القاهرة 23 يوليو 2014 الساعة 03:19 م
هذا المسلسل المرعب لايتوقف حتى للاعلان، من مجزرة الى مذبحة الى اجتياح من رصاص مصبوب الى حجر صامد الى جثث اطفال الى مستشفيات
طافحة بالجرحى والدماء.. اسف هناك فاصل: زعماء، خطباء يكذبون، وجوه باردة كاذبة لم تعد قادرة حتى على أن تذرف الدموع . لايذاع هذا المسلسل على قناة ولا على كل القنوات يذاع كل ساعات الليل و النهار يذاع مع الافطار وليلا مع العشاء والسحور وحتى اذان الفجر.. يذاع فى كل الارض والسماء.
مذبحة غزة.. هرب الممثلون والمخرج وتركوا الكاميرات على الجثث والقتلى والدماء، على اطفال ممزقة ونسوة يبكين فى قلب الدمار ..ولااحد
غزة هاشم .. الشجاعية مزارع الزيتون والتفاح .. أبواب فلسطين الجميلة .. اتتحد
ياعرب.. ياشجاعة.. ياضمير.. يانخوة.. يارجال.. لاأحد. ياقدس.. لاأحد....
هذه رواية اسمها «الشعار الرجيم» لكاتب شاب من فلسطين: سلامة عطا الله صدرت فى القاهرة عن دار نهضة مصر، قرأت صفحاتها الاولى فكأننى لم افارق هذا المسلسل الكونى المرعب الذى فرضته علينا اسرائيل فى شهر رمضان اضافت لجحيم المنطقة العربية لحنا منذرا بقرب النهاية: دقات على الرأس وقرب القلب. ماذا تنتظرون ماذا انتم فاعلون؟
رغم اننى لم اترك الكتاب حتى فرغت من صفحاته (300 صفحة قطع متوسط) الا اننى لم ابتعد عن المسلسل الملعون الذى يدور حولى ليل نهار..
يقول سلامة عطا الله: ليس لدى وجهة نظر.. ولكنها كلمة حق. ان لم اقلها فلا حاجة لى لجعلها لغزا يحل رموزه غيرى انا لست مؤلفا روائيا، انا شاهد فى محكمة. اقسمت بالله العظيم ان اقول الحق.. ولاشيء غير الحق واقسمت ان اقولها معلنة وان ارفع بها صوتى لتصل للبسطاء والمخدوعين.. للامهات اللاتى يرضعن اطفالهم الموت فى فلسطين.. وللمغيبين الذين ضل سعيهم فى الارض بحثا عن حبة زيتون فتمنطقوا الحزام الناسف لينضموا بجنات عدن.. هؤلاء لاوقت لديهم لقرانة الروايات..
خلال هذا العمل التوثيقى الفنى الموجع تتجسد سنوات غزة الممتدة منذ هزيمة 67 حتى الآن فى سلسلة من الاوجاع والمحاولات التى عاشتها مدينة شجاعة مقاومة تحارب اعداء من الخارج والداخل . يروى الكتاب حكاية «غزة» وحسن: الشاب الذى عاش كل مآسى غزة ـ وخرج منها بعد سيطرة حماس، لكى تتقاذفه التجارب الطاردة فى البلاد العربية، فيعود ليعمل مصورا صحفيا فى ظل الاخوان المسلمين الذى اطبق على خناق تجربة الحكم الفلسطينى الذى خنق وهو مازال جنينا!
يهرب حسن المصور الصحفى الى بروكسل بعد ان تورط فى تصوير مشاهد تدين حكام حماس. حاول فى بروكسل ان يكتب وينشر حكايته وحكاية غزة ولكنه يبقى هو والصحفى الذى يحاول مساعدته فى نشر عمله، مطاردا من اعوان تنظيم الاخوان الدولي، الذى يمد نفوذه داخل كل وسائل الاعلام الاوروبى صغيرة وكبيرة.
يحكى حسن فى عمله المؤلم هذا عن جحيم مضاعف:جحيم الفقر والاحتلال الاسرائيلى وجحيم حكم الاخوان وحماس بكل التفاصيل التى عشنا نموذجا مركزا سريعا له ها فى مصر خلال العام الذى سبق 30 يونيو.
رغم مايسود العمل من الم انسانى الا انه يشكل فى اعتقادى نوعا مختلفا من ادب المقاومة القائم على الجرح والمكاشفة، العين الصادقة الغامضة التى سجل من خلالها سلامة عطالله سنوات طفولته وشبابه ورحلة خروجه وعودته الى غزة تعطى نوعا من البطولة الموجعة التى تصر على معانى الارتباط بالوطن والاتباط الحقيقى بقيم الاخلاق والدين بعيدا عن ماساد من تجارة شملت كل القيم.
اذا كان يتردد ان العرب يتكلمون كثيرا وانهم يحققون انتصارات صوتية، فأن هذا الكاتب الجارح يحكى بصدق ممؤلم لايكذب ولايخفى ولكنه يضع المرآه امام العين «ومن له عينان للنظر فلينظر» بعدان صرخ بكل هذا الالم ليس عليه من عتب اذا لم يسمع الحجر.
»يتجول حسن فى سوق «الزاوية» فى وسط المدينة، هنا يتسوق الفقراء والاغنياء فى السوق تعرض الفواكه والخضراوات الطازجة، حتى النادرة مثل التوت الذى جاء الاهمال للتعاقب على اشجاره المعمرة ،وفى صدر» الزاوية« المسجد العمري، الاثرى لولا ان جهات دولية تهتم به، لكان مصيره ككل شيء كان جميلا فى هذه المدينة ـ جوار الجامع فرشت امرأة عجوز قطعة قماش تعرض عليها بضاعتها من الفجل والنعناع والريحان يتناول حسن باقة من النعناع ويعطى العجوز ثمنها قائلا: يقولون ان الشاى بالنعناع لايترك فى القلب اوجاعا. تميل العجوز برأسها وتقول: اوجاعنا لايداويها الا الموت.
وكأن الكاتب قد عثر على الراوى او صوت الكورس فى التراجيديا اليونانية التى يردد خلاصة المأساة يترك المرأة العجوز بائعة النعناع تقول: اذا وصل رجل الى نهاية عمره ووجد اولاده يقاتلون على ما ترك من ميراث، لن يحزن على مايترك، ولكن قلبه سينفطر على الاولاد الذين يتقانلون، انا ياولدى فى السوق، والسوق مدرسة من هنا ارى كل شيء وافهم ولااتكلم من قبلنا لم يتركوا لنا ارضا ولكنهم تركوا قضية من يحكموننا مزقوا القضية لم يعد فيهم من افخر به انهم جميعا يتسولون بهذه القضية فى كل مكان احفظ عنى ياولدى المتسول لايحرر ارضا، ولايحفظ قضية ولايصون عرضا. التسول عبودية هنا فتيات ونساء يتسولن، وقيادتنا تتسول فى الخارج كلنا تسول فى تسول، وان كنت لاتعرف نفسية المتسول، فجرب ان تتسول، عفاك الله من شر التسول.
انها تعرف كما يعرف كل فلسطينى ان حكامنا منذ سنوات يتسولون بمنتهى الكرامة، ثم يسرقون بمنتهى الشرف، لهذا صرنا ارخص من العشب.