القاهرة 23 سبتمبر 2014 الساعة 02:27 م
يبحث علم الجغرافيا ويدرس جميع المظاهر التى تحيك بالإنسان سواء كانت ظواهر بشرية مثل توزيع السكان أو الحدود السياسية ، أو ظواهر طبيعية مثل عالم الحيوان والنبات والظواهر الجوية المختلفة ، وسطح الأرض ، ونتيجة اهتمام الإنسان منذ العصور الأولى بوصف الأرض وملاحظة كل ما يحدث فوقها أو حولها من ظواهر ، اكتشف العلماء قديما أن الأرض هى مركز الكون ونتيجة لهذا نشأت الطرق والدروب وبدأت الحياة التجارية بين الدول فى الازدهار خاصة فى عهد الإسكندر الأكبر الذى أهتم بتمهيد وإحياء طرق القوافل التجارية .
ويعد طريق الحرير أشهر طريق تجارى برى فى العالم القديم و يبدأ في الصين وينتهي بأوروبا مارا ببلاد آسيا الوسطى والأناضول حتى ينتهي إلى إنطاكيا على الشاطي الشرقي للبحر المتوسط ، هو يمر عبر العديد من الدول والمدن والعواصم العريقة ذات الحضارات الكبيرة التى أنارت العالم بحضاراتها مثل الحضارة الفرعونية ، والهندية والصينية والرومانية وقد كان لهذا الطريق دور كبير فى ازدهار الحضارات القديمة ونقل ثقافات الشعوب فيما بينها ، وقد سمى الطريق بهذا الاسم نسبة إلى صناعة الحرير التى امتازت بها الصين منذ قديم الزمان ، ولهذا بدأ الحرير الصينى يجوب بلاد العالم فى قوافل تحمله وتحمل العديد من البضائع الأخرى .
يمتد طريق الحرير من المراكز التجارية في شمال الصين حيث ينقسم إلى فرعين شمالي وجنوبي. يمرّ الفرع الشمالي من شرق أوربا وشبه جزيرة القرم وحتى البحر الأسوج وبحر مرمرة والبلقان ووصولاً إلى البندقية ، أما الفرع الجنوبي فيمرعبر دمشق وبلاد الشام إلى مصر وشمال إفريقيا .
اكتشاف صناعة الحرير
اكتشف الصينيون صناعة الحرير حوالي سنة 3000 قبل الميلاد، وعرفوا في هذا الوقت المبكر فنوناً مبهرة لإتقان صناعته وتطريزه ، وفى عهد أسرة تانغ، بلغت صناعة الحرير الصينية الذروة، وازدادت أساليب نسجه وزخرفته. وقد ورثت المنسوجات الحريرية في عهد أسرة مينغ تقاليد كثرة أنواعها وجمالها الزاهي منذ عهد أسرة تانغ، فاجتذبت تجار مختلف بلدان العالم بنوعيتها الممتازة. وعندما وصل الحرير الممتاز النوعية والزاهي الألوان إلى الغرب أعجب به الغربيون شديد الإعجاب ، وقد أذهلت هذه الصناعة الناس قديماً، فسعوا لاقتناء الحرير بشتى السبل، حتى أنهم كانوا يحصلون عليه مقابل وزنه بالأحجار الكريمة. وقبل خمسة آلاف سنة، بدأ الحرير يأخذ طريقه من الصين إلى أرجاء العالم. ليس الحرير وحده بالطبع، وإنما جاءت معه بضائع كثيرة، مالبث انتقالها من الصين وأقاصي آسيا، إلى أواسط آسيا وشمال إفريقيا ووسط أوروبا؛ أن أتخذ مسارات محددة، عرفت منذ الزمن القديم باسم طريق الحرير في واقع الأمر، فإن طريق الحرير لم يكن طريقاً واحداً، وإنما شبكة من الطرق الفرعية التي تصب في طرق أكبر أو بالأحرى في طريقين كبيرين، أحدهما شمالي كانوا يسلكونه فى الصيف والآخر كانوا يسلكونه في زمن الشتاء. والذي يجمع بين هذه السبل والمسارات جميعاً، هو أنها مسالك للقوافل المتجهة من الشرق إلى جهة الغرب، لتمر في طريقها ببلدان ما لبثت أن ازدهرت مع ازدهار هذا الطريق التجاري الأكثر شهرة في العالم القديم.
إثراء الحضارة الإنسانية
ظل طريق الحرير لمدة تقارب 1500 سنة طريق تجارى يتم من خلاله نقل البضائع كما كان له دور مهم وكبير فى نقل حض
ارات وثقافات وعادات الشعوب بالإضافة إلى نظمها الاجتماعية وأفكاراها واختراعاتها بل ومعتقداتها ، مما أثرى هذا الحضارة الإنسانية بوجه عام ، إلا أن هذا الطريق اندثرت معالمه وصارت البضائع، والثقافات الإنسانية، تنتقل في مسارات بحرية منتظمة ، ومع تغير الخارطة السياسية والاقتصادية
ازدهر طريق الحرير أكثر حيث جلبت إلى الصين الطيور والحيوانات النادرة والمجوهرات والتوابل والأوانى الزجاجية والعملات الذهبية والفضية من الغرب والموسيقى والرقص والأطعمة والأزياء وزخارفها من غرب آسيا وآسيا الوسطى وفى نفس الوقت صدرت المحصولات والمنتجات والتكنولوجيا الصينية مثل الحرير وصناعة الورق وفن الطباعة والأوانى المطلية والأوانى الخزفية والديناميت والبوصلة إلى الخارج عبر طريق الحرير مما قدم مساهمة هامة للحضارة العالمية. في أوروبا وآسيا بعد القرن التاسع الميلادى وخاصة تقدم تكنولوجيا الملاحة برز دور النقل البحرى في التبادل التجارى اضمحل دور طريق الحرير البرى التقليدى وفي القرن العاشر قلما اعتبر طريق الحرير هذا طريقا تجاريا.
