القاهرة 03 سبتمبر 2014 الساعة 03:05 م
كتب - حسام ابراهيم:
...ليس من قبيل المبالغة القول ان الفنالتشكيلي المصري يمكن ان يقوم بدور كبير ضمن
منظومة ادوات القوة الناعمة لمصر في مواجهةمغالطات فجة تتردد احيانا في الخطاب
الثقافي والاعلامي الغربي بشأن المشهد المصري.
وقد يصل الأمر في هذه المغالطات لتشجيعالتصورات الفوضوية التي تناهض فكرة الدولة
من الاساس وفي الأصل مع ان الغرب لم يسمححتى الآن على الأقل بازالة او شطب دولة
من دوله استجابة لمن يطلق عليهم هناك اسم"الفوضويين" او "الأناركيين"!.
ومن هنا يستحق مركز الجزيرة للفنون الاشادةلمبادرته مؤخرا بتنظيم ندوة للتعريف بمشروع
ثقافي جديد عنوانه :"مصر في عيون العالم"فيما يسعى رئيس قطاع الفنون التشكيلية
بوزارة الثقافة الدكتور احمد عبد الغنيللاستفادة من القوة الناعمة للترويج لمصر
ثقافيا وسياحيا.
وكانت مدير مركز الجزيرة للفنون ايناس حسنيقد لفتت لخطأ "الاكتفاء بالنظر لأنفسنا
من الداخل اكثر من الاهتمام برأي العالمفينا" بينما رأى احمد غانم منسق مشروع "مصر
في عيون العالم" انه اذا اردنا انتكون صورة مصر على الوجه الأفضل "فلابد وان
نفهم كيف ينظر العالم الينا حتى نستطيعمخاطبة الثقافات والشعوب المختلفة بالطريقة
التي يفهمونها هم وليست الطريقة نفهمهانحن".
والوضع الراهن يؤشر لأهمية منح الثقافةما تستحقه من اهتمام وبناء علاقات بناءة بين
الاجهزة والمؤسسات الثقافية الرسمية وتلكالتي تقع خارج الاطر الرسمية لصالح شعب
مصر ودفاعا عن قضاياه ودرء شرور الحروبالدعائية-الاعلامية التي تشنها قوى معادية
لمصر والمصريين بلا هوادة وعبر اشكال وصيغمختلفة.
ومن الأهمية بمكان في هذا السياق كسر النخبويةالمفترضة للفن التشكيلي لتكون لوحاته
متاحة لكل المصريين تماما كما هو الأملالمنشود لتجليات ثقافية اخرى كالشعر والموسيقى
والرواية ومن اجل تعميق ثقافة الحق والخيروالجمال في ارض الكنانة التي تعشق
بفطرتها الطيبة كل ماهو جميل.
وكان الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافةالأسبق قد اكد على ان نجاح عناصر وادوات
القوة الناعمة ومن بينها الفنون التشكيليةيرتبط بمدى قربها من الناس ومشاكلهم
والا يتم التعامل معها باعتبارها مجرد وسائلللترفيه والرفاهية.
واللافت ان بعض اهم رسامي الكاريكاتير فيمصر مثل الراحل العظيم مصطفى حسين والفنان
الكبير احمد طوغان الذي يوصف عن جدارة"بشيخ رسامي الكاريكاتير في مصر" لهم اسهامات
ابداعية هامة في الفن التشكيلي فيما ضمتباقة الفنانين التشكيليين المصريين
اسماء خالدة في الحياة الثقافية المصريةمثل الراحل حسن فؤاد صاحب شعار "الفن في
خدمة الحياة" والمناضلة انجي افلاطونوالمبدع عبد الغني ابو العينين ناهيك عن الأستاذ
عبد السلام الشريف.
ان الفن التشكيلي المصري مؤهل كتجل اصيلمن تجليات الثقافة المصرية لمواجهة الهجمة
غير المسبوقة على مصر والعالم العربي ككلوهي هجمة تحمل في ثناياها مآرب من يقف
وراءها من اطراف رئيسة وعميلة من قتل للذاكرةواهانة للشعوب وهو ماتؤشر له بوضوح
عمليات الاستهداف المتعمد للمتاحف والابداعاتالفنية منذ بدء تنفيذ مخطط الفوضى الخلاقة
بغزو العراق ونهب متاحف بغداد واعز روائعتراثها.
