القاهرة 18 سبتمبر 2014 الساعة 01:38 م
أعترف بأني مازلت أقف حائرا أمام بعض أسئلة حول ما يسمي بالتحالف الدولي الذي تقوده أمريكا لمحاربة تنظيم "داعش" في العراق وسوريا وأفكر في "الاستعانة بصديق" للوصول إلي إجابات مقنعة عن هذه الأسئلة.
لا أستطيع مثلاً أن أستوعب كيف ان تنظيما مثل "داعش" لا يزيد عدد مقاتليه وفق التقديرات الأمريكية نفسها التي أعلنها وزير خارجية أمريكا "جون كيري" عما بين 20 إلي 30 ألف مقاتل يحاربون فوق الأرض وليس تحتها تحتاج مواجهته إلي تحالف دولي تقوده القوة العظمي الأولي في العالم ويضم 40 دولة منها عشر دول عربية وتسعي أمريكا طبقاً لتوقعات مصادر غربية وثيقة إلي توسيع هذا التحالف ليصبح 100 دولة.
هل مثل هذا التحالف بهذا الحجم هدفه فقط هو حقا محاربة "داعش"؟! هذا سؤال.
لا أستطيع مثلاً أن أستوعب كيف ان تحالفا دوليا بهذا الحجم والاتساع يضم دولا من مختلف قارات العالم تقريبا ويستعد لإعلان ما يشبه حربا عالمية ويزعم الرئيس الأمريكي أوباما انه يتفق مع القانون الدولي ثم لا يتم ذلك كله من خلال الأمم المتحدة وتحت مظلة "الشرعية الدولية" التي تمثلها هذه المنظمة الدولية العالمية طالما انه يتفق مع القانون الدولي ولا يخالفه سواء في إجراءات تشكيله أو في أهدافه أو في الأساليب التي سيستخدمها لتحقيق هذه الأهداف.
لماذا خارج الأمم المتحدة وليس من خلالها؟! هذا سؤال آخر.
لا أستطيع مثلاً أن أستوعب كيف ان تحالفا دوليا هدفه محاربة الارهاب ممثلا في تنظيم "داعش" يضم دولا حاضنة للارهاب داعمة له محرضة عليه مثل قطر وتركيا بل وبعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا التي لم تنتفض إلا حين قتلت "داعش" صحفيا بريطانيا بينما كانت لندن علي مدي سنوات عديدة مضت هي قبلة كل الارهابيين المطاريد أو الهاربين من بلادهم ومن أحكام قضائية عن جرائمهم بل وكانت بريطانيا تقدم لهم تسهيلات الإقامة علي أراضيها والحصول علي حق اللجوء السياسي لتقنين أوضاعهم وتحصينهم ضد الملاحقة.
أما قطر التي ترسل طائراتها المحملة بالسلاح والذخيرة إلي مطار طرابلس الليبي الذي تسيطر عليه جماعات مسلحة وفقا لما أعلنه رئيس الحكومة الليبية المكلف لتأجيج الصراعات المسلحة في ليبيا وتهديد دول الجوار الليبي.. ثم تركيا ودفاع رئيس وزرائها السابق وجمهوريتها الحالي "رجب أردوغان" المستميت عن جماعة الاخوان الارهابية وعضويته هو وحزبه في تنظيمها الدولي إلي حد استعداده للتضحية بعلاقات بلاده مع مصر في سبيل دعم الجماعة وإرهابها.. كيف يمكن للدولتين اللتين تمثلان طابورا خامسا في خدمة الارهاب في المنطقة أن تكونا جزءا من تحالف دولي مطلوب من شعوب المنطقة أن تصدق ان هدفه هو محاربة الارهاب؟! هذا سؤال ثالث.
لا أستطيع مثلاً أن أستوعب كيف تجد أمريكا كما تزعم غطاء من القانون الدولي لما تخطط له من ضربات جوية محتملة لتنظيم "داعش" داخل الأراضي السورية دون تنسيق مع الحكومة السورية رغم استعداد سوريا لهذا التنسيق.. وحين تعلن القيادة السورية انها ستسقط أي طائرة حربية أمريكية تدخل المجال الجوي السوري دون تنسيق معها باعتبار ذلك انتهاكا لسيادتها يرد الرئيس الأمريكي بنفسه بأنه إذا حدث ذلك فستقوم أمريكا بتدمير سلاح الدفاع الجوي السوري بالكامل.. هكذا..!
