القاهرة 18 سبتمبر 2014 الساعة 12:14 م
ما تاريخ البشرية إلا صراع مستمر يختلف طابعه وتتباين أشكاله من مرحلة إلى أخري. إنه الصراع بين القلة التى تستأثر بالسلطة والثروة من ناحية والكثرة المسحوقة والمستلبة حقوقها. صراع بين المحظوظين, والمجردين من الحظوظ كما من الحرية والكرامة والعدل.
ولم يكن أصحاب السطوة والنفوذ والثروة محظوظين فى حياتهم فقط، بل بعد مماتهم أيضاً، لأن المؤرخين ظلوا لعقود طويلة لا يرون غيرهم ولا يسجلون إلا ما يتعلق بهم، باستثناءات قليلة فى هذا العصر أو ذاك. فلم يكن للإنسان العادى قيمة باعتباره إنساناً مهما قدم للبشرية لأنه ليس صاحب سلطة وسطوة أو نفوذ أو ثروة.
غير أن الأمر بدأ يختلف تدريجياً وببطء منذ القرن السادس عشر فى أوروبا، ومنها إلى باقى أنحاء العالم ولكن بمعدلات أبطأ وفى نطاق أضيق. فقد وجد هذا التطور، ومازال، مقاومة من أصحاب السلطة والنفوذ والثروة الذين صاروا كالذئاب التى تصر على افتراس ضحاياها تحت أى ظرف. وظهر بجوارهم، وفى خدمتهم، غربان ينعقون فى وجه من يقاوم توحش الذئاب ونهمها المستمر. غير أن التطور باتجاه وضع حدود لهذا النهم يدخل الآن مرحلة جديدة عبر التوسع الذى يشهده الاهتمام بتاريخ الإنسان العادى فى أوساط عدد متزايد من المؤرخين فى العالم.
وإنها لبشرى طيبة أن نجد توسعاً فى هذا الاتجاه إلى أنسنة التاريخ. فلا قيمة عظيمة لتأريخ لا هم له إلا الأحداث الكبرى والتحولات الرئيسة والحروب والمعارك والعلاقات بين الحكام وأصحاب السطوة والنفوذ والثروة، ولا مكان فيه للإنسان العادى الذى تتطلب دراسة تاريخه جهداً أكبر ووقتاً أطول، فضلاً عن معرفة أوسع وقدرة أوفر على الإحساس بزمن مختلف، أى أن يبدع منهجاً جديداً ومتجدداً لفهم التاريخ وليس فقط لتسجيل أحداثه.
غير أن هذا الاتجاه مازال أقل من محدود فى مصر رغم أنه توسع نسبياً فى الفترة الأخيرة. ولذلك تشتد الحاجة إلى عدد كبير من المؤرخين الجدد لإعادة الاعتبار لتاريخ الإنسان المصرى العادي. ويستطيع هؤلاء المؤرخون أن يفعلوا ذلك دون أن تنقض عليهم ذئاب أو تنعق فى وجوههم غربان، بخلاف من يحاولون إنصاف الإنسان المصرى البسيط فى الحاضر وليس فقط فى الماضي. وكل ما هو مطلوب من شباب المؤرخين هو أن يكون منهجهم: المجد لتاريخ الناس.