وهكذا عندما تقيم جامعة حلوان معرضا للفنونالتشكيلية وهو المعرض الذي بدأ امس "الثلاثاء"
ويستمر اسبوعا حافلا بابداعات شباب مصرفي عشرات اللوحات التشكيلية فهي بذلك
تشارك ضمنا في رد الهجمة التي تستهدف معنىالوجود المصري والعربي وتحويل حواضر
العرب ومدنهم الزاهرة "للأرض الخراب".
ولعل ابتسامة مصر تتسع وهي ترى شبابها يعرضونابداعات تشكيلية مضمخة بأنفاس مصرية
واحلام مصرية وثقافة وطنية تتفاعل مع اخرصيحات الفن التشكيلي في العالم ومدارسه
المتطورة بقدر مايشعر المرء بالاعجاب والثقةفي قدرات الجيل الشاب خاصة وان عددا
لايستهان به من المشاركين في هذا المعرضينتمون لكليات خارج اطار مايسمى بالكليات
المتخصصة في الفنون كالفنون الجميلة والتطبيقيةوالتربية الفنية كما يوضح الدكتور
خالد السحار الأستاذ بكلية الفنون الجميلةوالمشرف على المعرض.
وشباب مصر في جامعة حلوان يسهمون بهذه الابداعاتفي عملية تحصين الذاكرة الوطنية المصرية
بقدر ماينتصرون للجمال كقيمة انسانية ويخاطبونبانتاجهم الثقافي كل من يهمه
الأمر في عالم كتب عليه ان يعاني من محاولاتاثمة للمحو الحضاري والتجهيل ومسخ
الهوية وتحويل الوطن الى سوق "لامكانفيه للذاكرة ولا مكان للأبطال" كما قالها ذات
يوم عظيم الرواية المصرية نجيب محفوظ وهويستشرف المستقبل في مجموعته القصصية "صدى
النسيان".
ومن نافلة القول ان الفنون التشكيلية بقدرماتؤثر في اي مجتمع فهي تتأثر بمتغيراته
وثوراته كما هو الحال في بلد كمصر تأثرتفيه الفنون التشكيلية بصورة واضحة على ايقاع
ثورة 1919 وثورة 23 يوليو 1952 فيما لنيكون من قبيل المفاجأة ان تنجب ثورة
يناير-يونيو اسماء جديدة وكبيرة في عالمالفن التشكيلي.
ولايمكن التغاضي عن اهمية نقابة الفنانينالتشكيليين اذا كانت هناك نوايا جادة للاستفادة
من ابداعات الفن التشكيلي المصري في تعظيمالقوة الناعمة لمصر في خضم التحديات
الراهنة فيما كان نقيب التشكيليين الدكتورحمدي ابو المعاطي قد جهر بالشكوى
جراء مااعتبره نزعة من جانب البعض لتجاهلهذه النقابة في فعاليات ثقافية هامة.
وثمة حاجة واضحة للتنسيق بين الهيئات الثقافيةالرسمية والنقابات ومنظمات المجتمع
المدني على صعيد تحرك جاد لشرح حقيقة ثورةالثلاثين من يونيو للرأي العام في الغرب
والنخب السياسية والثقافية بالولايات المتحدةواوروبا وهي ثورة كانت في احد اهم
ابعادها تناهض عملية "تفكيك الدولة"في بلد تشكل "الدولة" في ثقافته حاجة مصيرية
في الوجدان والعقل الجمعي للمصريين.
المشكلة الأساسية في السياق الغربي ان الأغلبيةالشعبية في الغرب المنهمكة في عملها
اليومي وتفاصيل ازالة آثار الأزمة الاقتصاديةالأخيرة لاترى الحقائق جيدا فيما
يتعلق ببلد مثل مصر او في المنطقة العربيةككل بفعل التأثير الضار لبعض الأقلام والأصوات
الاعلامية والثقافية الغربية المنحازة لتصوراتبعينها والتي تخدم مصالح بعينها.
وفيما باتت التلفزة موضع دراسات ثقافيةعميقة في الغرب بقدر ماهي جذابة رأي الدكتور
محمد عبد الشفيع عيسى استاذ العلاقات الاقتصاديةالدولية في معهد التخطيط القومي
بالقاهرة ان المشهد المصري بعد ثورة 30يونيو مشوه لدى الرأي العام الخارجي .
واذا كان الدكتور محمد عبد الشفيع عيسىقد اكد على ان هناك حاجة لتقديم صورة اكثر
توازنا لواقع الحال المصري فان الحروب التلفزيونيةالتي تتعرض لها مصر من الخارج
تسهم في عملية التشويه الجارية على قدموساق.
