القاهرة 25 سبتمبر 2014 الساعة 02:17 م
ما يكاد المسلمون ينتهون من شهر الصوم ويفرحوا بعيد الفطر ويوم الشكر لله الذى أعانهم فصاموا شهره وفازوا من الله برضوانه ورضاه,حتى يتهيأوا لاستقبال شوال وذى القعدة وذى الحجة,بعزم صادق ونية خالصة على حج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول- صلى الله عليه وسلم- فى ثانى المساجد الثلاث التى تشد إليها الرحال فى الروضة الشريفة التى هى من رياض الجنة كما قال المعصوم – صلوات الله عليه وسلامه.-
وشد الرحال إلى بيت الله الحرام رحلة كريمة فيها ينتقل المسلم بقلبه وبدنه إلى الأماكن المقدسة التى طهرها الله تعالى ورفع منزلتها وأوجب على أهلها حسن استقبال وضيافة الوافدين إليهم من كل فج عميق , وفريضة الحج زاخرة بالتكاليف التعبدية التى لها أسرارها التشريعية التى ما إن يقف
المسلم عليها إلا ويزداد ايمانا ويقينا .
فضيلة الشيخ معوض عوض إبراهيم من علماء الأزهر الشريف والداعية الإسلامى الكبير يأخذنا فى هذه الرحلة المباركة من خلال مجموعة من الحوارات الطيبة التى نرجو أن ينفع الله بها كل من قرأها .
**حدثنا عن أسرار ودروس الفريضة الخاتمة؟
*إن لكل حركة فى فريضة الحج مغزى يلحظ ,ودرسا يؤخذ, وأمارة تشهد بالتزام الحاج لأمر ربه,وأعمال الحج أجملها القرآن الكريم , وفصلتها السنة المطهرة , وضاعف حقها علينا فى الالتزام سلف هذه الأمة من الأئمة والعلماء الذين أضافوا بحسن نظرهم فى الكتاب والسنة , وخلوصهم إلى روح الإسلام ويسر الشريعة الإسلامية ما يبدو فى اجتهاداتهم وشروحهم الأمينة التى يرتفعون بها إلى أعلى مراتب الثقة .
إن قصد بيت الله الحرام ينبغى أن يكون عهدا نرعاه, وميثاقا مع الله نلتزم حدوده, وننفذ بنوده,حتى إذا فعلنا ذلك نظر إلينا ربنا طائفين مهللين مكبرين متآخين متعاونين على البر والتقوى , مترفقين بالكبار والصغار والرجال والنساء , يفيض علينا المولى غفرانه ورضوانه , وكم من أناس فاتهم الرفق بإخوانهم , وما زالوا تسيطر عليهم نزوات السلطان الذى ما دام لحى , والتاريخ يذكر جبلة بن الأيهم ملك الحيرة وقد لطم طائفا , فشكاه ذلك الطائف إلى عمر رضوان الله عليه , فأمر بأن يقتص منه ويعطى من نفسه ما نال الطائف منه , وقال لعمر : أنا ملك! فقال عمر : لقد سوى الإسلام بينكما, فلا ملك ولا سلطان فى الطواف, وتحايل الرجل حتى غاب عن عمر وتنصر , والعياذ بالله , ولو أنه تاب إلى ربه واستغفر من ذنبه لوجد الله توابا رحيما ولكنه هام على وجهه فى أرض الله وهو يقول :
تنصرت الأشراف من عار لطمة
وما كان فيها لو صبرت لها ضر
**وماذا عن الأيام العشر؟
*فى هذه الأيام ترى فيها التجمع الفريد فى بلد الله الحرام وفى بيته العتيق ومن حوله , تجمعا لا مثيل له فى دين من الأديان السماوية فى ماض أو حاضر , ولا فى النظم والشرائع الوضعية بأى مكان , وهو مشهد يدهش العقول , ويحي الأفئدة , وفريضة الحج التى تأتى فى ختام الفرائض كلها أمارة دالة على توحيد الله وجلاله وحاجة الأحياء إليها, فهو سفر من كل فج عميق , وارتحال إلى أم القرى وخير المنازل وأشرف الديار التى عفا الإسلام فيها على آخر معالم الوثنية .
مرحبا بهذه العشر , تحكم الروابط بالله وتزيدنا تجردا موصولا فى طاعته , وتضاعف من أتباعنا لمصطفاه, وتشد بيننا عرى أخوة تنمو على مر الأيام نمو النبات , وياله من مثل العمل الصالح الذى هو عماد الدنيا وأمل الآخرة .
**الحج فريضة خاتمة.... فسر لنا ذلك؟
*تتواصل وتتكامل أركان الإسلام فى صوغ المؤمن الحق والمسلم الصحيح , ويوجب الله الحج خاتما لأركان الإسلام الخمسة فى الحديث المشهور( بنى الإسلام على خمس ….) ومما يدل على أنها الفريضة الخاتمة لجملة التكاليف الشرعية فى الإسلام حصولها للنبى - صلى الله عليه وسلم - فى آخر حياته ولذا سميت ب(حجة الوداع) ونرى الحج وفيه تكاليف السفر , ومفارقة الأهل والولد والبلد , وملاقاة من نلقى ممن وفقهم الله لأداء الفريضة وقد تكون عاداتهم وتصرفاتهم مختلفة مما يوجب أن تتسع له الصدورونكون معه على حال من الحلم والسماحة يؤكد أننا جميعا إخوة .
**ماذا تقول لوفد الله؟
*ستبقى فريضة الحج مظهرا لا روح فيه , وشكلا لا عملا ترتفع به إلى الله ملائكة سفرة , فيحط به الذنوب , ويستر العيوب , حتى يفهم المسلمون ما أراد الله بالحج من بر وطهر وطاعة وذكر وتعارف صادق وتعاطف أصيل يكونون به فى كل مكان على أرض الله , ففى الحج معانى ظاهرة ورموز معبرة تتمثل فى مناسك الإحرام والطواف حول الكعبة والسعى بين الصفا والمروة واستلام الحجر الأسود والوقوف بعرفات ورمى الجمرات ,وليس من الحج المبرور فى كثير أو قليل أن تخفى هذه المعانى الكبيرة أو تغيب عن أحد , وليس من الايمان فى شيء أن يتجرد قصد الحاج – يعرف وعثاء السفر وتكاليف هذه العبادة من خشونة العيش وفرقة الأهل والولد – إلى ذلك اللقب الضخم الذى يحرص بعض الناس أشد الحرص على التنادى به ويغضبون كما لم يغضبوا قط إن نسى من يتحدث إليهم أن يضيفه إلى أسمائهم التى سماهم بها آباؤهم .