القاهرة 10 اغسطس 2014 الساعة 02:54 م
لقد شهدت منطقة غزة أحداثا جساما تمثلت في ثلاثة أنواع من المعاناة :
الأول: معاناة من العدوان الإسرائيلي المستمر والمتكرر والذي اتسم هذه المرة بوحشية لا مثيل لها إلا في شريعية الغاب بل ربما أكثر سوءا من ذلك وهي وحشية غير مسبوقة انتهكت كل القيم والمواثيق الدولية.
الثاني: معاناة سوء الفهم الدولي لمطلب الشعب الفلسطيني في الحرية وحق تقرير المصير مثل باقي الشعوب في العالم والتي لم تبق منها إلا سوى ثلاثة الخاطئ لمطلب عادل ترتب عليه الإهمال من العالم والتجاهل من الكثيرين.
الثالث: معاناة من الشعوب العربية والقيادات العربية وفي مقدمتهم القيادات الفلسطينية وقيادات حماس بوجه خاص ، الذين وصلوا للسلطة باتفاقيات حرة نزيهة عام 2006 ثم استمروا في السلطة وتجاهلوا ان صندوق الانتخابات هو عملية متكررة تعكس رضاء الشعب أو رد فعله على الإخفاق وسعوا من خلال مفهوم خاطئ للدين لغسل مخ كثير من الشعوب العربية ومنها الشعب الفلسطيني، فالدين وخاصة الإسلام لم يفوض احداً للتحدث باسمه، ولم يفوض احد للبقاء في السلطة للأبد، ولم يفوض احد لتقديم تفسير للدين، فأي سلطة هي عمل بشرى، وليست مسألة دينية وأي تفسير للدين هو تفسير بشرى، وهنا وقعت الخديعة الكبرى من حماس ضد الشعب الفلسطيني فعملية النضال ليست بالشعارات، وإنما بالأعمال والتضحيات، والمناضل الحق هو الذي يتخذ القرار الصحيح ويطور أساليب النضال ولا يكرر الأخطاء، والمناضل الصادق هو الذي يتقدم الصفوف ولا يختبئ خلف الجدران، ولا يستخدم شعبه دروعا بشرية. للأسف من أطلقوا على أنفسهم لقب إسلاميين هم اكبر وصمة عار في تاريخ البشرية سواء في حركات داعش والنصرة، سواء في الأنظمة الفاسدة تحت اسم الإسلام سواء في النظم السياسية والأحزاب السياسية الفاشلة. التي حاولت التستر وراء شعار الإسلام.
لقد ظهر الإسلام على يد محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام وكان النبي وأصحابه يعانون بأكثر من غيرهم وفي غضون خمسة عشر عاما انتشر الإسلام، وانتصر في حين ان ناضلي المكيروفات في فلسطين كل يوم يفقدون أرضا ولم يحرروا شبرا ودائما ،يلومون الآخرين على أخطائهم، والشعوب تعاني وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني البطل الذي ضحى بأبنائه وبناته وللأسف تعرض لعملية غسيل مخ خطيرة لم يتعرض لها شعب مثله في العالم بأسره. لقد حقق النضال الفيتنامي ضد الفرنسيين وضد الأمريكان تحرير بلادهم وحقق نضال شعب روديسيا وناميبيا استقلال أوطانهم وحقق نضال جنوب أفريقيا بقيادة مانديلا إنهاء النظام العنصري، رغم وجود تقدم نووي لديه وتقدم اقتصادي وسيطرة اقتصادية، ولم يلجأ المناضلون في شبه القارة الهندية أو في أفريقيا أو آسيا لظواهر ضرب المدنيين، وخطف الطائرات، والهجوم على الفرق الرياضية أو الكباريهات، أو لخطف الأبرياء من المدنيين المعادين لهم. هذه المعاناة الثالثة هي الأخطر على الفلسطينيين لأنه كما قال الشاعر:
وظلم ذوي القربى أشد فضاضة على النفس من وقع الحسام المهند.