بينما منذ أسابيع قليلة فقط افتعلت أمريكا ضجة عالمية حول ما زعمته من ان مصر نفذت غارات جوية داخل الأراضي الليبية ضد مواقع وتجمعات لمسلحين ولولا ان مصر نفت هذه المزاعم تماما في حينها لكان يمكن لأمريكا أن تصدق نفسها وترتب علي هذه المزاعم موقفا من مصر وتتخذها ذريعة لاستمرار تجميد المساعدات العسكرية لها.
رغم ان أمريكا تعلم تماما ان وجود جماعات ارهابية مسلحة معادية لمصر علي الجانب الليبي من حدودنا الغربية كان حقيقة وان هذه الجماعات تمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري ليس ادعاءً من مصر بل من واقع التهديدات المعلنة من جانب هذه الجماعات نفسها وأن مصر لو اضطرت في أي وقت لضرب هذه الجماعات الارهابية في معاقلها سواء بالتنسيق مع السلطات الليبية أو بدونه فهي تمارس حقها الذي يقره القانون الدولي في الدفاع الشرعي عن النفس.
ما هو المعيار القانوني الدولي الذي يبيح لأمريكا أن تفعل ما تخطط له في سوريا التي تبعد عنها آلاف الأميال بحجة ان "داعش" السورية تهدد الأمن القومي الأمريكي ولا يبيح لمصر أن تفعله ولو افتراضا ضد خطر قائم ومباشر علي حدودها؟! هذا سؤال رابع.
لا أريد أن أسترسل في تسجيل الأسئلة الحائرة التي لا أستطيع استيعابها وسأكتفي بما قدمته لأقول مرة ثانية وثالثة:
نحن أمام مسرحية هزلية لا يمكن تصديقها لأنها تفتقد أي مقومات للمصداقية.
ان "داعش" ليس وحده الذي يمثل ارهابا في الشرق الأوسط ولا هو وحده الذي يهدد أمن واستقرار شعوب المنطقة.
كان هناك قبله ومازال مستمرا معه تنظيم القاعدة وكان هناك ومازال جماعة الاخوان الارهابية التي شكلت وتشكل كل يوم تهديدا لأمن مصر وسلامة أراضيها ومواطنيها وهي الجماعة التي لم ترتفع اعلام "القاعدة" في شوارع وميادين مصر الكبري إلا في وجودها في السلطة وبعد إسقاطها.
ولو ان أمريكا جادة بالفعل في إعلان حرب عالمية علي الارهاب خاصة في الشرق الأوسط فلتكن حربا علي كل التنظيمات الارهابية التي تهدد أمن المنطقة وشعوبها خاصة ان دول الخليج العربي التي تعتمد أمريكا بالدرجة الأولي علي تحالفها معها في مواجهة "داعش" قد عانت ولا تزال من إرهاب الاخوان الذين يشكلون خطرا علي أمنها واستقرارها.
أما الحرب "الانتقائية" التي تعبيء حكومات وشعوب المنطقة ضد خطر تنظيم بعينه وتغض الطرف عن خطر تنظيم آخر فهذا ما يعزز الشكوك في مصداقية الأهداف الأمريكية من وراء هذا التحالف.
ثم ان تنظيم "داعش" مهما قيل عن قوته وخطره قد لعب حتي الآن بكل أوراقه واستنفد في فترة زمنية قصيرة نسبياً ما في جعبته.. فقد استولي علي أرض وأعلن قيام دولة.. وقتل وذبح ولم يعد لديه جديد. وما يوزعه من تهديدات هنا وهناك اكبر دليل علي ذلك.
والمبالغة الآن في تقدير قوته إلي درجة تحالف 40 دولة لمواجهته تقويه ولا تضعفه.
وقيادة أمريكا المكروهة في الشارع العربي لهذا التحالف وإعلانها صراحة انها لن تسمح تحت أي ظرف بقيام "الدولة الإسلامية" يساعد "داعش" علي تجنيد أعداد أكبر في صفوفه ويجعل من دول هذا التحالف أهدافا مشروعة للتنظيم.
نحن أمام مخطط كبير أكبر بكثير من مجرد مواجهة "داعش" أو القضاء عليها.. وأمريكا تقود تحالفها خارج الأمم المتحدة هربا من قيود الشرعية الدولية.
في مصر التي خاضت وتخوض حربا ضارية ضد الإرهاب منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي. ومصر التي تعود لدورها القيادي الاقليمي يجب أن تقود ولا تقاد. فلا تصبح مجرد ترس في الآلة الامريكية أو تبحث لها عن دور في تنفيذ استراتيجية أوباما في المنطقة.