القاهرة 02 يوليو 2014 الساعة 11:49 ص
كتبت: ميرفت عياد
“اصحي يا نايم وحد الدايم السحور يا عباد الله يا نايم اذكر الله يا نايم وحّد الله قول نويت بكرة إن حييتالشهر صايم والفجر قايم ورمضان كريم ” بهذه الكلمات يشدو “المسحراتي” فيكل ليلة من ليالي شهر رمضان ، لكي يوقظ النيام من سباتهم ويذكرهم بمواعيد السحوروصلاة القيام، فشهر رمضان مليء بالكثير من العادات والتقاليد والمناسبات، ولكنالمسحراتي يبقى أهم شخصيات هذا الشهر الفضيل، فهو الشخص الذي يطوف الأحياء قبيل آذانالفجر
إيقاظ النائمين على السحور
وتعددت الطرق والأساليب لإيقاظ النائمين على السحور،وفي عهد الرسول ( صلى الله عليه و سلم )كان الناس يعرفون وقت السحور بآذان بلال، ويعرفون المنع بآذان ابن أم مكتوم، وعلىمر العصور ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية بدأ المسلمون يتفننون في أساليبالتسحير، فكان أول من امتهن مهنة المسحراتى هو الوالي عنتبة بن اسحاق، وذلك عام832هـ وكان يسير علي قدميه من مدينة العسكر في الفسطاط حتي مسجد عمرو بن العاصوكان ذلك تطوعا منه، وكان ينادي في الناس عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة
أما في العصر العباسي كان المسحرتي ينشد شعراً شعبياًيسمي القوما، وفي العصر المملوكي كادت مهنة المسحراتي ان تختفي تماما، لولا أنالظاهر بيبرس اعادها، وقد امتهنت المرأة التسحير في عهد ابن طولون
تطورت مهنة المسحراتي بعد ذلك، حيث ابتكر أهل مصرالطبلة كان يحملها المسحراتي ويدق عليها، فالمسحّراتي صورة لا يكتمل شهر رمضانبدونها، وهو يرتبط ارتباطا وثيقا بتقاليدنا الشّعبية الرّمضانيّة
الرحالةوالمستشرقون
وشغف الرحالة والمستشرقون بهذه المهنة، وكتبوا عنها فىكتبهم، مثل: الرحالة المغربي “ابن الحاج” الذي جاء إلى مصر في العصر المملوكي فيعهد الناصر محمد بن قلاوون، وتحدث عن عادات المصريين وجمعها في كتاب، والمستشرقالإنجليزي “إدوارد لين” الذي حكى لنا عن المسحراتى فى كتابه” المصريون المحدثونشمائلهم وعاداتهم”، فيقول: “يبدأ المسحراتي جولاته عادة بعد منتصف الليل، ممسكًابشماله بطبلة صغيرة وبيمينه عصا صغيرة أو قطعة من جلد غليظ، وبصحبته غلام صغيريحمل مصباحًا أو قنديلاً يضيء له الطريق، ويأخذ المسحراتي في الضرب على الطبلةثلاثًا، ثم ينشد، يسمى فيه صاحب البيت وأفراد أسرته فردًا فردًا – ما عدا النساء –إذا كانت بالمنزل فتاة صغيرة لم تتزوج، فيقول: أسعد الله لياليك يا ست العرايس،ويردد أيضًا أثناء تجواله على إيقاع الطبلة كثيرًا من القصص والمعجزات والبطولاتعن الرسول وأبو زيد الهلالي وغيره”
طبلأكبر حجماً وأشد دوياً
"المسحراتى " هذا هو العنوان الذى اختاره الكاتب " محمد خطاب " عنوانا لكتابه الذى طبعته دار الهلال عام 1955مستشهدا بمهنة المسحراتى الذى يجوب الحارات والأزقة ممسكاً بطبلة ليوقظ الناسللسحور ، لكنه هنا لا يقف عند حدود الزمان والمكان ، بل ينتقل بنا من الاستيقاظ إلىاليقظة ، اليقظة بمعناها العميق ، ويبدأ الكاتب كتابه بمقالة " المسحراتى" والتى يشير فيها إلى أنه ذهب إلى مصيف رأس البر ليستمتع بالهدوء والراحة والبعد عن كل ما يثير العقل والنفسمعاً ، ولكن مع حلول شهر رمضان لم يهنأ له الحال بسبب المسحراتى الذى بدأ يجوب بينالعشش وهو يقرع طبلته لإيقاظ المصطافين للسحور، وبالرغم من اعترافه بالخدمةالجليلة التى يقوم بها المسحراتى إلا أنه أحس بغضب جم يعتريه من هذا الشخص الذىيوقظه عندما يبدأ النوم يداعب أجفانه ، وهو الذى يعانى من أرق منذ فترة طويلة معانهيار فى بعض أجهزة الجسم ، ولكن عندما رأى وجهه الذى يبدو على ملامحه دلائلالطيبة واطمئنان النفس ، تسرب دخان غضبه ودعاه إلى الجلوس معه وبعد حديث طويل داربينهم نظر الكاتب إلى الطبل الصغيرقائلاً : " أليس لديك طبل أكبر حجماً وأشددوياً ؟ " فأجاب المسحراتى : " إن هذا الطبل كفيل بإيقاظ سكان أكبر عشةفى رأس البر " فأجابه الكاتب وقد مر بخياله جميع الأوضاع المتدهورة التى كانتتسود مصر حينئذ قائلاً : " إنى لا أريد منك إيقاظ سكان عشة ولكنى أطلب منك إذا استطعت أن توقظ أمة بأسرها"