وذوي القربى للفلسطينيين ليسوا العرب وإنما القيادات الفلسطينية التي رهنت إرادتها لدول عربية أو أجنبية وتصارعت إلى فرق متناصرة ونسيت التفكير الصحيح في أسلوب النضال وقامت بمغامرات غير محسوبة جرت على شعبها الكوارث ثم صاحت صارخة أين العرب؟ وأين العالم وأين الضمير الإنساني؟ ولكننا نقول هل من العقلانية إلقاء طوبة ليلقى عليك العدو صاروخا أو قذيفة مدفع من دبابة؟ هل من العقلانية أن يختبئ القائد ويتقدم الشباب الصفوف بصدور عارية؟ هل من العقلانية أن يعرض الشعب للخطر ويعيش القادة في فنادق خمسة نجوم؟ يدخنون السجائر والسيجار ويعيشون في زهوة القيادة في الدول الأجنبية بدلا من الحياة والنضال وسط جماهيرهم؟ . تحية للشعب الفلسطيني البطل المناضل ولا عزاء لقادة يتركوا ارض المعركة ويعيشون بين الحفر أو في فنادق الخمسة نجوم بأموال النفط والغاز، وفي ظل توجهات القادة السياسيين لدول أجنبية لا تعرف النضال، ولم تعشه، ولم تفقد شهيدا واحدا لتحرير وطنها. أن فاقد الشيء لا يعطيه، فهذه الشعوب وهؤلاء القادة لا يعرفون معنى النضال، ولا معنى الديمقراطية، ويعيشون في فكر لاهوتي أو قبلي لا يساير العصر الحديث، ولا يعبر عن الإسلام ولا عن الديمقراطية، و إنما تصدر لهم هذه من الغرب لمصلحة تلك الشعوب دون مصلحة الشعب الفلسطيني البطل.
إن قيادات فلسطين وبخاصة حركة حماس عليهم ان يتفهموا حقائق السياسة الدولية والإقليمية والتي من بينها:
1. انه لن يحل مشكلة فلسطين إلا شعب فلسطين نفسه وخاصة قياداته الوطنية.
2. إن الشعوب العربية والإسلامية هي شعوب مساندة ومتعاطفة ولن تحرر فلسطين.
3. إن بعض الحكومات العربية والإسلامية في الإقليم تتاجر بقضية شعب فلسطين ومعاناته وتستخدم حركة حماس كورقة تفاوضية مع القوى الكبرى لتحقيق مصالحها.
4. إن إسرائيل كقوة إقليمية ومدعومة من قوى دولية كبرى، ومن حركات سياسية عالمية كبرى ومن الضروري الاعتراف بالواقع وتجرع السم، كما قال الزعيم الإيراني السابق آية الله الخميني في قبوله للصلح مع العراق أثناء حربها إلى ان تتغير المعادلات الدولية والإقليمية والمحلية بحدوث حرب إقليمية أو دولية كبرى وأطرافها وقياداتها مختلفة عن الأوضاع الراهنة.
5. إن شعب فلسطين وبخاصة غزة يعيش معاناة اقتصادية وإنسانية طاحنة ولا يمكنه الاستمرار بمنطق الرفض، أو شعارات تقليدية لا تعبر عن الواقع القائم، ولا عن الواقع الممكن لمدة خمسين سنة قادمة على الأقل ومن الصعب التنبؤ بالمستقبل.
6. انه لو قبلت حماس المبادرة المصرية رغم كل عيوبها ونقصائها لأمكنها الحيلوية دون إراقة الدماء الفلسطينية التي قاربت 1900 شهيداً معظمهم من الأطفال والنساء، ولا أنقذت حوالي ربع مليون نازح فلسطيني وأنقذت حوالي عشرة آلاف مصاب وجريح وكذلك لحافظت على المباني والمؤسسات التي دمرت ولكن أسياد حماس والممولين لها رفضوا لأنهم يرغبون في هدنة أو اتفاق لا يعكس الواقع ولكي يكونوا طرفا فيه مهما طال الأمر ومهما ضحى شعب فلسطين فهذا لا يهمهم ولا يهم حماس المهم عدم إعطاء مصر فرصة لإنقاذ الدماء الفلسطينية الزكية ومصر لا ترغب في مجد وليس لديها مصلحة سوى الحفاظ على شعب فلسطين وتراثه وأرضه وهذا محور همها وسياستها.
7. إن السياسة هي علم الواقع وليس علم الآمال والأحلام والخيال، حتى وان كان منطقها وطموحها يعتمد المبادئ والقيم والعدالة، وكثير من الشعوب تغيرت في العالم حيث اندثرت حضارات، وظهرت حضارات جديدة متناقضة كما زالت دول وتراجعت شعوب وظهر غيرها، وفن الواقع يجعل من الضروري الانتظار لحين تغير الظروف القائمة وبناء واقع جديد يستند لركائز القوة الحقيقية أي الاقتصادية والتكنولوجية وليس مجرد الآمال والخيال وكما قال الشاعر :
وما نيل المطالب بالتمني .. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وقال اشهر شعراء تونس أبو القاسم الشابي:
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاة.. فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي
وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وذلك في ثلاثينات القرن العشرين، وهذا ما تحقق بعد أكثر من خمسين سنة من ذلك الشعر وبعد تغير الأوضاع الدولية والإقليمية والمحلية.