القاهرة 04 يونيو 2014 الساعة 03:23 م
بقلم د. سعيد اللاوندي
لابد أن نعترف بأن الفيلسوف الراحل عبد الرحمن بدوي ليس وحده هو المحظوظ بابن أخيه محسن بدوي الذي ظل طوال السنوات الماضية منذ رحيل الفيلسوف في صيف2002 وحتي اليوم يبحث وينقب, عن كتابات عمه التي كانت ملء السمع والبصر في ثلاثينيات وحتي ستينيات القرن الماضي ومنشورة في مصر ولبنان والعراق وليبيا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا وتبلغ نحو272 مقالة في شتي صنوف المعارف عثر منها بالفعل علي257 مقالة.. ويستعد في هذه الأيام( وعبر مركز عبد الرحمن بدوي للابداع الذي أسسه إلي اصدار الكتابات السياسية التي سطرها الفيلسوف الراحل في شبابه وتعكس توجهاته الفكرية والفلسفية في ذلك الوقت, كما تكشف لنا ـ بأمانة شديدة عن قناعات الرجل وطموحاته لنفسه ولمصر في هذه المرحلة المهمة في تاريخ المحروسة..
تضم الكتابات السياسية نحو106 مقالات كتبها الفيلسوف الراحل بين عامي1938 وحتي1967 وأهم مافيها ليس فقط موسوعية عبدالرحمن بدوي وقدرته ـ في هذه المرحلة المبكرة من حياته ـ علي التحليل السياسي( العلمي والموضوعي) ولكن أيضا انغراسه في الشأن العام( داخل مصر) والشأن الدولي والعالمي..فالرجل الذي يكتب في الثلاثينات عن مشكلة البحر المتوسط ـ مسألة قناة السويس, ومسألة الدردنيل والبوسفور, ومضيق جبل طارق, والنزاع الانجليزي الايطالي لايمكن اتهامه بأنه كان جالسا في برج عاجي معزولا عن الحياة والناس.. ولاشك ان هذه الحقيقة سوف تتأكد اذا ألقينا نظرة علي عناوين المقالات التي تناقش قضايا تجري في تركيا, وتشيكوسلوفاكيا, والنمسا وألمانيا ورومانيا, وفرنسا والبلقان وسويسرا والهند..
وفي هذه الكتابات السياسية أيضا ما يبرئ عبدالرحمن بدوي من تهمة أنه انتقد ثورة عبدالناصر لأنها انتزعت من أسرته الأرض عندما حددت ملكية كبار الإقطاعيين الزراعيين بمائة فدان.. والدليل علي براءته كما يقول محسن بدوي أنه كان متحمسا للثورة وساهم بكتاباته في ترسيخ قيم الحرية والعدالة وهي قيم الثورة علي كل حال, ففي30 سبتمبر1952 كتب احموا الحركة في الخارج من مؤامرات المتآمرين وفي7 اكتوبر كتب: يارجال الثورة احذروا هؤلاء, وفي16 ديسمبر كتب: نريد دستور الشعب.. لاتلفيق تجار السياسة وكتب في31 مارس1953 أعلنوها جمهورية تستريحوا وتريحوا. وبعد اسبوعين كتب: الضفادع الملكية تستأنف نقيقها, وبعد صدور قانون الاصلاح الزراعي في9 سبتمبر1952 كتب يدافع عن الثورة عدة مقالات وهو مايقطع بأنه عندما انتقد الثورة لم يكن ذلك لأسباب شخصية كما ادعي البعض.
حسنة أخري لهذا الكشف العلمي لفيلسوف في وزن ثقيل كما لـعبدالرحمن بدوي هي أنه كان مهتما بالسياسة الدولية علي عكس ماهو شائع عنه من انه لم يكن يغادر الفلسفة وشطآنها قط, فلقد كتب في ثلاثينييات القرن الماضي عن اتجاهات السياسة الدولية, والسلام العادل والسلام الشريف وعلي حدود ألمانيا في الشرق والغرب, والولايات المتحدة تندفع إلي مواطن الخطر, وإلي أوروبا الوسطي وأوروبي الشرقية من جديد.. وكي نفهم دنيا السياسة والحرب: الوحدة الأمريكية والروح الأمريكية.
ولم ينس الفيلسوف الراحل عبدالرحمن بدوي انه بالأساس عاشق للفلسفة فكتب في فلسفة المذاهب السياسية, وفلسفة النازية وفلسفة الحضارة والحضارة المدنية..
بكلمة أخيرة: إن هذه الكتابات السياسية لعبد الرحمن بدوي والكتابات الفكرية والنقدية والأعمال المترجمة التي ستصدر تباعا ستضئ لنا جوانب كثيرة كانت مجهولة في فكر وعقل وتراث فيلسوف متفرد عاش ومات في محراب العلم