وانتقل عبر طريق الحرير البارود فعرفت الأمم الحروب المحتدمة المدمرة، وانتقل عبره الورق فحدثت طفرة كبرى في تراث الإنسانية مع النشاط التدويني الواسع الذي سَهَّل الورقُ أمره، وانتقلت عبره أنماط من النظم الاجتماعية التي كانت ستظل مدفونة في حواضر وسط آسيا ، إلا أن النشاط الاقتصادي، ظل دوماً هو العامل الأهم ، فساهم طريق الحرير فى تراكم المخزون العالمي للذهب، في الصين، حتى أنه بحلول القرن العاشر الميلادي، صارت الصين وحدها، تمتلك من مخزون الذهب قدراً أكبر مما تمتلكه الدول الأوروبية مجتمعة.
الأشوريون والفرس
منذ نهايات الألف الثالث قبل الميلاد حاول الأشوريون فرض سيطرتهم على تجارة الشرق التي يقوم العرب فيها بدور الوسطاء فقد عبرت إحدى الوثائق الأكادية القديمة عن نجاح الإمبراطور سرجون ملك أكاد (2300ق م) في جلب مراكب مجان ودلمون وملوخه إلى ميناء أكاد والمعروف أن مجان هي عمان ودلمون هي البحرين وملوخه هي بلاد السند، وقد حاول الفرس أيضا منذ عصورهم القديمة مزاحمة العرب على منافع هذه التجارة فقد جهزوا حملة في عهد إمبراطورهم دارا الكبير (521-485ق م) نجحت في الدوران حول شبه الجزيرة العربية من الخليج العربي إلى خليج السويس ووصلت مساري طريق الحرير البحري ولكن حملة الملك دارا لم يدم نجاحها ولم تتكرر مرة أخرى في التاريخ ولذلك فهي لا تعدوا كونها مغامرة
رائد شق طريق الحرير البري
لقد تقدم في صحراء جوبي المترامية الأطراف موكب من المسافرين من عهد أسرة هان الغربية متجها إلى الغرب. وكان المسافرون يمشون في تمهل بعد أن أجهدهم السير الطويل، وأضناهم الحر والعطش، ولفحت وجوههم أشعة الشمس المحرقة. ونظر قائدهم وقد علت على وجهه علامات القلق إلى أوعية الماء الفارغة على ظهور الجمال متسائلا: متى يمكنهم العثور على واحة ؟ لقد وقع هذا المشهد على الطريق المؤدية إلى المناطق الغربية قبل 2100 سنة. أما هذا القائد فهو تشانغ تشيان المكتشف المشهور من عهد أسرة هان الغربية في الصين. وفي عام 138 قبل الميلاد قاد تشانغ تشيان وفده المكون من 100 شخص إلى المناطق الغربية وذلك بأمر من الإمبراطور هان وو دي. وبعد الرحلة الشاقة والتغلب على ما لا يحصى من الصعوبات والمخاطر نجح في شق طريقه من وسط الصين إلى المناطق الغربية وهذا هو طريق الحرير الذائع صيته في العالم منذ قديم الزمان.
ومن هنا يتضح أن شق طريق الحرير وتطوره هو خلاصة حكمة وعرق شعوب مختلف بلدان آسيا الوسطى والغربية، وإن هذا الطريق أصبح طريق صداقة يربط بين الصين والدول في آسيا الوسطى والغربية وأوروبا.
حضارة على طول طريق الحرير
وفى هذا الإطاركشف علماء آثار عن عدة آثار تشير إلى أن شعوبا كانت تعيش على طول طريق الحرير قبل حوالي ألفي سنة من تشكل الطريق كرابط تجاري مهم بين آسيا وأوروبا ، وقدم مشروع الحفريات الذي بدأ في عام 2010 في إطلال مقاطعة قانسو بشمال غربى الصين أدلة على أن الشعوب التي سكنت على الضفة الغربية لنهر خيخه قبل ما بين 4100 و3600 عام كانت قادرة على زراعة المحاصيل وصهر النحاس، ويعتقد أن تاريخ الموقع يعود إلى عهد أسرة هان الصينية (202 قبل الميلاد-220ميلادي).
كما أن خلال السنوات الثلاث الماضية، اكتشف علماء الآثار أنواعا مختلفة من القطع النحاسية، إضافة إلى معدات لصهر المعادن، وورشة نادرة لصهر النحاس في الأطلال وتعد الورشة أول اكتشاف من نوعه, ومن المتوقع أن تساعد كثيرا في دراسة تاريخ الأعمال اليدوية الصينية .
كما اكتشف الباحثون عدد من المنازل المبنية من اللبن وبذورا متفحمة للقمح والشعير، فضلا عن معاول وسكاكين حجرية استخدمت في الزراعة ، وتؤكد هذه الاكتشافات على أن التبادلات بين الشرق والغرب بدأت قبل عصر أسرة هان نظرا لأن العمارة باللبن والشعير والقمح كلها نشأت أصلا في وسط وغرب آسيا ، كما تم العديد من الاكتشافات التى تؤكد على وجود حضارة على طول طريق الحرير في عصور ما قبل التاريخ.