح انزل أغرقك عندك وأدفس رأسك فى الطين
يعود صبحى إلى الشاطىء ويخرج منكسرا ومدلدلا رأسه إلى الأرض وهدومه مبلولة تتساقط منها المياه وحبات الطين ...
أضحك وأقول للعيال :
- خفتم من عمى الحاج ولا معرفتوش تعدوا البحر ، أصل مفيش حد فيكم أبوه جمال عبد الناصر !!
***
وفى اليوم التالى تجمع العيال عند الجميزة البحرية أمام الجامع وعندما جئت من الدار وجدتهم يتهامسون وعندما رأونى قالوا فى نفس واحد :
لو أبوك جمال عبد الناصر أسبق الطيارة
قلت بثقة شديدة:
- وإيه يعنى طيارة... أنا أسبق 100 طيارة ، بس لما تيجى !
ردوا فى نفس واحد :
- لما نشوف
وبعد عدة أيام ونحن نجلس أمام دكان الحاجة فكيهة البقالة ظهرت طائرة من أول البلد فصرخ الجميع فى وجهى بتحد :
- استعد ياعم وورينا بقى
انتطرت حتى اقتربت منا الطائرة أخذت ذيلى فى أسنانى وبدأت الجرى .. أجرى ولا أنظر خلفى .. لكن أصواتهم تطاردنى وتلاحقنى ...
- أوعى تسبقك الطيارة ..
- ومع أصواتهم اختلطت ضحكات بعض النسوة وإحداهن تقول :
- شوفى الواد المجنون قال بيسابق الطيارة !!
أجرى وأجرى.... وفجأة عاندنى الطيار ابن الإيه وترك الجسر وإتجه للغيطان ونزلت وراءه لاخترق غيط البرسيم لكن ابن الإيه الطيار زود السرعة حبتين وأنا أزيد من سرعتى لكن ابن العفريته شعر أننى ح أسبقه فبدأ يتجه لعبور البحر وأنا وراءه وأغمضت عينى وقلت فى سرى :
مش ح أخليك تسبقنى يابن المركوب وح أنزل وراك ..
وفجأة اتكعبلت فى حجر كبير على حافة البحر ووقعت على الأرض الممتلئة بالحصى والدبش ليمتلأ جسدى بالجروح والخدوش ويزداد الأمر سوء بعد أن انزلق جسدى غصب عنى فى بعض زراعات البوص ليسكن الشوك والبوص المدبب فى جسدى بعد اختراق ملابسى ، ولولا ستر ربنا لدخل البوص فى عينى.
جلست أبكى بحرقة ، ليس من وجع الجروح لكن من وجع وشماته أصحابى الذين تجمعوا حولى وهم يضحكون :
- هيه... هيه .. أبوك مش جمال عبد الناصر زينا
أصرخ فيهم بصوت ممزوج بالدموع والوجع :
- واالله البوص هو إللى منعنى من سبق الطيارة
يرد أحدهم :
- عبد الناصر مش بيهمه البوص والشوك ويقدر يسبق أى طيارة !!
كان وجع الجروح قد بدأ يزداد للدرجة التى جعلتنى أصرخ بصوت عالى، وزاد الطين بله رعبى من أمى حين تخيلتنى أدخل عليها وهدومى مقطعة !!
أخذنى العيال إلى الدار ،
وكان ما كان
المهم بعدما التئمت الخدوش وذات عصرية مددت جسدى وأغمضت عينىّ دون أن يكون لدى رغبة فى النوم ، فقط س
يطرت
علىّ الرغبة فى تخيّل شكل جمال عبد الناصر
وبدأت أسأل نفسى :
- ياترى شكله إيه ؟
- طويل أد إيه ؟
- أسمر أم أبيض أم قمحى ؟
- هل يرى مثلنا أم يرى حتى آخر الدنيا ؟
هل عيونه مثل عيوننا وأنفه تشم مثلنا ؟!
هل ينام مثلنا أم يظل صاحيا طول الليل والنهار ؟
هل يأكل مثلنا ويشرب أم لا ؟
هل أولاده يذهبون إلى المدارس مثلنا ويتعلمون ويحفظون الأناشيد وجدول الضرب زينا ؟
هل يضرب المدرس أولاده مثلما يضربنا الأستاذ عبد القوى ؟
وحين ازداد فشلى فى الإجابة على هذه الأسئلة ، قلت لنفسى اسأل العيال أصحابى يمكن حد يكون عنده إجابة ...
***
تحت الجميزة البحرية جلسنا نضحك والقمر يفرش الأرض والنجوم تتلألأ حوله فى السماء ،، وفوجئ الجميع بسؤالى :
حد يعرف جمال عبد الناصر شكله إيه ؟
يرد الواد محمود بسرعة وبدون تفكير :
- تلاقيه طويل قوى
يلتفت عبد الرحمن خلفه قائلا :
- تلاقيه أطول من عمود التليفونات إللى هناك ده عند دوار العمدة
يشوح صبحى بيده قائلا : عمود إيه ده تلاقيه يقدر يمسك الطيارة بإيده الشمال ويسلم على القمر بإيده اليمين
وأتدخل أنا كالعالم ببواطن الأمور :
- ده طويل قوى وجسمه كبير قوى ويقدر يغلب أى حد
***
وتمر الشهور وينتقل أبى للعمل بالقاهرة أو مصر كما نسميها
وفى أحد الأيام يمتلأ البيت والشارع بالصراخ ،يخرج أبى حافيا وأمى من غير طرحة بجلبية البيت إلى الشارع لنجد أفواجا من البشر تجرى فى كل إتجاه ... ويسأل أبى أحد الفارين:
- في إيه وحياة أبوك ؟
يرد بصوت مبحوح غارق فى الدموع :
- عبد الناصر مات
يصرخ أبى ويجلس على الرصيف وبجواره تقعد أمى وأنا واقف أصرخ فى الناس :
- عبد الناصر مش زينا علشان يموت
عبدالناصر مش ممكن يموت
عبدالناصر يقدر يموت الموت نفسه
يحضنى أبى ويدفنى فى صدره ويبكى بشكل هستيرى...
كان يبكى لأول وآخر مرة فى عمره
........................................................................................