القاهرة 14 يوليو 2014 الساعة 01:57 م
كتب - حسام ابراهيم:
تتجلى العلاقةبين الثقافة والغذاء والعولمة في شهر رمضان الفضيل الذي عرف في مصر
وغيرها من امصارالعالم الاسلامي جرعات ثقافية حافلة بالتشويق على موائد الافطار
التي تفنن في اعدادهالفيف من "الآباء الثقافيين" مثل العلامة المصري الراحل محمد
محمود شاكر.
وكثير من كبارالمثقفين المصريين والعرب اطلقوا على الافطار الرمضاني الذي كانوا يتناولونه
في بيت العلامةمحمد محمود شاكر اسما دالا وطريفا وهو "طعام اهل الجنة"
لما كانت هذه المائدةتتضمنه من الوان الطعام الشهي.
واليوم تدور معركةثقافية طريفة حول الافطار الشهى الذى تحاول ثقافات غذائية ان تدلى
فيه بدلوها بقدرماتعبر عن حقيقة العلاقة بين الثقافة والغذاء ..وبين الخصوصية
الثقافية الغذائيةوالغذاء المعولم.
وفي الولايات المتحدةالتي باتت تضم كتلة سكانية كبيرة من المسلمين يتسع نطاق تطبيقات
ثورة الاتصالاتوالعصر الرقمي لتشمل المأكولات الرمضانية و"متاجر اللحم الحلال"
وقد تحرص بعض السفاراتالأمريكية على ابراز ثقافة المطبخ الأمريكي في حفلات الافطار
التي تنظمها وتتضمنالمأكولات الوطنية في الدول التي تقام بها هذه الحفلات.
و تحفل الصحافةالثقافية الغربية بعروض لكتب جديدة تتناول بجدية وطرافة معا جوانب
متعددة لثقافةالغذاء
وهو شىء مختلفالى حد بعيد عن كتب المطبخ التى تصدر بالعربية وتحقق مبيعات عالية قد
تثير لوعة كبارالكتاب او الطرق المبتكرة والوصفات المتعددة للمأكولات التى قلما
تخلو منها صحيفةاو مجلة عامة او قناة تلفزيونية.
وفى كتابه"الجغرافيا الثقافية" يؤكد مايك كرانج الأستاذ فى جامعة دورهايم البريطانية
على "المعنىالثقافى" للطعام موضحا ان المأكولات علامات واضحة على الثقافات
المختلفة حول الكرةالأرضية.
ويضيف انه كثيرامايطلب من طلابه ان يتأملوا من اين جاءتهم اخر وجبة لأن اقتفاء اثر
كل المواد المستعملةفى انتاج تلك الوجبة يكشف عن علاقة اعتماد على عالم بأسره
من العلاقات وشروطالانتاج.
لكن كتاب البروفيسوركرانج لم يتطرق لقصة "البط الدمياطي" في رمضان حيث يندر ان تخلو
اي مائدة افطارفي اول ايام الشهر الفضيل بهذه المحافظة المصرية من البط وبما
يشكل بامتياز"ثقافة غذائية مميزة لأبناء دمياط" حتى ان النظرة الشعبية لعدم تناول
البط في اليومالأول من رمضان تعني ان هناك شيئا جوهريا مفقودا.
والطريف ان ثورةالاتصالات لم تكن بعيدة عن "البط الدمياطي في رمضان" فهاهي بعض المحال
المتخصصة في هذهالوجبة الرمضانية تعلن عن منتجاتها على مواقع التواصل الاجتماعي
والهواتف المحمولة.
ولاجدال ان موجةالغلاء التي افضت لارتفاع اسعار البط الدمياطي اثرت على هذا النوع
من الثقافة الغذائيةالرمضانية بمشتملاتها من "زبيب وخضار وزيت طعام" فيما تتفنن
بعض الصحف ووسائلالاعلام العربية فى عرض الوصفات الرمضانية حتى ان بعضها ينشر
طرق مبتكرة لتقديم"شوربات رمضانية متنوعة" من المطابخ الأوروبية مع الشرح الكامل
لسبل اعدادها.