ويشير الدكتور محمد عبد الشفيع عيسى الىان استراتيجيات الاعلام العالمي تابعة بصورة
عامة للاستراتيجية العامة للدول الغربيةالكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة
فيما لفت الى اعتياد اجهزة الاعلام علىنقل "الشكل العام" للحدث اي تضاريسه الظاهرية
دون القدرة وربما دون رغبة في تجسيد التفاصيلالعميقة لجوهر الظاهرة .
وفي مصر على وجه التحديد لم تكن الدولةكفكرة وحاجة او ضرورة موضع تساؤل فهي بأي منظور
تاريخي ومجتمعي استجابة مطلوبة لضروراتملحة ولم يكن السؤال حول الدولة كصيغة
وانما يمكن ان تطرح الكثير من الاسئلة حولمضمون الدولة ومحتواها وطبيعة علائقها .
فالى جانب التأثير البالغ الأهمية لنهرالنيل على طبيعة الحياة المصرية التي تستلزم
وجود دولة مركزية تنظم قضايا الري وهي قضاياحياة او موت فان المصريين الذين كانوا
يواجهون في لحظة تاريخية عصيبة خطر الفناءفي ظل غياب الدولة الحافظة للوطن لم
ينسوا لمحمد علي انه اقام هذه الدولة التيحفظت الوطن بقدر ماأنقذتهم من خطر الفناء.
ومن هنا بقت تجربة الرجل راسخة في الوجدانالمصري على الرغم من اي مآخذ او ملاحظات
موضوعية وجوهرية حول هذه التجربة ونظامالحكم الذي انتجته وظل اسم محمد علي يحظى
بتقدير واضح حتى في ذروة المد الثوري القوميلتجربة جمال عبد الناصر حيث استمرت
فكرة الدولة ومفاهيمها واهمية الحفاظ عليها"جزءا اصيلا في العقيدة الوطنية المصرية".
ومن هنا ايضا فان الشعور الشعبي المصريبأهمية الدور المركزي للدولة الوطنية ينطلق
في الحقيقة من منظور التاريخ والواقع معاوهذا الشعور العام بقى دوما في حنين للدولة
العادلة او الدولة الرحيمة والحازمة معاالتي تقوم على قيمتي الحرية والعدل
وهما في الواقع اهم قيمتين في التراث النضاليالمصري والعربي على وجه العموم .
يطرح هوارد كايجل في كتاب "في المقاومة:فلسفةالتحدي" افكارا ورؤى جديرة بالتأمل والاهتمام
ومن بينها "ان المقاومة لاتفرز بالضرورةسلوكا اخلاقيا ولايمكن وصفها بالمثالية
الا اذا قررت ان تضع المثل والأخلاق فيقلب سياساتها".
لكن الطريف والدال هذا التأويل الثقافيفي الكتاب الجديد لرؤية المفكر الاستراتيجي
الألماني الشهير كارل فون كلاوز فيتز للمقاومةباعتبارها تجليا لنشاط ابداعي و"استجابة
خلاقة للفرصة" ولعلها رؤية مطلوبةفي خضم اللحظة المصرية التي تتطلب الكثير
من الابداع والاستجابة الخلاقة للفرصة بدلامن هدر الامكانية والسقوط في دوامة
الفراغ او الحلقة المفرغة .
ولعل التحرك المحمود لفنانين تشكيليين مصرييندفاعا عن مصر وثقافتها وتصحيحا لمفاهيم
مغلوطة في الغرب يشكل نموذجا للمقاومة باعتبارهاتجليا للنشاط الابداعي واستجابة
خلاقة للفرصة..البعض يريد للربيع العربيان يكون عواصف نار ودمار لاتنتهي الا
وقد التهمت الدول التي ثارت شعوبها من اجلحياة افضل!.
انها لعبة المصالح والخرائط الجديدة والصراععلى المستقبل ومصر في قلب هذا الصراع
..اعداء مصر يبغونها "جسدا معلقا بينالجوع والربيع" لكن مصر ستسقط المؤامرة الملغومة
وثقافتها تحتشد لتبني المدائن وتحرر الخلائقويرسم فنانها المبدع "يمامة خضراء
مؤتلقة بالأمومة والنخيل المرابط في ارضالكنانة وهمسة عشق في هودج قمر من مرمر"!..يرسم"
احلام الصبا وشموسا تلمع في عينين صافيتينلمهرة مصرية تركض نحو الحلم".