القاهرة 20 اغسطس 2014 الساعة 01:39 م
لا تمنحك الشارقة ذكريات قوية ، قاطعة ، حادة ، تظل تلهب جسدك وروحك إذا نسيت .
لا تمنحك الشارقة مغامرات أو حوادث ذوات روائح نفاذة ، أو طعوم حريفة، من تلك الروائح والطعوم التي من شأنها أن تفرض نفسها عليك، وتأخذك إلى هناك مقيدا إلى لحظة بعينها عشتها في هذا المكان أو ذاك ، وتود أن تستعيدها .
لاتقضى عليك الشارقة بالحب كامرأة عاشقة، يضنيك عشقها فلا تستطيع فكاكا منه. لا تدفعك لأن تعيش أوهام المحبوب الذي يبيت ليله مسهدا، يعذبه البعد، كما يعذبه القرب .
الشارقة تحبك، تماما كما تحب غيرك .
الشارقة قلب كبير، غير أنه يتسم بالموضوعية والعدالة .
الشارقة تبقيك معلقا في المسافة بين القرب وبين البعد.
مسافة كأنها القرب، و كأنها البعد .
سترحل عن الشارقة في كل الأحوال، طالت زيارتك لها أو قصرت ، ولكنك ستظل مطمئنا إلى ما بينكما من عاطفة ، تثق تماما أنها ستبقى وتدوم .
الشارقة أختك وليست حبيبتك
الشارقة صديقتك وليست عشيقتك
ستظل تتذكر ذلك دائما وتردده بينك وبين نفسك
ما بينكما هو الحب لا ريب، لكنه ذلك الحب الذي لا يعرف الشطط، عادل ومتزن ومتوازن، كأنما صممته الشارقة بحساب دقيق، لتوزعه بالعدل على مستحقيه، هنا وهناك ، على اتساع دائرة علاقاتها العربية وغير العربية .
***
لم تتخبط الشارقة ، ولم تضل ، ولم تنجرف إلى خوض صراعات هويات زائفة يموج بها العالم ، وتغرق فيها دول أكثر تجربة ورسوخا، بل استطاعت أن تشكل هويتها المتميزة التي تتسع لتستوعب الآخر باتساعه وتعدده ، دون تفريط فى البوصلة التي توجه المسير ،
ودون إفراط أو مبالغة فى تقدير أو تقديس صورة الذات .
نجحت الشارقة في أن تصبح دار أمن وعمل، فى أن تصبح كرنفالا حقيقيا تلتقي فيه الأصوات والألوان، والثقافات، تتعارف وتتعاون، دون طغيان، ودون أن يغيب عنها، أو تنسى في خضم هذا التعدد الكرنفالى، ضرورة أن تحتفظ بشخصيتها المتميزة والغنية بمكوناتها الثقافية العربية والإسلامية .
وبفضل هذا الوعي المنفتح على رؤية متسعة للذات، واثقة، مرنة، طموحة، غير هيابة ولا مسرفة ، تجاوزت فاعلية الشارقة محيطها الجغرافي المحدود، أصبحت أكبر منه بالفعل، فانطلقت تراهن على التاريخ ، تحاول تستبقه، تسهم في صناعته، وهو ما وعاه ورعاه بحنكة كاتب درامي، شاهد على التاريخ، الحاكم الاستثناء الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمى، ذلك الرجل الذي يسعى ـ باستمرار ـ لاستثمار ذلك الوعي المنفتح والمتقدم في تأكيد وترسيخ تلك الصورة البهية لأخت صغرى نجحت بفطنتها وحسن تقديرها فى أن تكون أجمل البنات
وأذكاهن وأكثرهن جمالا واهتماما واحتفالا بالجمال فى كل تجلياته ومنتجاته.
آمن الشيخ القاسمى بأن الثقافة هي قاطرة التقدم الحقيقية ليس لبلاده فحسب ، إنما لكافة الأقطار العربية والإسلامية، فحول الشارقة إلى قبلة ثقافية يحج إليها؛ على مدار الساعة، المبدعون من العلماء والمثقفين والأدباء والفنانين من كل أرجاء الوطن العربي، وبفضل قدرتها على الاحتواء والجذب تحولت الشارقة إلى كرنفال ثقافي دائم لا ينفض، وشعلة تنوير لا تنطفئ ، وفضاء مفتوح للإضافة والتجديد والتحديث من شأنه أن يعيد الحياة إلى جسد عربي طال رقاده ، من شأنه أن يجعلنا نحلم .
***
يمكنك أن تعتبرني كائنا غنائيا، احتفاليا، يهزني الاجتماع البشرى فى ذاته، تبهجني وتستغرقني المظاهر الاحتفالية، فى حركة الناس والتفافهم حول بعضهم البعض فى تجمعات، فى تواصلهم عبر الكلام الحي، فى ممارساتهم المشتركة التى تتحول بفعل الطابع الجماعي ومع مرور الوقت إلى طقوس، كتناول الطعام، ركوب الباصات، الانتظار خارج القاعات وداخلها ، مشاهدة العروض، التقاط الصور الجماعية، حتى النوم فى مثل هذه الاحتفاليات يتحول هو الآخر إلى طقس!
كل هذه الأشياء تشكل داخلي إيقاعا حميميا لأغنية، بلا كلمات، ولكن لها مجرى ، أظل أتذوقه بإحساسي على مهل، ولا استطيع نسيانه، وهو ما يتداعى من حواسي إلى ذاكرتي كلما تعلق الأمر بالشارقة ؛ ذكرها متحدث في حديث عابر، شاهدت صورة التقطها أحدهم في زيارة لها ، قرأت خبرا عن مهرجان جديد تقيمه، أو فعالية ثقافية ترعاها هنا أو هناك، أو إعلانا عن مسابقة من مسابقاتها ، هكذا أعيش مجددا أيامها المسرحية السعيدة ، أستعيد صورتي وأنا فرح بصحبة الجموع ، منغمسين لشوشتنا فى الاحتفالية البهية التي لاتنفصل عندي عن صورة
الشارقة ذاتها. الشارقة تلك الإمارة التي لا يغيب عنها المسرح، بمعناه الواسع.
الأخت الصغرى التي نجحت باجتهادها و فطنتها وحسن تقديرها فى أن تصبح أجمل البنات وأذكاهن وأكثرهن جمالا واهتماما واحتفالا بالجمال فى كل تجلياته ومنتجاته.
سلام عليك يا أختي
سلام يا شارقة .