فاذا كانت المائدةالرمضانية تحوى انواعا تقليدية من الحساء مثل "شوربة الدجاج " و"شوربة
الخضار" و"شوربةالعدس" فان المطابخ الأوروبية لاتخلو من انواع حساء ملائمة
لشهر رمضان مثل"شوربة الكوسة" من المطبخ الفرنسى و"شوربة مينسترونى" من المطبخ
الايطالى و"شوربةالملفوف" من المطبخ الروسى فضلا عن "شوربة الجزر والكرفس" من
المطبخ الأسبانى.
ومن القواعد الرمضانيةالمتوارثة لدى الكثير من الصائمين بدء الافطار بتناول الحساء
بعد التمر والماءفيما تعتبر الطريقة الأمثل لأمعاء الصائم الخاوية لأن البدء بسوائل
يريح المعدة بعدساعات طويلة من الصيام ويجهزها للأطباق الرئيسة.
وفى ظل العولمةاضحت كل نكهات العالم فى شوارع المدن الكبرى وتنتشر المطاعم القادمة
بمطابخ ماوراءالبحار فيما يتأمل مايك كرانج مؤلف كتاب الجغرافيا الثقافية فيما
يسميه "بتسويقتداعيات معانى المكان".
ويرى مايك كريجان مطاعم مدينة مثل نيويورك تشكل مكانا للتدفقات الثقافية والاجتماعية
والاقتصادية مضيفا:"المطعم كمكان تحدث فيه المنتجات الثقافية وتتكاثر وتتخطى
الحدود القومية"فيما يتوقف مليا امام سلاسل مطاعم المأكولات السريعة التى تعبر
عن الثقافة الأمريكية.
وفى المقابل فانبعض العقول التى تعمل فى ثقافة الغذاء بالمعنى الواسع فى مصر والعالم
العربى عمدت للتركيزعلى الأكلات المصرية والشرقية فى مطاعم بدت وكأنها نوع من
الاستجابة لتحدىانتشار ثقافة المأكولات السريعة.
وتنزع هذه المطاعمالتى ترفع شعار الأصالة و"اكل زمان" لاختيار مسميات مصرية وشرقية
خالصة بل ان بعضهايستعير اسماء اماكن وشخصيات وردت فى اعمال لكبار الكتاب المصريين
والعرب وخاصة اديبنوبل نجيب محفوظ دون ان تتنازل عن الاستفادة بمنجزات الحداثة
مثل التواصل الالكترونىعبر شبكة الانترنت مع الزبائن الذين تهفو بطونهم "لطاجن
عكاوى او بطاطسباللحمة او بط محشو ناهيك عن الأرز المعمر".
واذا كان الصينيونلم يغفلوا حتى عن صناعة "فانوس رمضان"وتصديره للدول العربية فلن
يكون من المثيرللدهشة ان ثقافة الغذاء الصينى باتت طرفا فى الافطار الرمضانى حيث
تتنافس المطاعمالصينية فى جذب الزبائن من الصائمين للافطار على موائدها فى كثير
من المدن العربية.
وهكذا تدور معركةمحتدمة وطريفة ودالة بين "المحاشى المصرية" و"الفتة الشامية" و"الكسكسى
المغربى"و"المنسف الأردنى" و"المقلوب الفلسطينى" و"الجريش السعودى"و"الدولما
العراقية"و"الحريرة التونسية" من جانب وبين المأكولات الصينية مثل "لفائف الديم
سوم" او"الديم سوم سوشى" و"العجائن بالجمبرى".
وبالذكاء التجارىوالتسويقى الصينى- لم تنس المطاعم الصينية المنتشرة فى العالم العربى
التمور فى شهرالصيام جنبا الى جنب مع المقبلات المتعددة و"لفائف سبرينج رول"
ناهيك عن الشاىالصينى بنكهات عديدة من الأعشاب والزهور البرية و"حلوى كانتون" وحتى
"النارجيلة"للمدخنين.
ولم لا ?!..اليسالطعام - كما يقول مؤلف كتاب الجغرافيا الثقافية-يعتبر دون شك البضاعة
المستهلكة الجوهريةالى ابعد حد والجزء الأساسى والضرورى من حياتنا الى اقصى
حد?!..لكن هل تحولالعالم حقا الى "عصير من الثقافات ام ان هناك من يستأثر بصنع النسبة
الغالبة فى هذاالعصير الثقافى"?!..صوما مقبولا وافطارا شهيا!.