القاهرة 27 يوليو 2014 الساعة 03:12 م
عند دخول العشر الأواخر من رمضانتبدأ مظاهر التوديع لهذا
الشهر الفضيل بكلمات بين الناس يحفها الحزنوالالم لفراقه وإحساسهم بالوحشة لغيابه,
وافتقادهم لأجوائه, أشهرها "لا أوحشالله منك يا شهر الصيام".
واذا كان الصائمون وهم يلتمسون فى العشرالاواخر ليلة القدر لعظمتها وانفرادها بأكبر
فضل, حيث نزل فيها القرآن والزيادة فى العبادةبصلاة التهجد, فإنهم يودعون تلك
الأيام بما يسمى التوحيش.
وكلمة التوحيش من الوحشة التي يشعر بهاالصائم لمفارقة شهر رمضان.
ونتيجة للتكنولوجيا الحديثة صار الناس يسهرونحتى بزوغ الفجر في البيوت والمقاهي,وبالتالي
توارت المظاهر القديمة وأصبحت تراثا يحكيعنه الكبار للصغار الذين يشاهدون
بعضه في بعض المسلسلات الرمضانية.
ومع ضجيج المسلسلات تصل دقات المسحراتىالذى يقاوم انقراض مهنته إلى المسامع على
استحياء, حتى بات بعض الشباب يتندر علىذلك ويطلب من المسحراتي أن يوقظ الناس قبل
الافطار لأنهم ينامون في النهار حتى قبيلالفطور.
مع ذلك لايزال المسحراتي يقاوم الزمان ونسمعمنه فى العشر الأواخر كلمات التوحيش:
"لا أوحش الله منك يا شهر الصيام/لا أوحش الله منك يا شهر القيام/ لا أوحش الله
منك يا شهر الولائم/ لا أوحش الله منك ياشهر العزائم/ لا أوحش الله منك يا شهر
الكرم والجود".
ومن حكاوي ذلك الزمن المندثر أن الفنانعبده الحامولي كان حريصا على الافطار بالقرب
من مسجد الحسين ثم يتسامر مع أصدقائه فياحد المقاهي البلدية?,? وعقب اذان العشاء
يصعد الي منارة جامع مولانا الحسين وينشدمن هذه التسابيح أو التواحيش, وكانت
العادة قد جرت في ذلك الزمان أن تؤدى منأعلى مآذن القاهرة?,? فكانت الساحة الممتدة
أمام الجامع والمشربيات والشرفات تحتشدبالناس, فتحلق الأرواح في سماء الجلال
مستمتعين بفن الحامولي وصوته الفريد ينسابالي المسامع بكل الوقار من خشية الله وكل
الرجاء في فضله ومغفرته فتطرب القلوب ويأخذبالألباب الي عالم ليس من عالمنا?!?
ويحكى الكاتب محمدرجب السامرائى فى كتاب"رمضان في الحضارة العربية الاسلامية", أن
التوحيش توارثه الأبناء من الأجداد, مشيراالى مخطوطة في مكتبه "الاسكوريال" في
اسبانيا تحمل عنوان: "وداع رمضان المعظم"لإبن الجوزي المتوفى سنة 1200م, ولذا يمكن
القول بظهور تلك العادة على الأقل منذ القرنالسادس للهجرة.
كذلك جرت العادة في مصر مثل اى بلد عربىعلى إنشاد القصائد التي تبين فضائل رمضان
من مآذن المساجد خلال العشر الأخيرة منهتوديعا له.
وان كان البعض لا يفضل ذاك باعتبارها بدعة,غير ان البعض الاخر يقول انها بدعة حسنة..
ووسط هذا الجدل تظل وحشة رمضان فى نفوسالصائمين وكلمات المنشدين ترن فى الآذان:
"لا أوحش الله منك يا شهر الكرم والجود".